«الهمة»… آلية الجباية الإجبارية التي تضخ عشرات الملايين سنوياً لجماعة «غولن» في تركيا والعالم

حجم الخط
2

إسطنبول ـ «القدس العربي»: تكشف التحقيقات المتواصلة منذ محاولة الانقلاب الفاشلة في تركيا منتصف الشهر الماضي والتي اتهمت فيها جماعة «فتح الله غولن» مزيدا من الخفايا والأسرار عن هيكلية وطبيعة عمل الجماعة التي تمكنت من بناء كيان موازي داخل الدولة التركية إلى جانب إمبراطورية اقتصادية ضخمة حول العالم.
هذه الإمبراطورية كان أحد أعمدتها الأساسية ما تسميه الجماعة بــ«الهمة» (بالتركي Himmet) وهو مصطلح تستخدمه للدلالة على التبرعات ـ الإجبارية والطوعية ـ التي يتم جمعها من المنتسبين والمناصرين لها.
ومصطلح «الهمة» منتشر لدى الجماعات الدينية الصوفية ويتم تعريفه على أنه «بذل المال والجهد من أجل الحركة»، وتُقدر وسائل إعلام تركية أن الجماعة تتمكن من خلال «الهمة» من جمع عشرات وربما مئات ملايين الدولارات سنوياً في داخل وخارج تركيا.
معلومات حصلت عليها «القدس العربي» من أشخاص عايشوا الجماعة بالإضافة إلى التحقيقات المنشورة في وسائل الإعلام التركية تؤكد أكد أن الجماعة وتحت مسمى «الهمة» كانت تجمع بشكل منتظم شهرياً مبلغ مالي بنسب محددة وإجبارية من مناصريها والموظفين التابعين لها ورجال الأعمال.
وتتفاوت هذه المبالغ من شريحة إلى أخرى، فبينما يتم إجبار موظفي الدولة والعاملين في الدوائر والمؤسسات التابعة لهم على دفع ما نسبته من 5 إلى 10٪ من إجمالي الراتب، يتم الحصول على مبالغ طائلة من رجال الأعمال الكبار في البلاد والذين خضع جزء كبير منهم لابتزاز الجماعة ذات النفوذ الكبير في الدولة والتي كانت تتمكن من إلحاق الضرر بأي جهة أو شركة أو رجل أعمال لا يتعاون معها. في كُتيب أصدرته صحيفة «دايلي صباح» التركية حول غولن، جاء في أحد أقسامه أن الجماعة التي تمتلك 2000 مدرسة في 160 دولة حوال العالم تقوم بإلزام أعضائها بدفع قرابة 20٪ من مدخولاتهم عبر التسلسل القيادي لها وتتصدر هذا الأمر جمعية «هل هناك أحد» التي تديرها وتقوم بأعمال خيرية في معظم دول العالم، ولفتت الصحيفة إلى أن الجماعة كانت ترسل أموالها لخارج تركيا بطرق سرية واستخدمتها في تنفيذ «أجندتها السرية».
الصحيفة المقربة من الرئاسة التركية تحدثت في تقرير لها عن «الهمة» من خلال اعترافات أحد مسؤولي التنظيم الذي كشف عن أن التنظيم لديه قرابة 350 شقة وسكناً للطلاب في مدينة (إسكي شهير)، تقوم الجماعة باستضافة آلاف الطلاب فيها وتجمع منهم «الهمة» وتقدم لهم دروساً دينية وأفكار غولن، لافتةً إلى أن حجم أموال الهمة في هذه المحافظة الصغيرة لوحدها يصل إلى 7 مليون ليرة تركية (قرابة 2.3 مليون دولار) شهرياً.
وكشفت التحقيقات أن الجماعة وظفت 25 إماما في محافظة اسكيشهير لوحدها، يتلقون معاشات شهرية تبلغ قيمتها حوالي 45 ألف ليرة تركية (15 ألف دولار)، يحصلون عليها من أموال «الهمة» التي يجمعونها، كما يوجد في المحافظة ما يقارب 200 شخص يُطلق عليهم اسم «متولّي»، وهم مسؤولون ورجال أعمال تابعون للمنظمة، يجمعون الأموال والتبرعات ويسلمونها «لإمام المقاطعة»، حيث أوضحت التحقيقات أن جزء كبير من هذه الأموال يتم إرساله لأعمال المنظمة في إحدى الدول وأنه آخر مرة تم إرسالها إلى اليمن.
وتطبق الجماعة هذه السياسة في جميع الدول التي تنشط فيها، ويقوم كبار مسؤوليها بالاستفادة من هذه الأموال بشكل شخصي وبناء ثروات مالية كبيرة كون أموال «الهمة» غير محددة ولا تتم عبر دوائر رسمية وتجمع وترسل بشكل شخصي بعيداً عن دوائر المحاسبة والبنوك لسرية عمل الجماعة، وهو ما ينتشر بشكل كبير في أفرع الجماعة بالدول الأفريقية ومنطقة البلقان، بحسب التحقيقات.
ولفت تقرير نشرته صحف تركية إلى أن الجماعة استخدمت على نطاق واسع العنصر النسائي في جمع التبرعات تحت مسمى «الهمة»، حيث وعلى مدى السنوات الماضية قام العنصر النسائي بالجماعة بالقيام بجولات على المنازل وحث السيدات على دفع التبرعات تحت عناوين مختلفة منها دعم التعليم وسكنات الطلاب والأضاحي ومساندة الفقراء حول العالم.
وعقب محاولة الانقلاب الفاشلة، نشرت وكالة الأناضول نص التحقيقات مع اللواء بكر إرجان فان قائد الفرقة الخاصة بتزويد الطائرات بالوقود في قاعدة «أنغيرليك» الجوية، وقالت إن اللواء كان يرسل أموالا لغولن، في أمريكا، عن طريق طائرات تزويد الوقود، وطائرا «F ـ 16»، التي كان يُرسلها إلى أمريكا بذريعة «حاجتها للصيانة»، وذلك بسبب صعوبة تحويل هذه الأموال من خلال البنوك.
وفي التفاصيل، قام عمل اللواء المعتقل حالياً على تجميع «الهمّة» وكان ينقلها إلى غولن عبر طائرات تزويد الوقود، وطائرا «F ـ 16»، التي كان يرسلها إلى أمريكا «للصيانة»، كما قام منذ استلامه مهامه، بفسخ عقود عمل لمقاولين غير تابعين للمنظمة وتسليم المقاولات لأشخاص تابعين لها، وبهذا نجح في توظيف وتشغيل العديد من منتسبي المنظمة في قاعدة «أنجيرليك» الجوية.
وقالت معلومات أخرى إن اللواء بكر فان قام بدعوة عدد كبير من رجال الأعمال المقيمين في منطقة «أضنة» ومحيطها، لإفطار جماعي خلال شهر رمضان، على شكل مجموعات ضمت 50 شخصا في كل مرة وكان يدعوهم للتبرع بمبالغ تتراوح بين 10 آلاف و250 ألف ليرة، وذلك لوقف «كارتال»، التابع للجماعة.
وتقول مصادر متطابقة إن الكم الأكبر من أموال «الهمة» يتم جمعه من رجال الأعمال والتجار وأصحاب المصانع ويتم ذلك بشكل أقرب إلى «الدفع تحت التهديد»، كون الجماعة تمتلك القدرة على إلحاق الضرر بالجهات التي لا تتعاون معها في هذا المجال، كما تدير الجماعة «اتحاد رجال الأعمال والصناعيين الأتراك» (توسكون) والذي حظرته الحكومة عقب المحاولة الانقلابية وقالت إنه يدير أعمال الجماعة المالية حول العالم.
وفي هذا السياق دخل الكاتب مراد زالان في مقال له في صحيفة «يني شفق» التركية في مقارنة بين سياسة غولن المالية و(آل كابوني) أحد أكبر زعماء العصابات عبر التاريخ الأمريكي، وقال «إن كان آل كابوني يجمع الأموال من الحرفيين والتجار تحت اسم «الإتاوة»، فإن الجماعة التي تعرفها كذلك كانت تجمع الأموال منك ومن أمثالك من المنتسبين والمريدين تحت اسم «همّة»، ولكن لا تنظر إلى مقولة «همة»، فإنهم كانوا يأخذون سندات ضمان ممن لم يستطع أن يدفع نصيب الشهر، وإذا لم يُدفع ذلك السند، كانوا يسلمونه إلى سلطات التحصيل الإجباري(الحجز)، انظر وسترى، من ركز الخنجر الذي في الغمد، عندها سترى «الإتاوة» التي في «الهمة».
ويقول مساعد رئيس هيئة الأركان التركية المقدّم ليفنت تورك كان، في اعترافاته التي نشرتها صحيفة «حرييت» التركية: «كنت أشعر دوماً «بمنّة» الجماعة علي، هي التي جعلتني أكمل دراستي وأصل إلى هذه المرحلة»، لافتاً إلى أنه بدأ بمنح «الهمة» منذ عام 2011 حيثكان يقتطع جزء معين من راتبه الحكومي للتبرع به لصالح الجماعة، مضيفاً: «في جماعتنا لكل «أخ أكبر» هناك «أخ أكبر» منه مسؤول عنه وهكذا».

«الهمة»… آلية الجباية الإجبارية التي تضخ عشرات الملايين سنوياً لجماعة «غولن» في تركيا والعالم

إسماعيل جمال

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول الكروي داود النرويج:

    – الحمد لله الذي كشفهم على حقيقتهم كما كشف غيرهم من الحركات الباطنية التي كانت موجهة ضد الإسلام
    ولا حول ولا قوة الا بالله

  2. يقول فادي:

    أين كان أردوغان طوال 15 سنة من هذا الشبح ؟؟

إشترك في قائمتنا البريدية