لا شك في أن الخط المغربي في سياقه الجمالي يعرف تطورا وازدهارا ملحوظين، لكن هذا لا يعني أن المجال برمته بخير، بل إن هناك وضعا آخر يحتاج إلى نقد بناء، ويحتاج إلى تقويم حكيم، وذلك راجع بالأساس إلى بعض العقليات التي لا تزال تعيش في الوهم وفي براثن الأحقاد والحسابات الضيقة، في غياب الوازع الموضوعي وغياب الوعي. وهذه العقليات تجعل الوضع الحروفي السائد في مأزق، نتيجة تأثير التفرقة والشتات على كل المكونات الأساسية للخط المغربي، خاصة منها العنصر البشري. لذلك فإن هذا الوضع المتأزم نتيجة التفرقة القاتلة بين مختلف هيئات المجتمع المدني التي تؤطر مجال الخط المغربي، والتفرقة المميتة بين مختلف الفاعلين في المجال نفسه تتسبب في كل وقت وحين في وضع الخط المغربي على حافة الانهيار، وتوصله إلى مصحة الإنعاش، بل إن ذلك يضع الخط المغربي في مفارقة بين وضعه الجمالي المتقدم ووضعه العقلي المتخلف. فبقدر ما يزداد تطورا وجمالا ويذيع جماله في الأمداء، بقدر ما تُصر بعض العقليات على التفرقة والزيادة في حفر الهوة وتكثير الشتات ووضع المعوقات والعراقيل لكل الأعمال الجادة. وإن كانت الغرابة تشد بعض الأوفياء وعظام الرجال إزاء هذا الوضع، فإن غياب التواصل الفني والمعرفي والعلمي والجهل ببعض المزايا التي تخص قدسية الخط، وشرف الخط، وروحانية الخط، وأهداف الخط، وتربوية الخط، وثقافة الخط، تجعل بعض العقليات تتمادى في الخسران وتنحت بؤرا للنزاعات، وتشكل مساحات للتخلف، علما بأن مجال الخط عموما يحتاج إلى رجال عقلاء وحكماء وأصفياء، وأطهار في قلوبهم، وأنقياء في عقولهم، وموضوعيين في تشكيل خطاباتهم، ومتزنين في معاملاتهم، وحكماء في تواصلهم. لا تحكمهم الأخيلة الهدامة، ولا الطمع المجحف، ولا تحركهم المصالح الذاتية، بل تحكمهم الأخلاق أولا وأخيرا، فيشتغلون بنوايا حسنة وبأهداف سامية، ومساع تخدم مجال الخط المغربي في شموليته.
لقد بلغ الخط المغربي مبلغه من الجمال، ومن الدراسة والبحث، ومن التقعيد، فتجلى في مشاهد متنوعة، بأهميته في التربية والتعليم وفي الفن وفي مختلف تجلياته، وتقاطع مع الشعر والنثر ومع مختلف النصوص ليشكل خطابا بصريا بمرجعيات تاريخية وتنظيرية رائقة، خاصة أن المادة الخطية في المغرب عامة قد أسست لرصيد تاريخي علمي ومعرفي وجمالي، لكنها تحتاج في الظرف الآني إلى مقومات أخلاقية وإلى عقلاء للمضي في النهج المشرق بتطلعات جديدة وإشراقات جديدة وأفكار أخرى جديدة.
٭ كاتب مغربي
محمد البندوري