لندن ـ «القدس العربي»: استغلت وسائل الإعلام الإسبانية فترة «الصخب الصحفي» المصاحبة لأسبوع الفيفا على أكمل وجه، بإثارة الجدل من جديد حول مستقبل ألمع وأشهر نجوم الملاعب العالمية المحتمل انتقالهم لنادٍ جديدٍ في فترة الانتقالات الصيفية المقبلة، وهذه المرة، انصب التركيز على الأنيق الفرنسي أنطوان غريزمان أكثر من أي لاعب آخر، بمن فيهم أشهر مصري في العالم محمد صلاح، الذي كان سباقا بإخماد الشائعات، بتصريحاته التي أدلى بها من داخل معسكر منتخبه في سويسرا، وأكد خلالها أنه لا يهتم سوى بعمله مع ليفربول داخل الملعب، من أجل تحقيق الهدف الذي سيكشف عنه في نهاية الموسم.
العكس تماما فعله غريزمان، بطريقة أعادت إلى الأذهان ما فعله الصيف الماضي، عندما أقر على الملأ في إحدى القنوات المحلية الفرنسية، أن احتمالات انتقاله لمانشستر يونايتد تزيد على احتمالاته استمراره مع اتلتيكو. الفارق الوحيد، أنه الآن يُحاول «مسك العصا» من المنتصف، احتراما لاسمه وسمعته كلاعب مُحترف من الطراز العالمي، من المفترض ألا يتحدث عن مستقبله في منتصف الموسم، فما الحال وهو على أبواب «الانخراط» في شهر «ابريل»، المشهور إعلاميا بشهر الحسم! ناهيك عن احتمالات الدخول في صدام عنيف مع الجماهير، التي لن تتقبل أو تهضم فكرة مساندة أو تشجيع لاعب أظهر رغبته في الرحيل في أقرب فرصة. هذا في حد ذاته، قد يُحّول علاقة الحب المتبادلة إلى عداء وكراهية لسنوات طويلة، خاصة لو تعرض الفريق لهزة على مستوى الأداء والنتائج، هنا لن يتذكر أحد التضحية الكبيرة التي قام بها اللاعب عندما تراجع عن فكرة الذهاب إلى «مسرح الأحلام»، تضامنا مع ناديه، الذي عاقبه الفيفا بعدم شراء لاعبين جُدد في فترة الانتقالات الصيفية الأخيرة، لإدانة المسؤولين عن قطاع الناشئين، بالتحايل على القانون لخطف لاعبين أقل من 18 عاما. بل في الغالب ستُحمله الجماهير الجزء الأكبر من المسؤولية، على الأقل ستتهمه بزعزعة استقرار الفريق وتشتيت اللاعبين بحديثه عن مستقبله في وقت حساس جدا من الموسم.
ملامح الوجهة الجديدة
صحيح أن غريزمان لم يقطع الشك باليقين حول مستقبله، لكنه أكد بكل وضوح أنه سيحسم الجدل قبل السفر إلى روسيا بأسبوعين، أي بمُجرد انتهاء الموسم الجاري، لكن أغلب المصادر المُقربة منه، أجمعت أنه قرر بالفعل مغادرة أتلتيكو في الميركاتو الصيفي، لحاجته لخوض تحدٍ جديد، بعدما أيقن أن طموحه الشخصي أكبر بكثير من مشروع مُكتشفه الحقيقي دييغو سيميوني، ويُقال أن وكيل أعماله توصل إلى اتفاق شبه مبدئي مع رئيس برشلونة جوسيب ماريا بارتوميو، حول البنود الشخصية في العقد، بما فيها الراتب السنوي، وأيضا هناك تقارير أخرى تُرجح كفة ريال مدريد، لا سيما بعد اختراق معاهدة عدم الشراء مع الجار المدريدي، بضم ثيو هيرنانديز نظير دفع قيمة الشرط الجزائي في عقده مع الأتليتي، وفي إنكلترا الرهان على مانشستر يونايتد وقوته الشرائية التي حّولته مؤخرا لوحش كاسر لا يُهزم في الصراع على أي صفقة، على غرار ما فعله مع الريال في صفقة بول بوغبا، ومع المان سيتي في صفقة أليكسيس سانشيز. عموما، خروج نجم فرنسا الأول من أتلتيكو، ليس مستحيلاً، وكما نعرف قيمة الشرط الجزائي في عقده لا تزيد على 100 مليون يورو، ورقم كهذا بعد حالة التضخم التي ضربت سوق اللاعبين في آخر عامين، لم يَعد ضخما حتى على أندية الوسط الإنكليزية. اضافة الى أن جُل المؤشرات توضح اقترابه من الخروج، وإلا لما بدا المشاكس دييغو كوستا في ثوب الأمين العام للأمم المتحدة، وهو يُعرب عن بالغ قلقه من خطر الشعور بالوحدة إذا صدقت التوقعات ورحل شريكه في الهجوم.
غدا لن تضحك يا ديمبيلي!
بعض المصادر الإسبانية التي تحظى بمصداقية لا بأس بها، ربطت الصورة التي نشرها عثمان ديمبيلي عبر حسابه على «انستغرام» برفقة غريزمان، وهما في قمة السعادة والانسجام، بالتقارير التي ربطت الأخير بالبارسا. لكن السؤال الذي يفرض نفسه: هل يفهم عثمان أنه سيكون أبرز ضحايا غريزمان إذا تمت عملية انتقاله إلى «كامب نو»؟ إلا إذا قرر فالفيردي فجأة إخراج السفاح الأوروغواني لويس سواريز من حساباته، ووجد طريقة مناسبة تتسع لأربعة لاعبين بنزعة هجومية 100٪ (ليو ميسي وفيليب كوتينيو وغريزمان وديمبيلي)، ومن يُشاهد برشلونة مع فالفيردي، لاحظ بصمته في الانضباط التكتيكي للاعبين والتزامهم بالتعليمات الدفاعية قبل الهجومية. نتحدث عن مدرب واقعي يتعامل بحذر شديد مع المنافس الصغير قبل الخصم العنيد، وأيضا ليس من النوع الذي يبحث عن المتعة فقط، دائما يضع الثلاث نقاط فوق أي اعتبار، تماما بنفس تفكير جوزيه مورينيو وأنطونيو كونتي، لذا في الغالب يلعب بثلاثية في الوسط 50٪ هجوم و50٪ دفاع. الشاهد، أن الطريقة التي يُدار بها البارسا مع فالفيردي، لا تسع الثلاثي كوتينيو وديمبيلي وغريزمان، هذا ليس فقط لأن أسلوبه الحالي 4-3-3 لا يتحمل وجود هذا الثلاثي، لصعوبة التضحية بلويس سواريز، الذي يؤدي المطلوب منه على أكمل وجه كمهاجم رقم (9)، ونفس الأمر لميسي، بل أيضا لأنه في أسوأ الظروف لو وافق المدرب على تغيير قناعاته، فستكون النتيجة النهائية، جلوس لاعب قيمته 100 مليون يورو أو أكثر على الدكة، وهذا أمر قد يضع الإدارة في موقف حرج أمام الجماهير. دعونا نتخيل أن فالفيردي قرر اللعب بأسلوب 4-2-3-1، هنا سيعتمد على راكيتيتش وبوسكيتس كمحوري ارتكاز، وأمامهما الثلاثي ميسي وغريزمان وكوتينيو أو ديمبيلي وفي الأمام سواريز كرأس حربة صريح، الأمر لن يختلف كثيرا إذا عدل الاستراتيجية لـ4-3-1-2، هنا سيتراجع كوتينيو ليكون لاعب وسط ثالث، وميسي لاعب حر في الثلث الأخير من الملعب، وأمامه غريزمان وسواريز كثنائي هجوم.
الاختيار المثالي
كما أشرنا، ديمبيلي سيخسر أشياء كثيرة إذا ارتدى غريزمان قميص برشلونة، لكن في اعتقادي الشخصي، أتصور أن الخاسر الأكبر سيكون صاحب الـ27 عاما، لأنه بذلك سيكون أنهى أمله الأخير في المنافسة على جائزة أفضل لاعب في العالم التي يَحلم بالفوز بها في يوم من الأيام، لأنه حتما ولابد أن يكون رقم 2 كأي مهاجم مر على «كامب نو» منذ ظهور ليو على الساحة، فبعيدا عن الموهبة الفذة التي تجعل البرغوث حالة استثنائية في تاريخ كرة القدم، فسيكون من الصعب جدا على غريزمان التواجد في المناطق المؤثرة في الثلث الأخير من الملعب، وهي المناطق التي تخضع لحكم ميسي، فقط سيجد نفسه مُجبرا على التحرك في أمتار بعيدة على الطرف الأيسر أو بجانب سواريز، حتى يقوم القصير الأرجنتيني بأفعاله «المُشينة كرويا» في دفاعات وحراس الخصوم عندما يأتي بالكرة من أي مكان ووجه للمرمى، علما أن سكينة «العمر» بدأت تسرق غريزمان، وعمره الآن لا يتحمل الانتظار سنتين أو ثلاثة للمنافسة بشكل حقيقي على الجائزة التي يحلم بها، وبصوت المعلق عصام عبدو «خدها مني بضمان التعليق العربي»… اختياره للبرسا سيكون معناه التخلي عن حلمه الشخصي، إلا إذا غير قناعاته، وأيقن أنه منحوس باللعب في زمن كريستيانو رونالدو وليونيل ميسي، وإن فعل ذلك، سيُذكرنا بتجربة ابن جلدته تييري هنري، عندما ترك كل شيء في لندن، ليفوز مع برشلونة بمجد الأبطال والبطولات الأخرى التي عجز على تحقيقها مع آرسنال.
ربما انتقاله إلى الريال، قد يُبقي على بصيص من أمل فوزه بالجائزة، لأنه سيجد مساحات أكثر في الثلث الأخير من الملعب، بعدما عدّل رونالدو مركزه من رقم (7) إلى مهاجم صريح لتقدمه في السن، وتقريبا سيؤدي دوره الحالي مع أتلتيكو (القريب من دور ميسي)، باللعب بدون قيد خلف كوستا، لكن مشكلته الوحيدة تكمن في صعوبة خطف الأضواء من الدون، الذي تبحث عنه وسائل الإعلام لتضع اسمه في أي جملة مُفيدة وغير مُفيدة، لذا يُمكن القول بأن الاختيار الأفضل له، الابتعاد عن ظل الثنائي الأفضل عالميا… والحل؟ السير على خطى نيمار ليُثبت جديته في وقت احتكار رونالدو وميسي للجائزة على مدار العقد الماضي، وبالنظر إلى مانشستر يونايتد، سنجده الخيار المثالي للدولي الفرنسي، فمن الناحية المادية، عرض مورينيو سيكون أقوى من عملاقي الليغا، والشيء الأهم، أنه في «أولد ترافورد»، سيتعامل على أنه «بطل» في ظل عدم ظهور أليكسيس سانشيز بالصورة المتوقعة أو المُنتظرة منه بالقميص رقم 7، كما أن المنظومة الإعلامية لليونايتد وشعبيته الطاغية في كل قارات العالم، ستجعله على مسافة قريبة جدا من قائدي الأرجنتين والبرتغال، وهذا ما يُريده على المستوى الشخصي كما قال في أكثر من مناسبة. فهل سيقبل التحدي كما فعل نيمار أم أنه رفع الراية البيضاء وقريبا سنُشاهده بقميص برشلونة أو ريال مدريد؟