يصبح الحب جارحا حين يأخذ مسارا غير إنساني من أحد الأطراف. ومهما بالغ البعض في تعريفه بشكل جميل وميتافيزيقي، فإنه يصبح مفرغا تماما من كل معانيه حين يستخف طرف بآخر، ويتعامل مع مشاعره على أنّه «لعب عيال»… أو طيش مراهقة، أو «مراهقة متأخرة» وأوصاف أخرى تلصق بالعاشق الذي يقع ضحية مشاعر لا يعرف من أين هجمت عليه.
بعض العشاق يبلغون مرحلة الخجل من مشاعرهم إلى أن يفكروا في الانتحار، فينتحرون، ويمضي الطرف الآخر الذي دمّره في حياته من دون أي شعور بالذنب.
يحدث هذا يوميا في مجتمعنا، وتصفه أفلام الأبيض والأسود برومانسية قاتلة تذهب الحبيبة مع عريس ثري، وتترك إبن محمد أفندي واقفا يشيّع موكب العروس دامع العينين… أو في مشهد آخر حين يتزوج ابن البيه بنت « الزّوات» ويتخلّى عن بنت الحي الشعبي لقدرها…
على مدى أكثر من قرن، تعوّدنا قصص الحب الفاشلة في الأدب والتلفزيون، ربما خوفا من أن ننهي أفلامنا ومسلسلاتنا بقبلة… حتى أن القبل القليلة التي صُوّرت على مدى هذا القرن من «نهضتنا السينمائية « أصبحت «أدلّة « على أن الفنون كلها تدعو للمجون والفسوق، بل زادت حمى نشر تلك المقاطع لإهانة الممثلات العربيات اللواتي صورن تلك المشاهد…في الحقيقة نريد حبا بدون قُبَلٍ… وبصراحة أكثر نريد دراما وسينما بدون حب، لأن جماهيرنا لا تقتنع بأن هذا العصر عصر الحب، أو أنّها «ستخسر» الحب حتى في أدوار مُمَثّلة… حسد والعياذ بالله.
منذ ألف عام والحكاية نفسها تتكرر… حتّى أنّها تكررت بنسخ مختلفة وكثيرة لا تعد ولا تحصى، ولكنّها في النّهاية تصب في المجرى نفسه، وتربّي أجيالنا، جيلا عن جيل على أن يستخف بالحب. وتحضرني هنا حكاية رواها الأصمعي يقول فيها: «بينما كنت أسير في البادية، إذ مررت بحجر مكتوب عليه هذا البيت:
أيا معشر العشاق بالله خبروا …. إذا حل عشق بالفتى كيف يصنع؟
فكتبت تحته البيت التالي:
يداري هواه ثم يكتم ســـــره …. ويخشع في كل الأمور ويخضع
يقول ثم عدت في اليوم التالي فوجدت مكتوبا تحته هذا البيت:
وكيف يداري والهوى قاتل الفتى …. وفي كل يوم قلبه يتقطـع
فكتبت تحته البيت التالي:
إذا لم يجد الفتى صبرا لكتمان سره …. فليـس له شيء سوى الموت ينفع
يقول الاصمعي: فعدت في اليوم الثالث، فوجدت شاباً ملقى تحت الحجر ميتا، ومكتوب تحته هذان البيتان:
سمعنا أطعنا ثم متنا فبلغـــــــــــــوا …. سلامي إلى من كان بالوصل يمنـع
هنيـــــئا لارباب النعيم نعيمـــــهم …. وللعاشق المسكيـــــن ما يتــجرع
وإن كانت الحكاية صحيحة فهذا يعني أننا منذ الأزل ونحن نتعلّم أصول الحب السلبي ونفضل عليه الموت على أن نبوح به أو نشفى منه… حسب الأصمعي وتاريخ طويل من القهر النفسي وقمع عواطفنا فإن الحب يجب أن يخبأ ويظل سرا بين الشخص ونفسه، وحسب العلم اليوم فإن هذا النوع من الحب حب مراهق، يصاب به أشخاص غير ناضجين عاطفيا، ويلزمهم علاج ليبلغوا مرحلة المواجهة، وعدم الخوف من ردات الفعل السلبية للآخر، فالحب لا يتوقف عند شخص واحد تنتهي نبضات الحياة عنده.
ينفتح الحب على احتمالات كثيرة، ولكن يجب أن نشرع أبواب قلوبنا للحياة قبل الوقوع في الحب واختيار شريك. فإن كان الأصمعي يدعو العاشق للموت، فإن الفحل عندنا يقتل الحب وينتصر هو… يلعن الحب وأبو الحب ويبني حياته على أنقاض قلبه، يتزوج، ينجب أولادا، ويهرس مشاعره كلما استيقظت بحذاء خشن يحتفظ به لمناسبات الوقوع في الحب. نحدد سن النضج أيضا بمقدار دفن من نحب في قلوبنا. وكلما أتقنا دفن المحبوب وصنعنا له قبرا لا ينفتح أبدا، نكون في نظر من حولنا «ناضجين» ونفكّر بطريقة صحيحة… أجزم أن قلوبنا ليست أكثر من أضرحة، معتقدين أننا ننبض بالحياة، حتى في الأدب الأجنبي قد نكون نجهل أشهر قصص الحب التي كتبت، لكننا حتما نعرف قصة روميو وجولييت، والمثير أننا لم نتوقف أبدا لدراسة أبعاد تلك القصة وتأثيراتها على أجيال كاملة، ظلّت حبيسة نمط معين من الحب… كأن يكون الحب أصلا بدأ في حفل مقنّع، وهذا يعني بشكل ما أن هذا الحب العظيم ما كان لينشأ بدون أقنعة… هناك حقائق مخيفة أخفتها الأقنعة وجعلت العاشقين الشابين يتورطان في حب يشبه الكارثة ولا مخرج منه غير الموت. وهذا مؤشر سيئ إلى أن الحب يحدث حين يدخل العاشقان عالما غير واقعي، غير حقيقي، أشبه بالحلم الجميل، ثم حين يستيقظان على الحقيقة ينتهي كل شيء… وينتهيان.
الحب الذي يعلمنا الغفران نادرا ما نجده… الحب الذي يعلمنا التضحية والإيثار والمكاسب الروحية التي لا تقدّر بثمن لا نعرف حتى أن نتخيله ونقدمه على شكل قصص جميلة لأجيالنا الشابة لتتغير نحو الأفضل.
فيما سبق، قديما، قديما جدا… كانت المخيلة تلتهب بالحب وتتوالد على شكل قصص خيالية حتى لا تموت… طريقة ذكية لإبقاء الحب على قيد الحياة وعدم دفنه حيا في تابوت دراكولا. هكذا نشأ حب سندريلا، حبا وهميا ولكنه أقنع أطفالنا بجدوى الحب… صحيح أنه قرن بمقاس تعجيزي لحذاء… وإلى يومنا هذا لم نعرف مقاس الحذاء… لكن لنتذكّر أن القصة كتبت في زمن الإسكافي (أو الجزمجي) الذي يفصل كل حذاء لصاحبه على مقاسات قدمه، لهذا ما كانت الأحذية تتشابه.. وما كانت الأقدام تتشابه، وما كان الناس يتشابهون، فالطيبون ينقذهم الحب ويكافئهم، والأشرار يقعون في شر أعمالهم. قلب الموازين في عصر نهضتنا العجيب هو ما جعلنا نصل لهذه المواصيل…
صديق من بلد عربي شقيق، أخبرني من منطلق منصبه الحساس في وزارة الثقافة أنه على مدى سنوات كان القانون يمنع شراء أفلام رومانسية، لأن الحب عيب، ولأن تقطيع وتشريح الفيلم قبل عرضه لتنقيته من بعض المشاهد يحوّل الفيلم إلى نسخة مشوهة منه، فاتفق الجميع على ملء السوق بأفلام الآكشن، والنتيجة يقول: «أصبحت شعوبنا كلها عنيفة» تعيش الأكشن في كل الأمكنة حتى في أماكن الصلاة، وهذا قمة جرائم بعض الحكومات في حق شعوبها.
والآن أين العار إن وقف العاشق ـ رجلا كان أو امرأة- واعترف بحبه ثم اعتذر الثاني بكل لطف من دون استسخافه؟ العالم لا ينتهي إن فشلنا في الحب مرة أو مرّات… فالتوافق بين اثنين يشبه حذاء سندريلا التي لم يناسبها سوى ذلك الحذاء العجيب. وفشل كل صبايا الحكاية للظفر بقلب الأمير، والحذاء الزجاجي الجميل لا يعني أنهن عشن بائسات، ولو أن من اختلقوا القصة سواء في إيطاليا أو في اليونان أو الصين ألقوا الضوء على صبايا المملكة كلها لعرفنا أنهن عشن حيوات جميلة ومكتملة.
مهما اندهش البعض من السؤال بعد هذه المقدمة الطويلة للموضوع، فإن ما أردت الوصول إليه هو أن حجز المرأة في صندوق «العرض والطلب» وتسييجها مثل تحفة هو الذي جعل الشاعر الشاب يخاطب الحجر بدل مخاطبة حبيبته، وجعل الأصمعي يتحوّل إلى قاتل سادي، وجعل الشاب ينتحر… فكل هذه الحواجز خلقها المجتمع ليحوّلوا الحب إلى «بضاعة» نادرة… يتاجرون بها كما يشاؤون… فقد أثبتت الدراسات العلمية أن الكراهية مربحة أكثر ماديا… والحب سبب خسارات لا يتحمّلها الإنسان المدجج بشهوات تفوق الحب، ألم تسمعوا من يرددون مقولة «لو تزوج قيس ليلى لانتهى الحب المجنون بينهما»؟ إنهم يحمون بضاعتهم من الكساد… والحقيقة التي نعرفها منذ الأزل هي اننا نحب الملائكة، ولكننا نحمي الشيطان من الموت، لأنه يشبع شهوات أخرى أكثر إثارة من الحب.. الذي لا عنف فيه ولا اشتهاء… إنه السلام الذي يجعل الحياة ساكنة وربما مملة…
ولكم أن تثروا الموضوع بوجهات نظركم التي أسر بها.
شاعرة وإعلامية من البحرين
بروين حبيب
رمضان مبارك…دائماً محاورموضوعاتك مثيرة وثرية وجذابة ؛ تشبه شخصيتك…
يا سيدتي : الحبّ من روح الله ؛ لا علاقة له بالشرق والغرب.ففي الغرب هناك روميووجوليت مثلما في الشرق ثمة قيس وليلى..الحبّ هوالعامل المشترك لبني آدم وحواء.فمنْ فرغ قلبه من الحبّ كان نصف إنسان بل ثلث إنسان بل ربع إنسان بل معشارإنسان بل صفراليدين ؛ بل ولا شيء.إنما الحبّ ينمومع نماء حبّ الوطن…
لهذا وشل الحبّ وتهافت عندنا لأننا في أزمة مع الوطن.وهل الوطن إلا إنسان من
ذكروأنثى ؟ ما لدينا اليوم علاقة غريزية ظاهرها العاطفة وجوهرها دوامة نفس.
لنقرأ هذا الإحساس المفقود اليوم ؛ الذي جمع حبّ النسبة والمطلق بتصوّف :
وَا رَحمـــــةً للعاشِقينَ تَكلّفــــوا ســرّالمَحبّـةِ ؛ والهَـوى فَضّــاحُ
أهل الهوى قسمان : قسم منهمو كتمـوا ؛ وقسمٌ بالمحبـة باحـــوا
فالباحئون بسرّهم شربوا الهوى صرفاً فهزّهمـوالغرام ؛ فباحـوا
والكاتمون لسرّهم شربوا الهوى ممزوجـةً ؛ فحَمتْهمـوالأقــــداحُ
مع تحياتي للقدس العربيّ التي صارت مفتوحة ( بحبّ ) للجميع.
.There is no power greater than power of love
مشاعرالبشرهي نفسها في كل أرض الله وكل العصور وكذلك مشاعر الحب ، وأختصرتعريفه بأنه تفاعل كيميائي بين شخصين لاتدخل فيه اية مسائل حسابية من جمع وطرح وقسمة . لكنها ايضا نسبية وتختلف مقاييسها حسب المجتمعات والأشخاص ونظرتهم لمعنى الحب . قد يحصل الحب بين شخصين لكن قد لايحصل الارتباط بالزواج لأن يكون حُكم العقل والواقع والمنطق اقوى منهما بكثير وهذا ماهو دارج في معظم المجتمعات العربية وحتى في المجتمعات الغربية وربما قد يكونوا محظوظين ويحصل توافق بين الاثنين . وللأسف نحن في زمن الدولار والتكنولوجيا السريعة فلم يعد هنالك عند الكثير وقت لتأمل قصائد الغزل أوالاستماع الى أم كلثوم ! شكرا للشاعرة بروين حبيب على هذا الموضوع الذي من هو من واقع المجتمع.
بحر الحب الانساني نفسه فلا حدود له
و هل كانت الاديان السماوية كلها في جوهرها الاَّ دعوة للحب والرحمة والعدل والسلام؟
وهل كان الانبياء والمصلحون جميعاً إلاَّ محبين للبشر
والانسانيةوقادرين على العطاء لهم والتضحية و احتمال
الاذى من اجلهم؟وكل ذلك في النهاية من احوال الحب الصادق وان اختلفت المجالات و تنوعت اساليب التعبير
و تعدّدت الاقنعة وكلما زاد العطف الانساني و علت قيم العدل و الرفق و الرحمة والتكافل والمشاركة كان ذلك
دليلًا على كثرة اصحاب القلوب الحكيمة الذين يؤمنون بخيرية الحياة ويتعاملون مع البشر بفروسية المحب النبيل
و قيّمِهِ الاخلاقية.
ناسف لعدم النشر بسبب طول التعليق
تخية طيبة وبعد اصارحكم الراي الحب كاحساس رايع يجعلك تطير بدون اجنخة يزرع فيك حياة اخرى من جديد
يجعلك انسان اخر وصورة اخرى .
غير ان الامور تنقلب الى العكس تماما اذا ما انقطع سبيل الحب بينك و بين محبوبك فقد تتحول الى شخص احر و طبيعة اخرى ..
…انه الذ احساس بكل بساطة ..
مبارك…دائماً محاورموضوعاتك مثيرة وثرية وجذابة ؛ تشبه شخصيتك…يا سيدتي : الحبّ من روح الله ؛ لا علاقة له بالشرق والغرب.ففي الغرب هناك روميووجوليت مثلما في الشرق ثمة قيس وليلى..الحبّ هوالعامل المشترك لبني آدم وحواء.فمنْ فرغ قلبه من الحبّ كان نصف إنسان بل ثلث إنسان بل ربع إنسان بل معشارإنسان بل صفراليدين ؛ بل ولا شيء.إنما الحبّ ينمومع نماء حبّ الوطن…لهذا وشل الحبّ وتهافت عندنا لأننا في أزمة مع الوطن.وهل الوطن إلا إنسان منذكروأنثى ؟ ما لدينا اليوم علاقة غريزية ظاهرها العاطفة وجوهرها دوامة نفس.لنقرأ هذا الإحساس المفقود اليوم ؛ الذي جمع حبّ النسبة والمطلق بتصوّف :وَا رَحمـــــةً للعاشِقينَ تَكلّفــــوا ســرّالمَحبّـةِ ؛ والهَـوى فَضّــاحُأهل الهوى قسمان : قسم منهمو كتمـوا ؛ وقسمٌ بالمحبـة باحـــوافالباحئون بسرّهم شربوا الهوى صرفاً فهزّهمـوالغرام ؛ فباحـواوالكاتمون لسرّهم شربوا الهوى ممزوجـةً ؛ فحَمتْهمـوالأقــــداحُمع تحياتي للقدس العربيّ التي صارت مفتوحة ( بحبّ ) للجميع.