لم يحتفل لبنان بعيد استقلاله هذا العام، اقتصر الاحتفال على المطر التشريني الذي قطّع أوصال الطرقات، وحوّل الشوارع إلى برك. أغمض الناس عيونهم ودخلوا من جديد في سبات العجز.
لكن ما يبدو عجزاً وطنياً يتمثل في عدم القدرة على تأمين نصاب انتخاب رئيس جديد للبلاد، هو مجرد قشرة خارجية تغطي حيوية مبتكرة تصنعها الطوائف اللبنانية، وهي تتابع ملاحقة أوهام الهيمنة التي تستبد بها.
حزب الله يتابع حربه في سورية، ويحافظ على استقرار وضعه اللبناني في انتظار جلاء غبار الحروب التي تجتاح المنطقة، تيار المستقبل يواصل حرب عض الأصابع والمحافظة على وضع قائم يسمح له بأن يستمر شريكاً في السلطة اللبنانية، أما التيار العوني والقوات اللبنانية فيواصلان حرب «الإلغاء» بلا هوادة، ويعلنان أن أحد الأسباب الرئيسية لانهيارالصيغة اللبنانية كان ولا يزال صراع القبائل المارونية الدموي على السلطة.
لا شيء يثير في هذا الوطن الصغير المؤجّل. حتى فضائح الفساد الغذائي وتلوّث الطعام والمياه، والعنصرية ضد اللاجئين السوريين، دخلت في العادي الذي يجري التأقلم معه بسرعة، ويصير جزءا من كوميديا سوداء اعتادها سكان هذه البلاد وأعطتهم مناعة استثنائية تجعلهم قادرين على البقاء.
لبنان ليس المسألة الا بصفته مؤشراً. وما كشفه ويكشفه الحاضر اللبناني هو ان انهيار الفكرة العربية، الذي بدأ مع الهزيمة الحزيرانية وما تلاها من ديكتاتوريات سافرة، لم يكن طريقاً إلى بناء الوطنيات والأوطان، كما اعتقد البعض، بل حمل معه انهيار الأوطان نفسها، لأنه انتقل بنا من فكرة عربية غامضة الملامح لكنها تحمل الحد الأدنى من شروط الوحدة الاجتماعية، إلى التفكك الطائفي.
ومع التفكك الطائفي الذي مرّ في محطات مختلفة، من الحرب العراقية الإيرانية إلى مذابح حماة، ومن احتلال الكويت إلى الغزو الأمريكي للعراق، ومن فشل مشروع السلام العربي إلى قانون قومية ويهودية الدولة العبرية، ومن الاستبداد الأسدي إلى الهمجية الداعشية، يبدو لبنان وكأنه رسم الاتجاه العام في المشرق العربي.
بديل الفكرة العربية التي حطمها الاستبداد وفضحتها الهزائم، لم يكن ولن يكون الذهاب إلى الدولة – الأمة، بل النكوص إلى ما دون الدولة الوطنية التي رسمت سايكس بيكو ملامحها، أي إلى صراعات دينية سمتها الأساسية هو وحشيتها وقدرتها التفتيتية الهائلة، وعبثها بمكونات المجتمع، وكراهيتها للأقليات الدينية والقومية.
واللافت ان هذه الموجة لا تستثني أحداً، وإن أي خطاب ديني أو طائفي حتى وإن تغطّى بشعارات الممانعة والمقاومة، يجد نفسه في المصيدة. حزب الدعوة الحاكم في العراق يدعو الأمريكيين للتدخل عسكرياً، وحليفه حزب الله شبه الحاكم في لبنان يعلن أنه يقاوم الهيمنة الأمريكية! معادلة تشير إلى أن المسألة لا تتعلق بالنيات بل هي مسألة مرتبطة بعملية التفكك الشاملة التي تعيشها المنطقة.
وهذا ينطبق ايضاً على ما يبدو جنوناً إسرائيلياً، فالمسألة نفسها تنطبق على الأقلية اليهودية في فلسطين، التي يجتاحها اليوم هوس ديني- قومي، يقودها إلى الانتقال بالعنصرية من مرتبة الممارسات إلى مرتبة القوانين. فقانون القومية يعلن أن إسرائيل كشفت مشروعها العنصري عبر تحويله إلى دستور حياة.
كان لبنان في حربه الأهلية الطاحنة مؤشراً على النكوص إلى ما دون المشروع الوطني. وكانت نهاية الحرب عبر اتفاق الطائف والهيمنة السورية اعلاناً بأن حرب لبنان دخلت في هدنة ولكنها لم تنته، وهذا ما سيجعل منها نموذجاً أولياً للحروب في سورية والعراق التي تفوقت عليها في الهمجية.
لكن هذا الوطن الناقص والمؤجل، وعلى الرغم من شلل مؤسساته، يحافظ على توازن مفاجئ. صحيح ان هناك انفجارات لبؤر مسلحة تمتد من الشمال إلى الشرق، لكنها بقيت انفجارات محدودة يمكن تطويقها واحتواء تداعياتها. وهذا مؤشر على أن القوى المتصارعة في المنطقة لم تحسم خياراتها بعد. اذ أن لحظة انفجار الصراع المسلح الشيعي- السني في لبنان، سوف تعني أن المنطقة وصلت في انهيارها إلى نقطة اللاعودة.
ربما يعود هذا الأمر إلى أن حرب لبنان بقيت في إطار طائفي ولم تتحول إلى حرب دينية. وفي الصراع الطائفي هناك تنازع على السلطة وليس على الوجود. أما الحروب الدينية فهي حروب وجود وتكفير وإبادة. ولكن إلى متى تستطيع البنى الطائفية المحافظة على القدرة على عدم الانزلاق إلى الصراعات الدينية؟
الاستقرار النسبي الذي يعيشه لبنان اليوم كان يمكن أن يكون مؤشراً مضاداً للاتجاه الانهياري في المنطقة، لكنه للأسف لن يكون. لا لأن الطبقة السياسية اللبنانية تفتقد إلى الحكمة ومشغولة بنهب ما تبقى من موارد الدولة فقط، بل أيضاً لأن البنى الطائفية مرتبطة تكوينيا بالخارج. الشيعية السياسية بايران، والسنية السياسية بالسعودية، وهما لا تملكان قرارهما.
بدل أن يكون هذا الاستقرار النسبي مناسبة لترميم بنية الدولة المتداعية، فإنه يتحول إلى استقرار انتظاري، وفي الانتظار تتآكل الدولة ببطء وينزلق لبنان إلى الهاوية.
الوطن الذي ولد ناقصاً عام 1943 صار اليوم وطناً مؤجّلاً.
هل يحمل هذا التآكل ملامح انقلاب على الطريقة الحوثية يقود لبنان إلى المستنقع؟ أم انه مجرد انتظار لما سترسو عليه توازنات المنطقة؟ أم أن هناك احتمال يقظة للمجتمع المدني نتمناها وسنبقى نسعى إليها مهما كانت ضئيلة.
الياس خوري
لبنان قبل 1975 هو ليس لبنان بعد 1975
مطبخ انقلابات العرب وسياسيهم واقتصاديهم ومثقفيهم كانوا بلبنان قبل 1975
أما التخندق الطائفي والتبعية للخارج والخيانة كانوا بعد أحداث سنة 1975
كانت أموال العرب ببنوك لبنان وسياحتهم الأولى لبنان ثم تغير الحال
ولا حول ولا قوة الا بالله
many thanks
تحياتنا للاستاذ الياس خوري الكاتب القدير والمحترم،استاذ الياس في لبنان و سوريا كان هناك رجلان انطون سعادة و ميشال عفلق،الاول اسس الحزب القومي السوري الاجتماعي والثاني مؤسس حزب البعث العربي الاشتراكي وشعاره هو امة عربية واحدة ذات رسالة خالدة..وحدة حرية اشتراكية ،و في سوريا كان موجود ايضاً الحزب القومي السوري الاجتماعي و لو وصل الحزب القومي السوري الاجتماعي الى الحكم في سوريا لكان افضل لسوريا و للجميع وما كان اعتقل واعدم انطون سعادة وربما او يمكن لكان الحال والوضع افضل في سوريا ولبنان من الآن ،ماذا استفدنا من الحزب البعث في سوريا غير الاهانة والقتل والتهجير والسجن والاغتصاب و الذلّ لكرامة الشعب السوري و في النهاية دمرت سوريا و شعبها.
سلم القلم يا استاذ الياس انت شخصت المشكلة شيعية سياسية مرتبطة بطهران وسنية سياسية مرتبطة بالعربيةالسعودية واما الانقلاب الحوثي فاظنه اكيدا بدات بشائره بمحاولة الانقلاب على صمام التوازن في بلد هش تعصف به الريح الاقليمية العاتية حتى تفتته وتذره قاعا صفصفا لا ترى فيها عوجا ولا امتا انه الدعوة الى تغيير النظام واتفاق الطائف القائم على فكرة افضل السيئ خير من الضياع فالى اين نحن سائرون ما لم ترتكب تسوية اقليمية شاملة ستعصف الريح بالبلدخاصة وان هناك من يريدون ان يكملوا هيمنتهم بتشميعالبلاد باسمهم بالشمع الاحمر ورسم خريطة جغرافية وديمغرافية تضمن هيمنتهم قبل انجاز النووي نهائيا ستشتعل حرائق كثيرة لتاكيد نفوذ هؤلاء فصبر ايها الوطن المنسكب حزنا من قلمك وصبرا يا صاحب القلب الاسيف على ما ال اليه الحال الاكثريات في خطر فهل نلوم الاقليات على خوفها منا نحن الغولين الشيعي والسني الله يصلح الاحوال وقربت تنحل كلمتك مدى الحياة وتعازينا بالطائف