■ لم ينف ولم يؤكد لكنه لم يستبعد ايضا ان تصوت الطائفة اليهودية في تونس لصالح حركة النهضة الاسلامية، في انتخابات السادس والعشرين من اكتوبر/ تشرين الاول الجاري.
كلمات روني الطرابلسي بدت عفوية وبسيطة، لكنها حسبت بعناية ودقة جعلتها لا تحتمل تأويلا مزدوجا او مفتوحا. «لا وجود لتوصيات للطائفة اليهودية للتصويت لشخص معين او حزب معين، وهم احرار في اختيار مرشحيهم كباقي التونسيين.. جزء منهم صوت للنهضة في الانتخابات الماضية، وقد يعيدون التصويت لها في الانتخابات المقبلة»، هذا ما قاله منذ ايام رجل الاعمال التونسي اليهودي ونجل رئيس الطائفة اليهودية بالبلاد. التصريحات لم تكن بالامر المفاجئ لكل من تابع مواقف قادة الطائفة ورموزها، بعد هروب الرئيس المخلوع بن علي، فقد سبق لكبير احبار اليهود في تونس حاييم بيتان ان اكد لموقع «افريكان مانجر» في مارس/ اذار من العام الماضي انه يدعم حزب النهضة الاسلامي ويعتبره الاقرب للطائفة اليهودية، لانه «حزب يخشى الله»، وفقا لتعبيره. مضيفا انه «كلما اقترب المرء للدين زادت خشيته من الله».
اليهود التونسيون، الذين لا تتعدى أعدادهم في افضل الحالات الفا وخمسمئة شخص، لا يمثلون من الناحية العملية ثقلا مهما او مؤثرا في السباق المفتوح لكسب الاصوات، لكن وزنهم ونفوذهم داخل الساحة السياسية والاقتصادية منذ الاستقلال الى الان لا يخفى على احد في الداخل والخارج. لاجل ذلك ربما لم تكن كلمات روني الودية في عز حملة الانتخابات البرلمانية التي كشفت ميلا وانحيازا واضحا لطرف على حساب اخر، لتثير ردا او تعليقا لا من جانب حركة النهضة ولا حتى ايضا من طرف خصومها ومنافسيها، بل قوبلت بصمت مطبق.
يبقى السؤال الاهم بعد ذلك هو في معرفة الدوافع والغايات الحقيقية من ورائها؟ هل كان الامر مجرد مغازلة ذكية لحزب يمتلك حظوظا وافـــرة للفــوز ومراهنة محسوبة على حصان رابح، أم كان حسما ودخولا على خط صراع ايديولوجي ما يزال مشتعلا في تونس ولو على نار هادئة؟
منذ اكثر من خمسين عاما ألف الناس برقيات تأييد ودعم تصدر بين الحين والاخر في الاعياد او في المناسبات، التي يصنفها النظام «وطنية» وبها الكثير من عبارات الولاء الخشبية الجوفاء. رؤساء وقادة الطائفة اليهودية كانوا بدورهم جزءا مكملا في تلك المسرحيات الكوميدية، وارسلوا البرقيات والدعوات بطول العمر والصحة والسعادة للحكام المستبدين. قد يكون الامر على الارجح مناورة ذكية اضطروا اليها لحماية مصالح اقلية لم يكن بمقدورها السباحة ضد التيار، بعد ان انساق جزء واسع من الاغلبية وراء الصمت او المواجهة المكلفة مع النظام. لكن الان ومع سقوط الاستبداد وفي ظل مناخ الحرية السائد ما الذي يدفعهم الى مناصرة سلطة او طرف سياسي على حساب اخر، ساعات قبل ان تبوح الصناديق باسم او اسماء الفائزين؟ في الظاهر لا تفسير دقيق لذلك سوى براغماتية تجعل الاقلية ذات النفوذ المالي والسياسي تختار الطرف او الجهة التي ترى انها الاقدر على حماية وصون مصالحها، حتى ان تعارضت او اختلفت معها بعد ذلك في اكثر من نقطة وبرنامج. تلك البراغماتية نفسها هي التي سمحت للشيخ راشد الغنوشي، زعيم حركة النهضة بان يصرح لرويترز بان حزبه مستعد لتشكيل حكومة ائتلاف تضم العلمانيين، وحتى احزابا يقودها مسؤولـــون في نظام الرئيس المخلوع بن علي، بهدف «غرس اولى بذور الديمقراطية في البلاد» وفقا لتعبيره. الشيخ الذي اكد ايضا ان حركة النهضة اصبحت «اكثر واقعية وقدرة على صنع الوفاق مع منافسيها»، جدد الدعوة في اجتماع حزبي بمدينة بنزرت لمن وصفهم بشركاء الوطن، من ان النهضة لن تبسط يديها لهم الا بالوفاق فـ»تونس احب الينا من النهضة ومن انفسنا وانتم اخواننا في الوطن نفسه، ولن نعاملكم الا بما تقتضيه الاخوة» كما قال.
العقبة الكأداء هنا هي ان اخوة الوطن لا يبادلونه الافكار والمشاعر ذاتها، وليسوا متحمسين على ما يبدو لما يردده في كل مرة من حديث حول وفاق مرتقب ومطلوب بعد الانتخابات. حزب حركة نداء تونس الذي يرفع الإعلام المحلي اسهمه منذ شهور ويضعه في صدارة المؤهلين للفوز بالمركز الاول او الثاني في استحقاق السادس والعشرين من الشهر الجاري، تبدو مواقفه مرتبكة ومشوشة ازاء الاسلاميين بشكل عام وما يعرف بـ»الاسلام السياسي» على وجه التحديد، فرئيسه السياسي المخضرم الباجي قائد السبسي يؤكد في الكثير من المناسبات انه لا يمكن لحزبه التحالف الا مع من يشبهه، والمقصود بذلك من ينسجم معه فكريا وايديولوجيا بالاساس، فهناك الان، بحسب ما صرح به قبل شهر الى اذاعة موزاييك الخاصة، «مشروعان في تونس، مشروع الاسلام السياسي ومشروع حداثي تنويري»، والمشروعان كما يضيف بسخريته المعروفة، في مقابلة اجرتها معه صحيفة «الصباح» في السادس عشر من الشهر الجاري، «خطان متوازيان لا يلتقيان الا باذن الله… واذا التقيا فلا حول ولا قوة الا بالله».
التصور نفسه يحكم نظرة الجبهة الشعبية، وهي تجمع لاحزاب يسارية لم تتخلص بعد من رواسب الصراع الايديولوجي الحاد في سبعينات وثمانينات القرن الماضي، فهي ترفض كل شكل للتقارب مع حركة النهضة، فضلا عن الحديث عن امكانية التحالف او المشاركة معها في ائتلاف حكومي بعد الانتخابات. الاحزاب التي تترك الباب مواربا او مفتوحا على جميع السيناريوهات قليلة، وقد لا تمثل وزنا في المعادلة المقبلة، ومن ضمنها الحزب الجمهوري الذي اعلنت امينته العامة ان نتائج الانتخابات البرلمانية هي التي ستحدد شكل التحالفات المقبلة.
وسط كل ذلك الجدل وقبل ان يحل يوم الصمت الانتخابي السبت المقبل، تتبارى الاحزاب باطلاق التوقعات بنسب فوزها وتجري بالموازاة مع ذلك عمليات اسقاط وتوجيه لقلقها وحيرتها حول شكل وطبيعة التحالفات القادمة، التي لا مفر منها على جمهور يدرك في الغالب، رغم كل ما يروجه الساسة وجزء واسع من الاعلام، ما هي الجهة او الطرف الذي سيمنحه صوته يوم الاقتراع. بعد ذلك اليوم ومع اعلان النتائج سوف تظهر اقلية واغلبية، وهو الامر المنطقي والمتوقع، لكن افتقاد اي منهما لبراغماتية تضع الخلافات الايديولوجية جانبا، ولو الى حين، او تكرار تجربة شبيهة بما حصل في اكتوبر 2011 لما انقسم الفائزون الى حكام، والمهزومون الى معارضين قد يسقط التجربة الديمقراطية الوليدة ويعرضها لمزيد من الهزات والنكسات، بما قد يعجل بالعصف بها في وقت لاحق.
المخاوف الحقيقية هنا هي في رفض النتائج او التشكيك فيها وفي سلامتها، وقد بدأت بعض الاحزاب تتهيأ من الان على ما يبدو لذلك السيناريو، اذ سبق للامين العام لحركة نداء تونس ان صرح في اجتماع بمدينة سوسة في الخامس عشر من الشهر الجاري بان حزبه متخوف من «امكانية تزييف الانتخابات التشريعية بعد حصول شكوك في عدم حيادية بعض اعضاء الهيئات الفرعية للهيئة العليا المستقلة للانتخابات»، قبل ان يضيف بان «هناك شكوكا في المنظومة المعلوماتية لهيئة الانتخابات التي قد تكون قابلة للاختراق». خطورة التشكيك المسبق مع تضخيم الحديث عن دور المال السياسي الفاسد في العملية الانتخابية قد يصبح عائقا امام توافق لا يرفضه اي طرف في تونس، لكن لا يقبل به الكثيرون داخل العنوان المفضل للديمقراطية التونسية، الذي قدمه الشيخ راشد الغنوشي في حديث لصحيفة «نيويورك تايمز» وهو» الوفاق والانسجام بين الاسلام والديمقراطية». هذا هو جوهر الخلاف الذي يشق الساحة السياسية والفكرية في تونس ويقطع اوصالها. فالاسلاميون دخلوا السلطة منذ سنوات بصناديق الاقتراع وصار البعض الان يتمنى خروجهم عبر الصناديق نفسها. ومتى حصل ذلك فسيعني مغادرة سلمية وحضارية للسلطة، لكن في حال نجاحهم في العودة الى الحكم فقد تقدم التجربة نموذجا فريدا لتعايش الاسلام والديمقراطية، وهو تعايش يراه خصوم النهضة وهما زائفا، وتراه هي واقعا ممكنا، فيما يعتبره اخرون كقادة الطائفة اليهودية براغماتية ومصلحة يقتضيها التوازن المطلوب بين الاغلبية والاقلية.
لصالح من سيحسم الخلاف ولمن سينتصر التونسيون؟ هذا ما ستقوله الصناديق الاحد القادم.
٭ كاتب وصحافي من تونس
نزار بولحية
مع الأسف خصوم التيار الإسلامي في تونس يعيشون في كوكب لا يتبع المجموعة الشمسية يغرد خارج السرب اختلافهم مع التيار الإسلامي دفعهم لمهاجمة الدين الإسلامي والتشكيك فيه كدين انزله الله ليكون دين عبادة وحياة وعمل وجهاد دين يشمل كافة مناحي في الحياة وبعد الممات.
بقدر ما أظهر الإسلامييون “المعتدلون”في تونس من حكمة وتبصر وحلم وعفو وصبر بقدر ما اتسم التيار” العلماني ” بالغلضة والرفض والإقصاء والتهكم والإرهاب ..
من تونس
محمد فوزي التريكي
“مخاوف الحقيقية هنا هي في رفض النتائج او التشكيك فيها وفي سلامتها، ”
هذا أخطر ما يكون اذا حصل.الاعتراف بالنتائج و تهنئة الفائزين من أركاز الدموقراطية.مع العلم أنه لا يجود فى العالم أجمع انتخابات مثالية مطلقة. نحن فى السنين الاولى و علينا القبول ببعض اللاخلالات أو النقائس.نمضى و نحسن .
إن أية سياسة عنوانها الدين هي كذب وبهتان ومتاجرة بالدين.
مقال جيد أحسنت سيدي إختيار زاوية الموضوع.
أعتقد أن مشاركة الأقلية من اليهود في الإنتخابات علامة ممتازة تحيل على أن المشهد السياسي في تونس يتسم بالتوافق والإنسجام و الديمقراطية وفي هذا الإطار نذكر مقولة إبن خلدون بأن العدل أساس بقاء الدولة وستمرارها بينما الظلم أساس النهاية والإنقضاء.
حين قامت الثورة في تونس لم يكن احد يتصور ان الامور ستؤول الى ما الت اليه الان نحن في حاجة الى ان يتحمل كل تونسي حر مسؤوليته تجاه هذا الوطن الغالي.
تحليل معمّق يتماشى مع الواقع الميداني لسير تجربة المشروع الإنتخاتي بتونس