أكتب هذه السطور بعد ساعات قليلة من قصف سلاح الطيران السعودي لمعاقل ومواقع «الحوثيين» في اليمن، واتخذت الرياض هذه الخطوة بمشاركة ومساندة وتأييد عشر دول؛ تسع منها عربية والعاشرة إسلامية؛ هي الباكستان. وشكلت السعودية بذلك تحالفا شاركت فيه بـ100 طائرة و150 ألف جندي، والإمارات 30 طائرة، والكويت 15 طائرة، والبحرين 15 طائرة، وقطر 10 طائرات، وقدم الأردن 6 مقاتلات ودعما سياسيا كاملا، وأعلن استعداده للمشاركة في الأعمال البرية، هذا وبعث السودان 3 مقاتلات، بجانب الدعم السياسي الكامل، واغلاق مكاتب التمثيل الدبلوماسي والتجاري والإعلامي ومقرات الجمعيات الإيرانية، وإبدى الاستعداد لمشاركة برية. أما المملكة المغربية فشاركت بـ6 مقاتلات مع تقديم الدعم السياسي الكامل، وأبدت استعدادها للمشاركة في العمليات البرية كذلك، أما مصر فقدمت دعما سياسيا كاملا، وبحثت مع السلطات السعودية إمكانية المشاركة البحرية والجوية في القصف، ولا تمانع من تحريك قواتها البرية إذا لزم الأمر. وأعلنت الباكستان دعمها السياسي الكامل، ولا تمانع من المشاركة البحرية والجوية، وأبدت استعدادها للتعاون في العمليات البرية.
وكل ما يمكن قوله في هذه المرحلة المبكرة من هذا العمل العسكري، أنه كان مطلوبا قبيل «القمة العربية» المقررة اليوم (السبت)، في وقت وصول هذه السطور إلى يدي القراء. وكل ما يمكن قوله أن سياسات العرب الرسمية؛ العامة والخاصة.. تحشر نفسها دوما بين خيارين لا ثالث لهما؛ الأول أمني لمواجهة تحديات ومشاكل الداخل، والثاني عسكري؛ لحل خلافات ونزاعات بينية؛ عربية وإقليمية، ويبدو أن العقل العربي القادر على طرح خيارات أخرى بعيدا عن هذه الثنائية الفاسدة؛ هذا العقل غائب، وذلك الغياب أدى إلى الغرق في مستنقعات الاستقطاب المذهبي والطائفي والانعزالي والقبلي، ويعجز عن رؤية ما هو أبعد من ذلك. وفي زمن العجز عن العمل العسكري كان ذلك العقل يعتمد على قوات أجنبية؛ تحارب له معاركه. وكان قبلها يذعن لخيارات مفروضة عليه من مراكز القوى الغربية والصهيونية؛ في «كامب ديفيد» و«وادي عربة»، و«أوسلو»، ومبادرة «سلام عربية»، وهي في الأصل «مبادرة سعودية»؛ قدمها الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز في 2002.. حين كان وليا للعهد، وقت إحكاام الحصار على العراق وبدء تدميره، بالقطعة، وتمهيدا لغزوه في 2003 واحتلاله ثم تقسيمه.
ويبدو أن العرب يمرون بمرحلة انتقال بين زمن استعانوا فيه بالغزاة للتغلب على نزاعاتهم، وبين ما هو كائن؛ نتيجة التحول الذي طرأ مع تنامي الشعور بالخطر الداهم، وكشفته ثورات واضطرابات مستمرة في المنطقة من بدايات 2011 وحتى الآن، وفيها يجرب العرب قواهم الذاتية؛ الناعمة والخشنة.
وحققت القوة الناعمة لمصر اتفاق مبادئ بينها وبين السودان والحبشة حول مياه النيل، وتم سلوك طريق التفاوض والتفاهم، بعد التلويح بالعمل العسكري في عهد الرئيس المعزول محمد مرسي!!.
والعقل العربي؛ الرسمي وغير الرسمي، دائم الشكوى من إزدواج وتعدد المعايير الغربية والأمريكية عند النظر إلى القضايا العربية العادلة؛ في فلسطين وغيرها، ومع ذلك يتبع نفس النهج في التعامل مع النزاعات والخلافات حول فلسطين وسوريا ولبنان وإيران وليبيا واليمن؛ وكلها محاطة بظلال مذهبية وطائفية وانعزالية وقبلية كثيفة؛ تُستغل من قِبَل الغرب والحركة الصهيونية لاستنزاف المنطقة وإضعافها، وتوظفها في تصفية الحسابات مع إيران، بعد أن عجزت واشنطن وفشلت تل أبيب في النيل منها.. وها هو اليمن يتحول لساحة دامية لاستكمال رسم الخرائط الجديدة، وقطع أشواط على طريق «الفوضى الخلاقة»، وإسقاط الدولة الوطنية وتمزيقها، والعودة بها إلى مرحلة «ما قبل الدولة»، واستعجال الإنتهاء من رسم خريطة الشرق الأوسط الجديد أو الكبير!!.. ويصبح السؤال المطروح.. هل الاقتتال على أرض اليمن حل؟ أم أنه حلقة في سلسلة الاستنزاف والإضعاف، ثم التقسيم والتمزيق المتوقع وفيها يُستخدم «الحوثيون» كحصان طروادة؟
والأبعاد الكاملة للعمليات العسكرية؛ حسب ما توفر من معلومات حتى كتابة هذه السطور مساء الخميس (أول أمس)، نراها الأكبر في التاريخ العسكري للجزيرة العربية والخليج، ولأول مرة في حدود علمي تستخدم فيها قوات وأسلحة مملوكة لأطراف عربية تعيش في هذا الحيز من العالم. وقد استيقظ سكان شمال العاصمة اليمنية صنعاء على صوت انفجارات عنيفة ومدوية في منتصف ليلة الخميس الماضي بالتوقيت المحلي؛ (التاسعة مساء بتوقيت غرينتش)، وكان بداية عمل عسكري كبير باسم «عاصفة الحزم»؛ انطلق بالقرب من مطار صنعاء الدولي، وحول مقر الرئاسة، وكان يقع تحت سيطرة «الحوثيين»، واستهدفت المضادات الأرضية تحصينات تابعة لهم، وامتد القصف، ليشمل مواقع تمركزهم، ودُمرت قاعدة «الديلمي» بالكامل.. حسب ما جاء في تقارير ذكرت أن الطيران السعودي شن هجمات صاروخية أيضا على قاعدة «العند» العسكرية، وهي القاعدة الأهم في «عدن»، وكان سقوطها يعني سقوط العاصمة الجنوبية، التي احتمى بها الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي.
وتَوَاصل القصف وحجبت أدخنة النيران الكثيفة سماء صنعاء، وتعطلت حركة الملاحة الجوية من وإلى المطار الدولي. وشمل القصف وامتد إلى ألوية الصواريخ في «فج عطان». وطالت النيران دار الرئاسة اليمنية، وغرفة العمليات المشتركة في صنعاء، ومعسكر «السواد» والشرطة العسكرية، والقوات الخاصة، وقوات الاحتياط، ومنطقة «الجراف» بها.
ذكرت وكالة الأنباء السعودية إن وزير الدفاع السعودي الأمير محمد بن سلمان أشرف على الضربة الجوية الأولى، ونتج عنها تدمير الدفاعات الجوية الحوثية بالكامل، وبطاريات صواريخ سام، و4 طائرات حربية؛ دون خسائر في القوات الجوية السعودية، حسب ما ذكرت الوكالة، التي أكدت أن القصف مستمر على معاقل «الحوثيين».
وتواصلت الطلعات من مختلف مطارات المملكة، وشاركتها طائرات أخرى من «التحالف»، الذي تقوده. وفرضت الرياض حظراً جوياً على أنحاء اليمن، وحذرت السفن من الاقتراب من شواطئه. وأقامت القوات ساترا على حدوده بالتزامن مع الضربات الجوية.
وأعلن البيت الأبيض إن واشنطن تنسق مع الرياض وعواصم الخليج بشأن الأمن المتبادل والمصالح المشتركة. ونشأت لأجل ذلك خلية أمريكية سعودية مشتركة مهمتها تبادل المعلومات الاستخباراتية وتنفيذ الأعمال اللوجستية اللازمة للمجهود الحربي.
وبمتابعة مواقع «التواصل الألكتروني»؛ نجد التحريض هو العمل الغالب على عمل الأطراف المؤيدة والمعارضة، فكُل يذكي الفتن، ويحرض على الاقتتال.. فهناك من رأى أن العمل العسكري فرصة أمام «تعز والحديِّدة» لحمل السلاح والقضاء المبرم على «الحوثيين»، ووقف المظاهرات، وأعادت علي صالح إلى حكم اليمن مرة أخرى؛ حسب ما أوردت هذه المواقع، ومنها من رآها فرصة للإجهاز على أتباع الرئيس السابق علي عبد الله صالح، وأتى ذلك مقترنا بشتائم وسباب، وأوصاف يُعاقب عليها قانون النشر في الشرق والغرب، وأصحاب هذا الرأي يرون أن العالم يؤيد «التحالف»، ويحرضون اليمنيين على التقدم إلى جبهات القتال لتنظيف اليمن من «الحوثيين»، على حد ما ورد في كتاباتهم الألكترونية!!.
والموقف المقابل يصف الحوثيين بـ»الرجال» الذين يطالبون بـ»حقوق مشروعة»، وأصحاب هذا الموقف يصبون جام غضبهم على الأشقاء والجيران، ويحرضون على الممالك والإمارات والمشيخات في الجزيرة العربية والخليج!!
ونعتقد أن عملية بهذا الحجم الكبير هدفها التأثير على القمة العربية، وخلق «توازن رعب» يواجه العنف المسلح، ويتصدى لجماعات الإرهاب المذهبي والطائفي.. على أمل الحد منه. وأي انتصار في مثل هذه المعارك يحققه طرف على آخر هو في حقيقته هزيمة للطرفين معا.
هكذا أخذتنا معركة اليمن بعيدا عن موضوع كان مقررا لهذا الأسبوع؛ عن «مصر في عصر المنتجعات؛ لا تُبنى فيها قرية واحدة جديدة، تلم شتات المنتجين والفقراء وذوو الدخل المحدود.. فما زال حكام مصر ومسؤولوها يدللون سفهائها من الأثرياء، وهم بدورهم يضغطون من أجل الابتعاد عن القاهرة، وتبني لهم الدولة منتجعا يجمعهم؛ يسمونه «عاصمة» لا تضطرهم لرؤية عشوائياتها وأحيائها الفقيرة، وهي فكرة ليست جديدة؛ ولدت في عصر جمال مبارك، ولها قصة تستحق أن تروى.
٭ كاتب من مصر يقيم في لندن
محمد عبد الحكم دياب
تحية إعزاز وإحترام إلى قائد العرب خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز حفظه الله ورعاه وتحية إحترام إلى جيشه الكبير المنتصر الجيش العربى السعودى . ونتمنى من الله أن يمن على السعوديين بنصر من عنده سبحانه وتعالى ويحرروا بلاد الشام من الطاغية بشار وأتمنى من الله أن يدخل الجيش السعودى إلى قم ليزيح الغمة .