اليوم الإرهاب… وغدا الاستيطان والقدس يا معالي الوزير

حجم الخط
3

لست هنا بصدد التطاول على الشعب المصري، معاذ الله، فهو فوق التطاول والأهم أن له في نفسي معزة وفي قلبي محبة، وأكن له كل التقدير والمودة.
فهو الاكثر عراقة من بين الشعوب العربية والأكثر تضحية وعطاء بشبابه واقتصاده من أجل فلسطين فهي عمقه القومي، وهو الشعب العربي الأكثر رفضا للتطبيع مع إسرائيل وأقل لهاثا وراءه رغم مرور حوالي 38 عاما على معاهدة «كامب ديفيد» سيئة الصيت، التي وقعها أنور السادات في 17 سبتمبر 1978 مع رئيس الوزراء الاسرائيلي مناحيم بيغن، الذي ظل حتى اصبح رئيسا للوزراء من الشخصيات غير المرغوب فيها حتى على الارض البريطانية، لدوره في العمليات الإرهابية التي نفذتها عصاباته في فلسطين ومنها، عملية نسف فندق الملك داوود الذي لا يزال قائما بالاسم نفسه في القدس.
والشيء بالشيء يذكر فان هذا الفندق هو نفسه الذي اجتمعت فيه «فرقة اللواء عشقي» السعودية مع دروري غولد مدير عام وزارة الخارجية الإسرائيلية الذي يقود حملة دبلوماسية لتحسين العلاقات مع بعض الدول الافريقية، وزار دولة الامارات العربية وحل فيها ضيفا رسميا لثلاثة أيام قبل حوالي 10 أشهر لفتح ممثلية لاسرائيل في الوكالة الدولية للطاقة المتجددة في أبو ظبي.
ما علينا.. أقول قولي هذا مسبقا لا لسبب غير أنني أعلم ومن خلال تجاربي، مدى حساسية الإخوة المصريين بشكل عام، ازاء أي انتقادات خارجية للنظام الحاكم، رغم انهم «يمسحون به الأرض» صبحا ومساء، لكن الأمر يختلف عندما يكون مصدر الانتقاد والهجوم خارجيا، فتراهم ينسون انتقاداتهم اللاذعة للنظام وغضبهم منه ويغضون الطرف عن اخطائه وظلمه ويلتفون حوله مدافعين عنه، طبعا لا حبا به، بل رفضا لما يرونه خطأ، تدخلا خارجيا في شؤونهم.. وهذه ملاحظة استقيتها من خلال علاقاتي وصداقاتي مع مصريين وهم كثر.
وهذا هو مدخلي إلى موضوع مقال اليوم وهو التصريحات الصاعقة التي صدرت عن رئيس الدبلوماسية المصرية سامح شكري في الأسبوع الماضي، لم نسمعها من مؤيدي اسرائيل، التي رفض فيها وصف اسرائيل بدولة إرهاب.. تصريحات يمكن أن تستخدمها اسرائيل كسلاح وإفادة من اكبر دولة عربية، لصالحها في حال أوصلت السلطة الفلسطينية ملف جرائم الاحتلال وقتل الاطفال الى محكمة الجنايات الدولية في لاهاي في هولندا.
حاولت وزارة الخارحية المصرية إعطاء تفسيرات وتبريرات، ولكنها لم تفلح في دفاعها عن وزيرها، بعد ان تلقى الشكر والإشادة من وزير الحرب الاسرائيلي افيغدور ليبرمان اليميني العنصري المتطرف، لا من الصديق بنيامين نتنياهو الذي وصلت المودة بين الوزير وبينه الى حد مشاهدة المباراة النهائية على كأس الأمم الاوروبـيــة بين البرتغال وفرنسا في10 يوليو الماضي، في مقر نتنياهو في القدس المحتلة، وفي اجواء ودية.
وكان شكري يقوم في حينها بأول زيارة لوزير خارجية مصري منذ عشر سنوات وذلك للترويج لافكار رئيسه عبد الفتاح السيسي، التي طلع علينا بها في الآونة الاخيرة، من دون سابق انذار، أفكار حول مبادرة إقليمية كان قد نادى بها نتنياهو نفسه، للتحايل على المبادرة الفرنسية التي هي نفسها طرحت للتحايل على المبادرة الفلسطينية التي كانت تعتمد بالاساس على مفاوضات مكثفة وفق جدول زمني محدد كان يفترض أن ينتهي في أواخر 2016، وتختتم بإعلان الدولة الفلسطينية على كامل الضفة الغربية مع تبادل أراض متساوية بالقيمة والمقدار، متفق عليه، وعاصمتها القدس الشرقية المحتلة.
ووقعت خطيئة الوزير شكري الدبلوماسية الكبرى برفضه وصف القتل الإسرائيلي للأطفال الفلسطينيين بإرهاب دولة، مبررا ذلك بتفسيرات ومصطلحات وتعريفات دولية للإرهاب، وذلك خلال لقاء مع أوائل الطلبة في امتحانات الثانوية في مصر في مقر وزير الخارجية.
وقال شكري ردا على سؤال من أحد الطلبة، «لا يمكن أن يوصف (قتل الاطفال الفلسطينيين) بأنه إرهاب دولة، من دون اتفاق دولي على توصيف محدد للإرهاب، وهناك مصطلحات دولية مثل إرهاب الدولة الذي تمارسه بعض الدول ضد شعوب خارج حدودها، أو قمع معارضين داخل حدودها، لكنها تدور في أطر سياسية».
وأخطأ الوزير شكري في ما قاله أكثر من مرة اذا افترضنا حسن النية وأن ما قاله ليست سياسة النظام. الخطأ الأول هو لو كان صادقا كما جاء في تبرير وزارة الخارجية إن ما قاله كان شرحا للمصطلح الدولي لإرهاب الدولة، لكان أكد للسائل مسبقا ومن دون لبس موقف النظام الواضح الذي يعتبر ما ترتكبه اسرائيل من فظائع بحق الاطفال الفلسطينيين والشعب الفلسطيني عموما، ارهاب دولة.
والخطأ الثاني- يقول إن ارهاب الدولة هو ارهاب تمارسه دولة ضد شعب خارج حدودها.. فهل يعني ما قاله إن النظام المصري يعترف بالسيادة الإسرائيلية على الضفة وغزة، وإنه سحب اعترافه بدولة فلسطين التي اعترفت بها الجمعية العامة للامم المتحدة و137 دولة يا اخي حتى الأمم المتحدة قالت إن اسرائيل ارتكبت أفعالا قد ترتقي إلى جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية..
والخطأ الثالث هو السماح بتسريب ما جاء في هذا الاجتماع المغلق، وهذا يقود إلى التساؤل هل الغرض من الخروج الى العلن على هذا النحو في هذه المسألة هو مقدمة لما هو مقبل وهو أعظم… وهل يمكن أن يأتي ذلك في سياق الثمن الذي يدفعه النظام للكيان الصــهيـوني على دعمه في مواجهة الارهاب في سيناء.
وهذا ربما يكون سبب الارتياح الذي يشعر به ليبرمان ويفسر شكره وامتنانه الكبيرين للوزير شكري ورئيسه، الذي أثار استغراب حتى صحيفة «الأهرام» المصرية الرسمية التي نشرت خبر شكر ليبرمان، تحت عنوان: «وزير الدفاع الإسرائيلي يشكر سامح شكري على نزاهته وإخلاصه في أداء مهامه المقدسة»، وأرفقته بإشارة تعجب! قبل أن تضطر الى حذفه من موقعها الإلكتروني.
وقال ليبرمان في حسابه على «فيسبوك»، إن تصريحات شكري تعبر بشكل عميق عن مدى تفهم الدولة المصرية ومؤسساتها السياسية والدبلوماسية للموقف الإسرائيلي في حربها على من وصفهم بالمتطرفين خلال العقود والسنوات الماضية. وأضاف: «أقدر جدا تصريحات السيد شكري، التي عبرت بشكل عميق عن مدى تفهم الدولة المصرية ومؤسساتها السياسية والدبلوماسية للموقف الإسرائيلي في حربها على المتطرفين خلال العقود والسنوات الماضية، مواقف السيد الوزير وحكومته، قبل التصريحات الإعلامية، تعكس الواجب المنشود لحماية وتعزيز مصالح الدولتين الصديقتين، وأشكر سيادته على نزاهته وإخلاصه في أداء مهامه المقدسة».
وكشف ليبرمان، في خضم نشوته عن لقاء وصفه برفيع المستوى جرى بين وزارتي الخارجية المصرية والإسرائيلية، حضره مندوب عن وزارة الحرب الإسرائيلية، لبحث دعم مصر لاسرائيل في مجلس الأمن الدولي بصفتها عضواً غير دائم، ورئيساً للجنة مكافحة الإرهاب في المجلس، وقال إن هذا الدعم المأمول للموقف الإسرائيلي في أي مواجهة عسكرية محتملة مع قطاع غزة، قد تنتج عن تصعيد الحركات التي وصفها بالمتطرفة وتهدد أطفال اسرائيل بالصواريخ.
وكما يقول المثل «تعطيه شبرا يطلب مترا»، فهذه اسرائيل وها هم قادتها فكلما قدمت تنازلا يريدون تنازلا أكبر.. فلم يكتف ليبرمان بطلب المساعدة من مصر في موضوع الإرهاب، بل طالبها ايضا بالوقوف الى جانب اسرائيل ضد ما وصفها بالاصوات المنكرة داخل مجلس الأمن، التي تطالب بوقف البناء الاستيطاني في الضفة الغربية التي اعتبرها ارضا اسرائيلية. بعبارة اخرى فهو يريد من النظام المصري أيضا ان يعترف بحق اليهود في الاستيطان في «يهودا والسامرة» اي الضفة الغربية، وربما قد يطلب من النظام المصري لاحقا استخدام مصطلحهم «يهودا والسامرة» في وصف الضفة الغربية المحتلة، وربما إسقاط كلمة المحتلة، كما أسقطتها من قبل صحيفة سعودية رغم الاجماع الدولي على هذا المصطلح. ولا استبعد ان تطلب اسرائيل من النظام المصري أيضا الاعتراف بيهودية اسرائيل ونقل سفارته من تل ابيب الى القدس، وربما تطالبه لاحقا بتولي مهمة القضاء على حماس عسكريا حتى تتفرغ إسرائيل لمهام اكبر.
حقيقة أن ما قاله شكري يستحق عليه أكثر من وسام الشكر من أحد اكثر الوزراء في اكثر الحكومات الاسرائيلية تطرفا وعنصرية وكرها للعرب. ألم يكن ليبرمان هو الوزير الاسرائيلي نفسه الذي هدد بقصف السد العالي في أسوان. فهل ذاكرتنا قصيرة الى هذا الحد. وبحسب صحيفة «جويش ديلي فوروارد» الإسرائيلية فإن ليبرمان اقترح عام 1998 قصف سد أسوان ردا على الدعم المصري للرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، كما أكد في تصريحات لسفراء من الاتحاد السوفييتي السابق في 2001، بأنه إذا حدثت مواجهة عسكرية أخرى بين مصر وإسرائيل فإن سد أسوان سيفجر.
وبعد.. اذا كان هذا هو موقف نظام أكبر دولة عربية.. فماذا نتوقع من الصغار؟

٭ كاتب فلسطيني من أسرة «القدس العربي»

اليوم الإرهاب… وغدا الاستيطان والقدس يا معالي الوزير

علي الصالح

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول محمد حسنات:

    آخي علي، من دخل كامب ديفيد ،لن يخرج!، ومن زار تل أبيب في حالة عشق،لن يخرج آيضآ، وضحايا الإرهاب قبل قرن،أصبحوا هم فزاعات الإر هاب،
    في الغرب والشر ق،مع أنهم ما زالوا آكبر ضحاياة ،وما يجري في فلسطين دليل!.

  2. يقول فادي / لبنان:

    المصيبة ليست في مصر وحدها
    عملية انبطاح جماعية يتسابق الجميع
    لتنفيذها !
    ربما تكون مصر جائعة خائفة ومضطرة
    ولكن لم ينبطح من كان غنيا قويا ومدعوما
    من الكبير قبل الصغير !
    حكام ورؤساء العرب يتعرضون لعملية
    ابتزاز لا يعلم اسرارها الا الله والحاكم
    والمبتز ! خلاصنا بخلاص الحاكم الفاسد
    وما اكثرهم في دولنا
    حسبنا الله ونعم الوكيل

  3. يقول أبو عمر. اسبانيا:

    أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة. أما عن الرسالة فاصبحت كما رددها المخلوع مبارك صباح مساء “السلام خيار استراتيجي” و كل ثورة و انتم بخير.

إشترك في قائمتنا البريدية