قد يكون في الكلمة بعض الحدة أو بعض المبالغة، لكن من يتأمل بجدية صور القطارات التي تعبر أوروبا، التي تبثها القنوات الأجنبية، محملة بالسوريين على وجه الخصوص، وجنسيات أخرى، يدرك إلى أي مدى البشرية بلا ذاكرة جمعية حقيقية. يهمها حاضرها وجشعها ونجاتها، ما عدا ذلك، فلا شأن لها به. حتى مسألة التضامن الإنساني أصبحت كلمة لا قيمة لها.
هنغاريا التي نسيت بسرعة تاريخي الحرب العالمية الأولى والثانية، فمنعت الهاربين من الموت، من العبور نحوها بعد رحلات الخوف والرعب عبر الفيافي والبحار القاتلة، الشيء نفسه قامت به النمسا بمنعها القطارات من القدوم نحوها مستجيبة لعنصرية مقيتة، كانت هي من تربى في حضنها نازي من الطراز العالي: هتلر. حتى لأن المرء يتساءل كيف يمكن الجمع بين اللاإنسانية والحضن الموسيقي الذي تشكله النمسا. هذه القطارات التي تتوقف طويلا في هنغاريا قبل أن تتوجه محملة إلى النمسا سرعان من ينزل منها المئات نحو الحجز، أو تمر بصعوبة نحو ألمانيا لأن تلك رغبتها القصوى. سيل من الاحتجاجات العنصرية يبين جديا أن أوروبا لا تملك سياسة مشتركة للتعامل مع هذه المعضلة باستثناء الحل الأمني الذي لم يعد كافيا أمام هذا المد المتواتر من البشر الباحثين عن الأمان بعدما فقدوه في بلدانهم.
هذه القطارات المحملة والمخيفة والمسدودة، التي لا يسمع إلا عويلها وأدخنتها وخشونة محركاتها، تذكّر، من ما تزال له حساسية صور الحرب العالمية الثانية، بقطارات الخوف التي كانت تذهب وتجيء محملة بعدد مهول من اليهود، الذين كانوا يقادون نحو غرف الغاز، مجردين من كل شيء، حتى من الحدود الإنسانية الدنيا، لإبادتهم. قد يختلف الأمر من حيث الأسباب والنتائج، لكن المشهد هو هو، أطفال يتباكون، آباء يترجون، أمهات يرمين أنفسهن على السكك الحديدية لتركهن يركبن القطارات طلبا للرحمة والسماح لهن ولأولادهن بالعبور. الفارق معروف طبعا ولا يحتاج إلى تفصيل كبير. قطارات الهولوكست اليهودي، كانت تقودهم نحو محتشدات الموت، وقطارات الهولوكست العربي تقودهم نحو مبهم لا يعرفونه، لكن الأهم منه هو الهرب من جحيم نار الحرب الأهلية التي أكلت ربع مليون سوري وما تزال تطلب المزيد. لم يعرف المسؤولون العرب الضعفاء في الحكامة والسلطة، بجامعتهم الكسيحة، حتى كيف يصرخون درءا للفتنة. لقد أخفقوا في كل شيء. يتأملون المشهد الدموي وكأن الأمر لا يهمهم مطلقا، وكأن الذي يحدث تأتي صوره من المريخ وليس على بعد أميال فقط من حدودهم. وضعوا أوروبا في حالة إحراج حقيقي، فانفصلت إلى أوروبا ثنائية. واحدة عنصرية، مغرقة في خرافاتها العرقية القديمة، تفضل درء الشر العربي والإسلامي، بتسييج الحدود لحماية أوطانها من خطر يتهددها، وينسى أصحاب الفكرة أن شبح الوحش المخيف فيهم، وفي أعماقهم، وفي بعض ثقافتهم أيضا، ويشكل أكبر تهديد لاستقرارهم، وهو العنصرية والكزينزفومبيا التي لا دواء لها إلا أنسنة الحياة والتفكير بشكل أوسع يتجاوز دائرة الأنا الضيقة. ما قامت به ألمانيا التي عرفت شرور النازية ودورات التاريخ غير المرتقبة، يصلح لأن يكون نموذجا أوروبيا بحيث انتصر التيار الديمقراطي والإنساني الذي تقف على رأسه ميركل، على النازيين الجدد. وبدأ يتحول إلى عدوى أوروبية. يمكننا لأن نتفقه طبعا في أسباب هذا القبول، لكن أمام الموت يحتاج المرء أولا إلى الإنقاذ، ويأتي التحليل لاحقا. هذا لا يمنعنا طبعا طرح السؤال المنغّص: من المسؤول عن هذا الهولوكست وهذه المشاهد المأساوية أصلا؟ الأنظمة العربية التي تعيش حالات تفككها المتواتر، أم الغرب المأزوم كما هو الحال قبيل الحرب العالمية الثانية؟ لا يحتاج الأمر إلى كبير تفكير لندرك أن الأنظمة العربية بدكتاتورياتها المعلنة أو الخفــــية التي تنام تحـــت المساحــــيق، هي السبب الرئيس. وهي من أوصل البلدان العربية إلى عنق الزجاجة.
صحيح أن الناس كانوا يعيشون في استقرار نسبي، لكن على فوهة بركان، الكل يعلم أنه سينفجر يوما والخلاف الوحيد هو في التوقيت. الظلم الاجتماعي المستشري، عسكرة المجتمعات العربية، التخلف الثقافي والعلمي، الجهل والأمية، استعمال الدين كسلاح مضاد للتطور، الاضطهاد السياسي والعرقي واللغوي، غياب أدنى توافق سياسي، ضرب المواطنة ومنعها من التطور، غياب الدساتير الحديثة، التي تعدل في ممارساتها الاجتماعية والسياسية، الاستيلاء على خيرات البلدان العربية وتسيد المافيات المالية التي تخترق كل المجتمعات العربية التي تعيش على تحويل ونهب المال العام، والإشراف من الأعلى على شبكات تهريب الأسلحة والمخدرات، وحتى تهريب الأعضاء البشرية ما دامت الحروب والاختطافات خلقت وضعا لا قانونيا، ووفرت فرصا غير محدودة لهذه التجارة المربحة وغير المرئية، وهي الأخطر على الإطلاق لأنها تمس إنسانية الإنسان في الصميم، والحاجة لها دائمة لأصحاب المال الذين يريدون أن تستمر حياتهم على حساب حيوات الآخرين. الطلبات تقدم مباشرة للوسطاء الغامضين قد يكونون أطباء واختصاصيين جشعين، وبعدها لا يسأل إلى أين تسافر هذه الأعضاء بطرق معقدة. قد يبدو المشهد روائيا، لكن ما نسمعه ونقرأه يفوق هذا بكثير. أنظمة عربية جيّرت الدولة لصالحها، لهذا عندما سقطت، انهارت معها الدولة التي كانت عبارة عن قوقعة فارغة، وملحقات تابعة عضويا للنظام المجسد فرديا أو طائفيا أو قبليا، وليست مؤسسات مستقلة ومراقبة للنظام نفسه كما في أوروبا وغيرها. لكن لأوروبا أيضا مسؤوليتها الكبيرة، والغرب عموما، في كل ما حدث ويحدث. الغرب الاستعماري تحديدا، مشغول بمصالحه الحيوية للمحافظة على الرخاء الذي عود عليه شعوبه، وتفقير الآخرين، ونهب خيراتهم، ولا يهمه الآخر إلا كمنغص على راحته يجب إسكاته. على الصعيد الاستراتيجي هناك تدمير لأي نواة عربية قادرة على التفكير في التحديث والتغيير الديمقراطي. لأن هذا التحول الإيجابي إذا كان يفرح الغرب الإنساني، فهو يتناقض مع مصالح الغرب الاستعماري. لأن ذلك سيقود في النهاية إلى انهيار الأنظمة العربية الرثة المعادية للحداثة والحياة، ونشوء أنظمة جديدة تملك من العقل والحيوية ما يجعلها تخرج من دائرة التبعية المقيتة، وتملك الشرعية التي تحميها لأنها متولدة عن انتخابات ديمقراطية، وقادرة على التعامل مع أوروبا مصلحيا. أي أن المصلحة تسير في الاتجاهين، وليس في اتجاه واحد. الأنظمة العربية الحالية في عمومها، هي امتداد لما فرضه الحلفاء بعد الحرب العالمية الأولى وتقسيمات سايكس – بيكو التي انتهت إلى وضع حكام عرب على المزق التي نتجت عن هذه الاتفاقيات. وهم يدينون بالولاء لمن يوفر لهم سبل الحماية.
ما يزال المنطق نفسه هو المتسيد. لا أوروبا حادت عنه لأنه سيمنعها من التحكم في الخيرات العربية، ولا الحكام العرب حادوا عنه أيضا، لأن التقسيم وضعهم منذ البداية تحت الوصاية الاستعمارية. الذي لا نراه اليوم هو أن شيئا يتم في الخفاء قد يقذف بالعرب نهائيا نحو الانتماء للعصر الذي يعيشهم من دون أن يتمكنوا من عيشه، وهذا يحتاج إلى قوة تحمي هذا التحول، غير متوفرة في الوقــــت الراهن، أو يرميــــهم نهائيــــا في أتون الحروب الأهلية والتمزقات الطائفية والعرقية وغيرها، والعودة إلى النظم البائدة المغلقة التي تُسترخص فيها أرواح البشر، وهذا لا يحتاج إلى الشيء الكثير، كل أسبابه متوفرة اليوم، وربما يكون تنفيذه قد بدأ.
واسيني الأعرج
الدولة ببلادنا بنيت على مقاس الحاكم فقط
فعندما يسقط هذا الحاكم تسقط معه الدولة !
لا خير في دولة لا تكون على مقاس الشعب
طز بالدولة التي تحارب المواطن
ولا حول ولا قوة الا بالله
نحن في حقبة عربية مقيته مظلمة ومحزنه نعيش زمن الأنظمة المستبدة التي منعت عن الشعوب أدنى درجات الحرية والكرامة وكانت سيوف مسلطة في أيدي من جعلها تكون وكيلة حتى تعيش الشعوب العربية في قهر وظلم وهكذا نرى الانفجار الذي نتيجته الهولكوست العربي (الجثث بالجملة والتهجير الفاضح) .
الضغط يولد الإنفجار، هذا ما حصل بكل اختصار .
لمادا هدا القلق وهدا الخوف الاروربي من تدفق المهاجرين العرب وتحديدا السوريين؟ الا تتحمل القوى الغربية الكبرى مسؤولية هده الاوضاع الانسانية المزرية؟ من دعم ولا زال الانظمة الديكتاتورية العربية التي افرزت بسياساتها هدا الظلم وهده الحروب وهده القبلية والطائفية المقيتة وهدا الفقر وهدا الجهل وهدا الظلام الدامس وهدا الاستبداد القاتل وهدا التخلف العميق الدي يعيشه العالم العربي؟ الا تغض الحكومات الاوربية العين عن كل هده الممارسات المشينة التي ينتج عنها المزيد من استرخاص الانسان العربي مقابل المصالح التي اعمت بصر اوربا وبصيرتها؟ لمادا لا ترفع اوربا الغطاء ادن عن تلك الانظمة المتسببة في هدا الهولوكوست ان كانت حقا تريد الاستقرار لهده المنطقة ولها ايضا؟ اوضاع ستبقى ما دامت تلك الاتفاقية السرية قائمة بين الانظمة العربية القمعية وبين اوربا المبنية على المصلحة المتبادلة فالغرب الاستعماري مشغول بمصالحه الحيوية بنهب خيرات العرب للحفاظ على تفوقه ورخائه الاجتماعي اما مصالح الانظمة العربية فتتلخص في الحفاظ على الكرسي والاستمرار فيه ويبقى الضحية هم الشعوب العربية المكلومة فاين المفر فالغرب امامكم والانظمة المتسلطة وراءكم.
أستاذ واسيني الأعرج المحترم :
هل تعتقد أن المثقف العربي قد أدى واجبه ودوره في بعث ونهضة الأمة لبناء دولة المواطنة والحقوق والحريات والواجبات ؟
مقال أكثر من رائع.أحب هذه الجريدة كثيرا
المحرقة العربية الحالية فلقت التصور والمتمعن من العرب يصاب بالجنون او الكفر يكفر بالعرب حكاما ومحكومين وكفانا نفاقا وبكاء عن اشلاء جسم عربى متهالك قذفته امواج العالم المتلاطمة بعد ان سلم نفسه رغبة ورهبة لعالم صليبى متصهين واهما من عطشه انه الماء فاذا به سراب يليه سراب .
المانيا و غيرها من الدول الاوروبية بحاجة الى المهاجرين و لكنهم يريدون الانتقاء ويزعجهم معدل التدفق. هذه هي المشكلة اما الامور الانسانية فهي لعبة الاعلاميين و السياسيين.
المانيا و هنجاريا و النمسا و اليونان ينسون او يتناسون هجرتهم الى البلدان الاخرى و منها مصر و سوريا ما بين الحربين و اثناء و بعد الحرب العالمية الثانية. هل تذكرون الراقصات في اوبريتات السينما المصرية القديمة؟ اغلب الراقصات كانوا من مهاجري النمسا و هنجاريا التي ترفض المهاجرين اليوم.
الذي يحدث الان هو قبول اللاجئين و تأهيلهم للعمل و الاقامة في هذه البلاد. اي سرقتهم من بلادهم الفقيرة و بالانتقاء
المساعدة الانسانية تكون بمساعدة اللاجئين بالايواء.ثم المساعدة في انهاء حالة الحرب و من ثم اعادتهم الى بلادهم. او تكون بمساعدة الدول المجاورة لايوائهم بشكل مؤقت. او تكون بانشاء مناطق آمنة في البلاد المنكوبة. لا سيما و ان لهم يدا في كل نكبات المنطقة ما داموا يساعدوا و يدعموا اسرائيل اس البلاء.
لقد وفيت السيد واسيني في مقالك هذا.
السيد واسيني الأعرج المحترم
هل نسيتم المحارق في البلاد العربية التي قام بها المستعمورون عند إحتلالهم لبلادنا أو قبيل إحتلالهم لها . لقد أحرقونا في ليييا وفي الجزائر وتونس والمغرب ومصر وسوريا والعراق محارق بقنابل الطائرات والمدفعية .. و في فلسطين ولبنان قام اليهود بحرق مدن بأكملها وهذه جنين وصبرا وشاتلا وغزة ما زالت تعاني من ألم الحرق .