مغفل من يعتقد أن دول العالم التي تشكل ما يُعرف بالأمم المتحدة دول مستقلة لديها قرارها الوطني المستقل، وأنها تضع سياساتها الخاصة بها. لا أبداً، فلو نظرنا فقط إلى ديكتاتورية مجلس الأمن الدولي التي تحكم العالم منذ الحرب العالمية الثانية لتأكدنا أن كل الدول خارج المجلس هي مجرد توابع وأدوات في أيدي الدول الأعضاء الخمس. وقد قال السياسي والمفكر البريطاني اليساري الشهير طوني بن ذات يوم «إن أسوأ ديكتاتورية في التاريخ هي ديكتاتورية مجلس الأمن الدولي، حيث تحكم خمس دول الدول المائة والتسع والثمانين الباقية». وبالتالي هل يمكن أن يسمح الديكتاتوريون الخمسة للدول والشعوب التابعة بأن تقرر مصيرها بيدها عن طريق الثورات الشعبية أو حتى الانتخابات الحرة؟ بالطبع لا، لأن العالم نفسه مصمم على أساس ديكتاتوري استبدادي، ومن يحكم العالم عن طريق الاستبداد لا يمكن أن يسمح للمحكومين أن يثوروا، أو أن يقرروا مصيرهم بأيديهم عن طريق ثورات شعبية. لا أحد إذاً يحدثنا عن ثورات منذ نهاية الحرب العالمية الثانية في القرن الماضي، فكل ما شهدناه من تحولات وتغيرات لم تكن أبداً ثورات، بل مجرد انقلابات مبرمجة ومنظمة تحت إشراف القوى الكبرى والحكومات الخفية التي تحكم هذا العالم.
لو أخذنا مثلاً الثورة الإيرانية على نظام الشاه عام 1979 سنرى بسهولة أنها لم تكن أبداً ثورة شعبية كما صوروها وأخرجوها، بل كانت ثورة مرتبة من الغرب وأمريكا تحديداً. لقد انتهت مهمة شاه إيران كما أنهوا من قبله رئيس الوزراء الإيراني الشهير محمد مصدق بمؤامرة اعترفت بها وكالة المخابرات الأمريكية السي آي أيه وأجهزة غربية أخرى. وقد رأى كبار هذا العالم وقتها أن المطلوب الآن إيران جديدة بتوجه ديني ومذهبي فاقع لإعادة هندسة الشرق الأوسط وخرائطه. كيف نسميها ثورة وقد كان الخميني يرسل أشرطته لتحريض الشعب الإيراني على الشاه من باريس تحت مسمع ومرأى الاستخبارات الغربية؟ لقد أراد الغرب دوراً جديداً لإيران يتمثل الآن فيما تفعله في الشرق الأوسط. لا أحد يقول لنا إن إيران تفعل كل ما تفعل بالعراق ولبنان وسوريا واليمن وربما لاحقاً ببلدان خليجية بقواها الذاتية، لا أبداً، بل بمباركة أمريكية مفضوحة، فمن سلم العراق لإيران على طبق من ذهب لا يمكن أن يتصدى للإيرانيين في سوريا ولبنان واليمن. وعندما ينتهي دور إيران الخمينية سيتغير نظامها كما تغير من قبل نظام الشاه.
حتى ثورات أوروبا الشرقية لم تكن ثورات شعبية أبداً، بل كانت بدورها بتحريض وترتيب أوروبي أمريكي، وقد سبقها تحضير لعشرات السنين بالدعاية والتحريض قبل أن تندلع أخيراً في نهاية ثمانينات القرن الماضي. بعبارة أخرى فإن انتقال الأوروبيين الشرقيين في تشيكوسلوفاكيا ويوغسلافيا وهنغاريا وبلغاريا ورومانيا وبولنده وغيرها من الحكم الشيوعي إلى الحكم الرأسمالي الغربي لم يكن قراراً ذاتياً داخلياً، بل كان قراراً غربياً ليس حباً بشعوب أوروبا الشرقية، بل كرهاً بالنظام الشيوعي الذي كان العدو الأول للغرب على مدى أكثر من نصف قرن من الزمان. لاحظوا أن الأوروبيين الشرقيين لم يختاروا النظام الذي يريدونه بعد انهيار الاتحاد السوفياتي وخروجهم من تحت المظلة الشيوعية، بل انضموا فوراً إلى النظام الأوروبي الغربي تماماً كما أرادت أمريكا وأوروبا الغربية. وبالتالي لا تحدثونا عن ثورات شعبية، طالما أن الشعوب كانت تحت النير الشيوعي، ثم انتقلت إلى المعسكر الغربي كما لو كانت مجرد قطعان من المواشي.
لا أحد يحدثنا عن انتصار فيتنام على أمريكا. ولا أحد يحدثنا عن انتصار المجاهدين الأفغان على الاتحاد السوفياتي، ففي حالة فيتنام كان الفيتناميون يقاومون أمريكا بقوة السوفيات والصينيين، وفي أفغانستان كان المجاهدون الأفغان والعرب يقاومون السوفيات بقوة أمريكا وأوروبا. وبالتالي لسنا بصدد ثورات، بل بصدد حروب بالوكالة بين الكبار أنفسهم.
وإذا كانت الشعوب الأوروبية الشرقية الأكثر تقدماً وتطوراً من الشعوب العربية بمراحل مجرد قطع شطرنج في لعبة أمم كبرى، فما بالك بالعرب المساكين؟ هل يعقل أن يسمحوا لهم بالثورة واختيار النظام السياسي والاقتصادي الذي يطمحون إليه إسلامياً كان أو غير إسلامي؟ بالطبع لا، ولهذا فإن ضباع العالم كان للشعوب العربية بالمرصاد عندما بدأت تخرج إلى الشوارع للثورة على طغاتها الذين عينهم الغرب نفسه حكاماً على البلاد العربية. وهناك رأي آخر يقول إنه حتى ما يسمى بالربيع العربي لم يكن مطلقاً فعلاً شعبياً عربياً، بل كان مجرد لعبة غربية في المقام الأول لا تختلف عما يسمى بالثورة العربية الكبرى عام 1916 عندما لعب البريطانيون بعقول الشريف حسين وشركائه وحرضوهم على الثورة على العثمانيين، لا كي ينالوا استقلالهم بل كل يقوم الغرب فيما بعد بانتزاع المنطقة من مخالب العثمانيين وتقسيم البلاد العربية حسب اتفاقية سايكس ـ بيكو سيئة الصيت.
وحتى لو كان الربيع العربي في بداياته فعلاً شعبياً خالصاً، فمن المستحيل أن يسمح ضباع العالم وكلابه للشعوب الثائرة أن تختار أنظمتها وتحقق مصيرها. لا أبداً، فلا بد لتلك الشعوب أن تبقى ضمن الحظيرة الغربية الكبرى. ومن شدة بساطة شعوبنا أنها كانت تستنجد بالقوى الغربية على الجلادين الذين يحكمونها، مع العلم أن الغرب هو من نصّب هؤلاء الجلادين طواغيت على بلادنا لمصالحه الخاصة، تماماً كما فعل في إيران من قبل.
لا تتوقعوا من الآن فصاعداً ثورات كتلك التي تغنّى بها الشعراء والرومانسيون والطوباويون من قبل، فتلك لن تعود في ظل النظام العالمي الجديد مطلقاً. وإذا شاهدنا لاحقاً أي تحولات أو ما يشبه الثورات الشعبية، فاعلموا أنها مبرمجة ولا علاقة لها بالشعوب.
٭ كاتب وإعلامي سوري
[email protected]
د. فيصل القاسم
الاستاذ فيصل قاسم المُحترم:
بالرغم من ديكتاتورية مجلس الأمن الدولي، انتصرت الثورة الارمنية على الاستبداد،طبعاً يعود الفضل بذلك لعزيمة الثوار، وبرغبة أكيدة بالتغيير هذا اولاً ،وثانياً وهو الأهم موقف الجيش الارمني من الأنتفاضة، فهو لم يتحول إلى جيش للقائد وطائفته وعشيرته.لقد تحولت جيوش أنظمة الاستبداد إلى جيوش لحماية “كرسي الرئاسة” وليس لحماية الأوطان والحدود ضد غزو خارجي مُحتمل أو أعتداء أستعماري ما. وليس العيب بسعي الدول العظمى بالحفاظ على “مصالحها”، العيب بالأنظمة التي حولت بلدانها إلى مزارع همها الاول توريث هذه المزارع لأبناء القائد أو الخراب. لقد تخلصت دول امريكا اللاتينية من أستبداد أنظمتها، كما تخلصت أوربا الشرقية من ديكتاتورييها( بأستثناء يوغوسلافيا فهي كانت أشبه بأنظمة الجمهوريات العربية) بالثورات، أما ما يخص بربيع الثورات العربية لقد كان الثمن غالياً لتقاطع مصالح الدول العظمى مع نظام الحكم المحلي غير الشرعي أصلاً. لقد خرج المستعمر من بلداننا من الباب ليعود من شباك أنظمة الأستبداد.
مثل ما قال د محمد شهاب أحمد / بريطانيا المشكلة المشكلة عندنا ذات شقين.المشكلة عويصة و كيف يجب ان تفهم المعادلة؟في العراق كان حزب البعث في النهاية امريكا دخلت العراق والقت القبض على صدام.في سوريا هل امريكا هي مع نظام بشار الاسد او ضد بشار الاسد؟امريكا ليست صديقة و داعمة لنظام بشار الاسد الذي هو حليف ايران و حزب الله.و الآن لنحاول ان نفهم من هو شعبين هذا البلدين ومن هم المعارضين و موقفهم من امريكا؟
هذا تفسيرخطيرللتاريخ وفيه تيأييس وتدليس وتلبيس…وقلب لفلسفة التاريخ من آدم إلى إبليس.والله لووضعوا بسطالًا على رأس كلّ عربيّ ؛ فلن يستطيعوا قهرالأمة.ياسيدي هذه أمة القرآن ؛ لا أمة أحبارورهبان.ياسيدي أتعلم ما معنى قرآن؟ إنه إمبراطورالسّماء على الأرض ؛ رفيع الدرجات.
فلا ينالونه بسهم ولا بصاروخ ولا بمدافع الشيطان.لا تغرنك مظاهرالسطو اليوم على أقداربعض الأمعات.فقرابين هذه الأمة دفق دماء شبابها الشجعان.كلّ منْ ينظرلمسيرة العودة يتهم شباب فلسطين بالعبثية.فكيف لو كانت بأيدهم أسلحة الجيوش العربية ؟ لا ماكه تقرأ أسفارالأمم بل تقرأ ببصيرة أنّ الصراع ممتدّ من الأمس إلى الغد.أما اليوم فهوقنطرة عبور. وماترونه القنطرة وليس الغد.ثقوا بالأمة ولو كانت جريحة.فالدماء تجديد لبطانة رحمها الطاهر.ما أنْ أنجزت كتابة التعليق حتى هطلت الأمطاربغزارة مفاجأة.فهكذا ستكون القيامة في هذه الأمة العطشى للحريّة كالنبوة.
حياك الله أستاذ فيصل! الشعوب العربية تحتاج للاستقلال بذواتها كي تنجح الثورات الشعبية، فالأنظمة العربية جلها ديكتاتورية وخاضعة للغرب، فهي مجرد بيادق متحكم فيها من قبل القوى الكبرى. فلا وجود لثورات شعبية ناجحة في ظل تدخل الإمريالية لإحباطها.
لن يعم الخير والعدل الارض الا بعد
انهيار وسقوط امريكا عدوة الشعوب
لا حول ولا قوة الا بالله
دكتور جمال البدري
تعليقك عبر عن مشاعري وافكاري.بارك الله فيك
دكتور جمال البدري
شكرا لك .عبرت عن مشاعري وافكاري في الرد علي المقال.بارك الله فيك
ستبقى تتولد الثورات طالما بقي الظلم والإستبداد
ولن ينجح شيء منها حتى تكون مستعدة لاستقبال الحق
ولا يغرك كثرة الباطل ومن في فلكه
فقد ينتصر الباطل في جولة
لكن المعركة بين الحق والباطل مستمرة وطويلة.
ولا بد أن يزهق الباطل
عندما يأتي الحق حقا