■ فجأة انهالت التوقعات الايجابية بتبوء وجه جديد لمنصب رئيس الوزراء في العراق. صحف عربية وعالمية عددت مناقب الرجل، ان لم تكن هي من صنعتها، تصريحات لمسؤولين اقليميين ودوليين جعلوا منه قنبلة نايترونية ستبيد كل مشاكل العراق، وربما المنطقة.
كُتّاب وباحثون سياسيون عراقيون دفعهم الغلو في التفاؤل حد اعتبار اجادته للغة الانكليزية وقضائه ردحا من الزمن في الغرب، وانحداره الطبقي من وسط المدينة وليس من القرية كسالفيه، كلها صفات تضفي عليه العبقرية، متناسين ان غالبية الطبقة السياسية هم من ابناء المدن وقضوا زمنا طويلا في الغرب، ويحملون شهادات اكاديمية غالبيتها في الطب البشري وليس الحيواني، ومع ذلك جعلوا من العراق مسلخا بشريا كبيرا، ومقبرة ليس للاموات فقط، بل حتى من بقوا احياء، فهم مشاريع موت مؤجل حتى حين، بل انهم يؤكدون لنا كل يوم وعلى مدى اكثر من عقد من الزمن من قيادتهم للبلد، ان الثقافة الغربية التي عاشوا في كنفها لم تمس شعرة من تفكيرهم ولا سلوكهم السياسي والانساني، وكأن عقولهم كانت محنطة، والغريب انهم لم يتركوا ما في النظام والمجتمع الغربي من حسنات وراء ظهورهم حال عودتهم الى العراق فقط، بل تركوا حتى العقد الاجتماعي العراقي الذي كان قائما على اساس الهوية العراقية الجامعة منذ الاف السنين، واستبدلوه بهويات طائفية ومذهبية وقومية.
واذا كانت فسحة الامل مطلوبة لتوسيع ضيق العيش، ففي السياسة لا توجد آمال واماني، بل وقائع، إما سوداء او بيضاء. اننا لا نريد ان نضع العصي في عجلة احد، ولا نتمــــنى ان يفشــــل هذا السياسي او ذاك، لان الفشل في بلادنا معناه جريان سيول جديدة من دماء الابرياء، لكن منطق التحليل السياسي العلمي، وليس العاطفي، يجبرنا على الذهاب الى آليات وصول رئيس الوزراء الجديد الى منصبه، للوقوف على حقيقة المواقف والنتائج.
اولا، كما جاء المالكي من خلف الكواليس وبالصدفة، حلا لتسوية مشكلة رفض الاكراد وبعض الكتل الاخرى استمرار تولي الجعفري رئاسة الحكومة، جاء خلفه الحالي حلا للمشكلة نفسها، وايضا من خلف الكواليس، فلم يكن الرجل من قادة الصف الاول ولم يؤشر له نشاط سياسي مشهود طوال المرحلة السابقة من عمر العملية السياسية.
ثانيا، ان اختياره لتولي المنصب الاول كان بدافع الحرص على استمرار المحاصصة الطائفية وديمومة ديكتاتورية البيت السياسي الشيعي، وليس بدافع التغيير السياسي الذي يُغلّب المصلحة الوطنية، حيث لم تكن الاطراف السياسية الشيعية، التي رفضت استمرار المالكي، تملك من الجرأة والشجاعة السياسية ما يؤهلها للقفز الى التحالف مع الاطراف الاخرى من خارج حضنها الطائفي، والاتيان برئيس وزراء جديد بدماء وطنية.
ثالثا، حضر الرجل من البيت الحزبي نفسه الذي يتزعمه المالكي، وهو حزب الدعوة، المُصنّف منهجه الفكري وسلوكه السياسي على قائمة الاحزاب الطائفية. كما ان فشل الحزب سياسيا في ادارة البلاد لولايتين وفي ظل زعامتين منه، هما الجعفري والمالكي، جعل حتى بعض الاطراف الحليفة له تشك في قدرته على ادارة البلاد، حيث كان التيار الصدري قد اعلن صراحة اكثر من مرة بعدم جواز قدوم زعيم سياسي اخر من الحزب نفسه. رابعا، ان العملية السياسية كمنهج فكري وآليات سياسية ومنظومات عمل، هي بيئة ملائمة لاستنساخ عشرات مثل المالكي، ومن الخطأ التصور ان هذا وحده يحمل جينات مختلفة عن الاخرين.
واذا كان التأييد المحلي والعربي والدولي والاممي قد انداح كالسيل لصالح حيدر العبادي فذلك ليس معناه دائما له، فبعضه غيض وبعضه تشفّ من سلفه، بل بعضه بداية رحلة بحث عن مصالح جديدة في كنف الولاية الجديدة لاشخاص ودول وحكومات اعتادوا التصفيق، ولا يغرنكم كثرة الوفود التي تحط رحالها في العراق اليوم، والتصريحات التي تزيّن وصول رئيس وزراء جديد على انه اتفاق سياسي عراقي واسع يمثل وحدة وطنية حقيقية، فجلسة التصويت على منح الثقة للحكومة قالت عكس ذلك تماما، فحتى توافقات حكومتي العامين 2006 و2010 لم تكن موجودة في الحكومة الحالية، على الرغم من انها كانت توافقات الحد الادنى. لقد كانت مشاركة الاكراد بضغط امريكي منقطع النظير، كشفته تهديداتهم وشروطهم التي اعلنوها في لحظات التصويت، ووضعوا سقفا زمنيا لتلبية شروطهم، وبعكسه سوف ينسحبون منها، كما كانت مشاركة من يشار لهم بانهم ممثلو السنة اضعف من اي وقت مضى، كشفته الوجوه السياسية الضعيفة وهامشية المناصب الوزارية التي حصلوا عليها، بينما عادت لعبة الوزارات بالوكالة الى الواجهة مجددا في التشكيلة الحالية، حيث بقيت وزارتا الدفاع والداخلية شاغرتين بعد صراع امريكي ـ ايراني عليهما، فالايرانيون كانت رغبتهم ان يتولى زعيم منظمة بدر منصب وزير الداخلية، والامريكان كانت رغبتهم ان يتولى وزارة الدفاع احد رجالاتهم من السنة. اما البرنامج الحكومي والوثيقة السياسية اللذان تُليا من قبل الوزير الاول بعد منحه الثقة، فمن ذا الذي سوف يضمن ما جاء فيهما، فلا وجود لضمانات حتى لو اقسم اغلظ الايمان بتنفيذهما، والتجربة السابقة مع سلفه اثبتت ان التواقيع ومواثيق الشرف وحفلات العناق كلها تذهب ادراج الرياح.
ان الحكومة الجديدة حكومة أزمة وليست حكومة حل، وان الطرف الذي يحتكر منصب رئيس الوزراء مازال مصرا على الاستناد في قوته الى الميليشيات.
ففي خطاب حيدر العبادي لنيل الثقة يتبنى حصر السلاح بيد الدولة فقط، وفي الخطاب نفسه يتبنى تطوير ما يسمى الحشد الشعبي، الذي في حقيقته هو حشد من طائفة واحدة بقيادة ميليشيات معروفة باسمائها وراياتها، فهل يستقيم ذلك مع التطلع لتصفير المشاكل كما يدعون؟ اننا نرى ان كل شيء في العراق بات في حالة يصعب اصلاحها او تشذيبها او تعديلها، وان تبديل الوجـــوه السياســـية ليست حـــلا كما يعتقد البعض بل التغيير الجذري هو الحل السليم. وكي تكتمل الصورة من جميع جوانبها يحق لنا ان نسأل، هل من الصحيح والمنطقي ان يكون شخص ما رئيسا لوزراء دولة بينما هو مواطن دولة اخرى ويحمل جنسيتها؟ وهل حصل هذا الشيء في اي تجربة سياسية اخرى غير العراق؟
باحث سياسي عراقي
د. مثنى عبدالله
والله يا دكتور مثنى أبدعت أيما ابدع بتوصيفك وضع الحكومة الحالي
وأوافقك تشاؤمك بالمستقبل المنظور بالعراق
ولهذا كبرت داعش
أصبحت داعش ملاذا للمظلومين بالعراق مع الأسف
وأصبح الخيار اما ميليشيات واما داعش
والاثنين يقتلون على الهويه
وزير خارجية العراق الجعفري اليوم يأسف لعدم اشراك ايران
في الحلف ضد داعش والخامنئي لا يريد أن يشارك فمن نصدق
أصبحنا في العراق ملطشة بين ال يسوى وال ما يسوى
ولا حول ولا قوة الا بالله
نعم هو حاصل في سورية ، زوجته إنكليزية بالمولد وتحمل جواز سفر إنكليزي وبشكل اوتوماتيكي يسمح للشخص المتزوج من هذه المرأة ان يأخذ جواز سفر إنكليزي ويقدم طلبا لقسم الهجرة والجوازات (home office)ويكتسب الجنسية ومبروك لبشار الأسد
نعم ، إن لن يتغير كتيب التعليمات و المسطرة السياسية و يعاد النظر كليا و جديا في فقرات الدستور المسخ، و عندما يتحول مهرجان ما يسمى باﻹنتخابات في العراق من كون اقامته و إجراءه هو الغاية العظمى و سدرة المنتهى لمن يتصدر المشهد السياسي اليوم وليس كونه مجرد وسيلة ” من الوسائل ” لإيصال من يتوسم فيه الكفاءة و النزاهة الى السدة ليسوس الناس و يحقق متطلباتهم اﻷساسية على اﻷقل ، و ليس بالضرورة الظن اليقيني انها ، اي هذه اﻵلية هي اﻷنسب لحال العراق والعراقيين اليوم ( خاصة مع تفشي الجهل و اﻷمية و الفقر ومع تشظي المجتمع الى كيانات و طوائف صارت شديدة اﻹستقطاب ) ، إن لن يتغير ذلك كله جذريا ، و تبعد معظم إن لم يكن جميع بلا استثناء البتة الوجوه التي وصلت بالبلد الى ماوصلت اليه ( و العبرة هنا بالنتائج وليس بالنوايا ) ، النتائج التي تشير الى فشل ذريع غير مسبوق مطلقا عبر التأريخ ( خاصة الحديث منه) لكافة مقاييس الحياة اﻻدمية و على صعيد البنى التحتية و مقاييس مؤشرات التنمية كلها في الحضيض!
بالتالي اتفق تماما ان الحاضنة الحزبية التي فرخت أثنين سبقا وكانت النتيجة لم ينجح أحد ، فان تغيير الوجوه هو مجرد قناع و مساحيق خداعة ، اما التوجيهات و التعليمات و المسطرة فهي هي لا تبدل و لا تغير ولا تراجع ولا استسلام عن الهدف والفكر الذي يكمن خلف هذا الحزب الحاكم.
طالما مرشد الخراب هو هو فإن فرق المعلم الجيد عن المعلم السئ هو انه سيعلمنا المنهج أي الخراب بشكل أسرع و أكثر اقناعا خاصة و انه خريج بريطانيا …بالذات ، ليس غيرها !!
لقد تشارك د. مثنى عبدالله ود. أثير الشيخلي في هذا التسونامي الرائع مثلما تسونامي داعش يوم 9/6/2014 الذي فضح كل خبايا فساد سامري النظام (الجيش والأجهزة الأمنية والقضائية) والتي أدّت إلى تنسيق كل الأعداء مواقفهم من أجل الوصول إلى حل بديل بقيادة حيدر العبادي لإيقاف مسيرة هذا التسونامي نحو بغداد لتغيير العملية السياسية.
أنا أراهن على رعونة نائب رئيس الجمهورية نوري المالكي في تصرفاته وتصريحاته التي نسف بها تصريحات ووعود حيدر العبادي في عدم قصف المدن القرى وبقية التجمعات السكانية العراقية حتى التي تحت سيطرة داعش.
وكذلك أنا اختلف مع ما ذكره د. مثنى عبدالله وكأنَّ الفساد الذي نحن فيه ليس سببه الغرب والنظام الغربي غير الإنساني ففي باريس على سبيل المثال لا الحصر هناك متحف اسمه متحف الإنسان كانت تعرض فيه إلى فترة قريبة رؤوس ثوارنا في المغرب العربي التي تم قطعها والاحتفاظ بها وعرضها في هذا المتحف، ثم هذه اسكتلندة وكتالونيا والباسك وغيرها كلها تطالب بالاستقلال من هذا النظام الديمقراطي الفاسد لأنّه يُنتج مثقف ونخب حاكمة فاسدة بسبب أنَّ اساس هذا النظام ثقافة الـ أنا أولا،
فلذلك من المنطقي والموضوعي والطبيعي كل هم النخب الحاكمة هو حقوقهم هم فقط وما يمثل الـ أنا بالنسبة له، أما أي شيء يخص الشعب أو الـ نحن فيبقى الجدل البيزنطي هو سيد الموقف فلا يتم انجاز أي شيء في هذا النظام
الشعب يُريد اسقاط النظام شعار يُبين كيف أن الشعب أكثر وعيا بحقيقة ما هو مطلوب من مثقفينا الذين حصروا تفكيرهم وفق محددات النظام الديمقراطي/الديكتاتوري.
ما رأيكم دام فضلكم؟
وايش فيها اذا كان حامل للجنسية البريطانية او الامريكية ماهو بسبب الاوضاع في العراق من بداية ٨٢ الى الان اقول للان فر ملايين العراقين الى اوربا ومنها بريطانيا نحن شعوب لن نرضى باحد ونشكك دائما
تحياتي وتقديري للذين كتبوا تعليقاتهم على المقال ولكل القراء الافاضل متمنيا لهم التوفيق .
أما السيد s.s قلت بأنك تختلف معي , لكن بماذا دام فظلكم ؟؟؟؟!!!!!!
السلام عليكم عزيزنا د. مثنى..
كنت متأخراٌ (بسبب أنشغالاتي الاستشارية) في الحصول على وقت لقراءة مقالك ” الرائع ” و جزاكم الله ألف خير على شعورك الوطني الفيّاض وفكرك النيّروالرشيد وقلمك الشريف النظيف… حقظكم الله تعالى وأدامكم للعراق الحر الديمقراطي !!!
أخي العزيز أ.د خالد فهمي شكرا جزيلا على كلماتك التي أتمنى أن اكون أستحقها
حفظك الله ويشرفني قراءتك مقالاتي المتواضعة
تقبل تقديري