الهجرة العلنية من تركيا لأوروبا… رسائل الضغط السياسي المحملة بالبشر عبر السفن

حجم الخط
1

إسطنبول ـ «القدس العربي»: عند جانب محطة مترو «أك سراي» الواقعة وسط الجانب الأوروبي من مدينة إسطنبول التركية، يقف عشرات الشبان العرب بصحبة أمتعتهم بانتظار وصول «المهرب» الذي سيصطحبهم إلى نقطة انطلاق أخرى للهجرة إلى أوروبا من خلال اليونان، في مشهد يتكرر يوميا في العديد من النقاط بالمحافظات التركية المختلفة.
ولا يتعرض هؤلاء الشبان المتجددين يوميا في هذا المكان إلى أي مضايقات من قوات الأمن التركية التي يقع على بعد عشرات الأمتار من مكان انطلاقهم المقر الرئيسي لأمن إسطنبول المركزي «أمنيات»، في مشهد أعاد طرح التكهنات والتساؤلات حول حقيقة وجود قرار تركي رسمي بغض الطرف عن «المهاجرين غير الشرعيين» الذين ينوون الوصول إلى أوروبا من خلال الأراضي التركية.
وقليلا إلى جانب محطة المترو يتخذ عددا من كبار المهربين أحد المقاهي مقرا لممارسة عملهم في جمع الأموال وترتيب رحلات الهجرة التي تبدأ من مدينة إسطنبول ومن ثم إلى إحدى المدن الساحلية التي تكون على الأغلب إزمير أو مرسين، وصولا لإحدى الجزر اليونانية القريبة، لتبدأ بعدها رحلة أخرى داخل أوروبا.
وعلى الرغم من إعلان السلطات التركية بشكل متواصل عن إحباط عمليات تهريب للمهاجرين، إلا أن العدد الأكبر من الرحلات البحرية التي تنطلق من المدن الساحلية تنجح في الوصول إلى الضفة الأخرى، حيث يستخدم المهربون القوارب المطاطية والسفن صغيرة الحجم.
ويقول الشاب العراقي محمود (30 عاما) الذي هاجر عدد من أصدقائه من تركيا، لـ «القدس العربي»: «السلطات التركية تعلم بكل شيء وتغض الطرف عنهم، فهم يتجمعون يوميا في أك سراي وفي أماكن باتت مركزا لهم وبالتأكيد الأمن التركي يعلم وليس لديه نية بإيقاف ذلك»، مضيفا: «وفي المدن الساحلية تنطلق السفن أمام أعين خفر السواحل التركي.. إنهم يراقبون الوضع، ولو تعرض مركب للغرق ينقذون الركاب».
ويتم في منطقة «أك سراي» اللقاء الأول بين المهرب والزبون، حيث يدور هناك الحديث عن آلية السفر وموعده والمقابل المادي المطلوب، وآلية الدفع، ومن ثم البدء بمراحل التنفيذ انطلاقا من هذا المكان، ويوضح مطلعون على عمليات التهريب أن الهجرة من خلال البحر تأخذ طريقين، إما إلى السواحل اليونانية، أو إلى السواحل الإيطالية بشكل مباشر وفي الثانية يتطلب الأمر مبلغا أكبر من المال.
ويمثل السوريون النسبة الأكبر من هؤلاء المهاجرين، بجانب شريحة من العراقيين، وفلسطينيي سوريا وأعداد أقل من جنسيات عربية أخرى، ويشرف على هذه العمليات مهربون سوريون وعراقيون أيضا بجانب آخرين أتراك يعملون في هذا المجال.
ويرى مراقبون أن أنقرة تحاول من خلال هذه السياسية الضغط على الدول الأوروبية لكي تساهم في تحمل أعباء أزمة المهاجرين الفارين من مناطق الحروب بالشرق الأوسط، حيث تستضيف تركيا على أراضيها قرابة مليوني لاجئ سوري ونصف مليون لاجئ عراقي وليبي، بحسب إحصاءات غير رسمية.
ويهاجم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بشكل متواصل دول الاتحاد الأوروبي، معتبرا أنها «تبيع شعارات حقوق الإنسان بينما لا تفعل شيئا لمساعدة اللاجئين»، في حين يقول مسؤولون أتراك إن بلادهم أنفقت قرابة 6 مليارات دولار على اللاجئين السوريين في أراضيها.
وإن كنت تتصفح موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك» من داخل تركيا، لا بد أن يظهر لك عدد من الإعلانات للمهربين بأسماء مباشرة، فكتب «المهرب أبو جندل السوري» في إعلان له على الموقع: «بكرا (غدا) راح طلع مركب وبدنا 45 واحد، على الشخص 1200 دولار، فوق الـ9 سنين بنحسب واحد كامل، إلي بتصل قبل إله حق الأولوية»، وأرفق في نهاية إعلانه رقمي هاتف تركي.
والثلاثاء، أنقذت سفينة صيد أسماك تركية، 49 مهاجرا سوريا، قبالة سواحل خليج إزمير في بحر إيجة، بعد أن تعطل محرك القارب المطاطي الذي كانوا يستقلونه من أجل الوصول إلى إحدى الجزر اليونانية.
ولا يوجد إحصاءات محددة لعدد الذين يتمكنون من الهجرة يوميا من خلال الأراضي التركية، لكن أرقام رسمية صادرة عن ولاية إزمير أشارت، الاثنين، إلى أن خفر السواحل التركي أنقذ 42 ألف و126 مهاجر غير شرعي، واعتقل 54 من العاملين في تهريب البشر، منذ مطلع العام الجاري، في مؤشر يوضح أن أعدادهم وصلت لعشرات الآلاف منذ بداية العام.
وتركز أنقرة في الأشهر الأخيرة جهدها الأمني على محاربة المقاتلين الأجانب الذين يسعون للوصول إلى مناطق تنظيم «الدولة الإسلامية» في سوريا والعراق من خلال أراضيها، وبدأت في بناء جدار أمني على طول الحدود السورية التي تمتد على طول أكثر من 900 كيلومتر.
وتصاعد بشكل غير مسبوق تدفق السوريين إلى أوروبا من خلال اليونان، حيث تشير إحصائيات منظمات المجتمع المدني في مقدونيا، إلى أن عدد المهاجرين الذين يدخلون من اليونان برا ارتفع من 600 إلى 2000 شخص يوميا في أغسطس/آب الماضي.
وأفادت وزارة الداخلية المقدونية، أنها منحت اللجوء المؤقت لـ 44414 مهاجرا خلال شهرين عقب تعديل قانون اللجوء، موضحة أن 33461 منهم يحملون الجنسية السورية، وأعلنت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، دخول ما معدله ثلاثة آلاف شخص يوميا إلى صربيا قادمين من مقدونيا.
وبلغ عدد المهاجرين غير الشرعيين الذين غرقوا في البحر المتوسط منذ مطلع العام الحالي 2365 شخصا، بحسب آخر معطيات منظمة الهجرة الدولية. بالمقابل، تمكن 255 ألفا و152 مهاجرا من عبور المتوسط، والوصول إلى القارة الأوربية خلال العام الحالي، بينهم نحو 100 ألف يحملون الجنسية السورية.
والتقت المستشارة الألمانية انغيلا ميركل وقادة في دول غرب البلقان، الخميس، في فيينا بقمة تصدرت جدول أعمالها أزمة المهاجرين. حيث دعت صربيا ومقدونيا، اللتين تعدان من أهم نقاط عبور عشرات الآلاف من المهاجرين الذين يحاولون الوصول إلى الاتحاد الأوروبي، الاتحاد للتحرك.

إسماعيل جمال

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول Salim:

    تركيا من فتحت اراضيها لجميع الارهابين وتهريبهم لسوريا لقتل شعبها وتشريده وهي من تحتظن الارهابين لتهريب السورين وقتلهم في البحر بعد اخذ اموالهم لن تجد من تركيا وايران الا الشر والدمار والخراب وتمزيق الدول العربية متى تصحي الشعوب العربية وتتحد وتعلم ان ايران وتركيا وجهين لعملة اسرائيلية واحدة لذلك تركيا في الناتو وايران اصبحت حبيبة امريكا لانها تشتغل كما تشتغل تركيا لتمزيق الدول العربية ياليت وحكام العرب وشعوبهم ان يتحدوا لحماية دولهم من التمزق من تلك الدولتين تركيا وايران الذين يخدمون سواء الصهاينة .

إشترك في قائمتنا البريدية