مع الاطلاع على جرد الحساب النهائي لعام 2017 يمكننا القول انه لم كان عاما حزينا بحق لبريطانيا، فقد تعرضت المملكة إلى عدد من الهجمات الإرهابية التي لم تشهدها منذ سنوات، كما ان تداعيات الانسحاب من الاتحاد الأوروبي «بريكست» قد ألقى بظلاله على الاقتصاد البريطاني وأصابه بتراجع واضح، كما ان أزمة اللاجئين وتدفقهم من مناطق النزاع في الشرق الأوسط وافريقيا ما تزال تشكل تهديدا لصناع القرار الذين يحاولون تجنيب المملكة المتحدة مزيدا من الأعباء.
وقد ذكرت الملكة اليزابيث الثانية في خطاب عيد الميلاد ليلة 25 كانون الأول/ديسمبر، وهو خطاب يقدم عادة جرد حساب للموقف البريطاني تجاه العديد من القضايا، حيث وجهت الملكة هذا العام تحية إلى ضحايا الاعتداءات التي وقعت في لندن ومانشستر، وقالت «في هذا العيد أفكر بلندن ومانشستر اللتين تفوقتا بهويتيهما الرائعتين خلال الأشهر الــ 12 الماضية في مواجهة الاعتداءات الشنيعة».
وحمل هذا العام رقما قياسيا في بريطانيا من حيث التعرض للهجمات الإرهابية، فقد شهدت لندن أول هذه الهجمات في شهر اذار/مارس حيث استخدم مهاجم سيارة لصدم مارة على جسر ويستمنستر قبل ان يطعن شرطيًا أمام البرلمان موقعاً خمسة قتلى، وبعد شهرين، قام شاب بريطاني من أصل ليبي بتفجير نفسه مستخدماً عبوة قوية عند الخروج من حفل موسيقي للمغنية الأمريكية اريانا غراندي في قاعة حفلات كبرى في مانشستر، حيث قتل 22 شخصا واصيب 116، بينهم أطفال ومراهقون. ثم في شهر حزيران/يونيو قام ثلاثة رجال على متن شاحنة بصدم مارة على جسر لندن قبل ان يطعنوا عدة أشخاص في حي بورو ماركت، ما أوقع ثمانية قتلى.
وعلى صعيد متصل بالمخاطر الإرهابية التي تعرضت لها المملكة المتحدة تم الكشف عن احباط محاولة اغتيال رئيسة الوزراء تريزا ماي في شهر كانون الأول/ديسمبر الجاري، حيث أبلغ رئيس جهاز الاستخبارات «MI5» أندرو باركر مجلس الوزراء بالمخطط كاشفا أن أجهزة الأمن أحبطت تسع هجمات على الأراضي البريطانية خلال العام. وذكرت صحيفة «الإندبندنت» الصادرة يوم 6 كانون الأول/ديسمبر أن الأجهزة الأمنية اعتقلت رجلين يُشتبه في ضلوعهما في مؤامرة اغتيال رئيسة الوزراء باستخدام قنبلة مخبأة في حقيبة لنسف بوابات 10 داونينغ ستريت، ليتم بعد ذلك استثمار الفوضى التي سيحدثها الانفجار والهجوم على تريزا ماي وطعنها بالسكاكين. وتابعت الشرطة والاستخبارات المخطط على مدى أسابيع، وانتهت بالقبض على رجلين هما نعيم الرحمن زكريا (20 عاما) من سكان شمال لندن، ومحمد عاقب عمران (21 عاما) من برمنغهام بتهمة التخطيط لأعمال إرهابية.
وفي جانب حزين آخر حمله هذا العام نذكر أخبار أكبر حريق شهدته لندن منذ سنوات، حيث تعرض برج غرينفل في لندن إلى حريق رهيب أدى إلى مقتل حوالي 80 شخصا فى 14 حزيران/يونيو وقد وُصِف الحريق أنه أحد أبشع الحوادث التي وقعت في بريطانيا منذ عقود.
أما فيما يخص «بريكست» وتداعياته على مجمل الأوضاع البريطانية فيمكن تلخيص الأمر من بدايته هذا العام، ففي اذار/مارس سلم السير تيم بارو سفير بريطانيا في بروكسيل إخطارا رسميا إلى رئيس المجلس الأوروبي دونالد تاسك تطلب فيه الحكومة البريطانية تفعيل المادة 50 من معاهدة لشبونة والتي بمقتضاها تبدأ بريطانيا رسميا إجراءات الخروج من الاتحاد الأوروبي. ومن المتوقع استكمال المفاوضات بين الطرفين في تشرين الأول/أكتوبر المقبل، وعلى مجلس العموم البريطاني والمجلس والبرلمان الأوروبيين التصويت على الاتفاق الذي سيتم التوصل إليه قبل اذار/مارس 2019. ففي هذا التاريخ يجب على بريطانيا ان تنسحب رسميا من الاتحاد الأوروبي، وتجدر الإشارة إلى امكانية تمديد المفاوضات الخاصة بالمادة 50، ولكن هذا الأمر يتطلب موافقة الدول الـ 27 الأخرى في الاتحاد الأوروبي.
كما يرى المحللون الاقتصاديون ان الاقتصاد البريطاني سيعاني العديد من الصعوبات وهو يتجه للخروج من الاتحاد الأوروبي، وسط تباطؤ النمو الاقتصادي وتعثر مفاوضات الخروج من الاتحاد «بريكست» وتدني معدل الإنتاجية. ووفقاً لما ذكره وزير الخزانة البريطاني فيليب هاموند «تظهر الإحصاءات الرسمية تباطؤاً حاداً في النمو الاقتصادي في بريطانيا بسبب إجراءات الخروج من الاتحاد الأوروبي، وتراجع قيمة الجنيه الإسترليني، وانخفاض الإنفاق الاستهلاكي، وسط تزايد في الأسعار».
ووفقاً لأرقام نشرتها منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية «OECD» في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، فقد بلغ معدل نمو إجمالي الناتج المحلي السنوي في بريطانيا 1.5 في المئة، وهو المعدل الأبطأ بين الدول الصناعية السبع الغنية، وهي كندا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا واليابان وبريطانيا والولايات المتحدة. مما يشير إلى ان الاقتصاد البريطاني يسير باتجاه الانحدار. وقد ترحل الكثير من المشاكل إلى العام المقبل وهذا ما يرجحه بعض المراقبين .
صادق الطائي