قبل ثلاث سنوات، في مثل هذه الأيام، كتبت مقالا، بدا متشائما في حينه، كان عنوانه (صهينة العالم العربي!)، ولكن السنوات التي مرّت أثبتت أنها ليست قادرة على هزيمة خيالنا وحسب، بل قادرة على هزيمة حتى تشاؤمنا، حين تفوقه ظلمة! نحن الذين بتنا نتعامل مع الأمل، كلما تبرعم، بخوف شديد، بعد أن ثبت أن من يترصّدون الأمل، لقتله في مهده، وفي عنفوانه، باتوا أكثر من أن نستطيع إحصاءهم.
كانت الدولة الصهيونية، ولم تزل، الدولة المتمتعة بتغذية متجددة من الفاشية والعنصرية، تتوسع وتلتهم كل ما حولها، من أرض وسماء وماء وهواء، وكان كثير من المستنيرين في عالمنا العرب يعلّقون الأجراس في رقبة هذه الأمة، كلما أتيح لهم ذلك، بين سجن وسجن، ومنفى ومنفى، واعتقال وتهميش، وهم يصرخون بأعلى أصواتهم، محذّرين من كيان عنصري يتمدّد تحت طاولات اللقاءات السرّية وفوقها، ويسعى لبسط نفوذه على العالم العربي، الذي بدا منذ مطالع هذه الألفية أكثر قابلية، على المستوى السياسي، لوضع كل أوراقه في سلّة هذه الدولة العنصرية. لكن أحدا لم يكن يسمع، ولذا واصل الكيان العنصري تحرّكه بليونة، غير مضطر لاستخدام طائراته ودبابته ليصل إلى عواصمنا في الظلام، ثم تحت الشمس، في ظل صمت رهيب لهذا الوعي المُغيّب.
لم يدرك النظام العربي، أن فلسطين التي تم التآمر عليها عام النكبة، وعام النكسة، وخلال أعوام المذابح الكثيرة، التي أخذت خلالها كثير من الأنظمة حصّتها من الدم الفلسطيني، كما أخذ العدو الصهيوني حصته ويأخذ، لم يدرك هذا العالم العربي أن فلسطين كانت تحميه، وتحمي أولاده باستشهاد أولادها، وتحمي ما تبقى له من شمس بسجنائها، وتحمي أرضه فعليا، وليس مجازيا، بمقاومة أهلها؛ فقد استطاع شعبها أن يثبت لعدوّه أن احتلال أي أرض عربية أخرى، والإقامة فيها، أمر مستحيل، لأن هذا الشعب أثبت أن الجيوش بعد أن تهزم، لا تترك وراءها إلا مقاومة الشعب التي لا تنتهي.
بهذا المعنى، كانت فلسطين حارسة لعمّان، ودمشق، والقاهرة، وبيروت، وبغداد، وكل عاصمة عربية حلمت بها الصهيونية أرضا لها، من النيل إلى الفرات. وكانت القدس حارسة لمكة، وكل بقعه مقدسة، وكل الأرض العربية مقدسة حين يكون العدو هو هذا الكيان الفاشي العنصري.
لقد قامت فلسطين وشعب فلسطين بما عليهما، لكن فلسطين التي نجحت طوال مئة عام أن تتحرر من الخوف وتتحرر من القبول بالاحتلال والذل والذوبان، وتتحرر من اليأس، وهي تصعد من الحروب التي تشنّ عليها، حية تُرزق ثورة بعد ثورة وانتفاضة بعد انتفاضة، بدءا من الاستعمار الانكليزي، والهجرة الصهيونية، والحروب المتتالية، ومن المؤامرات التي بدأت على ثورتها الكبرى عام 1936 حتى اتفاقيات أوسلو، فلسطين هذه، التي استطاعت قضيتها أن ترفع منسوب الكرامة في دماء وأرواح أبنائها، استطاعت أن ترفعه في دماء وأرواح الشعوب العربية، وكثير من شعوب العالم. وبرغم ذلك كله، راح كثير من الأنظمة يسلم مفاتيح عواصمه لبنيامين نتنياهو ووزيره الفاشي ليبرمان، من دون أن تُطلَق رصاصة واحدة صوبها، حتى ولو كانت رصاصة مطاطية، لأن هذه الأنظمة باتت أسيرة عبودية بالوكالة، عبودية تفرضها واشنطن، لكن الوكالة الحصرية بيد الصهيونية.
.. وأعود إلى عنوان هذا المقال، الذي تناسلت منه هذه الأحزان، لأقول إن من المحزن، أن نكون عربيا قد وصلنا إلى هذه الحالة، بحيث يمكن أن نُطلق على عالمنا العربي صفة السليب، في معظم بلدانه اليوم؛ فبعض البلدان سليبة لأنها باتت فعلا في قبضة الصهيونية، إن لم نقل حليفتها، وبعض البلدان سليبة بالدمار الذي اجتاحها بسبب الموهبة الاستثنائية لأنظمتها، التي تتقن كل شيء، إلا شيئا واحدًا هو منْح ولو قليل من الحرية، لرعاياها! لأن خراب الديار، بالنسبة لهذه الأنظمة، أقل خطرًا عليها من وجود بشر أحرار، وبعض هذه البلدان سليبة بالفقر، وبعضها سليبة بسبب الثراء، ومنها سليبة بالطائفية، ومنها سليبة بالتقسيم، ومنها سليبة بالحروب الدينية والأهلية، ومنها من سلَّمت نفسها لتضمن أنظمتها البقاء، مستعينة بالحكمة الوحيدة التي اخترعتها، وتشبّثت بها: خذوا ما تحتنا وما فوقنا، وما على جوانبنا، ولكن دعونا في مواقعنا، لا خدما لشعبنا، بل خدما لكم.
.. وحتى فلسطين، التي لم يستسلم شعبها أبدًا، ابتُليت بقيادة لا تشبه روح هذا الشعب، وهي جزء أساسي من تدهور مكانة فلسطين في العالم، وفقدانها لقوتها، ففي وقت كانت فيه دول أوروبية وغير أوروبية، داعمة لمقاطعة الكيان الصهيوني، كانت القيادة الفلسطينية، ولم تزل، غير قادرة على أن تتخذ هذا الموقف. وقد كان يمكن أن يكون وضع فلسطين، السليبة ثلاث مرات: بالاحتلال الصهيوني، والقيادة الرخوة، والتخاذل الرّسمي العربي، أن يكون وضعها أفضل بكثير، وأن تكون طريقها إلى حريتها أقصر، لو كانت تملك قيادة يرى فيها الضمير الإنساني رمزا للكرامة الإنسانية كلها، كما كان الأمر في جنوب أفريقيا، وفيتنام وسواهما من الدول التي بلغت شواطئ تحررها.
وبعد:
صعــدنا.. إلى منبرِ الكلماتِ
نـزلنــا.. إلى ساحةٍ من رصاصٍ
هتفنـــا.. إلى أن تشقَّقتِ الـروحُ
بُحَّ دَمٌ، بُحَّ حُلْمٌ.. وصوتْ
ختمنا معاركَنا ورجعنا
وإذ قاتلونا.. هنالكَ في البيتْ!!
إبراهيم نصر الله
التسابق نحو الصهينة أصبح الطريق الأسهل لتثبيت الحُكم وإستمرارية المصالح بالوطن العربي “السليب” !
ولا حول ولا قوة الا بالله
مقالك استاذ ابراهيم يجرح الروح، سلك شائك يفز الشرايين، يزيدنا ألما على ألم، صدقت رؤياك، وصدق قلمك، هذه هي أنظمة الخنوع والركوع أمام قوى التغطرس والفاشية والعنصرية الصهيوـ امريكية. لم يتبق لنا سوى نضال الشعوب ضد هذه الانظمة العميلة بالمقاطعة كسلاح في أيدينا
وبعد:
نزلنا ألى ساحة من رصاص
وهجرنا منابر الكلمات
نزفنا دما، ونضحنا عرقا،
وثكلت الامهات
ولبسنا ثوب الحرية
لنبني ما هو ات
الفلسطينيون لم و لن يستسلموا ، و كذا العرب .
و لكن هناك فاصل بين هذا و خطوات السياسة .
بعد أن شهدت في حياتي الكثير من الحروب و نتائجها ، أصبحت أتسائل هل من الأخلاق و العقل و المنطق أن يقود قائد شعبه الى حرب من الممكن تفاديها ، أو يكون بلده و شعبه غير مؤهل تماماً لخوضها؟
لماذا ندخل في حروب تستمر لسنين طويلة و كأنها كورس جامعي يكفي لحصول المرء على شهادة الدكتوراه بعد الثانوية العامة !
هناك خلل كبير في تفكيرنا !
بإعتقادي ، و أعترف شخصياً لا حول و لا قوة لي وضع ذلك و لو بمقدار ذرة ، أو أن أكون مطمئناً أني مصيباً في ذلك، بإعتقادي ، أننا في حاجة لمؤسسات فكر تضع خطوط عريضة حول كيف الخروج من هذا المأزق التاريخي ، الذي نتج عنه سيل من الدماء على مدى عشرات السنين و خراب الديار .