النخبة المصرية يتهاوى تأثيرها ويغيب عن المجتمع دورها الفاعل والمصريون محترفون في لي عنق القوانين

حجم الخط
0

القاهرة ـ «القدس العربي»: من الأخبار الواردة في الصحف المصرية الصادرة أمس الأربعاء 21 يونيو/حزيران أن السيسي أكد أن مصر ستسلم الجزيرتين للسعودية، وأن مستشاريه طلبوا منه عدم إثارة القضية، ولكنه رفض وطلب من المعارضين أن يقولوا رأيهم كما شاءوا. كما لا تزال الهجمات مستمرة ضد مجلس النواب لموافقته على إعادتهما.
إضافة لذلك لا تزال الأغلبية مشغولة بمسلسلات التلفزيون وامتحانات الثانوية العامة ومباريات كرة القدم، وهزيمة فريق النادي الأهلي أمام الوداد المغربي، والارتفاعات المقبلة في أسعار الكهرباء، التي أعلن الوزير أنه سيتم تطبيقها، والزيادات التي قررها الرئيس عبد الفتاح السيسي في المعاشات، وزيادة مستحقات الفرد من السلع التموينية المدعمة من واحد وعشرين إلى خمسين. ومن المعروف أنها تصرف للأسرة المكونة من خمسة أفراد، أي لكل فرد منها وكيفية قضاء إجازة العيد، وإعلان الوزارات حالة الطوارئ استعدادا له، وأسعار كحك العيد وارتفاعها. وقد وصل الامر إلى حد أن الرسام في «الأخبار» هاني شمس ذهب لزيارة قريب له فوجده مذعورا وهو يقول له مشيرا لابنه: مش عارفين هانعمل أيه في العيد الواد كل سنة بيجيب الشهادة مليانة كحك السنة دي نجح في جميع المواد. وإلى ما عندنا من أخبار أخرى.

تيران وصنافير

ونبدأ بأبرز ردود الأفعال على قضية جزيرتي تيران وصنافير، حيث دخل فيها الرئيس عبد الفتاح السيسي مباشرة وبنفسه، وذلك في حفل الإفطار الذي أقامه لعدد من أفراد الأسرة المصرية، إذ نقل أحمد مجدي في «الأخبار» أمس الأربعاء عن الرئيس، ما أكده المتحدث باسم الرئاسة السفير علاء يوسف: «وأشار الرئيس إلى أن جميع مستشاريه نصحوه بعدم الحديث الآن عن الأمر، الذي شغل الرأي العام خلال الأيام الماضية، والمتعلق بقضية جزيرتي تيران وصنافير، ولكنه اصر على الحديث، لانه لا يوجد ما يخفيه على الشعب. مؤكدا أنه لا يمكن أن يفرط في أي أرض مصرية، وفي الوقت نفسه من حق من يرفض أن يعبر عن رفضه لذلك، ولكن الدول لا تقاد بالهوى والمزاج، وانما بالقوانين. ودعا الرئيس السيسي إلى عدم تخوين بعضنا بعضا، مؤكدا أننا في مهمة إنقاذ وطن، والخطر لا يزال قائما، والخطر لا يتمثل في الإرهاب، وإنما أيضا في الظروف الصعبة التي علينا أن نعمل من أجل تغييرها. وقال السيسي أنتم ائتمنتوني على هذا البلد، وسأحاسب على ذلك، ليس فقط أمامكم، وإنما أيضا أمام الله، الذي لا يمكن أن يخدعه أحد. وإذا فرطت سيحاسبني الله وإذا لم أبذل المطلوب للدفاع عنها وحمايتها سيحاسبني الله. مضيفا الموضوع انتهى، ولكني أتحدث فيه لأنه ليس هناك ما نخفيه ونحن أناس لدينا شرف لا يباع. ودعا إلى الانتباه لما فيه صالح مصر ورد الحقوق إلى أصحابها».

حماس مثير للشك

ومع ذلك توالت الاعتراضات والهجمات والانتقادات، ففي الصفحة السادسة من جريدة «البوابة» وتحت عنوان «تيران وصنافير ليستا سعوديتين» قال الدكتور فتحي حسين: «شعرت بالصدمة والألم مثل ملايين غيري من قرار مجلس النواب «غريب الأطوار»، الذي انتهى يوم الأربعاء الماضي 14 يونيو/حزيران بالموافقة على إقرار اتفاقية تعيين الحدود البحرية الموقعة بين القاهرة والرياض، التي تنقل مصر بموجبها تبعية جزيرتي تيران وصنافير الواقعتين في البحر الأحمر إلى السعودية، في تجاهل لحكم قضائي للمحكمة الإدارية العليا نهائي ببطلان الاتفاقية، إضافة إلى رفض شعبي مصري متزايد لنقل تبعية الجزيرتين للسعودية. مناقشة الاتفاقية بعد حكم قضائي خطأ أولا، وغير مقبول ويخالف الدستور، وهو ما يمكن وصفه بأنه مشهد عبثي وفوضوي يسوده عدم المصداقية في كثير من مناقشاته وحواراته، ناهيك عن مشاهد اشتباكات الأيدى التي حدثت بين النواب، والمشادات الكلامية وحالات البكاء والعويل ربما بين بعض النائبات والنواب، وعبارات التخوين والعمالة التي صدرت ضد البعض للآخر، ناهيك عن أن القضية نفسها أحدثت حتى الآن انقساما في الشارع المصري، بين مؤيد ومعارض لها، وإن كانت الأغلبية ترى أن الجزيرتين مصريتان، إلا أن الحكومة ومجلس النواب يصران على أن مصر احتلت الجزيرتين وفقا لكمال عامر رئيس لجنة الدفاع في مجلس النواب، الذي يصف من ينتقدون الاتفاقية بـ»غير الوطنيين»، بالإضافة إلى أنني لم أر على الإطلاق حماسا مثل حماس المسؤولين المصريين في الحكومة وبرلمانها- المؤيد لها على طول الخط – تجاه إثبات أن الجزيرتين المتنازع عليهما بين مصر والسعودية هما جزيرتان سعوديتان، وهو حماس غريب ومريب ويثير الشك، وربما التساؤلات حول كونه أكثر من حماس السعوديين».

دروس وطنية

ثم ننتقل إلى «الوفد» لنكون مع طارق تهامي وعموده «نور» وقوله: «المصريون تعلموا عبر الإذاعات ووسائل الإعلام المرئية والصحف، عبر سنوات طوال، أن كل القرارات التي تتعارض مع اعتبارات الأمن القومي تجب مقاومتها، ويجب عدم ترك الحاكم يتخذها بمفرده، هذا ما يجب أن يعرفه كل من يحكم هذه البلاد، لأن هناك أجيالاً تعلمت هذا الدرس في المدارس والمساجد والكنائس، وتلقته عبر الإعلام والأفلام والمسلسلات، وفي معسكرات تجنيد الجيش الوطني، ولا يمكن محو هذه الدروس والتعاليم في لحظة، بغض النظر عن ارتباطنا بأشقائنا في المملكة العربية السعودية واحترامنا لطلبهم باستلام الجزيرتين. يخطئ من يتصور أن المصريين لا يعرفون أن التخلى عن الجزيرتين الاستراتيجيتين سيكون ثمنه غالياً، وسنفقد وضعنا الاستراتيجي المتميز. ويخطئ من يتصور أن طريقة «بُص العصفورة» عبر التركيز على المنافع الاقتصادية والعائد المالي سيجعل الناس تستبعد طرح الأسئلة عن المخاطر الأمنية الناتجة عن التخلي عن «تيران وصنافير»، لأن الشعب الذي حارب وخاض العديد من المعارك دفاعاً عن أرضه، لا يمكن أن يتقبل فكرة التنازل عن الأرض، حتى لو كان العائد الاقتصادي يفوق الحدود، وحتى لو كان التنازل لشقيق، لا يمكن أن نتحارب أو نتناحر معه».

المستقبل الغائب

وفي «الأهرام» كان مقال رئيس مجلس الإدارة الأسبق الدكتور عبد المنعم سعيد عن الاستطلاعين اللذين قامت بهما مؤسسة بصيرة، وأظهرا عدم اهتمام أغلبية المصريين بالموضوع قال: «فما كان غائبا في القضية هو أن الاستطلاع جعل من جوهر اتفاقية ترسيم الحدود موضوع الجزيرتين فقط، بينما الاتفاقية تتعلق بضم أراض وبحار شاسعة لمصر كمنطقة اقتصادية مصرية فيها ما يزيد على 81 جزيرة، وتؤكد الموقف المصري من منطقة حلايب وشلاتين. هناك بالطبع الكثير مما هو غائب في الذهن العام حول القانون الدولي، وتطبيق قانون البحار، وما يرتبط بذلك بخط الأساس ليس فقط للحدود المصرية جغرافيا وإنما تاريخيا أيضا، فالثابت أن التاريخ كان متحركا بين جانبى البحر الأحمر، منذ الدولة الفرعونية القديمة والفتح العربي لمصر، وحتى تدخل مصر محمد علي في الجانب الشرقى للبحر، الذي شمل ما أصبح بعد ذلك إمارة الحجاز، وترسيم الحدود الذي قامت به الدولة العثمانية بين ولايتها في مصر والإمارة ومعتمدية القدس، وما كان غائبا في الصورة كلها كان المستقبل، سواء ما تعلق بكل الجزر، أو حتى بالجزيرتين في إطار المشروعات التنموية المصرية والسعودية. مجلس النواب وضع ذلك كله في قراره بالموافقة على الاتفاقية؛ ولكن المسألة لم تكن بمثل هذا الوضوح بالنسبة للرأي العام، الذي لم تكن لديه معضلة في قبول وجهة نظر الدولة في دور مجلس النواب؛ ثم رفض القبول بما سوف يأتي به هذا الدور بعد ذلك، الواقعة هنا تبرز بشكل واضح ما تحتاجه الدولة من زيادة قدراتها الاتصالية بالرأي العام عن طريق طرح المزيد من المعلومات ووضعها في النسق الذي يجعلها مقنعة ومقبولة. الجانب الإيجابي في القضية هو أن هناك اهتماما بالشأن العام، وعلى الدولة أن تستجيب لهذا الاهتمام».

طريقة تفكير كارثية

وظهرت دعوات بين بعض أعضاء مجلس النواب الذين عارضوا الاتفاقية بالاستقالة من المجلس، ما دفع عمرو الشوبكي في عموده «معا» في الصفحة الرابعة من «المصري اليوم» لتحذيرهم من الاقدام على خطوة كهذه وقال: «صادمة دعوة البعض إلى النواب المئة وأربعة وعشرين الذين رفضوا اتفاقية ترسيم الحدود مع السعودية، وفي القلب منهم نواب 25 – 30 للاستقالة، حتى أن البعض ذهب إلى البحث عن أرقام هواتفهم ليشتمهم، لأنهم لم يستقيلوا. ونسوا أو تناسوا أرقام مؤيدي الاتفاقية، فوراءهم أجهزة أمنية ستصل على الفور لصاحب أي رسالة في حين أن المعارضين ظهيرهم هم الناس، فيمكن استباحتهم. لقد عكست هذه الدعوة طريقة تفكير كارثية منذ ثورة يناير/كانون الثاني وأصر البعض على الاستمرار فيها حتى الآن. فالمتصور أن النظام السياسي سيفرق معه استقالة 10 نواب واهم (هذا هو العدد الأقصى الذي يمكن أن يقدم على هذه الخطوة) فنحن في وضع سياسي لا يجد فيه المؤيدون مكاناً (لا حزبا حاكما ولا جمعية مستقبل) إلا تنفيذ توجيهات الأجهزة الأمنية، فما بالنا بالمعارضين فهم ليسوا رقماً في أي حساب. الاستقالة لن تغير أي شيء ولن تسقط شرعية النظام، بل على العكس ستضعف من أدوات المعارضة الضعيفة من الأصل».

مخابرات عامة وجيش

وإلى المخابرات العامة المصرية التي قال عنها أمس الأربعاء عبد الوهاب خضر في عموده «هواء نقي « في جريدة «الأهالي» لسان حال حزب التجمع اليساري، تحت عنوان «المخابرات قالت لي»: «أتمنى على جهاز المخابرات العامة في بلدي مصر ألا يزج بنفسه في معارك سياسية أو قضايا وملفات مثيرة للجدل، لها علاقة بالداخل أو الخارج، فهذا «الجهاز» كان ولا يزال من أعرق وأقوى وأرقى الأجهزة الأمنية في العالم، وهذا ليس المهم فالأهم هي ثقة الشعب المصري فيه في أحداث 25 يناير/كانون الثاني 2011 لم يكن يرمي مواطن أو ثائر «طوبة» واحدة على مبنى «المخابرات» لثقته وتقديره لتاريخ ومواقف هذا «الجهاز» على اعتبار أنه محايد و»جهاز الشعب»، وليس لسلطة أو مؤسسة بعينها. ونظرًا لما ترسخ في عقول وقلوب الناس من دور هذ «الكيان» وجهود جنوده المجهولين والمخلصين، لفت انتباهي في الفترة الأخيرة خلال متابعتي للأحداث والملفات المثيرة للجدل في الشارع المصري، تداول تصريحات ومعلومات منسوبة لجهاز المخابرات، ووصل الأمر إلى أن تقول نائبة برلمانية لوسائل إعلام :»المخابرات قالت لي كذا». ونتذكر معا في فترات قريبة من الزمن، خصوصًا في الفترة قبل عام 2011، أن اسم رئيس المخابرات كان لا ينشر في الصحف نهائيًا، حتى لو رافق الرئيس في جولاته الخارجية والداخلية. إن التاريخ الذي يشهد بعراقة ومواقف وقوة جهازنا المخابراتي، يجعلني أنقل هذه الملاحظة من أعماق قلبي، فهذا النوع من العمل القومي والوطني يكون أنجح وأرفع إن أتصف بالسرية والكتمان، وعدم الإعلان عن كل كبيرة وصغيرة، أو عن مواقفه بشكل مباشر تجاه قضايا يختلف عليها الأطراف في المجتمع الواحد، وكلنا يعلم أنه لولا قوة هذا «الجهاز» لما فلتت «مصر» من موجة الإرهاب والتخريب والتدمير الذي يضرب «الشرق الأوسط «والعالم الآن فخلي الكبير كبير».
ومن الضروري التذكير بأن انشاء جهاز المخابرات العامة تم بعد قيام ثورة 23 يوليو/تموز سنة 1952 وترأسه المرحوم زكريا محيي الدين، عضو مجلس قيادة الثورة ووزير الداخلية، لكن الإنشاء الحقيقي للجهاز بدأ عام 1957 عندما تولى رئاسته المرحوم صلاح نصر الذي يعتبر الأب الروحي للجهاز.

الرقابة الإدارية

ومن المخابرات العامة إلى الجيش، الذي قال عنه أمس الأربعاء أحمد أيوب رئيس تحرير مجلة «المصور» في مقالة بعنوان «للقيادة شروط»: «لو أردنا لمؤسساتنا المختلفة أن ينصلح حالها فلا بديل عن سداسية المؤسسة العسكرية، هي وحدها الكفيلة بأن تعيد لكل أجهزة الدولة قوتها وترفع كفاءتها. لو أردنا الإصلاح فالحل أن يكون مشروعنا القومي للحكومة، كيف تطبق نموذج الكفاءة في القوات المسلحة؟ كيف تطهر الحكومة مكاتبها من المدعين وأنصاف الموهوبين والحلنجية والفاسدين؟ كيف تضع منظومة تضمن ألا يصل إلى القيادة إلا من يستحقها، وبمعايير موضوعية وليست تقارير قيادية تغلب عليها المجاملات والرضا الوزاري. يقينا قانون الخدمة المدنية الجديد عليه دور كبير في تحقيق ما نتمناه للوظيفة العامة التي أصبحت سمعتها في الحضيض لكن ليس القانون وحده هو الحل. القضية أكبر وأهم، القضية سلوكيات بشر لابد أن تراقب، منظومة حديدية من الرقابة والمتابعة لكل من سيحاولون تطويع القانون لخدمة مصالحهم. المصريون محترفون في لي عنق القوانين، وإذا لم تكن هناك ضوابط فلن نمنع الفساد، ولن نحجم الفاسدين، ولن نصحح أوضاع مؤسسات الدولة، ولن نقضي على الترهل المتفشي في المواقع الحكومية. صحيح الرقابة الإدارية لا ترحم فاسدا ولا تترك متربحا ولا تتباطأ عن ضبط مرتش أو حرامي، أو مهمل في أي مكان في مؤسسات الدولة، رجال لا يعرفون التساهل مع الخارجين على القانون، لكن الرقابة وحدها لن تملك أن تراقب أكثر من 7 ملايين موظف تحتاج من يعاونها، تحتاج أن يمارس كل مسؤول دوره ويراعي ضميره في اختيار من يصلح، ومن يملك مقومات الأمانة فالوظيفة ليست تكريماً لأحد، والقيادات ليست حقاً وإنما واجب وعلى من يتحملها أن يؤدي واجبه بأمانة».

مشاكل وانتقادات

وإلى المشاكل والانتقادات وقيام فكرية أحمد في «الوفد» بتوجيه الانتقادات المريرة لسلوكياتنا السيئة، وذلك في عمودها «أوراق مسافرة» قالت: «عندما تم الفتح الإسلامي لجزيرة مالطا عام 902، لم يتم إجبار أحد على الدخول في الدين الإسلامي، فكان المسلمون يرفعون فيها الأذان ولا يستجيب أحد للصلاة، لديانتهم بالدين المسيحي، ومن هذا التاريخ انطلق مثلنا الشعبي الأصيل «بيدن في مالطا» أي ينادى للأذان في مالطا، ولأننا شعب مثقف وواعٍ و«نور» بكسر النون بالفطرة ومن غير علام، طبقنا المثل على كل حياتنا، بدءاً من المسؤولين وصولاً لمعظم فئات الشعب، فأصبحنا نتكلم ولا يعير بعضنا الاهتمام لبعض، يحاول بعضنا الإصلاح وتكون محاولاتنا للإصلاح بلا فائدة منها، أو أن الإصلاح جاء متأخراً أيضاً بعد خراب مالطا. نعيش في غوغائية سياسية واقتصادية وعلمية وثقافية واجتماعية، لا يسمع أحدنا رأى الآخر، وكل منا يرى أنه على صواب، وباقي العالم خطأ، وأنه هو الفهلوي الوحيد «فرية» هذا العصر وعبقري زمانه، والكل أغبياء.
لا نتواصل في الخير أو في العمل والبناء، نتنافس لهدم بعضنا بعضا والكيد لبعض وتشويه الشرفاء وإحباط الناجحين ومحاربتهم. نحن شعب فريد وغريب إلا من رحم ربي «رغم طيبتنا وتديننا، ومزاعمنا بحب الخير وحب البلد وطاعة الله، إلا أن المتناقضات تطحننا والأنانية وحب المصلحة الشخصية يشرذمنا، والأهواء تستقطبنا.
وأذكر في هذا أبيات شعر شاملة وجامعة لشاعرنا الوطني صلاح عبدالصبور، رحمه الله، الذي قتلته «كلمة» حين قال الناس في بلادي جارحون كالصقور غناؤهم كرجفة الشتاء في ذؤابة الشجر وضحكهم يئز كاللهيب في الحطب خطاهم تريد أن تسوخ في التراب ويقتلون يسرقون يشربون يجشأون لكنهم بشر وطيبون حين يملكون قبضتي نقود ومؤمنون بالقدر.
نعم إنها تناقضاتنا السلوكية والنفسية التي نعيشها دون أن يقف أي منا مع نفسه ليراجعها ويحاسبها قبل حساب الملكين أمام الله. نتكلم عن الدين ونحن لا نعمل بتعاليمه علامة لصلاة تكون محفورة في «قورة الموظف» وهو يطلب منك في برود معتاد رشوة «الشاي بتاعي».

الوعي والخبرة السياسية

ومن تدهور سلوكياتنا كشعب عادي إلى تدهور مستوى النخبة التي أشار إليها سامح فوزي في عموده «نوافذ» في الصفحة الرابعة من «الشروق» بقوله: «من السهل توجيه خطابات قاسية للنخبة، فهو نقد مجاني عام لا يخاطب شخصا بعينه، أو فئة بشكل خاص، وبالتالي لا أحد يرى نفسه في موقف يتطلب منه الرد أو يستشعر أن هناك موقفا ينبغي أن يسجله، لكن المسألة أكثر تعقيدا من مجرد الهروب من مواجهة الواقع، من خلال إدانة النخبة، مثلما يفعل البعض.
المسألة جد خطير، نحن إزاء أزمة حقيقة في صفوف نخبة يتهاوى تأثيرها ويغيب عن المجتمع دورها الفاعل. في قضية «هضبة الأهرام» وقد اتيحت لي دراستها بشكل جيد في رسالة الماجستير، كانت هناك نخبة امتلكت المعرفة والقدرة على الحركة، والأسلوب المناسب لمخاطبة الرأي العام ما بين أساتذة جامعات وإعلام وساسة، وأعضاء في البرلمان، خاضت معركتها برؤية وفهم في معركة «تيران وصنافير» ــ أيا كان الموقف منها ــ الواضح أن النخبة المؤيدة للموقف الرسمي والمعارضة له لم تستطع أن تدير المعركة بطريقة جيدة، لم تعرض القضية بشكل يفهمه الجمهور العام الذي يبدو أنه انصرف عن المشهد، رغم الفارق بين القضيتين «هضبة الأهرام» و«تيران وصنافير».
يبدو أن النخبة التي كانت منذ أربعين عاما لم تعد موجودة الآن، الأسباب تتعدد، نظام تعليمي ضعيف لم يعد ينمي القدرات الثقافية، ويصقل المعارف، حياة عامة رغم كل الحراك الذي حدث فيها في السنوات الماضية لم تؤد إلى ظهور قيادات لديها تكوين معرفي، قادرة على الفاعلية والنشاط في الحياة العامة والتأثير في المجتمع، تكوينات سياسية فقيرة، سواء كانت أحزابا أو حركات لم تعد فيها قيادات لديها المعرفة والوعي والخبرة السياسية، أعضاء برلمان لم تصقل معارفهم مثلما كان الحال في برلمانات السبعينيات التي قل فيها المعارضون، بينما زاد فيها هامش المعارضة نفسها، بسبب الأداء الجيد الواعي للمعارضة التي وقفت في مواجهة رجال دولة في صف الحكم، كانوا يمتلكون المعرفة والخبرة وفن إدارة الدولة».

عادل غنيم

وإلى المؤرخين حيث أحسست أمس بحزن شديد بعدما قرأت لفهمي هويدي في مقاله في الصفحة الأخيرة من «الشروق» نبأ وفاة المؤرخ الدكتور عادل غنيم إذ قال: «فوجئت باتصال هاتفى بعد الظهر من المناضل والمؤرخ الفلسطيني عبدالقادر ياسين، الذي هو صديق لكلينا أبلغنى فيه بأن الدكتور عادل توفاه الله عند الظهر، إذ كان في زيارة لابنته في بيتها وفاضت روحه هناك، حين كان يهم بالمغادرة، إذ لم يعد إلى بيته، لكنه غادر دنيانا كلها عن 83 عاما قضى نصفها متفرغا للبحث والكتابة في موضوع واحد هو قضية فلسطين.
رحل الرجل في هدوء مثلما عاش حياة هادئة في الظل، إذ باستثناء تكريم محدود له ومنحه جائزة الدولة التقديرية عام 2009 فإنه ظل منقطعا للقضية التي نذر نفسه لها. حتى خبر وفاته لم تلتفت إليه وسائل الإعلام ولم يعلم به سوى عدد قليل من أصدقائه وتلاميذه، الذين نعوه على مواقع التواصل الاجتماعي، كأنما شاءت المقادير أن يظل الشخص غائبا في حياته ومماته في حين يبقى منه عطاؤه الكبير في خدمة القضية الفلسطينية والأجيال التي تربت على يديه حين عمل أستاذا للتاريخ في جامعة عين شمس، وفي بعض الأقطار العربية الأخرى.
من متابعتي لسيرته وجدت أنه في سن الثمانين، كان يتكلم عن القضية الفلسطينية بروح شاب ممتلئ بالحيوية والحماس، وقد أجرى معه كارم يحيى حوارا نشرته جريدة «الأهرام» في 15 مايو/أيار عام 2014 ذكر فيه أنه معارض لاتفاقيات أوسلو، التي أضرت كثيرا بالقضية الفلسطينية، وقال إنه لا بديل أمام العرب والفلسطينيين سوى الكفاح المسلح، طالما فشلت كل الجهود التي بذلت لدفع إسرائيل للاستجابة لحقوق الشعب الفلسطيني.
وإلى أن يتحقق ذلك فإن الانتفاضة تظل الخيار الوحيد المتاح أمام الفلسطينيين للتعبير عن رفضهم للاحتلال». وكان الدكتور عادل غنيم من أشد المرتبطين بفلسطين وقضيتها وقد قابلته مرتين إذ حضر إلى مكتبي منذ حوالي سبعة عشر عاما شاب، لا أتذكر اسمه الآن، وقال إنه يعد رسالة دكتوراه عن قضية فلسطين وإن المراجع الأساسية التي استند إليها كتابي «عروبة مصر قبل عبد الناصر من 1942 – 1952» ويريد أن يتناقش معي في بعض الجوانب، وتكرر اللقاء أكثر من مرة، ثم دعاني لحضور مناقشة الدكتوراه في جامعة عين شمس، وحضرت وكان يرأس اللجنة الدكتور عادل.
وفجأة سأله «لقد لاحظت أنك اعتمدت على مراجع عديدة منها كتاب ، وكان من اللائق أن تدعوه للحضور». فرد عليه أنه هنا يا أستاذ فطلب الدكتور عادل أن أقف فوقفت وفوجئت به يقول للحاضرين: «أرجو أن تقدموا له التحية» فصفقوا وشعرت بخجل شديد، خاصة أنه أخذ يشيد بالكتاب والجهد الذي بذلته فيه. ثم قابلته مرة ثانية في برنامج تلفزيوني كان يناقش قضية القومية العربية فطلب من مقدمه دعوتي لحضور الحلقة».

فجر الإسلام والشيعة

وفي «المساء» أمس الأربعاء كتب الروائي محمد جبريل دراسة تحت عنوان «المجددون في الإسلام أحمد أمين كتابه فجر الإسلام أغضب شيعة العراق والشام» ومما قاله: أحدث صدور «فجر الاسلام» ردود أفعال متباينة، وعلى سبيل المثال، فقد أدان الكتاب بعض الكتاب الشيعة، ووجهوا إليه ملاحظات، لأن العديد من اجتهاداته ناقضت ما يؤمن به مذهب الشيعة، كان للكتاب كما يقول أحمد أمين أثر سيئ في نفوس كثير من رجال الشيعة، وما كنت أقدر ذلك لأني كنت أظن أن البحث العلمي التاريخي شيء والحياة العملية شيء آخر، ولكن شيعة العراق والشام غضبوا منه وألفوا في الرد عليه كتبا ومقالات شديدة اللهجة، لم أغضب منها ولما لقيت شيخ الشيعة في العراق الأستاذ كاشف الغطاء عاتبني على ما كتبت عن الشيعة في «فجر الإسلام» وبتواضع علمي وثقة يحسبان له يضيف أحمد أمين، لقد استندت في ما كتبت على الخصوم، وكان الواجب أن أستند إلى كتب القوم أنفسهم، وقد يكون ذلك صحيحا في بعض المواقف، لكنني في «ضحى الإسلام» نقدت بعض آرائهم نقدا عقليا نزيها، مستندا إلى كتبهم فغضبوا أيضا. والحق أني لا أحمل تعصبا لسنة ولا لشيعة، لقد نقدت من مذاهب أهل السنة ما لا يقل عن نقدي لمذهب الشيعة. وكما يرى أحمد أمين فإذا كانت مجتمعاتنا العربية تعاني القبلية والتعصب للرأي، فإن ذلك بعض معاناة العرب في الجاهلية، لم يكن لهم شعور قوي بأنهم أمة بل كان الشعور القوي عندهم هو شعور الفرد بقبليته. ويذكرنا أحمد أمين بالشعر الجاهلي وما يفيض به إن ثبتت صحته من الشعور القبلي، فالعربي يمدح قبيلته ويتغني بانتصارها، ويعدد محاسنها ويهجو القبيلة الأخرى من أجل قبيلته، لكن القليل من الشعر الذي يتغني فيه الشاعر ويجاهر باعتزازه، أنه عربي. السبب هو أن العرب لم يكونوا أمة بالمعنى الصحيح، فلم يتحدوا لغة ولا دينا، وليست لهم آمال وطنية واحدة والشرط الأولي للأمة، هو وجود شخص أو هيئة مكونة من عدة أشخاص لها قوة تنفيذ أوامرها على كافة أفرادها وحملهم على طاعتها وطبيعة المعيشة القبلية التي كانت تعيشها تأبي ذلك».

زيدان وعقدة عبد الناصر

وأخيرا إلى من حارت البرية في محاولة معرفة ماذا يريد، هل يريد مهاجمة صلاح الدين الأيوبي بعد أن وصفه بأنه أحقر شخصية في التاريخ الإنساني؟ أم يريد مهاجمة ثورة 23 يوليو/تموز سنة 1952 وزعيمها خالد الذكر جمال عبد الناصر، واتهمه بأنه فعل في الفاطميين كما فعل صلاح الدين عندما أسقط النظام الملكي في مصر، رغم أنه كان نظاما سنيا، بل أراد الملك فؤاد أن يكون خليفة المسلمين، بعد أن ألغى مصطفى كمال أتاتورك الخلافة في تركيا واتهم عبد الناصر أيضا بأنه ذهب لليمن عام 1962 لقتل المسلمين بحجة مناصرة الثورة ووصل عداؤه للثورة وعبد الناصر إلى حد أن قال أمس في مقاله في «المصري اليوم» في الصفحة الثانية عشرة: «وفي النصف الثاني من القرن العشرين شهدت المنطقة العربية الخارجة للتو من الزمن الاستعماري تقافزا على العروش العربية، عسكريون رفعوا لواء تحرير القدس وفلسطين، لاستمالة قلوب الناس وظلوا يحكمون «الجمهوريات» حكماً أيوبياً مؤبداً حتى وفاتهم: الناصر عبدالناصر في مصر الناصر معمر القذافي في ليبيا الناصر حافظ الأسد في سوريا الناصر صدام حسين في العراق، وتزامن ذلك مع ضياع القدس وفلسطين من يد العرب بإعلان دولة إسرائيل التي كانت نتيجة لمجموعة من الأسباب: توطين صلاح الدين لليهود في القدس، بعد قرون من حظر سكناهم فيها، وعد بلفور تزايد النشاط الصهيوني، عجز العرب وعند العجز عن العمل يأتي دور الخيال وتظهر فكرة «المخلص» التي تخفف نفسياً من ضغط الواقع، وتعطي أملاً مراوغاً على المستوى الخيالي. وهنا تم بعث أسطورة «الناصر» الذي سيأتي ذات يوم لتحرير القدس، وليس على الناس إلا انتظاره، فظهر الفيلم السينمائي المزيف «الناصر أحمد مظهر» الذي قام بتأليف القصة والسيناريو والحوار فيه ثلاثة من مؤلفينا الكبار: نجيب محفوظ ـ عبدالرحمن الشرقاوي ـ محمد عبدالجواد، ففعلوا في الفيلم العجب جعلوا المسلم مسيحياً وجعلوا الرجل الذي قتل مئات الآلاف من المسلمين في القاهرة وحلب رومانسياً، وجعلوا الموضوع الوحيد للفيلم معركة «حطين» التي انتصر فيها صلاح الدين، دون إشارة إلى هزيمته قبلها في موقعة «الرملة» وبعدها في موقعة «أرسوف»، وجعلوا من الحقير «ريتشارد قلب الكلب» المشهور بشذوذه الجنسي وقتله لثلاثة آلاف أسير مسلم بطلاً. وفي مناهج الدراسة صار صلاح الدين «المزور» مقرراً وفي وسائل الإعلام صيروه قصة مجيدة يتسابق الشعراء في التغني بأمجادها».
وفي حقيقة الأمر فقد كان زيدان عصبيا في هذا المقال إلى درجة لم أعهدها فيه وغطي على عصبيته باتهام كل من رد عليه بالجهل إلى درجة لم يعد يعرف ماذا يكتب صحيح أفهم مهاجمته لعبد الناصر وثورة يوليو تقربا إلى من يمنحون الجوائز العالمية في الخارج لأن البعض في مصر أعتقد أن من شروطها مهاجمة القومية العربية وثورة يوليو وعبد الناصر ولكن ما دخل حافظ الأسد وصدام حسين والقذافي وما دخل الجميع بقيام إسرائيل عام 1948 قبل ظهورهم أما السبب وراء عصبيته فكان الرد الذي رد به عليه الدكتور أيمن فؤاد سيد رئيس الجمعية المصرية للدراسات التاريخية واستنكر فيه ما قاله زيدان ووصفه بأنه بني على خيالات شخصية وصدرت عن غير متخصص وأخذ زيدان يهاجم الجمعية ووصل غروره إلى أن يقول في النهاية أنه سيعطي الدكتور أيمن فرصة ثلاثة أيام من تاريخ نشر المقال ليعتذر وإلا فإنه سيرفع ضده دعوي قضائية أي يوم السبت والمشلكة أن الدكتور أيمن ربما يكون خارج مصر أو مريض ولم يقرأ الانذار فهل سيحبسه زيدان ؟.

النخبة المصرية يتهاوى تأثيرها ويغيب عن المجتمع دورها الفاعل والمصريون محترفون في لي عنق القوانين

حسنين كروم

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية