نيويورك – «القدس العربي»: نبدأ القصة من أولها. عندما كانت إيران حليفة للولايات المتحدة وبريطانيا وإسرائيل وتركيا العسكر تحت قيادة الشاه محمد رضى بهلوي الذي أعيد من منفاه عام 1953 بعد الإطاحة بثورة محمد مصدق، عرضت الولايات المتحدة عليه إنشاء معمل نووي في خمسينيات القرن الماضي كما فعلت فرنسا مع إسرائيل نكاية في جمال عبد الناصر الذي بعد أن أعلن الوحدة مع سوريا عام 1958 أصبح يمثل تهديدا لمصالح الدول الاستعمارية الإستراتيجية في المنطقة، وكان لا بد من تطويقه بهذه الأنظمة الرجعية التي عقدت العزم على هزيمته وهزيمة ما يمثله من طموح يقوم على إنهاء الاستعمار ودعم ثورات التحرير الوطنية وتحرير ثروات الأمة العربية وتطوير الصناعات المحلية وتحديث الجيوش والتقارب العربي وصولا إلى الوحدة وحشد دول العالم الثالث للدفاع عن مصالحها بدل أن تكون زوائد ذيلية للدولتين العظميين. لقد بقي التعاون الأمريكي الأوروبي مع برنامج إيران النووي أيام الشاه لغاية عام 1979 عندما قامت الجماهير الإيرانية بطرده من البلاد ولم يجد بلدا يأويه إلى أن إستقر به الأمر في مصر المقاطعة من الدول العربية بعد توقيع إتفاقية كامب ديفيد.
بعد عودة الخميني إلى البلاد قام بتفكيك ذلك البرنامج على إعتبار أن السلاح النووي محرم في الإسلام. كانت إيران قد صادقت على معاهدة عدم الإنتشار النووي المشهورة بأحرفها الأولى (إن بي تي) بتاريخ 2 شباط/فبراير 1970 كما صادقت على إتفاقية حظر إنتاج السلاح البيولوجي بتاريخ 22 آب/أغسطس 1973 ثم إنضمت أخيرا لاتفاقية حظر السلاح الكيميائي بتاريخ 3 تشرين الثاني/نوفمبر 1993. أي أن إيران من الناحية القانونية ملتزمة بالمعاهدات الدولية التي تنظم عمليات إقتناء وتخزين وبيع وشراء واستخدام كل أنواع أسلحة الدمار الشامل.
ما معنى الانضمام لمعاهدة عدم الإنتشار النووي؟
دخلت معاهدة عدم الانتشار حيز الإلزام بتاريخ 5 آذار/مارس 1970 على أن يتم تجديد الاتفاقية بعد مراجعة شاملة مرة كل خمس سنوات. وبالفعل ظل هذا الإجراء معمولا به لغاية 1995 حيث تم تجديد المعاهدة بشكل دائم رغم إعتراض وزير الخارجية المصري آنذاك عمرو موسى إلا بعد إلتزام إسرائيل بإعلان منطقة الشرق الأوسط منطقة خالية من الأسلحة النووية. ولكنه تراجع في اللحظة الأخيرة بعد ضغوطات كبيرة مورست لاعلى السيد موسى بل على رئيسه مبارك. ويبدو أنه إتصل به وقال له: «إتكتم يا عمرو- بلاش الدوشة اللي انت عاملها» وهكذا كان.
يبلغ عدد الدول المنضمة إلى المعاهدة الآن 189 دولة وهو أكبر عدد من الدول المنضمة لأي إتفاقية تتعلق بنزع السلاح. ولم يبق خارج هذه الاتفاقية إلا خمس دول: إسرائيل والهند وباكستان وجنوب السودان وكوريا الشمالية التي إنضمت إلى المعاهدة عام 1985 ثم عادت وعلقت عضويتها عام 2003. كانت كوبا خارج المعاهدة وعادت وانضمت إليها عام 2008، وكذلك جنوب أفريقيا أيام حكم الأبرثايد البغيض ثم إنضمت إليها عام 1991 والنظام العنصري يلفظ أنفاسه الأخيرة.
من ناحية قانونية لا يوجد ما يجبر أي دولة على الانضمام للمعاهدة لكنها مجرد أن توقع على المعاهدة ثم تعود وتصدق عليها يعني ذلك ببساطة أنها تلزم نفسها أن تتقيد بما تفرضه هذه المعاهدة أو أي معاهدة أخرى. بين التوقيع والتصديق وقت قد يستغرق شهورا أو سنوات تستغله الدول للتفكير والتأمل في الاتفاقية ومدى قدرتها على الإلتزام. لكن بمجرد التصديق يصبح القانون الدولي نافذا.
ماذا تحمل المعاهدة من الإلتزامات؟
تتكون المعاهدة من ثلاث رزم من الإلتزامات تشمل الدول النووية وغير النووية: عدم الانتشار والاستخدام السلمي للطاقة النووية ونزع السلاح النووي الموجود حاليا.
– مسؤولية عدم الانتشار النووي- تقر الدول الأعضاء في الاتفاقية أن هناك خمس دول نووية لا غير. لا يجوز أن يدخل النادي النووي أحد غيرها وهي نفس الدول التي تملك حق إستخدام الفيتو داخل مجلس الأمن. كما تلتزم الدول الخمس بألا تحول أو تساعد أو تغمض عينيها أو تشجع الدول غير النووية على إمتلاك تكنولوجيا السلاح النووي. كما تعطي الاتفاقية الوكالة الدولية للطاقة الذرية حق مراجعة إجراءت السلامة والتأكــــد من الإلتزام بمعايير السلامة في المنشآت النووية للأغراض السلمية والتأكد من عدم تحويلها كليا أو جـــــزئيا إلى منشآت لأغراض إنتاج أسلحة نووية أو أجهزة قابلة للتفجيرات النووية.
– مسؤولية الدول النووية أن تلتزم بعملية متدرجة متراكمة لنزع سلاحها النووي وصولا إلى عالم خال من الأسلحة النووية، كما جاء في البند السادس من الاتفاقية. وعندما وجدت بقية الدول الأعضاء أن الدول النووية لا تلتزم بتعهداتها طلبت رأيا إستشاريا من محكمة العدل الدولية حول تفسير البند السادس. وقد أقرت المحكمة في رأيها الاستشاري الصادر بتاريخ 8 تموز/يوليو 1996 بأن هذا البند «يضع إلتزاما على الدول النووية أن تنفذه بحسن نية لتصل بالمفاوضات إلى نزع السلاح النووي بكل أشكاله تحت رقابة دولية صارمة وفعالة».
– المسؤولية الأخيرة تتعلق بحق الدول الأعضاء في المعاهدة بنقل التكنولوجيا النووية لاستخدامها في الأغراض السلمية كتنمية مصادر الطاقة بشرط أن يثبتوا وباستمرار أن البرامج النووية للأغراض السلمية لم يتم حرفها عن أغراضها وتحويلها إلى إنتاج سلاح نووي.
مسؤولية إيران
لا يجوز لدول وافقت بمحض إرادتها أن تخترق الإلتزامات التي قطعتها على نفسها. فلا يجوز لإيران أن تخفي منشآتها النووية ولا يجوز أن تمنع مفتشي الوكالة الدولية من زيارة جميع المنشآت بلا إستثناء والتأكد من معايير السلامة المعمول بها في كافة المنشآت النووية للأغراض السلمية. يحق للوكالة أن تتأكد أن تخصيب اليورانيوم لا يتجاوز 5٪ الحد المسموح به للأغراض السلمية وعندما تتجاوز النسبة لتصل إلى 20٪ كما تحاول إيران أن تنجزه داخليا يكون الشك في النوايا مبنيا على أرضية قانونية. كما أن عدد أجهزة الطرد المركزي التي تخصب اليورانيوم يصل إلى 10,000 وهو رقم يثير الشك في حقيقة سلمية البرنامج. كما أن معمل أراك السري للماء الثقيل الذي إكتشف مؤخرا جاء انتهاكا آخر لالتزامات إيران حسب المعاهدة التي وقعت عليها طوعا. وبالتالي تصر الوكالة الدولية للطاقة الذرية أن تقوم بتفتيش المنشآت الإيرانية دون سابق إنذار.
لهذه الأسباب إتفقت الدول الخمس إضافة إلى ألمانيا لحل الإشكال بالطرق السلمية بعد أن فرض مجلس الأمن بدون إعتراض من الدول الكبرى سلة من العقوبات الموجهة ضد إيران ألحقت أذى كبيرا بالاقتصاد الإيراني وخاصة في انخفاض القيمة الشرائية للريال الإيراني. لقد أصبح من مصلحة الطرفين أن يصلا إلى حل لهذه الأزمة التي إستمرت على جدول أعمال مجلس الأمن لأكثر من عقد، وإستغلتها إسرائيل لتحرف النظر عن برنامجها النووي من جهة ومن جهة أخرى تغطي على ممارساتها ضد الشعب الفلسطيني ثم لتقوم بعملية إختراق لبعض دول الخليج لتكوين تحالفات ضد إيران على حساب القضية الفلسطينية.
فمن الناحية القانونية، مسؤولية إيران أن تثبت بدون أدنى شك أن برنامجها النووي حصريا للأغراض السلمية. الشيء الذي يحز في النفس أن الدولة المارقة التي مكنها الغرب من إمتلاك السلاح النووي هي التي تملأ الدنيا صراخا وضجيجا حول برنامج إيران الذي لم يثبت إلى الآن أن الغـــرض منه إنتـــاج السلاح النووي.
فإسرائيل تمتلك ترسانة نووية تقدر بـ 150 رأسا صاروخيا على الأقل حسب المعلومات التي أدلى بها عالم التقنيات النووية الإسرائيلي مردخاي فعنونو عام 1986 الذي فضح برنامج إسرائيل النووي فخطفته الموساد من إيطاليا وأودعوه السجن 17 سنة. كل ما تتعلل به إسرائيل من حجج أنها ليست عضوا في المعاهدة الدولية لعدم الانتشار النووي. إنه عالم إزدواجية المعايير تحاول الدول الكبرى فرض منطقها المنحاز والذي لا يصمد أمام الاحتكام إلى بنود القانون الدولي.
عبد الحميد صيام
المطلوب إزالة الأسلحة النووية أولا من المنطقة .
ايران تدافع عن حق الدول في امتلاك تقنيه الطاقه النوويه السلميه ..
وهذا مالا ترتضيه الدول الكبرى ذات التاريخ الاستعماري ..
هل كشفت ايران عماله بعض دول المنطقه عندما استطاعت بناء قوة نوويه سلميه رغم الحصار والضغوطات ؟؟
والا مالذي يمنع دول المنطقه من الاستفادة النوويه الطبيه تحت رعايه وانظار الوكاله الدوليه ؟؟
جزاك الله خيرا ايها الكاتب المحترم لانك عبرت عن ما يدور في داخلي -مع اني علقت على مقال اخر في الموقع تضمن نفس مضمون مقالك المفيد حياك الله
السلام عليكم أستاذ صيام وشكراً للمقال التعليمي الرئع…
كما أسلفت…” انه عالم إزدواجية المعايير تحاول الدول الكبرى فرض منطقها المنحاز والذي لا يصمد أمام الاحتكام إلى بنود القانون الدولي “.
النادي النووي معروف لدى دول العالم كما هي مسجلة لدى الامم المتحدة وهي نفسها الدول الخمس التي تتحكم بمجلس الامن الدولي وهي أميريكا وبريطانيا وفرنسا وروسيا والصين. هذا النادي الخماسي له علاقات سرية جوهرية وفاعلة مع ما يطلق عليهم ” بالمارقين النوويين الثلاثة: الهند+الباكستان+أسرائيل ” (وهم مارقين لانهم حصلوا على الطاقة النووية والتخصيب العالي في حلاكة زمن الحرب الباردة بالنسبة للهند و أسرائيل وبسبب العالم الباكستاني علد القدير خان بالنسبة للباكستان…
هؤلاء الثمانية النوويين كلهم جميعاً مستحكمين و متحكمين بكل ما هو نووي كسلاح أو كطاقة أنتاج كهربائي…فلا أيران ولا غيرها سيكون لها الحق ولا الحرية في حيازة الطاقة النووية ألا بشروط متشددة ورقابة صارمة للنادي النووي…
وهنا لابد من ذكر- بتقديري – أعظم دولتين ذات أقتصاد وصناعة (تفوق معظم الدول التي نماثلها بالمساحة وعدد السكان والموارد) خرجت من رماد الحرب العلمية الثانية وهما: ألملنيا و اليابان ولم تسمح الدول ” التمانية النووية ” بحيازتها للطاقة النووية أبد…ألد !!!