المضحك أن الكثير من العرب، والسوريين على وجه الخصوص، يعتقدون أن القوى الكبرى كأمريكا وروسيا، مجرد شركات حماية أمنية، بإمكانك أن تطلبها، أو ترفضها متى تشاء. والمضحك أكثر أنهم لا يثبتون على رأي في نظرتهم إلى أمريكا أو غيرها من القوى الدولية، فإذا تدخلت أمريكا أو روسيا في مكان ما، على عكس بعض الرغبات، فيا ويلها، فتصبح قوة غازية يجب مقاومتها والتصدي لها بكل الطرق والأسلحة، كما كان الحال بالنسبة للذين عارضوا الغزو الأمريكي للعراق، وكما هو الحال الآن بالنسبة لمعارضي الغزو الروسي لسوريا. وإذا نادى العرب أمريكا للتدخل في مكان آخر، وتقاعست، فأيضاً يا ويلها، بل يجب عليها أن تلبي النداء بسرعة البرق، وإلا فهي دولة عاجزة مترددة، متقاعسة، ضعيفة، متواطئة مع الطغاة العرب، ولا تقيم للدم العرب أي وزن. وهذا الموقف نراه الآن لدى قوات المعارضة السورية التي تطالب أمريكا منذ سنوات للتدخل للقضاء على نظام الأسد، بينما أمريكا ترفض.
لاحظوا التناقض في الموقف من أمريكا أثناء اجتياحها للعراق عام 2003 عندما عارضها قطاع عربي واسع، وتقاعسها عن التدخل في سوريا منذ بدء الثورة السورية عام 2011 لإزاحة بشار الأسد، رغم الدعوات والمناشدات العربية والسورية الكثيرة لأمريكا كي تتدخل.
لم يترك الإعلام العربي، ولا الشعوب، ولا المثقفون العرب على مدى سنوات تهمة إلا وألصقوها بالمعارضين العراقيين السابقين، وبكل من عمل مع الأمريكيين في بداية هذا القرن للإطاحة بالنظام العراقي السابق. لقد كان الشارع العربي من المحيط إلى الخليج ينظر إلى السياسيين العراقيين الذين كانوا ينسقون مواقفهم مع الأمريكيين قبيل الغزو الأمريكي للعراق عام 2003 على أنهم ثلة من الخونة والعملاء، لا لشيء إلا لأنهم كانوا يتعاونون مع العم سام لإسقاط نظام صدام حسين. والعجيب في الأمر أن الكثيرين ممن مازالوا يعيّرون أعضاء الحكومة العرقية الحالية بأنهم أزلام الأمريكان، وبأنهم عادوا إلى العراق على ظهور الدبابات الأمريكية، هم الآن يدعمون المعارضين السوريين الذين يناشدون الأمريكيين منذ سنوات كي يساعدوهم في إسقاط بشار الأسد، حتى لو تطلب ذلك قصفاً أمريكياً مكثفاً لدمشق.
من المضحك جداً أن الكثير من الشعوب بات يتوسل للخارج بكل أريحية أن يتدخل كي يحميه، وينقذه، إما من براثن الطغاة، وجيوشهم، كما هو الحال بالنسبة للمعارضة السورية، أو كي يحمي الطاغية ونظامه من المعارضين، كما هو الحال بالنسبة لمؤيدي بشار الأسد. من المفارقات السورية الهزلية أيضاً أنه لم تعد المطالبة بالمساعدات العسكرية الخارجية، حتى بثمن، رجساً من عمل الشيطان فاجتنبوه، بل غدت مشروعة، لا بل مطلوبة تماماً، إن لم نقل «فرض عين». قليلة جداً هي الأصوات التي تحذر، أو تسخر من المطالبين بالتدخل لدى المؤيدين أو المعارضين في سوريا. لقد أصبح الوطني في سوريا، للمفارقة المضحكة، هو ذاك الذي يطالب، ويبارك الاستعانة بالروسي، كما هو حال مؤيدي الرئيس السوري وحلفائه من « بتوع المقاولة والمماتعة»، والخائن هو الذي يعارض الاستعانة. بعبارة أخرى، فقد أصبح، بالنسبة لمؤيدي بشار الأسد مثلاً، كل من يعارض التدخل الروسي لحماية النظام، ويطالب بالتدخل الأمريكي لإسقاطه، عميلاً، وخائناً، وغير وطني. يعني التدخل الروسي حلالا، والأمريكي حراما بالنسبة لشبيحة الأسد. وكما أن الكثير من المعارضين السوريين شعروا بالخذلان لأن أمريكا لم تتدخل للإطاحة ببشار الأسد، فقد كانت فرحة الموالين لبشار عارمة جداً عندما تدخلت روسيا وإيران لحمايتهم من قوات المعارضة. لقد راح مؤيدو بشار الذين كانوا يعتبرون المعارضين عملاء وخونة، لأنهم طالبوا بالتدخل الخارجي في سوريا، راحوا يؤلفون الآن القصائد في مديح طائرات السوخوي الروسية، لا بل بدأوا يمجّدون الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ويصورونه على أنه المسيح المخلص. وقد شاهدنا «الأراجوز الطرطور» خطيب الجامع الأموي في دمشق وهو يبتهل إلى الله ليحمي بوتين العظيم، كما لو أنه حامل لواء القومية العربية، مع العلم أن التدخل الروسي في سوريا لا يختلف أبداً عن التدخل الأمريكي في سوريا أو غيرها. فكما هو معلوم، فإن القوى الكبرى ليست جمعيات خيرية، بل تتدخل، بالدرجة الأولى، من أجل مصالحها، وليس من أجل السخفاء البلهاء الذين يهللون ويطبلون لتدخلها، لا في العراق ولا في سوريا. في الماضي، كان البعض يتوعد بشار الأسد بالطائرات الأمريكية، واليوم يصفق مؤيدو حلف «المقاولة» للطائرات الروسية التي تقصف المدن السورية. وكأن إدلب وحلب وحمص بالنسبة لهم أرض الأعداء.
لم يعد، لا بإمكان قومجية بشار الأسد «بتوع» السيادة الوطنية المهترئة، ولا بإمكان معارضيه، أن يعيّر الآخر بالعمالة والخيانة للخارج. فقد تساوى الطرفان في العمالة والخيانة، إذا كان المقياس هي الاستعانة بالخارج. وأرجو أن لا يتشدق أحد بالقول من جماعة بشار بأنه يحق للدولة ما لا يحق للمعارضين. فمن المعلوم أن الدولة السورية لا وجود لها منذ زمن بعيد، والعصابة لا يمكن أن تسمي نفسها دولة. وحتى لو كان النظام السوري يعتبر نفسه دولة، فقد خسر هذه الميزة منذ اندلاع الثورة. وحتى لو ادعى أن بعض السوريين يؤيدونه، فإن بقية الشعب السوري سحبت منه الشرعية منذ أن أطلق الرصاصة الأولى على المتظاهرين السلميين في شوارع سوريا. كيف يزعم بشار أنه يحظى بشرعية إذا كان الشعب يحاربه على الأرض بمختلف أنواع السلاح من الشمال إلى الجنوب؟ ولا قيمة لنتائج المهزلة الانتخابية الأخيرة، خاصة وأن عدد السوريين المحرومين من المشاركة بها، من لاجئين ونازحين، زاد عن ثلثي الشعب السوري.
لقد سقطت الأقنعة تماماً. وإذا كان التدخل الأمريكي في سوريا حراماً، فإن التدخل الروسي والإيراني خطيئة لا تغتفر. ومن طلبه فهو عميل، وخائن، وبائع للوطن إلى يوم الدين.
هل يا ترى سيصفق مؤيدو بشار الأسد لإسرائيل فيما لو تدخلت لإنقاذ نظامه؟
٭ كاتب وإعلامي سوري
[email protected]
د. فيصل القاسم
هل يا ترى سيصفق مؤيدو بشار الأسد لإسرائيل فيما لو تدخلت لإنقاذ نظامه؟
– انتهى الاقتباس –
اسرائيل تسرح وتمرح بالأجواء السورية من أول الثورة وعلى عينك يا تاجر
والآن اتفق الروس والصهاينة على اقتسام الأجواء بينهما
فماذا بقي لنظام المقاولة والمماتعة !
حزب الله وولي الفقية أسقطوا من خطاباتهم كلمة الأعداء الصهاينة
فهل هذا دليل على تواطئ ما مع الصهاينة ؟
ولا حول ولا قوة الا بالله
من صفق للأحتلال الروسي سيصفق للأحتلال الصهيوني
المطلوب ليس ضرب دمشق لضرب الاسد .المطلوب اخلاقيا قبل الضرورة السياسية رفع يد هذا السفاح عن آلة القتل التي في يده وليس هناك وسيلة سوى بتنحيته عن سلطة اتخاذ القرار لايقاف هذه المذابح الجماعية و الجرائم ضد الانسانية
السؤال الاخير لم يعد افتراضيا، والجواب نعم فاسرائيل هي العضو غير المعلن في الحلف الرباعي الذي يضم روسيا ايران العراق والنظام السوري، والا ماذا تعني التدريبات الجوية المشتركة لروسيا واسرائيل فوق الاجواء السورية؟ ليبقى السؤال: التحالف ضد من؟.
عشت وعاش قلمك على هذه المقالة الرائعة التي وضعت النقاط على الحروف، انك تثبت يا فيصل في كل مرة سواء بمقالاتك او بظهورك التلفزيوني المضيء بانك أيقونة عربية تشع بنورها على عقول أولئك الذين أضاعوا بوصلتهم القومية
غاب عن بال الكاتب أن روسيا لم تستعمر يوما بلدا عربيا من أجل حماية إسرائيل أو تأمين النفط الرخيص أو لإبقاء الدولار العملة الرئيسية العالمية أو تأمين أسواق دائمة للسلاح الأمريكي. .
[تصحيح]
الأخ فيصل القاسم،
هذا التناقض السافر بين معارضي النظام الأسدي المافيوي الطائفي المجرم الذين شعروا بالخذلان لأن أمريكا لم تتدخل للإطاحة به وبين مؤيدي هذا النظام الذين كانت فرحتهم عارمة جدًا عندما تدخلت روسيا وإيران لحمايتهم من قوات المعارضة، هذا التناقض السافر إنما مردُّه إلى عقدةِ التمسُّحِ بالأجنبي، وما تقتضيهِ من تجلَّياتٍ ناجمةٍ عن عقدةِ الشُّعور بالدُّونيةِ (أمامَ هذا الأجنبي)، العقدتين اللتين أصبحتا متأصِّلتين ومترسِّختين في الذهنية العربية أيَّما تأصُّل وترسُّخ منذ أيام الانتدابات الأوروبية على مناطق مختلفة من الشرق الأوسط الحزين.
حتى الطبقات الحاكمة المستبدة في هذا الشرق لم تسلم من عقدةِ التمسُّحِ بالأجنبي وعقدةِ الشُّعور بالدُّونيةِ هٰتين. فعلى الصعيد الإعلامي، مثلاً، ترى أزلام هذه الطبقات يقدِّمون كلَّ المعلوماتِ الهامةَ لوسائل الإعلام الأجنبية، في حين تجدهم يتكتَّمون على بعضها (أو كلِّها) مع الإعلام المحلِّي تحت ذريعة (أو ذرائعِ) الأمن العام وكشف المخططات للعدو؟
وحتى في رُبوع الغرب نفسهِ الذي يبدو، في الظاهر، أنه يفتقرُ إلى عُقَدٍ نفسيةٍ-اجتماعيةٍ كهٰتين العقدتين، بالنسبة للآخَر، لا أظنُّ أنَّ هناكَ رجلين عربيَّيْن (أو امرأتين عربيَّتين) يعملان (أو تعملان) في جامعةٍ أو مؤسَّسةٍ أو شركةٍ غربيةٍ بـ«إخلاص»، ولا يعملُ أحدُهُما كـ«مُخْبِرٍ» (أو ولا تعملُ إحداهُما كـ«مُخْبِرةٍ»)، بشكلٍ من الأشكال، على الآخَر (أو على الأخرى) لصالح المسؤولين الأجانب ذوي السلطة والنفوذ في هذهِ الجامعةِ أو هذهِ المؤسسةِ أو هذهِ الشركة!!!
الحكومة السورية الحالية هي الحكومة الشرعية المعترفة بها في الأمم المتحدة. لذا لديها الحق في طلب المساعدة التي تراها مناسبة. كما فعلت الحكومة اليمنية.
THANK YOU
هذا الصدق في التحليل سببه الإخلاص في القصد والنيه؟
السيد الدكتور فيصل القاسم ،يستعمل بحنكة شديدة اللعبة السياسية التي
عوًدنا عليها في برنامج الاتجاه المعاكس ،مهاجمة التناقضين معا ،ثم نفهم وبطريقة تلقائية ان احد التناقضين قد انتصر ،أفكار ونتائج تصب في النهاية لطرف سياسي معين،