الجواب ظاهر من عنوانه. والمعركة الانتخابية الوشيكة عمل هزلي بامتياز، فكل المرشحين من لون واحد تقريبا، كلهم من تيار اليمين الفلولي والديني والليبرالي، بينما غابت القوى الوطنية إلى اليسار وفي الوسط بالجملة، ولم يترشح منها سوى أقل من عدد أصابع اليدين، ولجأ بعضها إلى عروض المسرح لا أعمال السياسة.
وربما لا نكون بحاجة إلى دعوة لمقاطعة الانتخابات، فسوف يقاطع أغلب الناس تلقائيا، وسوف تتدنى نسب المشاركة الشعبية بصورة غير مسبوقة منذ ثورة يناير 2011، فلا ناقة ولا جمل ولا دور ولا أمل للشعب المصري في انتخابات معروفة النتائج سلفا، ولا مصلحة لأغلبية المصريين من الفقراء والطبقات الوسطى في برلمان البؤس المقبل.
وقد يقول لك بعضهم أن ثمة حيوية ظاهرة، وأن عدد المرشحين كبير نسبيا، وأن ما يقارب الستة آلاف شخص رشحوا أنفسهم على أقل من ستمئة مقعد، وأن الإقبال على الترشح، قد يعني سخونة منتظرة للمعركة، أو علامة جدية فيها، لكنها سخونة معزولة في «فنجان» في ما نتصور، فقد ترشح مثل هذا العدد وأكبر منه في انتخابات برلمان 2010، أواخر حكم المخلوع مبارك، ووقتها أعرض الناس عن الذهاب لصناديق التصويت، وأداروا ظهورهم للعبة كلها، وجرى التزوير الوحشي المعروف للانتخابات، وتشكل برلمان أحمد عز الذي أطاحته الثورة، وقد منعوا أحمد عز من الترشح هذه المرة سترا للفضائح، لكن الملياردير الممنوع رشح نحو مئة من أنصاره، وتولى الإنفاق عليهم، وفي سباق محموم مع مليارديرات آخرين يشبهون سحنته، وينفقون المليارات لشراء البرلمان الجديد، حتى لو لم يذهب غالب الناس إلى صناديق الانتخابات.
ولا تتعب نفسك في السؤال عن هوية البرلمان الجديد المنتظر، فهو برلمان الثورة المضادة بامتياز، وبزعامة الفلول لا الإخوان هذه المرة. وهو برلمان أقلية الأقلية من الشعب المصري، وقد لا تصل الكتلة التي يمثلها إلى نحو 2٪ من إجمالي الناخبين، فالانتخابات تجري بالنظام الفردي، وقواعده معروفة، ومصممة خصيصا لإهدار أصوات غالبية الناخبين، وقد قلنا هذا الكلام مرارا وتكرارا، وحذرنا من الكارثة المتوقعة على مدى شهور طويلة مضت، ولم يستمع إلينا أحد، ليس لأنهم أصيبوا فجأة بالصمم، لكن لأنهم لا يريدون الاستماع، ويسعون إلى صناعة برلمان تابع للسلطة، ولا يمثل الشعب.
وحتى لا يكون الكلام إنشاء لفظيا ولا مبالغات صورية، كنا نضرب مثالا تبسيطيا لما نتوقعه، ونجهد لإيضاح الصورة بأرقام افتراضية، فلو تخيلنا ـ مثلا ـ أن مئة ناخب ذهبوا للتصويت في دائرة ما، فسوف يفوز بالمقعد من يحصل على 51 صوتا، هذا إن فاز أحدهم من جولة التصويت الأولى، ولأن ذلك لن يحدث غالبا مع كثرة أعداد المرشحين، فسوف تعاد الانتخابات غالبا، وينزل عدد المصوتين المئة إلى عشرين، ويفوز بالمقعد في الإعادة من يحصل على 11 صوتا لا غير، والمعنى ظاهرفي المثال المبسط، فنحن بصدد تشكيل برلمان لا يمثل سوى عشرة بالمئة تقريبا من المصوتين، فما بالك بقياس نسبة تمثيل البرلمان إلى إجمالي الناخبين المسجلين، وعددهم في مصر الآن يقارب 54 مليونا، وقد لا نتوقع ذهاب أكثر من 14 مليونا إلى صناديق التصويت هذه المرة، أي بنسبة تناهز العشرين بالمئة من إجمالي الناخبين، وهو ما يعني أن البرلمان المقبل لن يمثل ـ بالورقة والقلم ـ سوى 2٪ من الشعب المصري، هذا بافتراض أن أحدا لن يتلاعب بإجراءات التصويت.
وقد يقول لك الكذاب في السلطة وخارجها، أن نظام الانتخاب الفردي لا عيب فيه، وأنه معمول به في ديمقراطيات عريقة مستقرة، كما جرى في بريطانيا وأمريكا وكندا واستراليا والهند مثلا، وهو كلام صحيح شكلا، لكنه فاجر موضوعا، فكل ديمقراطيات الانتخاب الفردي تجري في بلدان تمتاز بنظام الحزبين الرئيسيين، وهو ما يجعلها مسيسة بالكامل، وليست نهبا لدواعي المال والبلطجة والعصبيات العائلية والجهوية، كما هو الحال في مصر، وحيث لا توجد حياة حزبية يعتد بها، ولا يوجد حزب واحد عليه القيمة، وحيث تتحكم الأجهزة الأمنية ورجال الأعمال، وتضعف ثقة الناس في جدوى الانتخابات، وهو ما يجعل المطلوب مختلفا في حالة ديمقراطية ناشئة، ويجعل نظام الانتخابات النسبية هو الأفضل، فهو يعطي لكل صوت انتخابي قيمته التمثيلية، ويمثل مجمع الناخبين المصوتين بنسبة مئة بالمئة، ويسيس المعركة الانتخابية، ويخلق اتجاهات رأي عام حقيقية عند القاعدة الانتخابية، ويدعم فرص خلق أحزاب شعبية، ثم أن النظام النسبي يجيزه الدستور، وكان يمكن اللجوء إليه لو توافرت النوايا الحسنة عند سلطة التشريع المحجوزة لرئيس الجمهورية، لكن النوايا السيئة كانت لها الغلبة، وجرى إقرار نظام الانتخاب الفردي لصناعة «برلمان النوايا السيئة»، وزادت النوايا سوءا على سوئها بتعمد «العك التشريعي» في صياغة قوانين الانتخابات، وتعلية سقف الإنفاق الانتخابي، وتقسيم الدوائر بحسب الاعتبارات الأمنية لا الدستورية، وإهدار مبدأ المساواة وتكافؤ الفرص بين المرشحين والمرشحين، وبين الناخبين والناخبين، وهو ما يجعل البرلمان عرضة للطعن الدستوري على إجراءات انتخابه، وهو ما حدث ويحدث وسيحدث، وبما نتوقع معه أن يكون «برلمان النوايا السيئة» قصير العمر، وواقعا تحت سيف قرار حل مؤكد أن تصدره المحكمة الدستورية في وقت تقدره، وتبقى للسلطة الرئاسية حق التنفيذ في الوقت الذي تراه مناسبا.
والمحصلة، أن البرلمان المقبل لا يمثل الشعب، ثم أنه برلمان التمثيل والحضور الحصري للفلول، والمصادرة شبه الكاملة على حق الشعب في تشكيل برلمانه، وإنشاء برلمان افتراضي مهدد بالحل في لحظة غضب رئاسي، وربما تفسر هذه الصورة بعض تصريحات الرئيس السيسي الأخيرة عن البرلمان إياه، فقد بدا حريصا على النأي بشخصه عن مجريات الانتخابات، وقال إنه لا يدعم مرشحين ولا قوائم انتخابية بعينها، وهو كلام لا بأس به، وإن كان لا يفسر ما يعرفه الناس جميعا عن دعم الأجهزة الأمنية لمرشحين مرصودين، وتشكيلها لقائمة «في حب مصر» مثلا، اللهم إلا إذا كانت هذه الأجهزة تعبث بدون علم الرئيس، وهذه مصيبة أعظم، وليس أعظم منها غير المهمة التي عهد بها الرئيس ضمنيا للبرلمان المشكوك في أمره، فقد قال الرئيس إن بعض مواد الدستور كتبت بالنوايا الحسنة، وكان يشير بالذات إلى توسع الدستور في صلاحيات البرلمان، وهو ما فهم كرغبة من الرئيس في زيادة صلاحيات منصبه على حساب البرلمان، وقد بدت دعوة الرئيس غريبة، فلم يمض على استفتاء الدستور سوى أقل من عامين، واستسهال العبث بالدستور عمل بالغ الخطورة، ثم أن الدستور غير قابل للتعديل سوى بأغلبية الثلثين من أعضاء البرلمان، والرئيس يريد ـ على ما يبدو ـ أن يرغم البرلمان على تقليص صلاحيات البرلمان في الدستور، أي أن يجعل البرلمان ينتقم من البرلمان، وينتصر للرئيس، وبصرف النظر عن رفضنا المبدئي للعبث بالدستور، والتعامل معه كمنديل كلينكس، فما كان للرئيس أن يتحدث بهذه الثقة المفرطة، وأن يطلب من برلمان ـ لم يتشكل بعد ـ معاقبة نفسه، إلا إذا كان الرئيس يعرف مدى هشاشة وركاكة البرلمان المقبل، وأنه لن يكون سوى غرفة إضافية ملحقة بالسلطة التنفيذية، وأنه ليس للبرلمان المقبل سوى أن يؤمر فيطيع، وإلا كان «الحل المستعجل» مصيره المكتوب.
وقد لا تكون علاقة البرلمان بالرئيس هي الأهم، وهي علاقة خضوع إجباري خوفا من النوايا السيئة، فالبرلمان السيئ قليل الحيلة، وليس له أن يحتمي بدفء الناس الذين لا يمثلهم، وهم أغلبية المصريين الساحقة، ولديهم همومهم وأشواقهم وأحزانهم وآمالهم، وبما لا يتسع له وعاء البرلمان ضيق التمثيل إلى حد الاختـــناق، وهو ما يعنى إغلاق الطريق البرلماني في التعبير عن مصالح الناس، وحين يغلق طريق، فلا بديل سوى أن ينفتح طريق آخر، وإغلاق طريق البرلمان يعني فتح الطريق مجددا إلى الميدان، والعودة إلى الشارع، ليس لصناعة ثورة جديدة بالضرورة، بل لإشهار غضب اجتماعي واسع، تنغلق دونه أبواب البرلمان، وهو غضب لا تفيد في صده الحواجز الأمنـــــية إياها، غضب لا علاقة له بقصة الإخوان الذين يتركـــــون وشأنهم، فقد جـــــربهم الشعب في برلمان ورئاســـة كانت تشــــبه «شربة زيت الخروع»، بينما تبدو تجربة البرلمان الفلولي المقبل أقرب إلى «شربــــة الطــــين»، فهو برلمان «طلعت ريحته» حتى قبل أن يتشكل، واتضحت حدوده، وضعف تمثيله، وقدومــــه بأوسع عملــــية شـــراء أصــوات مكشوفة مفضــــوحة، وهو ما يغري بدهسه من قبل سلطــــة الرئيــــس، ويغري بتجاوزه من قبل جموع الناس الذين لا يمثلهم، وفتح المــجـــال واسعا لأزمة سياسية محتدمة من نوع مختلف، قد لا تنتهي سوى بحل «برلمان النوايا السيئة»، وإجــراء انتخابات برلمانــــية مبكرة بالنظام النسبي، وإنشاء برلمان يمثل الشعب لا يمثل عليه (!).
كاتب مصري
عبد الحليم قنديل
هذه الانتخابات ستكون شبيهة لانتخابات 2010 !
وستكون مهمة البرلمان الوحيدة هي التصفيق بعد التأييد
والسؤال هو : هل ستكون هذه الانتخابات الشعلة للثورة القادمة ؟
ولا حول ولا قوة الا بالله
اتمنا من الكاتب المحترم ان يكون فهم اخيرا التمثيلية الاكبر. صراحة ارى ان رموز اليسار العربي يعيشون في وهم كبير ويكدبون الكدبة ويصدقونها ويوهمون انفسهم باشياءلا اساس لها في الواقع حتي تواجههم الحقيقة المرة .مع الاعتراف ان يساريي مصر احسن بكثير من يساريي الدول المشرقية الاخرى.
يعني يا سيد قنديل شربة الخروع أفضل من الطين،وهذا اعتراف جميل،انا لست اخواني ،ولكن الحق يقال انتخابات البرلمان والدستور ايام الاخوان كانت نزيهة وديمقراطية وشريفة،مهما حاولوا الفلول والإعلام المأجور ان يشوهوا سمعة الاخوان،لو كانت النيات سليمة لتركو الاخوان ليكملوا فترتهم،الم يكن ذالك انقلاب؟مع الأسف مصر مدمرة منهكة ،الفلول تعود، ورأس المال والإقطاع يعود،وهذا كله ضد الشعب الغلبان،إذن لا بد من ثورة جديدة ،تسمى ثورة التطهير،
الناخب المصري موعود بمتعهدي شراء الأصوات . ان لم تشترى الأصوات بالزيت و السكر و الدقيق كما في حاله الاخوان فهي تشترى بالكاش عدا و نقدا كما في حاله الفلول و رجال الاعمال الفاسدين !
ايهما اكثر ديمقراطية ؟
ألم يتصدر الفلول ما يسمى ثورة 30 يونيو ؟
ألم يكن للفلول دور أسسي في عرقلة حكم الإخوان ؟
ألم يقف ثوار30 يونيو كتف بكتف مع الفلول ومنهم ناصريون؟
ألم يبرأ الشامخ كل الفلول؟
ألم تصب القوانين التي سنها السيسي في مصلحة الفلول ؟
أليس الإعلام المصري فلوليا بامتياز ؟
بعد كل هذا نستخسر في الفلول أن يسيطروا على البرلمان
وبكرة تشوفوا مصر
وياما حتشوفوا