سوريا والعراق ينهاران امام اعين الجميع، كما ان بلدانا أخرى في المنطقة تواجه الان مخاطر متعددة، وهي مهددة في ان تصبح دولا فاشلة، ليبيا واليمن والصومال وجنوب السودان، كما ان مصر ولبنان يواجهان أزمات داخلية وعنفا مجتمعيا متزايدا؛ الامر الذي بدوره يطرح العديد من التساؤلات والمؤشرات حول المستقبل فيهما. ويبدو أن الدور المتنامي للدين في السياسة أضفى الكثير من التعقيدات على الصراعات الداخلية في دول المنطقة؛ كما ان الانقسام بين السنة والشيعة أضحى محركا رئيسيا للتوترات الإقليمية، وبات يطرح احتمالات التفكك في المنطقة. ولكن سقوط مدينة الموصل وسيطرة داعش عليها، مثّل اللحظة الحاسمة في تفعيل نظرية الدومينو التي ستؤدي الى انهيار احجار المنطقة الواحد تلو الاخر. هذا ما أدركه عدد من المراقبيين والسياسيين في المنطقة وخارجها، ومن بينهم الزعيم اللبناني الدرزي وليد جنبلاط الذي يعتقد (كما ينقل الصحافي روبرت فيسك) أن الاستراتيجية الحالية للجهاديين الاسلاميين، وإن قتلت معاهدة سايكس- بيكو في الموصل، إلا أنها تجعل بلفور يضحك في قبره.
لماذا يعتقد زعماء ومراقبون بنهاية الخريطة الجيو ستراتيجية للمنطقة، وبدء تشكيل خارطة جديدة للمنطقة، او لنقل خارطة جديدة للصراع تختلف كليا وجذريا عما هو قائم؟
اعتقد هناك أكثر من سبب لمثل هذا الاعتقاد، ولنبدأ من الموصل التي كانت احد مفاتيح التسوية والتشطير لتثبيت الاتفاقية السرية التي وقعها السير مارك سايكس مع الدبلوماسي الفرنسي جورج بيكو لتقسيم الشرق الأوسط بعد نهاية الحرب العالمية الأولى. وعندما التقى رئيس الوزراء البريطاني لويد جورج مع رئيس الوزراء الفرنسي جورج كليمنصو في فرساي، قال جورج إنه كان يتطلع إلى صد الادعاءات الفرنسية بخصوص ضم الموصل لسوريا. وأثناء الاجتماع سأل كليمنصو: ما الذي تريد؟، رد جورج: الموصل، وافق كليمنصو وسأل: أي شيء آخر؟، رد جورج: القدس، قال كليمنصو: أنت لا زلت تمتلك القدس.
ورغم ان تقييمات كثيرة تعتبر اتفاقية (سايكس بيكو) خبيثة ومليئة بالألغام، إلا أنها شكلت الأساس لخارطة الشرق الاوسط، ومن خلالها ولدت الدولة الوطنية الحديثة التي شكلت هوية المنطقة لنحو مئة عام. والآن بعد مرور كل هذا الوقت على صمودها تبدأ هذه الدولة بالانهيار.
سقوط الموصل في التاسع من حزيران/يونيو الجاري، وان كان يحمل اتهاما للجيش العراقي الجديد، الا انه مسؤولية رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي والنخبة السياسية الشيعية التي تتولى أمر العراق منذ 2003، التي لم ترغب في مد يد المصالحة الحقيقية مع السنة أبدا؛ في محاولة من هذه النخبة الانتقام من مظالم حكم صدام حسين وحزب البعث وتحميلهما لمجمل السنة العرب في العراق.
بالطبع لا يمكن انكار إن الصعوبات التي تواجهها بغداد للحفاظ على الموصل وصلاح الدين والانبار الآن، يعود أثرها إلى صدام حسين، الذي كان رائدا في تكتيك الحكم الطائفي، مستندا الى قاعدة ثقيلة من الاجهزة الامنية والعسكرية، التي كانت كوادرها تقوم على أكتاف ابناء المحافظات الثلاث في معظمها، متجاهلاً الجنوب الشيعي. وبالتالي يمكن القول ان صدام حسين أوصلنا إلى هذه المرحلة، والآن قَلَب المالكي الآية وخلق قاعدة كربلاء ـ الناصرية ـ النجف، لتصبح قاعدته القوية الجديدة. لكن يبقى الوضع الراهن يتحمله المالكي نفسه، الذي وجه تُهم الارهاب والتمرد للجمهور السني بالمجمل، لمجرد احتجاج هذا الجمهور على سياسات المالكي وممارساته في الاقصاء والتهميش، وبالتالي منح المجموعات المتطرفة الفرصة لتبدو كالمنقذ للجمهور السني العام من حرب المالكي عليه. وان المجموعات المتطرفة المتشددة وعلى رأسها داعش التي استثمرت الفرصة؛ إنما هي في الواقع لا تعترف لا بالقواعد الموروثة من سايكس- بيكو ولا بأي روابط وطنية او قومية.. وهي تؤمن بعالمية الجهاد الاسلامي لاقامة دولة الخلافة الاسلامية العالمية، وان التواصل الجغرافي ما بين الموصل وصلاح الدين والانبار والرقة والحسكة ودير الزور، وفر لها زخما معنويا وماديا، حتى صارت تتحرك بسرعة البرق في اندفاعتها للاستيلاء على المزيد من المدن، بهدف الوصول الى بغداد، وبرزت سرعتها كأنها تضاهي او ربما أسرع من القوات الأمريكية التي غزت العراق عام 2003.
وعلى مدى عقود، كانت الولايات المتحدة لاعبا رئيسيا في المنطقة، والى حد ما سمحت بالمحافظة على خريطة المنطقة التي تشكلت بموجب اتفاقية (سايكس بيكو). اليوم، وبعد فشلها في العراق وأفغانستان، إضافة إلى سوء التطورات الإقليمية منذ بداية «الربيع العربي»، أضحى النفوذ الامريكي في المنطقة في الحضيض. ويبدو ان من الصعب على واشنطن استعادة نفوذها او وقف الانهيارات في المنطقة . فالرئيس أوباما في موقف لا يحسد عليه. ويبدو أن مفهوم تجنب الانخراط بالمزيد من التعقيدات في الشرق الأوسط صار خيارا غير متاح، فهو مرفوض من جانب اغلبية اعضاء الكونغرس، كما ان استطلاعات الرأي العام الامريكي تُحَمِل ادارة أوباما جانبا من أسباب الانهيارات الحاصلة في المنطقة. بالمقابل خيارات الانهماك في حمى التداعيات، خاصة نشر القوات، لا تبدو ذات فائدة كبيرة، فإدارة أوباما غير قادرة على فك الارتباط بالمنطقة، كما لا تستطيع التدخل الوحشي كما كانت تفعل ادارة بوش؛ وصارت أمام ضرورة نشر قوات واسعة النطاق في المنطقة، ولكنها في الوقت نفسه برزت لديها ضرورة ضبط استخدام هذه القوات، بحيث يكون استخدامها رشيدا ومحدودا. كما أن عليها ان توازن بين تأييد حكام مستبدين يتمتعون باعتدال، واحتمالات اتجاه المنطقة نحو الفوضى والحرب الاهلية. والولايات المتحدة تدرك ايضا انها لا تستطيع حل جميع المشاكل، ولكن أيضا لا يمكن أن تتجاهل استخدامات الأسلحة الكيميائية، وحدوث مجازر جماعية للمدنيين، وبروز أزمات اللاجئين، وانهيار الحلفاء أو ظهور اللاعبين الراديكاليين.
امريكا – قادتها ونخبها ورأيها العام – تعبت من الأزمات في منطقة الشرق الأوسط التي لا نهاية لها والاختلال الوظيفي، الا ان المشاعر ليست وصفة للسياسة، وليس هناك الكثيرمما يمكن ان تقوم به أمريكا حيال الوضع المتأزم والمعقد الذي ينحدر بالمنطقة نحو انهيارات متعددة.
بدورها ايران التي تَضَخم نفوذها في المنطقة في السنوات القليلة الماضية، والتي تعد احد اللاعبين الاقليميين الاساسيين في حدوث التقلصات والانهيارات والتفكك الذي تعاني منه دول المنطقة، لن تكون بمنأى عن الحريق الاقليمي. صحيح ان الثورة السورية وسقوط الموصل وما بعدها قد سمح بتصاعد النفوذ الايراني، الا ان هذا التصاعد ستكون كلفه باهظة.. ففي ظل النكسات التي تتعرض لها القوات العراقية والتقدم المذهل لداعش، اضطرت ايران لتدخل أكبر في العراق لانقاذ حلفائها الشيعة قبل الحاق الهزيمة النهائية بهم. وهذا معناه تورط ايران في حربين في آن واحد؛ وبالتالي استنزاف القدرات الايرانية واصابتها بالاعياء، من خلال جعلها تخوض حروبا متواصلة، فضلا عن أن هذا التورط الايراني وبشكل أكبر يستدعي اذكاء أكبر للحرب بين الشيعة والسنة في المنطقة، ليتسع نطاقها الى مناطق اخرى، ربما تشمل السعودية والكويت او ربما تركيا، وهذا يخدم المصلحة الاسرائيلية ويجعل بلفور يضحك، من خلال جعل ايران والدول العربية تعيش اضطرابات وعدم استقرار وحروب اهلية تستنزف طاقاتها وامكانياتها، هذا من جانب ومن جانب آخر ان تفكك العراق لا يخدم المصلحة الاستراتيجية لايران، لانه يمكن ان يقوي نزعات التفكك داخلها من جانب الاكراد والتركمان والبلوش والعرب. وهو كلام ينطبق على تركيا التي ستضطر بدورها الى الانخراط في حرائق المنطقة التي ستطالها حتما، لجهة تقوية بروز حرب اهلية داخلها من جانب العلويين والاكراد التي سَتَقوى شوكتهم عندما يعلن الاكراد في العراق تشكيل دولتهم المستقلة.. كما إن ايران وتركيا ستتعرضان لمخاطر ضعف النمو الاقتصادي، الى جانب عواقب عدم الاستقرار السياسي والمجتمعي فيهما، فضلا عن العواقب الناتجة عن التقلصات التي ستصيب سوق الطاقة الدولي. الأكراد قد يكونون اللاعبين الإقليميين الوحيدين مرحليا المستفيدين من تفكك المنطقة وحرائقها، لانه حتى إسرائيل التي ظلت واحدة من الدول القليلة التي تتمتع بديناميكية اقتصادية واستقرار سياسي في المنطقة، تصبح مهددة بعد اضطراب المعادلة الاقليمية؛ اذ ان ثابتية المعادلة الاقليمية خلال العقود الماضية سمحت لها بتحقيق كل منجزات الاستقرار والنمو .
٭كاتب وصحافي عراقي
عصام فاهم العامري
سؤال كل عربي من وراء. داعيش وأنها حزورة رمضان .
لإنشاء أي عملية سياسية تحتاج إلى إلغاء الجيش والأجهزة الأمنية والقضائية السابقة وهذا ما لم تفعله مصر وتونس وليبيا واليمن حتى الآن كما حصل بعد احتلال العراق عام 2003، وبناء واحدة من جديد كي تتحكم النخب الحاكمة الجديدة في طريقة بنائها، مشكلة من قبل الدخول في العملية السياسية تحت حراب قوات الإحتلال إن كان في شقه السياسي أو العسكري أو الأمني أو القضائي غالبيتهم العظمى المصلحة الشخصية تتغلب على المصلحة الوطنية، والمأساة أن يصبح المواطن هو مصدر دخل للأجهزة الأمنية والعسكرية والقضائية، هذا بالتأكيد ينشر الظلم والاستبداد والاستعباد إلى مستويات خرافية كما حصل في سوريا والعراق.
وزاد الطين بلّة أنّ المناصب في الجيش والأجهزة الأمنية والقضائية أصبحت لها تسعيرة، ولم هذه التسعيرة يكون من ظهر المواطن بالنتيجة فهذا زادت من مستويات الظلم والاستبداد والاستعباد.
فكيف الحال عندما لا يجد نوري المالكي إّلا وزير فاسد (حتى أن أولاده يتحكمون في سيرها في منع طائرة الخطوط الجوية اللبنانية من الهبوط في مطار بغداد لأنها أقلعت حسب الموعد الذي تأخر عنه سعادته، فكيف تتجرأ على الإقلاع بدونه) ليقود له الحملة لصد داعش؟!
ما رأيكم دام فضلكم؟