بشار الأسد أغلى بكثير من جريتشين كارلسون

حجم الخط
4

لم أستطع أن أمر مرور الكرام على خبر دفع فضائية فوكس الأمريكية مبلغ عشرين مليون دولار للمذيعة جريتشين كارلسون التي عملت فيها كمقدمة أخبار، تعويضا لها بسبب تحرش مدير عملها بها تحرشا جنسيا وفصلها من عملها لرفضها الانصياع له، إضافة إلى فصل مدير العمل المتحرش بها عقابا له، ويدعى روجر إيلز، الذي يعتبر الرأس المدبر لنجاح مجموعة قناة فوكس الفضائية اليمينية التي صارت مضاهية لشبكة سي أن أن، ويقال إنها تفوقت عليها.
لا شك أن كثيرين مثلي تساءلوا لماذا تساوي مشاعر كارلسون وحالتها النفسية المتردية عشرين مليون دولار، بينما قد لا تساوي مشاعر البعض دولارا واحدا حتى لو أبيد أو ألقي به في غياهب السجون سنين طويلة حتى التعفن؟ وأين نحن العرب من تسعيرة المشاعر والدماء واللحوم البشرية؟
بعد فحص سريع تبين لي أن للعربي قيمة أكبر بكثير من قيمة الإنسان الأمريكي بشكل خاص، ومن الأجنبي والأوروبي عموما، وإذا كانت قيمة مشاعر جريتشين كارلسون قد بلغت عشرين مليون دولار، أي عبارة عن قيمة حوالي 200 شقة سكنية في مصر، ومثلها في سوريا قبل الحرب، فإن لدينا من يساوي من الدولارات بعدد المجرات والكواكب الأمر الذي يعني استحالة تقييمه. خذوا مثلا الدكتور الذي يحكم دمشق واحسبوا كم ألف ضعف يساوي من جريتشين كارلسون. حسب دراسة مجلس الأمن القومي الإسرائيلي خسرت سوريا حتى نهاية 2015 منذ بداية الحرب الأهلية 160 مليار دولار، وانتقلت إلى المكان 225 اقتصاديا على مستوى العالم، وصارت تقارن بأضعف الدول الأفريقية، وهبط الناتج القومي للفرد فيها إلى أقل من ناتج قطاع غزة المحاصر منذ سنين، وما زال بشار على كرسيه لا يتزحزح، فما دلالة هذا إن لم تكن القيمة الخيالية لهذا الدكتور الذي اجتمع العالم كله لإنقاذه وإبقائه في الحكم حتى نهاية عام 2016. أصيب أو قتل 11٪ من الشعب السوري، أي أكثر من مليوني قتيل وجريح، ولو كان كل قتيل وجريح منهم يساوي ثمن ربطة عنق بشار الأسد وبدلته تصوروا الرقم الذي ستحصلون عليه، ورغم ذلك فما زال الدكتور على سدة الحكم لا يتزحزح، فما دلالة هذا؟
هناك أكثر من عشرة ملايين إنسان ما بين نازح ولاجئ ومهاجر داخل سوريا وخارجها، وقسم من هؤلاء باتوا يشكلون عبئا كبيرا على دول كثيرة، وقد يستخدمون ذريعة لصعود اليمين المتطرف في بعض دول أوروبا إلى سدة الحكم، الأمر الذي قد يعني تغيير وجه أوروبا، ولو كانت قيمة كل واحد من هؤلاء المشردين ومعاناته تساوي ثمن ساعة يد بشار الأسد فانظروا المبلغ الخيالي، ورغم ذلك ما زال بشار الأسد رئيسا لا يتزحزح قيد أنملة. يقول تقرير لصندوق النقد الدولي إن إعادة إعمار سوريا قد تستغرق 20 عاما في حال وقف الحرب الآن، فتصوروا قيمة كل سنة من عمل الشعب السوري وثرواته الطبيعية. كذلك تقول مصادر اليونيسيف إن طلاب سوريا خسروا 16000 سنة تعليمية، فانظروا كم تكلف كل سنة تعليمية لملايين الطلبة، ورغم كل هذا يتمسك الدكتور بالسلطة ويعتبرها حقا شرعيا بالوراثة. وإذا كانت المذيعة الأمريكية تعرضت لتحرش جنسي من قبل مديرها فمن يعرف كم من السوريين والسوريات والعرب عموما تعرضوا للتحرش الجنسي وغير الجنسي، سواء من قبل مدير عمل أو من قبل شرطي أو جندي أو من قبل داعشي أو من قبل انتهازي منحط أو قطاع طرق أو قرصان بحر استغل ضعف وحاجة الناس؟ وكم تساوي أعراض ومشاعر هؤلاء؟ كل هذا والدكتور لا يتزحزح.
الشكر الجزيل من الاحتلال إلى بشار
في القدس اعترفت الشرطة الإسرائيلية بقتل الشاب الفلسطيني مصطفى النمر «خطأ» وأن رجل الشرطة أطلق النار على مصطفى بعد هبوطه من السيارة انصياعا للأوامر، ولم تكن هناك محاولة دهس كما زعم الشرطي. أستطيع الجزم بأن شرطة الاحتلال ما كانت لتعترف بجريمة هذا الشرطي لولا أن هناك من صوّر ووثّق، ولم يعد بالإمكان إخفاء الجريمة، إلا أن الحقيقة الملموسة هي أنه كلما استخف النظام العربي كما يرى ورأى العالم بدم المواطن العربي كان لهذا إسقاطاته السيئة على ممارسات الاحتلال، ولسان حال الاحتلال يقول.. من لا تعجبه ممارساتنا ضد العرب وينتقدنا، فلينظر إلى الدول من حولنا، خصوصا ما يجري في سوريا وليعتبر، كيف يتعامل العرب مع بعضهم بعضا. وإذا كانت هذه معاملة العرب لبعضهم بعضا فكيف سيعاملوننا إذا تحكموا يوما بنا.
هناك حوالي سبعة آلاف من الأسرى وسجناء حرية وبعضهم مضرب عن الطعام في المعتقلات الإسرائيلية، وهناك موقوفون إداريون بلا محاكمة، ولكن ألا يمنح وجود عشرات آلاف المعتقلين العرب في السجون العربية والسورية بشكل خاص وتحوّل الآلاف منهم إلى هياكل عظمية وموتهم وحتى اختفائهم داخل سجون بلدانهم فرصة للاحتلال للظهور بمظهر أكثر إنسانية في تعامله مع الأسرى العرب، مهما توحش وأغرب في ممارساته فهو يدعي بسهولة بأنه يتعامل مع السجناء والأسرى حسب القوانين الدولية، إذا ما قورن بالطريقة الوحشية التي يعامل بها نظام الأسد سجناءه،
خصوصا عندما يحاول أحدهم المسّ برموز النظام ألم يقل بعض الفلسطينيين الذين جربوا السجن في سوريا ثم سجن الاحتلال الإسرائيلي إن سجن الاحتلال يعتبر فندق خمسة نجوم ورحلة نقاهة مقارنة بالسجن السوري. وإذا كانت جمعيات حقوق الإنسان تعرف مصير كل سجين فلسطيني وعربي ومكان سجنه ورقم غرفته، وتتابع إضرابه عن الطعام وتدهور صحته في أقبية سجون الاحتلال الإسرائيلي، ويتظاهر ناشطون أمام السجن أو المستشفى لإسماع صوته، ففي سوريا لا يجرؤ أحدٌ من ذوي المفقودين على السؤال عنه، وهذا قبل الثورة وليس جديدا، ألا تعتبر هذه خدمة كبيرة وتغطية لممارسات وجرائم الاحتلال. طبعا هناك من سيسأل وماذا مع «داعش» وتفجيراته وعملياته الانتحارية بحق المدنيين، وماذا مع تعويض النساء العربيات اللاتي تعرضن للتحرش وحتى الاغتصاب في سوريا وغيرها من قبل أجهزة النظام ومجموعات «داعش»؟
الجميع بات يعرف أن «داعش» هو نتاج الاستبداد والتآمر وخيانة للشعوب العربية وثوراتها ولا تعويض للشعوب العربية إلا باقتلاع أنظمة الاستبداد ونتائجها، فهي أساس كل الشرور وبضمنها الاحتلال، مهما طال الزمن وكبرت التضحيات، وتعرّجت وسدت والتوَت الطرق والوسائل.

٭ كاتب فلسطيني

بشار الأسد أغلى بكثير من جريتشين كارلسون

سهيل كيوان

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول الكروي داود النرويج:

    والله يا أستاذ سهيل لم تدع لنا كلاماً نضيفه على مقالك المليئ بالإحساس المرهف لقيمة الإنسان العربي المتدنية إنسانياً
    والله ما هكذا كنا في صدر الإسلام خاصة حين صرخت إمرأة بوجه الخليفة الشديد المهاب عمر ابن الخطاب رضي الله عنه
    فما كان منه إلا أن قال أصابت إمرأة وأخطأ عمر ! والسؤال هو : هل يجرؤ رئيس عربي أن يقول أصاب الشعب وأخطأ الرئيس ؟
    ولا حول ولا قوة الا بالله

  2. يقول Samaher:

    مقال في مزاد صدقه يكشف قيمة السعر الادمي الانساني البخيس في سوق الوطن للأسف وئدت الانسانيه وتجردت المشاعر ولم يعد هناك قيمة لا لحياة ولا لمشاعر الانسان …
    وعلى سبيل الوطن بالمفهوم الاسدي ..نعم فبشار الاسد اغلى بكثير من جريتشن كارلسون ..فدية المساس بشرف كرسيه لا تكفيه جبال سوريه والشام لحما ودما بشريا .. اوليس هذا الاسد السفاك السفاح ويحق له في غابه ما لا يحق لغيره ..حقه مشروع في صد من يتجرأ المساس بشرف كرسيه على طريقته الشرسه( ابناء الوطن ) فهم فجار ارضه مجردو المشاعر كيف لهم اذيته ..هذا حقه ان يرد بانيابه الداعشيه العربيه الاوروبيه الحاده سفك دماء شعبه ولازال صامد وهو لم يهتز هكذا هم الاسود والعرين في غاباتنا له ثمنه الغالي اغلى بكثير من الثمن البشري الانساني البخيس …فلاتنتظر من ضمير حاكم عربي قعقعة….هذا الضمير بذبح الشعوب منشغل…لا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم

  3. يقول مواطن سوري:

    السيد سهيل لقد اجدت في شرح الوضع المأساوي لوضع الانسان في سورية رغم توقيعك باسم كاتب فلسطينيي وعبرت عما في نفوس معظم الشعب السوري وهو مالم يفعله الكثير من السوريين ممن يظهرون على التلفزيونات ويكتبون في الصحف بتزوير كبير وقلب للحقائق عما يجري في سوريا
    … فلك الشكر

  4. يقول Ahmad ismaeil /Holland:

    هذهِ حال بلد حكامها عائلة الاسد
    بلاد الرعب اوطاني…..من القاصي الى الداني
    ومن خوف الى خطرٍ….. ومن منفى الى الثاني
    بلاد الحرب اوطاني……..تَدمّر كل بنيانِ
    توفي الأمن في وطني…وصار الموت مجاني
    بلاد الحزن أوطاني……..بأشكالٍ وألوانِ
    فمن ألمٍ إلى قهرّ……….إلى بؤسٍ وحرمانِ
    بلاد الصبر اوطاني……..وحال الناس أبكاني
    فكم نزحوا وكم لجؤوا….وتاهوا دون عنوانِ
    بلاد القهر أوطاني……….وموت دون أكفاني
    تمادى الحزن في قلبي..وغطى الدمع أجفاني

إشترك في قائمتنا البريدية