«اليوم خمر وغدا أمر» مقولة جرت مثلا تنسب لأمرئ القيس، أشهر شعراء العرب، وحكايتها معروفة، لكننا اليوم نقول، اليوم خمر وغدا أمر وانه أمر لو تعلمون خطير.
فقد صوت البرلمان العراقي يوم السبت 22 اكتوبر 2016 على مشروع قانون واردات البلديات، الذي دس فيه في اللحظات الأخيرة لاقراره اضافة هي «حظر استيراد وتصنيع وبيع المشروبات الكحولية بكافة انواعها، ومن يضبط مخالفا للمادة القانونية تفرض عليه غرامة مالية تتراوح بين 10 ملايين دينار عراقي (حوالي 8 الاف دولار امريكي) كحد ادنى، و25 مليون دينار عراقي (حوالي 20 الف دولار امريكي) كحد أقصى». وقد حظي القرار بتأيد اغلبية واضحة في البرلمان، لكنه جوبه باعتراض بعض البرلمانيين من الأقليات الدينية مثل النائب يونادم كنا رئيس كتلة الرافدين، والنائب جوزيف صليوا من كتلة الوركاء الديمقراطية، باعتباره يتعارض مع مواد اساسية في الدستور العراقي وبشكل خاص المادة الثانية التي تؤكد على عدم جواز إصدار قوانين تتعارض مع الحقوق والحريات الشخصية.
انطلقت نقاشات وسجالات ساخنة على صفحات التواصل الاجتماعي بين رافض ومستهزء بالقانون الجديد، ومدافع عنه باعتباره قانونا قائما على أسس إيمانية وعقائدية في بلد يمثل المسلمون فيه اكثر من 95% من السكان، لكن الحقيقة أن المشكلة أكبر وأعقد من ذلك، فقانون مثل هذا يستند إلى أسس دينية في دولة تدعي أنها دولة مدنية تحترم حقوق كل مواطنيها لا يمكن أن يمر منفردا، فهذا القانون إذا ما أخذ الصفة القطعية وأصبح في حيز التنفيذ، ما الذي سيحدث حينها؟ القبض على من يبيع أو يصنع أو يستورد أو يروج بيع الخمور ومن ثم تطبيق الغرامة بحقه، وماذا عن الذي يتناول الخمور؟ هل سيطبق بحقه قانون تجريم أو مخالفة؟ وما هي الجهة التي ستتابع وتنفذ الامر؟ وهل سيتم تشكيل شرطة اخلاق أو جماعات «الامر بالمعروف والنهي عن المنكر» التي تطارد مخالفي (الشريعة)؟ وهل سيجر المجتمع إلى تطبيق منظومة عقوبات اخرى تدعي الاستناد إلى احكام دينية لم يعرفها المجتمع العراقي عبر تاريخه الحديث؟ انها أسئلة لا جواب لها حتى الان.
من المعروف أن العراقيين من الشعوب التي تستهلك خمورا بكميات كبيرة مقارنة بغيرهم من الشعوب، وذلك يعود لاسباب تاريخية واجتماعية كثيرة، ولم تفرض محددات على تعاطي وبيع الخمور في العراق عبر مراحله التاريخية المتعددة حتى إبان حكم دول ذات طبيعة ثيوقراطية مثل (الخلافة العثمانية)، أما عند تشكيل الدولة الحديثة عام 1921، فقد كانت المملكة العراقية تتمع بحكم مدني قائم على اسس دستورية ترعي التنوع الديني والاثني في المجتمع، وتحترم الحقوق المدنية للمواطنين وتسعى لخلق توازن دقيق بين الحقوق الشخصية والمصلحة العامة، ومن هنا كان منطلق اصدار الاحكام والقوانين التي احترمت طبيعة الاكثرية المسلمة، بما لا يجور على حقوق الأقليات الاخرى، ولم تصدر أحكام أو قوانين تمنع أو تحظر بيع وتعاطي الخمور الا في زمن متأخر، ففي سبعينيات القرن الماضي ابتدأ تطبيق منع بيع الخمور بشكل علني في نهارات شهر رمضان المبارك احتراما لقدسية الشهر، اما الحملة الاعتى فقد نفذت عام 1994 إبان حكم الرئيس العراقي الاسبق صدام حسين عبر ما عرف بـ «الحملة الايمانية» التي دشنها صدام وطرح نفسه عبرها على انه الرئيس «عبد الله المؤمن» منقلبا على خط البعث العلماني، وكان لهذه الحملة دوافعها السياسية والاقتصادية التي لا محل هنا لمناقشتها، لكن الامر (الايماني) الرئاسي أبقى على منافذ بيع الخمور لمن يريد أن يتعاطاه في بيته أو في مناسباته الخاصة، ومع ذلك كانت هنالك تغيرات اجتماعية خطيرة تم رصدها في عدد من الدراسات الاجتماعية، فاغلاق المطاعم والبارات العلنية التي كانت تقدم الخمور أدى إلى فتح بيوت، او بتعبير ادق (مواخير) في المناطق القريبة من البارات المغلقة، تعمل سرا على تقديم الخمور للزبائن، ولان العملية سرية، فقد صاحبها انتشار البغاء وتعاطي المخدرات حتى تحولت شوارع في منطقة البتاويين وسط بغداد إلى مراكز لمافيات الجريمة المنظمة التي لايجرؤ احد على الاقتراب منها، وخصوصا بعد أن حظيت بحماية بعض مراكز القوى الفاسدة في الدولة نظير رشاوى وخدمات تقدم لضباط ومسؤولين في الدولة.
ومن المعلوم ايضا أن العراق ورغم كونه اهم ممر لتجارة المخدرات يربط الدول المنتجة مثل افغانستان وايران بالدول المستهلكة في الخليج وشمال افريقيا، الا انه كان دائما يكاد أن يكون نظيفا من ظاهرة تعاطي المخدرات، لان تعاطي المخدرات أمر مرفوض اجتماعيا بعكس تعاطي الخمور الذي لا يجابه بمثل هذا الرفض، وكذلك للعقوبات القانونية المشددة في ما يتعلق بهذا الامر، ومع الحملة الايمانية منتصف التسعينيات، ونتيجة ارتفاع اسعار الكحول وعدم وجود اماكن عامة لتقديمها، انتشرت ظاهرة تعاطي حبوب الهلوسة بين الشباب فيما عرف محليا بظاهرة (الكبسلة)، كما أن المخدرات المتنوعة عرفت طريقها إلى داخل البلد بدءا من الانواع الشعبية مثل شم اللواصق والمذيبات (سيكوتين وثنر) إلى اكثرها تطورا مثل حقن الهيروين، وهكذا ربط عدد من الباحثين الاجتماعيين ممن تناولوا ظواهر الادمان بالدراسة، بين المحددات التي فرضت على الكحول وانتشار تعاطي المخدرات كظاهرة وافدة على المجتمع.
كما تجدر الاشارة إلى أن العراق مجاور للدولتين الاشهر اللتين تطبقان احكام الشريعة الاسلامية وهما المملكة العربية السعودية والجمهورية الاسلامية الايرانية، اللتان تمنعان تعاطي وبيع الخمور منذ ما يقارب الاربعة عقود، لكن التقارير التي تتناول الامر بالدراسة تشير إلى انتشار تعاطي الخمور في هذين المجتمعين بدون تمكن الدولة من السيطرة على الامر، والاخطر صحيا واقتصاديا هو انتشار تعاطي الخمور المصنعة منزليا والتي لا تخضع للضوابط الصحية والتي قد تصيب متعاطيها بمخاطر كبيرة تصل إلى العمى أو الموت، كما أن ظاهرة تهريب الكحول إلى هاتين الدولتين يصيب اقتصادهما بتحديات وهدر كبيرين.
دول كبيرة مرت بتجارب مهمة واخذت العبر والدروس وعدلت قوانينها فيما يخص هذا الامر، والمثال الابرز في ذلك هو حظر الكحوليات في الولايات المتحدة الامريكية الذي طبق ما بين عامي 1920 و 1933 وقد كان وراء اصدار القانون مجموعات ضغط من المحافظين البروتستانت المتدينين الذين رأوا في تناول الكحول أضرارا بالصحة العامة والاقتصاد الامريكي، ما استدعى ما عرف بالتغيير الثامن عشر للدستور الامريكي، واصبح قانون حظر الكحول قانونا فيدراليا، وقد أثار القانون جدلا واسعا في الولايات المتحدة، فالمؤيدون وصفوا الحظر بالتجربة النبيلة وقدموه كانتصار للأخلاق الحميدة والصحة العامة، فيما اتهم معارضو الحظر القانون بفرض توجهات بروتستانتية ريفية على أبناء المدن، لكن الاخطر في الامر هو تفشي مافيات الجريمة التي وجدت عبر سيطرتها على صناعة وبيع الكحول بطريقة سرية منجما لتمويلها وتغولها في المجتمع، حتى بات عقد العشرينيات الامريكي يوصف بانه عقد عصابات المافيا وسيطرتها على الاقتصاد والسياسة والقضاء، وظهرت اشهر العصابات الامريكية في هذه الاجواء مثل آل كابوني وغيرها من العصابات التي خاضت حروبا فيما بينها لفرض النفوذ والسيطرة على المدن، مع عجز شبه كامل من أجهزة الأمن والشرطة على مواجهتها، ما اثار لغطا اجتماعيا وسياسيا حادا في البلد حتى أصدر الرئيس فرانكلين روزفلت قراره بابطال قانون حظر بيع وتناول الكحول في ديسمبر 1933.
تتعامل دول العالم اليوم وفق موازنة صعبة تحاول التوفيق بين الحريات الشخصية والحفاظ على المصلحة العامة فيما يتعلق بتعاطي الخمور، فهنالك القوانين الصارمة التي تنظم بيع الخمور لفئات عمرية محددة (البالغين) وتحدد اوقات البيع لغرض تنظيم اوقات التعاطي بدون التأثير على سير العمل في المؤسسات، كما أن كل دول العالم تفرض شروطا صارمة وعقوبات مشددة على سياقة السيارات تحت تأثير الكحول منعا لوقوع الحوادث المرورية، كل تلك القوانين المنظمة، بالتأكيد لا تستطيع منع تأثير الكحول السيئ على الصحة العامة واحتمالات الإدمان الكحولي، لكن الحكومات والسياسيين اليوم يعلمون جيدا أن السير في هذا المسار اكثر أمنا ونفعا للمجتمعات من حظر البيع الذي يؤدي حتما إلى انتشار التعاطي السري وما يجره على المجتمعات من كوارث، فهل يعي هذا الامر من اصدر القانون العراقي من برلمانيين يشهد التاريخ على أنهم الاشد فسادا والاكثر اجراما في تاريخ العراق، أم أن وراء الاكمة ما وراءها؟
كاتب عراقي
صادق الطائي
الامر لا يعدو كونه نوع من الدعاية الرخيصة لالاحزاب الاسلامية مع اقتراب موعد الانتخابات القادمة فهم يعلمون جيدا ان كردستان العراق سوف لا تلتزم بالامر وهذا سيفتح باب التهريب بين الشمال ومدن العراق الاخرى وكذلك سيؤدي الى تصنيع الخمور منزليا وخاصة في مدن وقرى المسيحيين والايزيديين بكميات كبيرة ثم تهريبها الى مدن العراق الاخرى.وقد يكون نوع من تانيب الضمير بسبب ما تم سرقته من المال العام من قبل هؤلاء البرلمانيين بمشاركة وزراءهم من الكتل السياسية فيعتقدون انهم يقومون بعمل شرعي يقربهم من الله.او يريدون ابدال الخمر بالمخدرات التي ستاتي من مناطق طالبان وتمر بايران ثم العراق والدول المجاورة من خلال شبكات مافيا من الاحزاب الاسلامية لتهريب المخدرات
لم يكن بمحض الصدفة، أن كان التصويت على منع الخمور قد تم في ذات الوقت الذي سمح فيه للنساء بالتصويت في امريكا.
يبدوا ان كل الرجال السكرانيين وقتها كانوا يضربوا نسائهم، فصوتت النساء على منعه. وكان ما كان من قصص العصابات.
ذكر لي أحد مدرائي السابقين الكرام، وهو من الكويت، أن امرأة وقفت بباب الديوان كل يوم تطلب رؤية الأمير، وبعد أن زهقوا من إلحاحها أدخلوها لسموه، فقال اني جئت أشكيك، أشكيك منك فقال سموه وكيف تكون هذه. قالت: كن زوجي يأتي بصيده فأشويه ونأكل كلنا ثم يجلس مع اصدقائه يشرب قليلا وينام بعدها في فراشه، ثم منعتم الخمر وخربتم بيتي، صار زوجي يسافر الى البصرة ويبيت في غير فراشه. خربتم بيتي فقال سموه: البرلمان منعه وليس نحن. ولن ازيد حتى ربنا يسترها وينشر سلامنا للأستاذ الصادق الكبير الطائي.
اذكر اني كنت في بريطانيا في اواخر السبعينيات و ارتفعت اصوات تطالب بمنع او تقييد الخمور و السجاير لاضرارهما و كان الرد الرسمي لابأس اذا اردتم ان تعيشوا بدون تعليم و رعاية صحية لأن الضرائب المتحصلة على السجاير و الخمور تذهب لميزانية الصحة و التعليم
يقدر سكان فرنسا بحوالي 64 مليون شخص ، ومنهم مابين 5 إلى 6 مليون شخص عنده مشكلة مع الخمر (ما بين الإفراط و الإدمان) .ربما لا يعلم كثير من الناس أن الخمر ليس بالمادة الغذائية بالمعنى الوظيفي للتغذية وهو إذن سم (و يؤثر سلبا على كل عضو في الجسم دون استثناء) زيادة على خطر الإدمان
يبدو أن من يعترض على حضر بيع الخمور لا يعرف ما هو مفعول هذه المواد
قال الله تعالى: {ياأيُّها الَّذين آمنوا إنَّما الخمرُ والميسرُ والأنصابُ والأزلامُ رجسٌ من عملِ الشَّيطانِ فاجتنبوه لعلَّكم تُفلحون(90) إنَّما يُريدُ الشَّيطانُ أن يُوقِعَ بينَكُم العداوةَ والبغضاءَ في الخمرِ والميسرِ ويَصُدَّكم عن ذكرِ الله وعن الصَّلاةِ فهل أنتم منتهون(91)}قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (شارب الخمر كعابد الوثن)
سكان فرنسا 64 مليون شخص منهم ما بين 5 إلى 6 مليون لهم مشاكل مع الكحول تتوزع ما بين الإفراط و الإدمان.
كثير من الناس لا يعلم أن الخمر ليس بالمادة الغذائية بالمعنى الوظيفي للتغذية والسبب أن جسم الإنسان لا يستطيع
الاستفادة منه لافتقاده للخماءر الضرورية لاستعابه كما يحدث عادة مع بقية الأطعمة و عليه فسلاسل الاستيعاب تتوقف قبل نهايتها والنتيجة هي تكون مواد لا يستطيع الجسم لا الاستفادة منها ولا التخلص منها والمحصلة تكون مواد سامة تستطيع أن تهدد اي عضو في الجسم .أما الإدمان فتلك مصيبة كبرى و علاجه -أن وجدت الإمكانيات و هي بالقطع غيرموجودة في كل الخريطة العربية- فذلك تحدي كبير ويتطلب مصارف طاءلة
الله سبحانه لم يحرم الخمر هكذا