بعجز قياسي وصل إلى 55 مليار جنيه أسوأ موازنة في تاريخ السودان

حجم الخط
0

الخرطوم ـ «القدس العربي»: في آخر يوم من العام الماضي أجاز البرلمان بالأغلبية، مشروع الموازنة العامة للدولة للعام 2018 واعتبر العديد من الخبراء أنها أسوأ موازنة في تاريخ البلاد.
واكتفى النواب، قبل إجازته بالأغلبية، بإجراء تعديلات بسيطة على مشروع الموازنة تمثلت في تعديل ينص على إلغاء ضريبة القيمة المضافة على سلع الأرز، والعدس، والفول والخميرة.
ويقول الخبير الاقتصادي خالد التيجاني إن إعداد مشروع الموازنة لهذا العام شابه الكثير من الخلل الفني والمهني مما هو معروف في إعداد الموازنات. ويورد بعض الأرقام التي يؤكد بها وجهة نظره ويرى أن العجز وصل إلى 55 مليار جنيه وهو حجم قياسي لعجز الموازنة بزيادة 289 في المئة. وفي إشارة إلى ما حدث من تخفيض قيمة الجنيه السوداني مقابل الدولار يقول إن ما تم يعد تمهيداً للتعويم الكامل وذلك بعد تخفيض قيمة الجنيه بنسبة 260 في المئة.
ويرى أن موازنة العام الحالي فيها إشارات سالبة وتضخيم غير مسبوق في حجمها ويفسر ذلك بارتفاع الانفاق العام بنسبة 88 في المئة، وزيادة الإيرادات 51 في المئة، ويشير إلى أن الصحة والتعليم في ذيل الأولويات بنسبة إنفاق 5،6 فقط من الموازنة. ومن الأرقام المزعجة حسب التيجاني، ارتفاع الإنفاق العام من 92 مليار جنيه حسب موازنة العام الماضي إلى 173 مليار جنيه بزيادة 81 مليار جنيه بمعدل نسبة قياسية بلغت 88 في المئة، ومقارنة بما تم في موازنات الأعوام الأربعة الماضية يجد خالد التيجاني أن معدل التغيير يتراوح بين 10و12 في المئة.
وينتقد عدم إتاحة الفرصة كاملة للنقاش حول الموازنة بدءا من تأخير إيداعها البرلمان قبل أيام معدودات من نهاية العام، مرورا بحشد السلطة كوادرها للدفاع عنها في وسائط الإعلام الرسمية ختاما بإلزام نواب الحزب الحاكم على تمريرها وعدم انتقادها.
وسبق إجازة الموازنة تعديل سعر صرف العملة الوطنية أمام الدولار من 6.9 إلى 18 جنيها وذلك امتثالا لتوجيهات صندوق النقد والبنك الدوليين حسب العديد من الخبراء، ويشكل هذا السعر قفزة للموازنة بالعملة المحلية إلى 173مليار جنيه وخفضها بالدولار إلى 9 مليار دولار حسب سعر الصرف الجديد.
ورفع سعر الجنيه أمام الدولار يلقي بآثار كارثية على المواطن حيث يتسبب في ارتفاع أسعار كل السلع بصورة كبيرة، فعلى سبيل المثال فإن أسعار الخبز سترتفع بنسبة 50 في المئة على الأقل. وحسب المتابعين لهذا الملف فإن سعر قطعة الخبز سترتفع إلى جنيه بدلا من قطعتين مع تقليل حجم القطعة بشكل كبير!
واجيزت الموازنة بعجز يبلغ 28 مليار جنيه لكن العجز الحقيقي الذي رصده الخبراء يبلغ 55 مليارا، وتستهدف الموازنة معدل تضخم 19 في المئة والمعدل الحالي يبلغ 34 في المئة وتستهدف معدل نمو يبلغ 4 في المئة وتم رصد 18مليار جنيه للتنمية (مليار دولار) أقل من 15في المئة.
ويقول المحلل الاقتصادي محمد الناير محمد النور، إن موازنة هذا العام لم تعمل بمبدأ الموازنة الشاملة، ويرى أن السياسات المتبعة لا تساهم في الاستقرار الاقتصادي وفيها العديد من التناقضات ولا تشجع الإنتاج والإنتاجية.
وأشار إلى تخبط سياسات البنك المركزي الأخيرة وتأثيرها على المصدرين والموردين وتوقع أن يعمل السوق الموازي في الخفاء مما يخلق إشكالية حقيقية في توفير النقد الأجنبي. وأضاف: «عندما تُقبل الدولة على مواجهة السوق الموازي يجب أن تكون مستعدة لذلك من خلال مخزون كاف ومصادر تمويل حقيقية».
واعتبر الناير أن سياسات الدولة لتغطية العجز في الميزان التجاري غير مجدية مع وجود سياسات ناجحة كان يمكن اتباعها مثل تحفيز المغتربين بشكل مجز وحقيقي لتوفير 8 مليار دولار وإنشاء بورصة للذهب توفر 4 مليار دولار وبذلك يمكن توفير 12مليارا في حين أن العجز يبلغ 4 مليارات دولار.
ووضع بعض الإجراءات التي في إمكانها إعادة الاستقرار الاقتصادي ومن بينها ترشيد الإنفاق العام فعليا والقضاء على الفساد بأشكاله المختلفة بما في ذلك البيروقراطية والعقبات التي تكبل وتعيق الاستثمار.
ويرى الصحافي والمحلل الدكتور أنور شمبال، أن موازنة العام الحالي «غير واقعية وبنيت على فلسفة سياسية بحتة، في ظاهرها استجابة لمخرجات الحوار الوطني الذي تعتبره حكومة الانقاذ البوابة التي تخرجها إلى الانفتاح العالمي والاندماج مع الاقتصاديات العالمية، ومع أمريكا بالتحديد».
وعملياً يقول إن ما تم هو تطبيق لتوصيات صندوق الدولي، واستجابة لضغط قوة جديدة لربما يكون لها شأن ودور أساسي في مجريات الأحداث في مقبل الأيام، وهي قوة المستحوذين على (80 في المئة) من ثروات السودان والذين يمثلون (0،5 في المئة) من تعداد السكان البالغ (39) مليون نسمة، التي تتمركز (70 في المئة) من أنشطتهم في ولاية الخرطوم، «والشاهد على ذلك أن كل الحيثيات التي بنيت عليها الموازنة من الاهتمام بالمعيشة، ودعم الإنتاج والإنتاجية، في وادي وواقع الحياة في واد آخر وهناك غلاء طاحن وارتفاع في كل السلع والخدمات بلا استثناء». ووصف شمبال سوء الموازنة في ما اعتبره عجز وزير المالية عن الدفاع عن الموازنة التي قدمها مما اضطره لاستخدام مفردات التهديد والعنف للرد على منتقديه، ويضيف: «كأن هذه الموازنة لم تعدها وزارته أو أنه غير ملم بها الماماً جيداً» وأشار لوجود تحفظ وحذر ممن هم تحته من البوح بأي معلومة.
ويختم حديثه بقوله: «اعتقد ان ما يقوم به بعض منتسبي المؤتمر الوطني من جمع توقيعات لإعفاء الطاقم الاقتصادي، ومنافحتهم عن حقوق المستهلك إلا محاولة للتغطية للقوة الجديدة، ومحاولة اجهاضية لأي مساع من قوى أخرى للقيام بأي منشط يرفض الاتجاه الجديد».
إجازة الموازنة صحبتها بعض الأحداث من بينها انسحاب كتلة التغيير من جلسة البرلمان واستقالة النائب من كتلة المؤتمر الوطني، الطاهر دفع الله الزاكي. وتشير ردود الأفعال إلى وجود تململ ورفض كبير لهذه الموازنة حتى من قبل بعض أفراد الحزب الحاكم. وحسب صحيفة «سودان تريبيون» فقد نشطت قطاعات مهمة في الحزب في حملة توقيعات لمخاطبة رئيس الوزراء بكري حسن صالح، ورئيس البرلمان إبراهيم أحمد عمر ونائب رئيس الحزب إبراهيم محمود، عبر مذكرات دعت فيها لتبديل مسؤولي القطاع الاقتصادي في الحكومة والحزب والبرلمان لفشلهم في معالجة الأزمة الاقتصادية وباعتبارهم المسؤولين عن حالة التردي الحالية.
ورغم الانتقاد الواسع الذي وجدته موازنة 2018 لكن الوزراء من ذوي الصلة بالفعل الاقتصادي أشادوا بها، فقد وصفها وزير المالية محمد عثمان الركابي في المؤتمر الصحافي الذي أُعلنت فيه، أنها «منحازة للشرائح الضعيفة في المجتمع، إضافة للقطاع الخاص».
وأشار الوزير إلى أن الموازنة اشتملت على إلغاء كافة الرسوم الجمركية المفروضة على مدخلات الإنتاج وإلغاء ضريبة التنمية والرسم الإضافي، وإعفاء السكر المحلي من رسوم الإنتاج وكذلك عدد من السلع الغذائية الأساسية من بينها الفول، والعدس، والأرز، وخميرة الخبز.
وأوضح حاتم السر وزير التجارة الخارجية أن الموازنة هدفت لمعالجة الدين الخارجي وطالب بتنفيذ القرارات الخاصة بخروج الشركات الحكومية من العمل التجاري وإفساح المجال بالكامل للقطاع الخاص.
واستبق حزب المؤتمر السوداني المعارض، الموازنة الجديدة بدعوته لحملة جماهيرية واسعة تجعل الدولة تتحمل مسؤولياتها في توفير العيش الكريم لكافة مواطني ومواطنات البلاد. وتهدف الحملة التي أطلق عليها «حقنا كاملا» لرفع الحد الأدنى للأجور في القطاعين العام والخاص إلى 4250 جنيه، وإنشاء شبكة ضمان اجتماعي تغطي كافة مواطني البلاد وتشمل القطاع غير المنظم ممن لا يتوافر عملهم على أجر شهري.

بعجز قياسي وصل إلى 55 مليار جنيه أسوأ موازنة في تاريخ السودان

صلاح الدين مصطفى

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية