تعز ـ «القدس العربي»: احتفل كثير من اليمنيين أمس بالذكرى السابعة للثورة الشعبية التي اندلعت في اليمن ضد نظام الرئيس السابق علي عبدالله صالح، والتي اطلق عليها (ثورة التغيير)، ضمن ما يعرف بثورات الربيع العربي التي انطلقت من تونس واجتاحت العديد من الدول العربية.
وتفاوت الاحتفاء أمس بهذه الذكرى التي يعتبرها الكثير من اليمنيين إحياء واستمرارا للزخم الثوري الذي بدأوه في 2011، فيما يعتبرها البعض الآخر سببا في انهيار الدولة إثر إسقاط نظام علي عبدالله صالح، الذي أوصل اليمن إلى ما هو عليه الآن من حرب ودمار.
ويحظى التيار الأول المحتفي بذكرى الثورة بالغالبية الساحقة في اليمن نظرا إلى ما عانوه من ظلم كبير من قبل نظام صالح، الذي عطّل الحياة السياسية والعامة واتجه نحو بناء مشروعه العائلي لـ(ثوريث) السلطة لنجله ولأفراد عائلته، والذي تعارض كلية واصطدم مع طموحات الشعب اليمني في بناء الدولة الديمقراطية الحديثة.
وشهدت مدينة تعز يوم أمس أقوى وأكبر احتفال بذكرى ثورة التغيير الشعبية، التي انطلقت من تعز أيضا، في الوقت الذي اختفت فيه مظاهر الاحتفاء في المناطق التي يسيطر عليها الانقلابيون الحوثيون، بالإضافة إلى خفوتها في المناطق الواقعة تحت سيطرة الحكومة وتمتلك القوات الإماراتية فيها نفوذا كبيرا كما في الجنوب.
وفسر العديد من السياسيين هذا الخفوت بالاحتفاء بذكرى ثورة 2011 بالاستجابة «لتوجهات الدول الخليجية التي تزعمت الثورة المضادة ضد هذه الثورة الشعبية، وفي مقدمها دولة الإمارات العربية المتحدة التي عملت منذ اللحظة الأولى وما تزال على إجهاض هذه الثورة». ورغم ذلك خرج الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي بخطاب بهذه المناسبة قال فيه «ونحن نحتفي في هذه المناسبة الغالية وهي الذكرى السابعة للثورة السلمية الشبابية الشعبية المباركة في الحادي عشر من شهر شباط/فبراير 2011 رغم كل الظروف القائمة التي فرضها أعداء الحياة والتغيير، إلا أننا قلناها وسنقولها مرة أخرى إن الثورة على الظلم مغامرة محمودة».
وأوضح أنه «من يحاول بطريقة أو أخرى تحميل هذه الثورة وزر ما نحن عليه اليوم، يتجاهل معطيات ووقائع كثيرة يطول الحديث عنها، لكن في المحصلة يكفيكم فخرا أنكم أثبتم أن شعباً أعزل بإمكانه أن يقول لا، وأن ينتصر، وبإمكانه أن يواجه الاستبداد الفردي والحكم العائلي وينجح في هزيمته».
وأشار هادي إلى أنه بين الذكرى السادسة والسابعة لثورة التغيير «حدثت تغيرات كثيرة، أبرزها تفكك تحالف الشر الانقلابي بين مليشيا الحوثي الإيرانية والرئيس الراحل علي عبدالله صالح، الذي أدرك ولو متأخرا خطورة مشروعها ودعا للانتفاضة الشعبية ضدها، لتقوم باغتياله كعهدها في الغدر والخيانة والتنصل عن المواثيق والعهود».
وخاطب هادي أبناء محافظة تعز قائلا : «إنني معكم أعيش الألم الذي تعيشونه بفقدان خيرة شباب وشابات تعز وخيرة أبطالها، ففي كل يوم نفقد الكثير ممن نعول عليهم بناء المستقبل.. أيها الحالمون الصابرون المرابطون في تعز إن تغاضي العالم عن الجرائم التي ترتكب بحق أطفالكم وشبابكم ونساءكم والحصار المفروض عليكم، يزيدنا إصراراً على مواصلة معركة التحرير وبكل الإمكانيات المتاحة مهما كلفنا ذلك، فالنصر قادم يا منبع شباط/فبراير المجيد وعماد الدولة الاتحادية الجديدة».
من جانبه قال الكاتب والناشط البارز في ثورة 2011 نبيل البكيري إن «تعز عاصمة الثورات ومنبع الثوار ومدرسة الأحرار، كالعنقاء تخرج من بين الركام قوية شامخة تهزأ بالموت كما تهزأ بالقتلة.. تعز شعلة الحرية والكرامة التي لا تنطفئ، ها هي اليوم كأول لحظة ثورة انطلقت هنا منذ سبع سنوات مضت وتعز لم تشبع ثورة ونضال ولم تكل ولم تمل».
وقالت الناشطة الأبرز في ثورة التغيير اليمنية توكل كرمان، الحاصلة على جائزة نوبل للسلام (2011)، لمشاركتها الفاعلة في قيادة موجة التغيير باليمن «لقد فتحت ثورة شباط/فبراير أبواب الأمل أمام اليمنيين ليغيروا واقعهم البائس الذي صنعه المخلوع صالح حتى يتم السيطرة عليهم وسرقة ثرواتهم ومستقبلهم».
وأوضحت أن ثورة الـ 2011 في شباط / فبراير، «جسدت تطلعات الإنسان اليمني للانعتاق والتحرر من الهيمنة التاريخية على السلطة والثروة والدولة والمجتمع، التي تجسدت في استئثار سلطوي عائلي وجهوي مقيت، سلب الشعب موارده وقواه وثرواته وقوته، مثّله حكم علي عبدالله صالح بهوسه للسيطرة والانفراد بالسلطة واحتكاره لها في عصبيته وعائلته».
وأضافت أنه «عندما هبت رياح الحرية في 11 شباط / فبراير 2011، «كسر شباب الثورة السلمية الحاجز العتيق وأسقطوا رأس الفساد والاستبداد والفشل المخلوع علي صالح، ومضوا واثقين نحو اقامة دولة العدل والحق والديمقراطية والقانون.. غير أن الانقلاب الذي قاده صالح وميليشيا الحوثي المدعومة من إيران أدخل البلاد في صراعات وحرب مدمرة، وفتح الباب أمام التدخلات الأجنبية».
وقال الكاتب السياسي وأحد الأصوات البارزة لثورة 2011 مروان الغفوري «يعيش اليمنيون في قلعة المشاريع المتقاطعة. وحدها ثورة 11 شباط/فبراير صعدت من قاع المجتمع وراحت تنشد لكل الناس.. لم تكن أغنية فئة دون أخرى، ولا مقدمة لحروب الطوائف والجماعات.. ولم تقدم وعداً بالنصر، لكنها قالت مند أول يوم إنه يستحيل هزيمتها».
وأوضح في الذكرى السابعة للثورة «الآن وقد صارت جزءاً صلباً من تاريخ مجتمعنا، بعد أن تشرد أبطالها وخصومها، بعد أن حولت ملك الجمهورية إلى مسخ وجعلته عرضة للقتل في أي وقت، بعد أن جاء الملكيون للانتقام من خطابها الديموقراطي وألحقوا بالغ الأذى بمدينة الثورة، بعد أن هرب الشجعان والجبناء، العبيد والخصيان، الساسة والعسكر، الموحدون والحرامية، ها هي ثورة شباط/فبراير تعود وتمضي في سبيلها، لا تحمل سوى القول، سوى الإشارة، وسوى الإلهام: لم أدع إلى قتل الملك، دعوت لنظام حكم ديموقراطي قادر على اكتشاف قوى المجتمع كلها ورعايتها.. لم أدع إلى الحرب، بل إلى نظام جديد من العدالة والجدارة يجعل نشوب الحرب أمراً غير ممكن».
وأشار إلى أن ثورة شباط / فبراير «جاءت ضمن ما يشبه الحتمية التاريخية بعد أن صار النظام أكبر منتج للمشاكل في البلد، وبعد أشهر من إعلان النظام نيته تحويل الجمهورية إلى سلطانية عائلية يصبح الشعب بموجبها رعايا لا مواطنين». مؤكدا أنه لم يعد مجديا الآن مواجهة هذه الثورة، «لقد صارت فكرة وضميراً وواحدة من حقائق التاريخ».
أما الكاتب السياسي والناشط في ثورة 2011 ياسين التميمي فقال إن سبعة أعوام مضت على ثورة 11 من شباط / فبراير في اليمن، شهدت أكبر وأطول احتشاد سلمي في ساحات الحرية والتغيير قياساً ببقية دول الربيع العربي.
وأوضح أنه «خلال هذه الفترة جرت في النهر مياه كثيرة، واحتشدت الساحات مجدداً، لكن بالسلاح والرصاص والمؤامرات المحلية والإقليمية والدولية التي استهدفت وبوضوح كامل إسقاط ثورة شباط/فبراير، وإجهاض حلم الشباب اليمني في التغيير، قبل أن تنزلق الأمور إلى حرب شاملة ها هي المنطقة بكاملها تتورط فيها، ولكن في سياقٍ سمح للقوى الإقليمية التي تشكل قوام التحالف العربي باستكمال مهمة الثورة المضادة وإعادة تنصيب النظام السابق وسط كم هائل من التعقيدات والتحديات».
وأكد التميمي أن التعقيد الذي تعاني منه اليمن في هذه المرحلة «يعود في جزء مهم منه إلى التشوه في أهداف التحالف العربي التي ترفع شعار محاربة الانقلاب واستعادة الدولة، وتتوخى في الأساس استكمال الثورة المضادة، الأمر الذي يبقي أعداء ثورة شباط/فبراير جاهزين لتدشين مرحلة جديدة من الأدوار التي أعاقت تقدم اليمن وتطوره واستقراره».
خالد الحمادي