لندن ـ «القدس العربي»: تتسم زيارة الرئيس الإيراني حسن روحاني، إلى الهند بطابع اقتصادي كبير ويرافقه وفد تجاري كبير للمشاركة في مؤتمر مشترك لتطوير العلاقات التجارية والاقتصادية بين البلدين. وباكستان (منافس الهند التاريخي) التي أغلقت الطرق التجارية أمام الهند باتجاه الغرب وخاصةً آسيا الوسطى والقوقاز وأثرت على خطوط أنابيب نقل الطاقة إليها بشكل سلبي، حاضرة بشكل مباشر وغير مباشر على أجندة هذه الزيارة. وتحاول نيو دلهي أن تلتف على باكستان من خلال تطوير علاقاتها الثنائية مع إيران بهدف المشاركة في تنمية الممرات الإقليمية التي تمر عبر الأراضي الإيرانية خاصةً باتجاه منطقة آسيا الوسطى. ومن هذا المنطلق يشكل ميناء «تشابهار» منطقة في غاية الأهمية للوصول إلى هذه الممرات التجارية المهمة، فضلاً عن قُربه من ميناء مومباي (يبعد عنه 1700 كم) وإمكانياته المناسبة للمنافسة مع ميناء «غوادر» الباكستاني الذي يبعد 72 كم فقط من «تشابهار» وتواصل الصين تطويره بسرعة كبيرة جداً وتعمل على تكميل أكبر قاعدة عسكرية لبحريتها خارج أراضيها هناك. ولم تُخف الهند تذمرها بل تخوفها من النشاط الصيني الهائل على الأراضي والمياه الإقليمية الباكستانية. وتراهن طهران بشكل كبير على منافسة نيو دلهي مع بكين وإسلام آباد، لعقد صفقات تجارية وعقود مصرفية ومالية، فضلاً عن جذب مليارات الدولارات من الاستثمارات الهندية في قطاعات عديدة منها الطاقة والشحن والطرق.
«تشابهار» حلقة وصل الشرق بالغرب والشمال بالجنوب
منذ نشر أنباء عن استثمارات الصين الكبيرة لتطوير ميناء «غوادر» أعربت نيو دلهي عن رغبتها في تطوير ميناء «تشابهار» في إقليم بلوشستان السُنّي جنوب شرقي إيران وبالقُرب من «غوادر». ويسهل ذلك في الخطوة الأولى وصول البضائع الهندية إلى أفغانستان وإلى آسيا الوسطى الغنية بالغاز. ما أعلنه وزير النقل والطرق والشحن الهندي نيتين غادكاري، 10 كانون الثاني/يناير الماضي بأن تطوير ميناء «تشابهار» هو أهم مشروع اقتصادي مشترك بين البلدين. وتحاول طهران من خلال المزيد من التعاون مع نيو دلهي الحصول على استثمارات أكبر منها، ما كشفته وكالة «رويترز» للأنباء البريطانية حيث قالت إن الهند استثمرت ما يقارب 85 ميلون دولار للمرحلة الأولى لتطوير البنى التحتية في ميناء «تشابهار» الذي يعتبر من بين أقرب موانئ المياه الدافئة إلى منطقة آسيا الوسطى.
وتم التأكيد على أهمية «تشابهار» خلال اللقاء الذي جمع رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، بالمرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي، في طهران 24 أيار/مايو الماضي، حيث قال الأخير «الجمهورية الإسلامية الإيرانية ترحب بتطوير علاقاتها الثنائية مع الهند بصفتها قوة اقتصادية جديدة صاعدة، وستنفذ التوافقات الموقع عليها بشكل جدي بعيداً عن أي تأثير سياسي» بالإشارة إلى العلاقات مع باكستان. وأضاف فضلاً عن النفط والغاز، من الممكن أن يكون ميناء تشابهار حلقة مهمة لتوصيل الشرق بالغرب والشمال بالجنوب، وأنه سيوفر الأرضية المناسبة للتعاون العميق وبعيد المدى بين البلدين. ووقع البلدان خلال تلك الزيارة على 8 مذكرات تفاهم للتعاون التجاري والاقتصادي ومن بينها مذكرة تفاهم بين منظمة الموانئ والملاحة البحرية الإيرانية ومصرف «إكزيم» الهندي بهدف فتح خط اعتباري للاستثمار في «تشابهار».
وتم التوقيع على عقد لتطوير ميناء تشابهار بين الشركتين الحكوميتين «بناء وتطوير البنى التحتية الإيرانية» و»إنديا بورتس غلوبال برايوت ليمتد الهندية». واتفقت العاصمتان على تطوير الطرق الإيرانية وتعزيز البنية التحتية في هذا المجال. وخلال تلك الزيارة وبحضور الرئيس الأفغاني، وقعت طهران ونيو دلهي وكابول على توافق ثلاثي في مجال الشحن وتطوير الطرق لتوفير ممر آمن ومطمئن للوصول إلى الأسواق الأفغانية وتصدير البضائع والمواد المعدنية من أفغانستان إلى أسواق المنطقة، وأكدت الدول الثلاث على أن ذلك سيساعد على إرساء السلام والاستقرار في أفغانستان وفي باقي بؤر الأزمات والتوتر في المنطقة.
استمرار المشاورات
بعد بدء الهند تصدير القمح إلى أفغانستان من خلال الأراضي الإيرانية وعبر ميناء تشابهار قبل فترة قليلة، قام وزير الطرق وبناء المدن الإيراني عباس آخوندي، بزيارة إلى الهند في 10 كانون الثاني/يناير الماضي. وقال الوزير إن البلدين اتفقا على استثمارات هندية بقيمة 1 مليار دولار لتطوير السكك الحديد بين مدينة زاهدان (مركز إقليم بلوشستان الإيراني) وتشابهار، وشراء إيران 200 قاطرة شحن بقيمة 600 مليون دولار خلال السنوات الثلاث المقبلة.
وأكد وزير النقل والطرق والشحن الهندي أن نيو دلهي وطهران حلّتا جميع المشاكل المتعلقة بميناء تشابهار وأنه سيتم تطوير هذا الميناء بسرعة أكبر خلال الفترة المقبلة، وأضاف كانت هناك بعض الاختلافات حول كمية الربح الذي على إيران أن تدفعه مقابل الاستثمارات الهندية، وأضاف أن العلاقة الاقتصادية بين البلدين تعتمد على قاعدة الربح للطرفين. وأوضح أن «تشابهار» هو محرك التجارة بين بلده وأفغانستان وروسيا ودول منطقة آسيا الوسطى، واصفاً الميناء الإيراني بأنه فرصة ذهبية لتفادي العبور من الأراضي الباكستانية.
الغاز حاضر
وعلى الرغم من ضغوطات أمريكا وعقوباتها، تعتزم نيو دلهي استثمار مليارات الدولارات في قطاع الطاقة وتحديداً في إنتاج الغاز. وكشفت صحيفة «تايمز الاقتصادية» الهندية أن شركة «أو في أل» النفطية الهندية اقترحت على وزارة النفط الإيرانية استثمار 6 مليار و200 مليون دولار لتطوير الإنتاج من حقل «فرزاد بي» الغازي الإيراني في مياه الخليج العربي. وإضافة إلى أن خطوط أنابيب نقل الغاز تلعب دوراً هاماً في تعزيز العلاقات بين البلدين، ما أشار السفير الإيراني في الهند غلام رضا أنصاري إليه، حيث اعتبر خطوط الأنابيب هذه تعزز العلاقات الإقليمية بشكل كبير.
وسبق أن اقترحت شركة «أو في أل» مشروعاً اقتصادياً ضخماً على وزارة النفط الإيرانية بقيمة 11 مليار دولار لبناء خط أنابيب بحري من الخليج العربي إلى الهند لنقل الغاز الإيراني، لكن طهران رفضت ذلك معلنةً أن الأسعار التي اقترحتها نيو دلهي لشراء الغاز الإيراني قليلة جداً.
وأخيراً وليس آخراً، تمضي نيو دلهي وطهران قدماً في تعميق العلاقات الثنائية، وعرضت الأخيرة تخفيضات سخية بنسبة 50 في المئة على الهند للشحن البري عبر الأراضي الإيرانية والشحن البحري من خلال ميناء تشابهار، ويفسر انضمام الهند إلى «اتفاقية عشق آباد» (التي تعمل على قيام ممر دولي بين منطقة آسيا الوسطى وبين الخليج العربي) مدى تعويلها على علاقاتها الاستراتيجية مع إيران.
محمد المذحجي