■ تعود بي الانتخابات البرلمانية في بريطانيا المقررة يوم الخميس المقبل، أي في السابع من مايو الجاري، بالذاكرة إلى 15 عاما مضت. وتحديدا في مطلع أكتوبر عام 2000، ففي صباح ذاك اليوم فوجئت برسالة رسمية مصدرها مجلس العموم البريطاني، (بالمناسبة لهذه الرسائل وأظرفتها لون مميز وهو البيج ويحمل شعار الإمبراطورية البريطانية).
أحيت هذه الرسالة مخاوف وتجربة مريرة خلفت حساسية مفرطة لديّ من الرسائل الرسمية. أدخلت هذه الرسالة الخوف في نفسي وتسببت في توتر في الأعصاب وقشعريرة في الجسم وأنا أحاول فتحها بيدين مرتجفين، بينما أفكار «تأخذني وأخرى ترجعني»، كما يقول المثل.
وللمخاوف هذه أسبابها وتبريراتها، وسببها الرئيسي بالطبع، كما هو الحال في كل البلدان، لاسيما بلداننا العربية.. وزارة الداخلية البريطانية. فقد عانيت في مطلع الثمانينات الأمرين على يدي هذه الوزارة، لم يصل إلى حد الاعتقال، وإن حصل الاعتقال خلال الحرب على العراق بعد احتلال صدام حسين للكويت في مطلع عام 1991.. فقد خضت في حينها صراعا مريرا مع وزارة الداخلية، سببه قرار اتخذه وزير الداخلية بترحيلي عن بريطانيا في غضون أسبوعين… وصدر هذا القرار رغم معرفة الوزارة بأنني لا أملك أي جواز أو وثيقة ســـفر من أي نوع، بعدما قرر وزير داخلية بلدي سحب جواز سفري (سحب قبل قرار الترحيل البريطاني بحوالي خمس سنوات). حصل هذا الفصل وعندي طفلـــة تبلغ من العمر عامين ونصف العام وامرأتي حامل في شهرها الأخير، وكنت على التو قد اشتريت منزلا.. وحتى لا تحملكم الظنون بعيدا فأنا لست بالثري لا في حينها ولا حتى الآن، فثمن البيت كان قرضا من البنك، كما هو حال كل أصحاب البيوت في بريطانيا، ويدفع على اقساط شهرية تستمر لمدة خمسة وعشرين عاما.
أعود إلى المراسلات، فالصراع مع وزارة الداخلية كان عبر رسائلها الرسمية، يبعثون برسالة فأرد عليهم بمثلها وهكذا. وكل رسالة من الداخلية البريطانية، كانت تحمل بين طياتها رفضا لمحاولاتي بإقناع المسؤولين بالتراجع عن قراراهم والسماح لي وعائلتي بالبقاء.. طبعا فقــــد خلقـــت هذه التجربة عندي ما يمكن أن أطلق عليه «عقدة الرسائل الرسمية». وأعتقد أنني لست الوحيد الذي يعاني من هذه العقدة. طبعا، خلفياتنا الشرق أوسطية والدول البوليسية التي عشنا فيها في منطقتنا وزوار الفجر، جعلت هذه المخاوف والعقد أضعاف أضعاف. فأنا، وربما مثلي ملايين العرب يشعرون بالرهبة من أي شيء رسمي في بلدانهم لأنه لا يحمل إلا المصائب والكوارث، والرهبة من الأوراق الرسمية مضاعفة بسبب تراكمات ومخلفات الماضي.
استمرت المراسلات وكأنها مراسلات سير مكماهون مطلع القرن الماضي، لأشهر إلى أن أنقذني صديق عزيز، أطال الله في عمره وطيب الله ذكراه، بالتوسط لي في عمل مع إحدى السفارات العربية في لندن، لأتخلص من مشاكل الإقامة وملاحقات وزارة الداخلية. لم تتوقف القشعريرة ولم تهدأ الأعصاب ولم تنقشع الرهبة إلا عندما فتحت الظرف وفضضت الرسالة وبدأت بقراءتها..
عندئذ فقط أحسست بالراحة والخجل أيضا… لأن الرسالة ذكرتني بان ابني على أبواب مغادرة المراهقة، والدخول في مرحلة البلوغ العقلي النسبي من دون أي مشاكل تذكر من مشاكل المراهقين في عصره، فهي عديدة ومتنوعة… وهذا إنجاز لا يستهان به على الإطلاق وأحمد الله عليه.
وشعرت بالخجل لأن مضمون الرسالة كان غير متوقع لعربي مثلي غادر المنطقة لغرض الدراسة وانتهز الفرصة ليبقى بعيدا، بعد رفض تجديد جواز سفره وهو شاب في العشرينات من العمر، وبقي من دون وثيقة سفر لأكثر من 14 عاما، لا لشيء بل عقابا له لنشاطه الطلابي/ السياسي في حينه، وكأن شابا مثلي قادر على تحريك قشة في هذا البلد او ذاك.
ما علينا.. نعود إلى الرسالة.. فهي مرسلة من عضو مجلس العموم العمالي عن دائرتنا الانتخابية، لا لدعوة ابني مباشرة إلى منحه صوته في الانتخابات، بل ليهنئه ويتمنى له عيد ميلاد سعيد ببلوغه الثامنة عشرة من العمر، وهو العمر الذي يمنح صاحبه حق الاقتراع. هذه الرسالة والآلاف المؤلفة مثلها أرسلت بالتأكيد لمن هم في عمر ابني.. تحمل 3 رسائل.. الأولى إشعار هذا الشاب اليانع الذي لتوه بدأ يتحسس طريقه سياسيا أو غير ذلك، بأهميته كشخص وعضو في المجتمع. والرسالة الثانية هي دفع هذا الشاب، وغيره، لأن يكون عنصرا فعالا وإشعاره بأهمية صوته، وأنه مسموع ويمكن أن يساعد في التغيير وأن ينخرط في الحياة السياسية البريطانية.. طبعا الرسالة الثالثة هي محاولة من هذا النائب استمالته نحو حزبه وربما ليكون عضوا فاعلا فيه.
هذا النائب لم ينصب خيمة ولم يذبح الذبائح ولم يوزع السكر والزيت على أبناء دائرته الانتخابية، كي يحظى بأصواتهم، كما يحصل في الانتخابات «الديمقراطية في بلداننا» ولم يعد المئات وربما الآلاف، بالوظائف والمستقبل الباهر، إذا ما منحوه أصواتهم، إنما ما فعله هذا النائب هو غرز روح الديمقراطية في هذا الشاب.. الديمقراطية الحقيقية بعيدا عن العشائرية والعائلية والقبلية وبعيدا عن الرشوة والوعو د الفارغة التي تذوب مع إعلان النتائج وفوز هذا النائب.. والتنكر لكل الوعود التي قطعها على نفسه.
عانيت وربما يمكن أن أقول إنني ناضلت حتى حصلت على حقي في الانتخاب ومواظب عليه، فمنذ أن حصلت على الجنسية البريطانية، وأنا لا أضيع أي فرصة انتخابية بلدية كانت أم تشريعية لأمارس هذا الحق، ولأكرس روح الديمقراطية في أبنائي.. لم ولن أضيع مثل هذا الحق الثمين ولن أفرط فيه مهما كانت الأسباب… كيف يمكن أن أفرط بمثل هذا الحق وهو حق يشعرني بقوتي كإنسان.. حق يشعرني بوجودي وكينونتي.. حق يشعرني بأهميتي كفرد من أفراد هذا المجتمع الذي اخترت أو فرضت الظروف أن عيش فيه، وأنا لست نادما، بل أنا سعيد بما آلت إليه الأمور.
بأصواتنا نحن، الفلسطينيين والعرب وفي الإطار الأكبر كمسلمين، يمكن أن نضــمن وصول نواب يمثلونا تمثيلا حقيـــقيا إلى مجلـــس العموم.
ورغم الحقوق التي منحتنا إياها الجنسية البريطانية التي حصلت عليها بعد مخاض عسير دام أكثر من 27 عاما من العيش في بريطانيا، ومن بعدها جواز السفر، فإن هذا الجواز يشفع لي في أي مطار من مطارات العالم، وأعامل باحترام فيها، ولكنه لا يشفع لي في المطارات العربية.. صحيح أن الجواز البريطاني يمكن أن يكون قد غطى على ديني ومذهبي وطائفتي التي لا يشار إليها فيه، كما هو الحال في وثائق السفر في منطقتنا، ولكنه لم ينجح في تغيير سحنتي العربية فبقيت هذه وصمة أدفع ثمنها كلما حاولت المرور عبر أحد المطارات العربية.. رغم أن البريطاني الذي يحمل الوثيقة نفسها يمر وضابط الجوازات يستقبله وهو قادم ببسمة عريضة وتمنيات بقضاء إقامة طيبة… ويودعه مغادرا أيضا ببسمة عريضة وتمنيات برحلة مريحة وسفر آمن. اما مع العبد الفقير وأكيد مع الكثير غيري، فهو يستقبلني قادما.. بـ»قف جانبا».. وقف جانبا حتى وأنا مغادر.
والشيء بالشيء يذكر فإسرائيل التي تتباهى بـ»ديمقراطيتها الوحيدة في الشرق الأوسط».. فهي ديمقراطية فقط لمواطنيها من اليهود، وتتحول إلى دولة رجعية وقمعية مع مواطنيها من العرب وهي بذلك عكس أنظمتنا العربية التي تتعامل بديمقراطية وحنيّة وقفازات حريرية مع الأجانب ومن بينهم الاسرائيليون، وقمعية وعنفية وقبضة حديدية مع مواطنيها..
الديمقراطية حق لا يتمنن عليكم به هذا النظام أو ذاك.. هو حق لا يؤخذ بالتمني وإنما تؤخذ الحقوق غلابا.
٭ كاتب فلسطيني من أسرة «القدس العربي»
علي الصالح
بأدب جم أرجو أن يسمح لي السيد علي الصالح بأن اختلف مع ما ذهب إليه من مدح لديمقراطية وستمنستر، فالحقيقة المرة تقول بأن أغلب الشعب البريطاني مضلل ولا يعلم ما يـُـحاك ويـُـدبر له بليل من قبل Globalists اي العالميين الذين يسيطرون علي ساسة أوروبا وأمريكا. وكدليل علي ذلك سخر ال Globalists من سذاجة الشعب البريطاني وشبهوه، في غلاف مجلة الإكنومست الذي صدر في ديسمبر ٢٠١٤، ب Alice in Wonderland أي الطفلة أليس في بلاد العجائب. راجع: https://www.youtube.com/watch?v=ey85DyYVifk
هذا العدد، الذى حمل عنوان The World in 2015 أي العالم في عام ٢٠١٥، ممتلئ برسوم مشفرة تنذر من ألقي السمع وأستعمل عقله بما يخبئه جراب ال Globalists من ويل وثبور لجماهير العالم التي يحتقرونها لأنها من وجه نظرهم لا تستخدم عقولها. ففي الغلاف إستخدمت مجلة الإكنومست هيئة المسيرة التي جرت في باريس بعد احداث شارلي ايبدو ﴿قبل وقوعها في ٧ يناير ٢٠١٥﴾ لتسخر من عقولنا بإحتواء غلافها علي شارة اليد التي رفعها الجاني بعد إرتكابه للجريمة، راجع دقيقة 3 من مقطع هذا الفيديو:
https://www.youtube.com/watch?v=5oyXjzkXhtk
أيضاً راجع تحليل الرموز اللئيمة الواردة في غلاف هذه المجلة (التي يفترض أنها إقتصادية محترمة) علي الرابط التالي The ‘Surreal & Sinister’ World In 2015 (According To The Economist) ﴿ركز علي الإنفجار النووي، العين علي فلسطين، الطفل الذي يتناول طعاما ملوثاً بمبيدات من طائرة رش، الذعر القادم من البنك الاحتياطي الفيدرالي الامريكي “Panic” & “Federal Reserve”، أيضاً عبث دمية ال Globalists المسماة داعش﴾.
http://www.zerohedge.com/news/2015-01-10/surreal-sinister-world-2015-according-economist
إن ما يعده شيطاين ال Globalists للشعب البريطاني وبقية شعوب العالم هو دكتاتورية صهيونية نازية ﴿يسمونها scientific dictatorship أي دكتاتورية علمية﴾ تفترض أن نستمتع نحن الجهلاء في نظرهم بعبودية لا يقبل بها احد. راجع في مقطع الفيديو أدناه (بدئاً بدقيقة 4) ما قال منظر ال Globalists الهالك Aldous Huxley في محاضرة القاها في جامعة بريكلي في عام ١٩٦٢:
https://www.youtube.com/watch?v=5RX-iUfPJ9I
ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين.