ريف اللاذقية ـ «القدس العربي» توفي «ن.ع» منذ بضعة أيام في دير الزور، وجاء خبر وفاته بعد ساعة من آخر حديث له مع أخيه «ج.ع» الذي كان يخاف عليه كثيراً.
يقول «ج.ع» : إن عدد المشيعين كان قليلاً جداً، إذ إن الطقس كان عاصفاً، واختصر أمر الدفن على الأقارب والشيخ وضابط الجيش الذي رافقه من دير الزور، مستدركا بحسرة شديدة بالقول «عندما توفيت جدتي في مثل هذه الأيام منذ خمس سنوات كانت الثلوج تغمر جبلنا بالكامل، وكانت رياح الشمال سامةً من شدة البرد، ومع ذلك هبت القرية بأكملها للجنازة والدفن».
يتابع «حينها شعرت بأن جدتي هي جدة القرية كلها، لكن حدث الوفاة حينها كان جليلاً عند الناس، وكان مهيباً يليق بحدث الموت، فالناس اليوم باتوا معتادين على مراسم الدفن، لا بل ضجـــروا من تكرارها ومن حزنهم على كل فقيد».
يتابع «ج.ع»: «كانت لدي رغبة جامحة بالبكاء على أخي لحظة دفنه ولم أستطع، فقد كان الجميع مستعجلاً في أمور الدفن، حتى هذا الشيخ قرأ فاتحته على القــــبر بســـرعـــة وغادر، وبدأ الجميع برمي التراب دون وجل، كانوا في بعض الأحيان يصرخون كورشة بناء أو يضحكون أحياناً على نكات يطلقها رجل هنا أو هناك، لم يكن دفناً يليق بأخي، كان أشبه بواجب ثقيل يريده الجميع أن يمر بسرعة».
وحول سبب التحاق أخيه بالقتال، يجيب «ج.ع»: «طلب أخي للاحتياط فأبى الذهاب، كما أنه أبى الرحيل خارج البلاد، كان فلاحاً يعمل في الأرض ويعشق البراري ولا يأبه إن احترق العالم أم لم يحترق، لكن الضغوط تزايدت على والدي، وراح أمين الفرقة الحزبية يرسل دوريات الشرطة الواحدة تلوى الأخرى للبيت، إلى أن استسلم للأمر الواقع وسلم نفسه بعد عناء طويل».
يوضح أن أمين الفرقة نفسه حضر الجنازة بسيارته، ترجل لدقائق قليلة، ومن ثم صعد سيارته مخافة أن تصيبه نزلة برد، لقد كان يختال كذئب، لن أنسى أنه سبب وفاة أخي ما حييت، كان أمين الفرقة ومن معه من المسؤولين يتبادلون الحديث ويضحكون وكأنهم في سهرة ماجنة، انتقلوا سريعاً لمجلس العزاء، ولحقهم من تبقى من معزين».
يبين «في هذه الأثناء بقيت أنا أرمي التراب فوق قبر أخي مع شابين آخرين، وراودني إحساس عميق بالبكاء الصامت في داخلي بينما أحاول إنهاء أمر الدفن بسرعة، فقد كان البرد شديداً وكان هؤلاء الشبان يعانون البرد ويريدون الخلاص بسرعة».
كان «ج.ع» في حالة اكتئاب شديد، ليس فقط لمقتل أخيه وتشوه الجثة لدرجة كبيرة، لا بل لإحساسه بأنه «يواجه أمر موت أخيه هذا وحيداً، ولإحساسه العميق بالضعف والخيبة»، وخلال حديثنا معه كان يردد طويلاً أمر الدفن وإلقاء التراب على القبر، وكم أخذ هذا وقتاً وجهداً، وكان يصف لون التراب وكمية الأحجار وكل شيء.
«ج.ع» هو واحد من آلاف الشبان الذين باتوا يشعرون الآن بالخيبة وبالضياع، جراء فقدانهم لأقربائهم في معركة سقف طموحاتهم فيها تسويةً ينجو فيها رأس النظام ويقعون هم ضحية الفقر والنسيان.
فقد هذا الشاب معنى الحياة بموت أخـــيه، ولم يعد يشعر بجدوى أي فعل يقوم به، ولا يفكر الآن سوى بـ «الانتقام من تلك الذئاب التي كانت تحوم حول قبر أخيه وربما يحلم بأن تصفى قريته وعالمه الصغير من أتباع آل الأسد وللأبد».
أليمار لاذقاني
الى متى يضحي العلويون بحياتهم لأجل نظام استغلهم أسوأ استغلال
شكرا لك يا أستاذه أليمار على نقل هذه القصص الواقعية
وللعلم لم يكذب رواياتك أي علوي لحد الآن
ولا حول ولا قوة الا بالله