انتاج درامي كوميدي إسمه «الانتخابات الرئاسية المصرية» و«رزق الهبل على المجانين»

 

لو اتحد منتجو العالم مع مخرجيه المبدعين في «هوليوود» و«بوليوود» و«عرب وود»، لما استطاعوا إبداع كوميديا ساخرة مترفة الإنتاج والضحك، كما أبدعت القنوات المصرية في الإنتاج السينمائي المسرحي الدرامي الضخم المسمى «الانتخابات الرئاسية في مصر».
ولو قيض لنا أن نقنع لجنة الأوسكار المكونة من عدد غفير من صناع السينما لما أقنعناهم بغير الأوسكار عن مجمل الجوائز للسيد الرئيس الفنان عبدالفتاح السيسي على هذا الإبداع التاريخي غير المسبوق في تحويل مصر كلها من جغرافيا وطن إلى «لوكيشن» واحد موحد لهذا الإنتاج المنفرد.
لكن، وبصراحة فإنني أجد نفسي متفقا جدا مع ما أورده السيسي من نقد لاذع (ليس أول مرة) تجاه الاعلام المصري خصوصا في حديثه أمام المخرجة ساندرا نشأت عن برامج «التوك شو» المصرية وتساؤله عن كل هذا الاستنزاف في الحديث لمدة ثلاث ساعات، وأتساءل مثله عما يتحدث هؤلاء في تلك الساعات؟
ما تحدث به أعلى سلطة رئاسية في مصر (اتفقت أم اختلفت على وجوده) في نقد لاذع لإعلام الفضائيات المصري بل واختياره مخرجة من خارج الوسط الإعلامي للحوار الصحافي معه، مستثنيا كل هذا الكم الهائل من مطبلي الفضاء المصري المحترفين في التزمير والمتشوقين لمسحة البركة من لدن الرئاسة، يشكل أكبر صفعة واضحة المعالم على وجه هذا الإعلام الفضائي المنهمك في تدمير كل ما هو محترم في مفهوم الإعلام.
أي توضيح أبلغ من ذلك، وموضوع التطبيل نفسه والقائد الملهم في نظر هذا الإعلام، قاده إلهامه إلى نقد كل هذه السفسطات الإعلامية بكل نجومها ثقيلي الوزن والظل؟
باقي ما بقي من كل حواره مع المخرجة في هذا الظهور بكل خلفيته الخضراء والوجه المتخم بالبودرة ليس أكثر من لزوميات ما لا يلزم في انتخابات محسومة ينتصر فيها السيسي بمشقة على نفسه، وهذه المليارات التي تصرف على حملة انتخابية لا حاجة لها مطلقا وهي تطعم الشعب لاشهر بدل تبديدها على مرشح واحد فائز بها قبل ثلاث سنوات من اجرائها.

«ثورة الشك الفيسبوكية»

تضج الأخبار بما يفيد بان موقع الفيسبوك يتعرض لهزة عنيفة تضرب مصداقيته المعلوماتية والخصوصية التي يفترض أننا متعاقدون عليها معه.
لقد غير الفيسبوك العالم، وأهميته (من أهمية الثورة المعلوماتية) تشبه أهمية الآلة البخارية، ولا شك أن الثورة التقنية التي جعلت الفيسبوك في حجم راحة اليد بحيث يصبح التواصل حول الكوكب على مسافة ضغطة بالإصبع على شاشة زادت من سيطرة الموقع الأزرق على حياتنا إلى درجة أن العالم كله تقريبا صار جزءا من القبيلة الزرقاء.
وعلى سيرة فضايح الفيسبوك في التضليل المعلوماتي، أتذكر أنه في زمن مضى قبل الثورة المعلوماتية كانت هناك مجلدات المعرفة.. والبريتانيكا للبحث عن معلومة او تأكيدها وعليك البحث في الكتب أو تأخذها على ذمة كاتب يخشى على سمعته في مجلة تخشى على مصداقيتها.
لقد كانت المعلومة متاحة لمن يسعى بالبحث الجاد عنها.. مرة أردت أن أتحقق من معلومة ما عن علاقة نابليون بجوزفين… فاضطررت لقراءة كتابين عن نابليون وحروبه، وعدة مقالات عن الفترة النابليونية، وتحققت من المعلومة، كما وازددت معرفة.
حقبة الفيسبوك، حقبة خطيرة يحدث فيها الآن تمييع المعرفة وتلاشي البحث المعرفي.
البلهاء والسخفاء والتافهين قادرون بسهولة على أن يحصلوا على امتيازات نخبوية في هذا العالم الافتراضي.. والدفق المعلوماتي يختلط فيه الحقيقي بالمزيف.. والتضليل سيد الثورة المعلوماتية.
نسبة الأقوال المنقولة وتزييفها أسهل وأخطر ما يتم، ويكفي لمغمور ما أن ينسب قولا لعلم من الاعلام التاريخية فينتشر كمسلمات معرفية… بدون اي تحقيق أو تحقق.
و فعلا… كما قال الروسي ليونيد بروتينسوف: «الحقيقة يتيمة في ملجأ بلا سقف».
(طبعا.. لا يوجد أي شخص في التاريخ اسمه ليونيد بروتينسوف.. والعبارة المنسوبة اختلقتها ارتجالا.. وهي اتفه ما يمكن سماعه).

«فهلوة التنمية البشرية»

في حلقة من حلقاته مؤخرا، استضاف برنامج «يوم جديد» على التلفزيون الأردني، سيدة تم وصفها بأنها «مدربة حياة»، ولم تقصر السيدة على هواء الفضاء الأردني في الحديث عن الحياة، هكذا، الحياة كلها في فقرة من برنامج صباحي، وبكل ثقة تتحدث السيدة بلغة الخبير لتقدم الحياة معلبة جاهزة بأقوال وكليشيهات مفرطة في المثالية والتعبئة الجيدة المعلبة بغلاف براق من المفردات المصاحبة لابتسامات الثقة، طبعا مع إسنادها كل حديثها بعبارات مثل «اتفق العلماء» وأكتشفت الأبحاث العلمية» دون ذكر إسم واحد من هؤلاء العلماء او أي عنوان وفهرسة لبحث علمي ممن ذكرتهم.
السيدة جزء من «صنعة فهلوة» ظهرت في بدايات الألفية اسمها «التنمية البشرية»، كان من روداها دكتور مصري اسمه إبراهيم الفقي، رحمه الله وقد قضى في حادث حريق.
هذه الصنعة، وجدت طريقها إلى التلفزيون والفضائيات بحكم أن التلفزيون جاذب لكل ما هو «ترفيه» لمشاهديه.
وتحولت الفهلوة إلى فقرات تلفزيونية شبه ثابتة، حتى أن سيدة مسكينة تحتاج علاجا مثل مريم نور، صارت نجمة تلفزيون بتقليعاتها الغريبة التي وفرت مادة ترفيه فائقة الامتياز على الفضائيات.
الأنكى أن تلك الصنعة صارت توفر دخلا جيدا لكل من أتقن الفهلوة بها، فهناك شهادات تدريب معتمدة (لا أعرف من اعتمدها فعلا)، وصارت لها برامج وورشات عمل، وبرامج تلفزيونية متخصصة لا فقرات عابرة في برامج وحسب.
بل أن فضائيات محددة في عالمنا العربي صارت متخصصة في هذا النوع وتستقطب جماهيرا من اليائسين البائسين بحثا عن طريقة للتنمية البشرية.
وهذا ما تنطبق عليه مقولة «رزق الهبل على المجانين».

إعلامي أردني يقيم في بروكسل

انتاج درامي كوميدي إسمه «الانتخابات الرئاسية المصرية» و«رزق الهبل على المجانين»

مالك العثامنة

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول هدي السيد:

    احسنت واصبت كبد الحقيقة

إشترك في قائمتنا البريدية