تونس ـ «القدس العربي»: قدمت الدورة 53 لمهرجان قرطاج، باقة من العروض الفنية المنوعة جمعت بين الفن الملتزم والشعبي والتراثي مع عروض مسرحية وغنائية قدمها فنانون محليون وعرب وعالميون. وانطلقت الدورة في 13 تموز/يوليو وتتواصل إلى 19 آب/اغسطس المقبل. وتتضمن 27 عرضا فنيا (28 سهرة) تقام على المسرح الأثري الشهير في قرطاج الواقع في هضبة الأوديون بشارع الملكة ديدون أو عليسة أو أليسار كما يحلو لكل شعب أن يسمي مؤسسة قرطاج، فضلا عن 13 عرضا آخر خارج أسوار المسرح ستقام من 16 تموز/ وليو إلى 4 آب/أغسطس بمتحف قرطاج الأثري الذي يضم نفائس الحضارة القرطاجية في عصور ما قبل ميلاد المسيح. ويشارك في الدورة فنانون تونسيون وعرب وعالميون مثل مغني الراب «بلاك ام» و»اكرم ماغ» و»كلاي بي بي جي» والفنان اللبناني راغب علامة والفنانة السورية فايا يونان ومغني الراب الجزائري «قادر جابوني» والفنانة أميمة الخليل والفنان عبد الرحمان محمد والفنانة السورية لينا شامميان.
أولى العروض كانت مع «حضرة القيروان والساحل « وهي إنشاد صوفي يخص تراث مدينة القيروان ومدن الساحل التونسي. وقد نقل هذا العرض التراث الصوفي الشعبي لجهة القيروان والساحل إلى المسرح. وجسد المشاركون بأصواتهم وأزيائهم وتعبيراتهم الجسدية ما يحدث في الزوايا الصوفية من طقوس حركية ونفسية وإيمانية يتقرب فيها الفرد من الله. انه الفن حينما يعبر عن اختلاجات النفس وينهل بعيدا من أعماق التراث الشعبي التونسي الأصيل.
وتمايل جمهور قرطاج مع قرع الطبول، وآلات العزف والكلمات، وأيضا مع عبق البخور التونسي الذي ذهب عميقا في أغوار الروح في أجواء خاصة سلبت قلوب الحاضرين.
فن تونس
واتسم افتتاح الدورة 53 بتقديم عرض خاص تناول التراث التونسي تحت عنوان «فن تونس» مختزلاً تاريخا من التراث الموسيقي بكل تجلياته الموسيقية والأدبية والشعرية وذلك على امتداد ستين سنة، أي منذ تأسيس الجمهورية الأولى حسب ما صرح به خلال ندوة صحافية قائد الأوركسترا الفيلاهارموني لتونس، شادي القرفي. وقدم هذا الحفل فنانون تونسيون لهم رصيد في الأغاني التونسية مثل قاسم كافي عدنان الشواشي وأسماء بن أحمد ومنجية الصفاقسي وغيرهم من الاسماء التي تركت أثرا عميقا لدى الجمهور التونسي. وكان العرض أيضا تحية لرواد الفن التونسي مثل الشاذلي أنور ورضا القلعي ومحمد رضا وعلي شلغم والصادق ثريا وصالح المهدي وقدور الصرارفي ومحمد التريكي وعبد الكريم صحابو.
وفرقة الاوركسترا والكورال الفيلاهارموني لتونس أسسها شادي القرفي سنة 2013 وتضم مجموعة من العازفين التونسيين المخضرمين والشباب واستاذة الموسيقى وعمل بعضهم في أهم فرق الاوركسترا العالمية.
عرض قصيدة
من أبرز العروض الموسيقية نجد عرض القصيدة الذي جمع بين الفلامنكو والموسيقى الإيرانية في سهرة 23 تموز /يوليو. ومن أبرز المشاركين الفنان الإيراني محمد معتمدي والإسبانية روزاريو اللذان قدما عرضا استثنائيا حمل الجمهور إلى عوالم موسيقية أخرى وقدم أصواتا مميزة بمشاركة عناصر الفرقة في حوار مدهش بين الموسيقى الإيرانية والفلامنكو في سهرة استثنائية انتشى معها جمهور متحف قرطاج ليلة الأحد 23 تموز/يوليو مع عناصر مميزة مثل سينا جهانبادي ( الكمان) وسلفادور غوتيراز (القيثارة) وبابلو مارتن جونس وحبيب مفتاح (إيقاع) واوركو وتريماندو. هذا الحوار بين الفلامنكو والموسيقى الإيرانية هز مسرح قرطاج الذي استفاق على أنغام موسيقية خاصة تحيي الوجدان وتتحدث عن الحضارة والفن والحياة بكل تعاليمها ومبادئها وتعابيرها. انه عرض يختزل الحياة والتراث ويتناغم بهدوء ليقدم حوارا موسيقيا شيقا بين الحضارات يليق بعراقة حضارة قرطاج وذوقها الفني الراقي.
تحية للوطن ولسوريا
للحب والسلام للوطن الضائع لحلب، لتدمر، لزنوبيا، غنت الفنانة السورية الصاعدة فايا يونان على مسرح قرطاج بأداء استحوذ على اهتمام واستحسان الحاضرين. وقالت يونان في ندوتها الصحافية انها أمضت شهورا طويلة وهي تحضر لهذه الحفلة التي اعتبرتها مفصلية في مسيرتها الفنية لأهمية مهرجان قرطاج في مسيرة الفنانين.
هاهي فايا يونان تشدو كعصفورة لتنقل بصوتها العذب عذابات وآلام وأحلام شعبها اللاجئ، شعب الحضارات الذي تحول بفعل انعكاسات هذا الزلزال العربي «إلى لاجئ على حدود الدول»، فكانت سهرة للوطن بامتياز حملت معها فايا فراشات حلب وبرتقاله، وأطلقت ابنة الحضارة السريانية السورية القديمة سراح الورد على مسرح قرطاج ووجهت تحية من شعب سوريا إلى الشعب التونسي.
«وجهتك متل حل التعب عمشوف صورة شام ..عالحلم جبتلك حلب حتى بحلمك نام…وجهك قصيدة يا حلو ..وجهك نغم موجوع». كلمات خرجت من عمق الوجع، من عمق حرب متواصلة منذ سبع سنوات. وجهت يونان دعوة للحاضرين للسفر معها في رحلة عشق وجنون نحو عالم الموسيقى، واختتمت باقتها الملونة بتحية إلى كل الاوطان العربية مع «أغنية موطني» على أمل الخلاص وان يعود الثناء والبهاء والجمال إلى ربوع العالم العربي.
عرض اغاث
قدمت المغنية البرازيلية اغاث اراسيما مساء الإثنين 24 تموز/يوليو عرضا خاصا بموسيقى الجاز. وبعد ان شكرت باللغتين العربية والفرنسية الجمهور الغفير (الذي كان مزيجا من التونسيين والأجانب المقيمين في تونس) على حفاوة استقباله وتفاعله، تنقلت بين الإيقاعات الموسيقية بمهارة وحرفية كبيرتين، جعلتا الجمهور يقع في سحرها لحنت بعضها لتحتفل بالحياة والحب.
وكشفت اغاث اراسيما عن نضج فني كبير وعن قدرتها على تمرير رسائلها بطريقة سلسة وخصوصا لما غنت «Favéla» عن واقع الأحياء الفقيرة في البرازيل.
وبحضورها المشع فوق المسرح وأدائها لمجموعة من الأغاني وتقديمها لمقاطع موسيقية في مزج بين موسيقى السامبا البرازيلية والجاز، تؤكد المغنية ذات السابعة والعشرين ربيعا ان ثقافتها المزدوجة (الفرنسية والبرازيلية) وانحدارها من عائلة موسيقية هو ما مكنها من خوض تجارب موسيقية أصيلة ومختلفة تتجاوز حدود المكان لأنها تخاطب جوهر الإنسان مهما كان جنسه وعرقه ولونه ودينه.
وصاحب هذه الدورة جدل واسع حول مشاركة الممثل الكوميدي الفرنسي من أصل تونسي ميشال بو جناح، حيث دعا ناشطون وجمعيات مدنية والاتحاد العام التونسي للشغل إلى إلغاء العرض، تحت شعار مناصرة القضية الفلسطينية ومناهضة التطبيع باعتبار ان الفنان اليهودي التونسي الفرنسي هو من المناصرين للصهيونية والمعادين للحقوق الفلسطينية وقد أعلن ذلك صراحة في عدة مواقف وتصريحات إعلامية.