عمان ـ «القدس العربي»: يقف مندوب سوريا في مجلس الأمن بشار الجعفري عند محطة سياسية وأمنية محسوبة عندما يجدد الاتهام على نحو مفاجئ للأردن بتدريب وإرسال «إرهابيين» إلى بلاده قاصدا مجددا الإشارة إلى التساهل الأردني قبل أكثر من ثلاث سنوات مع بعض المجموعات المسلحة المعارضة.
طوال العام الماضي تصل للقصر الجمهوري في دمشق رسائل «أردنية» محددة عبر وسطاء ومبعوثين من خارج النادي السياسي تطالب الجيش النظامي السوري بالعودة إلى نطاق الخدمة في المواقع والأراضي التي انسحب منها في محيط الحدود الأردنية.
الرد الذي كان يصل من دمشق في السياق يتجاهل المطلب الأردني الملح لأغراض واعتبارات أمنية ويعمل وفقا لسياسة جعل الإرهاب في سورية مشكلة «أردنية» وتخص دول الجوار التي تعاطفت مع ثورة الشعب السوري وهي مفردات استعملها الرئيس بشار الأسد شخصيا عندما استقبل عدة شخصيات من بينهم القيادي الفلسطيني عباس زكي وآخرون من المناصرين له في عمان.
في الأثناء توقفت عمان عن التنسيق مع قوى المعارضة السورية وعن استقبال قادة الإئتلاف السوري ولم تكتمل الاتفاقيات المتعلقة بإقامة مكاتب دعم لوجستي للمعارضين لأغراض المساهمة في رعاية اللاجئين وتطورت مشكلة اللجوء السوري وأصبحت مشكلة أردنية بامتياز الآن بسبب سياسة الباب المفتوح التي يرى سياسي مهم بحجم الدكتور ممدوح العبادي أنها خاطئة.
العلاقات الديبلوماسية والتواصلية بين عمان ودمشق كانت ولا زالت «باردة جدا» خصوصا ان الجانب السوري يمتنع عن «تسمية» سفير جديد في عمان خلفا للسفير المطرود الجنرال بهجت سليمان فيما تمتنع عمان وهي تخفف حدة التعاون مع المعارضة أصلا عن إرسال القائم بالأعمال الأردني إلى الجار السوري. هذا البرود بقي طوال الأشهر الماضية سياسة متبعة خالية من التنسيق ومن التخاصم بين العاصمتين مما يؤشر على ان الجعفري يسعى مجددا «لتسخين» الأجواء الباردة لغرض سياسي اجتهدت عمان دبلوماسيا في قراءته ليس لأن برامج تدريب وتأهيل المعارضين السوريين في الأردن توقفت أو جمدت تماما فقط.
ولكن ايضا لإن الأردن سياسيا وعسكريا وأمنيا يعلن الاشتباك والصدام المباشر مستندا إلى موقعه ضمن التحالف مع الجماعات المتطرفة و «الإرهابية» في سورية. عمليا تجمدت الأموال والبرامج المعنية بتقديم المشورة والتدريب لقوات سورية سواء عبر الأردن أو حتى عبر تركيا وبرزت وجهة نظر «عربية» تتبناها مصر والإمارات ولا تعارضها عمان بعنوان تقديم مبادرات مقبولة دوليا وروسيا وواقعية للتعامل مع الملف السوري. وعمليا يشتبك الأردن أمنيا وبوضوح وعلنا مع خصوم الرئيس الأسد حتى داخل الأراضي السورية ويرفض دعوات الرئيس التركي رجب طيب آردوغان لاستثناء «جبهة النصرة» من النطاق العملياتي للتحالف.
وسياسيا يقف الأردن مرحليا وبثبات في الاتجاه التصارعي والصدامي مع حلقات نفوذ تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وسورية دون إظهار اي «ليونة» مع جبهة النصرة ولا حتى مع أنصارها والمتعاطفين معها في الساحة الداخلية.
رغم ذلك تجددت اتهامات الجعفري بدون مناسبة للحديث كما فهمت «القدس العربي» من اوساط مقربة من وزير الخارجية ناصر جودة تحدثت عن استمرار مسلسل السعي لتصدير الأزمة للجوار من قبل النظام السوري رغم «رسائل الود» العملياتية والسرية التي ترسلها عمان.
حتى في خطابه الأخير تحدث العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني عن «حل سياسي» للأزمة السورية ولم توافق عمان يوما على شعار إسقاط نظام بشار الأسد والمرحلية الحالية مرحلة «ابتعاد» أردني حتى عن المدرسة السعودية التي تتبنى شعار إسقاط النظام.
المعنى أن تصريحات وتلويحات الجعفري الأخيرة والمتجددة في القراءة الأردنية لا مبرر لها وتأتي لأغراض سياسية بالترجيح مخالفة لواقع الأمر ميدانيا وبالرغم من إرسال رسائل بقصد الود عن بعد.
يحصل ذلك وتبرز مجددا هذه الاتهامات لسبب في قياسات غرفة القرار الأردنية وعلى أساس بروز سيناريو آردوغان بعنوان المناطق العازلة في مدينة حلب ومقايضات الاتراك على هامش السعي الدولي لانضمامهم لقوى التحالف مما يجعل دمشق متخوفة من أين يقفز الأردن – كما يفعل آردوغان- إلى واجهة سيناريو المنطقة العازلة في درعا جنوب سورية بدروه تحت خطاب مكافحة الإرهاب وإصرار السعودية خلف الكواليس على نطاق عملياتي للتحالف لا يستفيد منه الرئيس الأسد ولا يمكنه بكل الأحوال استثماره.
تلميحات الجعفري بالنسبة لعمان مناسبة للتوثق من ان نظام الأسد قرر «عدم التجاوب» بالرغم من تجميد عمان لتعاونها تماما مع برامج تدريب أو تسليح المعارضة السورية أو ان النظام يخطط لعدم التجاوب لأنه يتصور أن تجارته مثمرة عندما يتعلق بإبقاء الأردن في دائرة الاتهام والتشكك وتحسس الذات.
بسام البدارين