الوجود التركي قرب الموصل… آمال كثيرة وفرص قليلة 

حجم الخط
1

كل المساعدات التركية العسكرية لحكومة بغداد في حربها على «الإرهاب» لم تشفع لها، فمجرد استبدال قوات تركية موجودة أصلا منذ أكثر من عام، في إطار مهمة تدريبية مع قوات البيشمركة الكردية، ثارت ثائرة العبادي، وكل رموز القوى الشيعية العراقية، من المالكي حتى العامري وصولا للسيستاني، الذي لا يصدر منه موقف عادة الا بحدث يتم التعامل معه على مستوى القيادة العليا لحلف طهران بغداد. 
لماذا كل هذا الغضب؟
إضافة إلى الخلفيات المذهبية التاريخية، التي تشير لصدامات تركيا العثمانية مع الصفوية الشيعية، أو مع العشائر الجنوبية العراقية كالخزاعل، التي ينتمي لها اليوم أحد ابرز قيادات الفصائل المسلحة للحشد قيس الخزعلي، فإن توازنات القوى النافذة في العراق حاليا (المرتبطة بإيران) لا تريد أي صعود لمحور آخر منافس بالعراق، خصوصا إن كان محورا يتلقى دعما من تركيا والسعودية والولايات المتحدة، وهي دول إما على خلاف سياسي مع إيران، أو على الأقل ليست حليفا بالمشروع الإيراني، حتى إن كانت تحارب «الارهاب».. فما دامت تحارب، «الإرهاب السني» فلا مانع ان تقصف طائراتها العراق وسوريا، أما إذا أردات أن تحارب «الإرهاب الشيعي» فمعناها أنها ستدخل بصدام مع الدولة الراعية، إيران. 
نعود للحديث عن الدور التركي تحديدا في العراق، الذي تبدو إيران حذرة من تزايده، سواء كان نفوذا تركيا مباشرا، أو غير مباشر من خلال حلفاء داخل العراق مثل بارزاني في شمال العراق، المدعوم أمريكيا، أو من خلال الكثير من القوى السنية التي تسعى لإقليم سني مدعوم أمريكيا منفصل عن حكومة بغداد، كالنجيفي والعيساوي وغيرهما، بعد أن سبقهم تنظيم «الدولة الإسلامية» بهذه الخطوة، باخراج معظم المناطق السنية من سيطرة حكومة بغداد وميليشياتها الموالية لإيران.
لقد استخدم موضوع دخول بضعة مئات من القوات التركية لمعكسر بعشيقة، حجة لاظهار نوايا مسبقة في تحجيم أي نفوذ تركي متزايد، وتزامن مع غضب روسي من تركيا، اضطرت تركيا أمام هذه الضغوط للانسحاب ولو جزئيا من المعسكر، ما يعني إعاقة مهمة القوات التركية قبل بدئها، وهي إشارة سياسية تلقتها أنقرة  من طهران واستجابت لها على مضض، ومضمونها، لا تقتربوا من مناطق مصالحنا الحيوية أكثر من اللازم.. 
هناك من يتحدث عن أن هذه القوات لها مهام أكبر من مجرد التدريب، لكن الصحيح أيضا أنها لا تملك إمكانيات للدخول بحرب برية في الموصل (مشاركة فعلية وليس إسنادا وتدريبا) لأنها محاصرة بواقع معاد سياسيا وعسكريا، فإضافة إلى أن المسؤولين الأتراك ذكروا أكثر من مرة أنهم لن يدخلوا بحرب برية في سوريا أو العراق، وإضافة للتأثير السلبي سياسيا على الحكومة التركية في حال زجت قواتها في حرب برية، وما سيتبع ذلك من خسائر واستنزاف، يضاف لما تواجهه اصلا على جبهة حزب العمال الكردستاني الداخلية في شرق تركيا، أو الخارجية في شمال العراق. إضافة لكل هذا، فإن عدة عوامل تحول دون دور اكبر للاتراك عسكريا في شمال العراق، فأولا، لا يبدو واقعيا مجرد التفكير في مدى الدعم الذي قد تحققه قوات تركية محدودة لقوات البيشمركة وقوات مهلهلة من الصحوات السنية التي يجري تجميعها في كردستان العراق بإشراف النجيفي ودعم امريكي، ففي حال إنجاز هجوم على الموصل، فماذا ستفعل قوات تركية اكثر مما تفعله قوات امريكية خاصة في الرمادي واربيل وطائرات امريكية وغربية مقاتلة تقصف مواقع تنظيم الدولة بالعراق لمؤازرة البيشمركة والميليشيات الشيعية، منذ نحو عام بلا نتائج كبيرة تتناسب مع هذا الحشد العالمي؟
وحتى قوات الصحوات السنية التي يجري تدريبها، لم تشارك حتى الآن بمعركة منفردة ولم تظهر للان كقوة ذات شأن، وهذا يرجع ايضا إلى أن حكومة بغداد ومن ورائها ايران لا تسمح بأي قوة سنية مستقلة، حتى إن كانت تحارب تنظيم الدولة بصف حكومة بغداد، وقد بينت السنوات السابقة أن القوات السنية التي حاربت تنظيم «القاعدة» إلى جانب قوات الحكومة العراقية، تم حلها، وجمدت عنها كل الموارد المالية والرواتب.. لذلك فإن الاعتقاد بإمكانية تشكيل قوات سنية لمحاربة تنظيم الدولة باشراف تركي وعلى اراضي كردستان، هو امر ينتمي لمرحلة فائتة، وقد حاول القيادي السني البارز رافع العيساوي، على مدى العامين الماضيين، إحياء هذا المشروع من خلال علاقاته الوطيدة مع الأمريكيين الذين تعاون معهم منذ سبع سنوات، حين شكل الأمريكيون الصحوات.. قبل أن يخرج الأمريكيون من العراق وينتهي الأمر بقادة السنة السياسيين تحت رحمة حكومة المالكي ليصبحوا بين مطرود من العراق أو مهمش، كالهاشمي والعيساوي نفسه.
إذن فالمشاركة التركية عسكريا ليست إضافة نوعية فارقة، ولعل التساؤل المنطقي هنا الذي يجب على المراقب طرحه، هو لماذا ستنجح قوات تركية في غحداث تغيير بوسائل عسكرية في الموصل البعيدة عن خط الحدود العراقية التركية؟ بينما عجزت القوات التركية عن إحداث هذا التغيير على الحدود التركية العراقية منذ سنوات أمام قوات حزب العمال الكردستاني؟ كما أن تركيا لم تنجح لا سياسيا ولا عسكريا في التعامل مع الجيب الكردي على حدودها السورية، رغم أنه يمثل خطرا أمنيا قوميا أكبر بكثير مما تمثله الموصل، وحتى المنطقة الآمنة الملاصقة للحدود التركية مع سوريا، لم تنتزع منه للآن قرية واحدة من تنظيم الدولة، فلماذا سينجح الأتراك في الموصل فيما عجزوا عنه في حدودهم الجنوبية مع سوريا والعراق وعلى مدى سنوات؟
مشروع الإقليم السني يبدو حلا جذابا قد يجمد النزاع الحالي بلا شك، والسنة يأملون منذ سنوات من تركيا والسعودية وامريكا والبارزاني دعم هذا الخيار، وهو عمليا الانفصال عن حكومة بغداد، ولو لم تكن هذه الدول تمانع أن تحارب تنظيم الدولة او «القاعدة» في المناطق السنية مقابل منحها الإقليم، لكن ما حصل ببساطة ان تنظيم الدولة سبقهم، حقق هذا الأمر واقعا بإخراج هذه المناطق من تحت سيطرة حكومة بغداد، بينما ظل سنة العملية السياسية ينتظرون النجدة من الخارج، من الدول التي لا تريد ولا تستطيع مواجهة المشروع الإيراني في العراق وسوريا ولا تملك القدرة على بناء تحالف سني متين.  وحتى قوات الصحوات السنية التي يجري تدريبها، لم تشارك حتى الآن بمعركة منفردة ولم تظهر للان كقوة ذات شأن، وهذا يرجع ايضا إلى ان حكومة بغداد ومن ورائها ايران لا تسمحان بأي قوة سنية مستقلة، حتى إن كانت تحارب تنظيم الدولة، وقد بينت السنوات السابقة أن القوات السنية التي حاربت «القاعدة» إلى جانب قوات الحكومة العراقية، تم حلها، وجمدت عنها كل الموارد المالية والرواتب..
من الناحية السياسية، يبدو واضحا أن إيران لن تقبل بعودة هيمنة تركية على أي مدينة عراقية في زمن قوة المشروع الإيراني، وكما قلنا فإن طهران وحلفاءها في حكومة بغداد بإبعادهم للقوات من معسكر بعشيقة، وجهوا رسالة حادة لأنقرة بان لا تقترب كثيرا من مناطق نفوذهم،، أما بالنسبة للاكراد في شمال كردستان العراق فلن يروق لهم ايضا  ان تتحول اربيل عاصمة البارزاني الزعيم الكردي، لموقع قوة جديد لعدوهم التركي.. 
أما الطرف الثالث الذي سيكون غاضبا، فهو حزب الاتحاد الكردستاني، بقيادة  طالباني، منافس بارزاني، ونعرف أن علاقة بارزاني وطالباني تمر بفترة حرجة الآن، وسبق أن تصاعد التوتر بينهما في الأشهر الأخيرة لمستويات عليا، وكل منهما مرتبط بحلف، فبارزاني مرتبط بحلف تركي امريكي، وعلاقته مع ايران والنظام السوري متوترة، أما طالباني فهو الطرف الكردي المفضل لدى طهران والنظام السوري، وكذلك حزب العمال الكردستاني، ولا ننسى أن بارزاني استعان مرة بقوات صدام حسين اواسط التسعينيات ضد شريكه في حكم كردستان العراق اليوم، طالباني، الذي فرت قواته انذاك لإيران.
وفي هذا الإطار نعود للتوازنات نفسها، وإن من باب طالباني هذه المرة، فايران لا تريد تقوية طرف كردي مقرب للغرب ولتركيا في كردستان، على حساب حليفها الكردي المفضل طالباني، ولا تريد فتح للمجال لنفوذ اردوغاني في كردستان العراق من بوابة بارزاني.
ولعل الانسحاب التركي من معسكر بعشيقة (او اعادة الانتشار لحفظ ماء الوجه) هو ما يختصر المشهد امام من يبحث عن رؤية لمستقبل الوجود العسكري التركي شمال العراق، فالبعض متأثر بالواقع المر للسطوة الإيرانية، يرى الأمر بكثير من الآمال والأمنيات، وبالقليل من الموضوعية.. بدون ان يسأل نفسه: بدل أن ننتظر المعونة من تركيا وبارزاني وأمريكا لمواجهة إيران، إلى متى تظل الأحزاب والكيانات السياسية للعرب السنة  بلا مشروع؟

٭ كاتب فلسطيني من أسرة «القدس العربي»

وائل عصام

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول Ali:

    الاقليم السني وحتى دولة جديدة تجمع السنة في غرب العراق وشرق سوريا هي الحل الامثل ولكن مع الاسف هناك قصر نظر سياسي عند المكون الشيعي بالعراق سيغلق هذا الحل الامثل بتوجيهات من ايران طبعا والتي ستفعل المستحيل لوحدة العراق ولوحدة سوريا إحتياطا ولكي لا تنتقل عدوى رسم حدود جديدة قربهم إليهم،،،،

إشترك في قائمتنا البريدية