لندن ـ «القدس العربي»: تجدد الجدل في الأوساط الإعلامية في العالم العربي حول مستوى الحريات الصحافية وامكانية أن ترى مؤسسات إعلامية كبيرة النور خلال الفترة المقبلة ومدى تأثير الاستقطاب السياسي الحاد الذي تشهده المنطقة على العاملين في المجال الإعلامي، وذلك بعد أن انهار مشروع قناة «العرب» الاخبارية بشكل كامل مؤخراً في أعقاب ثلاث سنوات من العمل من أجل إطلاقها.
وكانت قناة «العرب» المملوكة للأمير السعودي الوليد بن طلال رأت النور لأول مرة في اليوم الأول من شباط/فبراير 2015، على أنها تبث من العاصمة البحرينية المنامة، إلا أن السلطات في البحرين أصدرت قراراً بإغلاقها في اليوم التالي لبدء البث، وقبل أقل من 24 ساعة على انطلاقتها، لتبدأ رحلة طويلة من المعاناة انتهت قبل أيام بتسريح كافة العاملين فيها وإلغاء المشروع بشكل نهائي.
وفوجئ العاملون في القناة برسالة عبر البريد الكتروني من الإدارة جاء فيها: «كما تعلمون جميعا، العامان الماضيان كانا فترة محاولة وبذل الجهود لإعادة إطلاق قناتنا الحبيبة قناة العرب الإخبارية، حيث واجهنا تحديات عديدة وشديدة، ورغم كل شيء ونظرا للظروف آن الأوان لاتخاذ قرار نهائي بشأن مستقبل القناة».
وأضافت الرسالة: «وعليه وللأسف، قررت الإدارة وقف عملياتها بصورة مباشرة، ونود أن نشكركم جميعا على صبركم وتفهمكم خلال فترة عملكم التي تنتهي اليوم الـ6 من شباط/فبراير 2017».
كما أن المدير العام لقناة «العرب» الصحافي السعودي جمال خاشقجي، غير فجأة من وصف نفسه على حسابه على «تويتر» من (المدير العام لقناة العرب) إلى (صحافي) وذلك في أعقاب إلغاء المشروع بشكل كامل، فيما لم تصدر عنه ولا عن إدارة القناة أي توضيحات عن سبب فشل المشروع وإلغائه، كما لم يصدر أي بيان رسمي أيضاً يوضح سبب الخلاف مع حكومة البحرين والذي أدى إلى إغلاق القناة خلال ساعات من انطلاق بثها.
وبانهيار مشروع قناة «العرب» تجدد الجدل على نطاق واسع في الوسط الإعلامي العربي حول مستوى الحريات في العالم العربي، وعن حجم تأثير حالة الاستقطاب على الواقع الصحافي في الدول العربية، وكيف لا تجد قناة إخبارية عربية جديدة أي دولة عربية تستطيع استضافتها، كما لم تتمكن حتى من العمل من خارج العالم العربي، وما الذي أدى إلى حصارها بهذه الطريقة وعلى هذا المستوى.
وقال صحافي وناشط حقوقي طلب من «القدس العربي» عدم نشر اسمه إن انهيار مشروع قناة «العرب» يمثل مؤشراً على تدهور غير مسبوق في الحريات الصحافية والإعلامية، حيث أن الدولة المستضيفة لم تحتمل القناة سوى ساعات ثم قامت بإغلاقها، ثم بدا واضحاً أن باقي الدول العربية لم تعد تجرؤ على استضافة قناة تم طردها من دولة عربية أخرى.
وحسب الصحافي فان «عدم قدرة قناة العرب على إيجاد مقر جديد لها بعد البحرين يكشف حجم هيمنة بعض الدول على الإعلام في العالم العربي، وعدم قدرة أي وسيلة إعلامية تغرد خارج السرب على البقاء في ظل غابة الاستبداد التي تحكم المنطقة حالياً».
ولا يستبعد الناشط الإعلامي ومعه كثير من الصحافيين أن يكون إغلاق قناة «العرب» على علاقة بحالة الاستقطاب الحاد التي تشهدها المنطقة العربية، وكذلك ربما تكون ناتجة عن بعض الخلافات رفيعة المستوى في السعودية، شارحاً ذلك بأن «القناة تم إغلاقها بعد أول نشرة أخبار لها ويقال أن السبب هو استضافة معارض بحريني ما يعني أن الأمر قد يكون متعلقاً بقوى المعارضة المحسوبة على إيران في المنطقة والرغبة بان لا يكون لهم منبر إعلامي، أما الاحتمال الثاني فهو أن يكون الأمر مرتبطاً بظروف داخل السعودية ورغبة البعض بأن لا تكون هذه القناة موجودة».
وبإغلاق قناة «العرب» تم الاستغناء عن 280 موظفاً هم جميع العاملين فيها، وكانوا طوال الفترة الماضية يتقاضون رواتبهم دون أي عمل، حيث كانت محاولات الإدارة جارية من أجل التوصل إلى اتفاق مع أي دولة على استضافة القناة، فيما علمت «القدس العربي» أن رواتب العاملين في القناة كانت تتأخر في الشهور القليلة الماضية إلى تم التوصل إلى قرار الاغلاق في بداية شباط/فبراير 2017.
وجاء قرار إغلاق القناة نهائياً متزامناً مع ذكرى مرور عامين على انطلاقتها وظهورها ليوم واحد فقط، حيث تم إغلاقها بعد ساعات على ظهورها وبعد أول نشرة أخبار لها، فيما قالت بعض التقارير حينها إن نشرة الأخبار الأولى التي استضافت معارضاً بحرينياً هي التي أغضبت السلطات في المنامة ودفعتها إلى إغلاقها بشكل كامل.
ومنذ شباط/فبراير 2015 درست القناة الانتقال إلى دبي والدوحة واسطنبول وقبرص ولندن لكنها لم تنجح في أي من هذه الخيارات لأسباب مختلفة، وذلك رغم أنها كانت قد بدأت في قبرص مفاوضات جادة لشراء منشأة إعلامية جاهزة من رجل أعمال فلسطيني، إلا أن الأمر تعثر في نهاية المطاف بسبب القيود على التأشيرات والاقامات وعدم القدرة على استقدام كل الطاقم العامل مع القناة إلى هناك.
من يحلم بالحريات بالمفهوم الصحيح للكلمة فهو واهم الى اقصى الحدود.