الناصرة – «القدس العربي» : يعتبر باحثون فلسطينيون أن كتاب الباحث اليهودي يهودا شنهاف عن اليهود الشرقيين يعبر عن تيار ثوري في نقد الصهيونية، ويقدم قراءة مختلفة لتجربتهم وموقعهم من المشروع الصهيوني وعلاقتهم معه. ويرون في هذا التيار وإن كان صغيرا بالمعنى السياسي، إلا أن أهميته بالمعنى الثقافي والمعرفي.
جاء ذلك في ندوة للمركز الفلسطيني للشؤون الإسرائيلية «مدار» بمشاركة الكاتب أكرم مسلم، استاذ العلوم الاجتماعية في جامعة بيرزيت والدكتور سليم تماري، واستاذ الفلسفة والدراسات الثقافية فيها الدكتور عبد الرحيم الشيخ.
يشار إلى أن شنهاف أستاذ علم الاجتماع في جامعة تل أبيب أكد في كتابه الجديد المترجم من قبل مدار للعربية «اليهود العرب: قراءة ما بعد كولونيالية في القومية والديانة والاثنية «أن إسرائيل تعمل على تطهير اليهود الشرقيين من عروبتهم بشكل منهجي وأن اللغة العربية لغة الأم لديهم تتعرض أيضا لـ «تطهير عرقي» منهجي. ويعتبر تماري أن الكتاب على درجة كبيرة من الأهمية، ما عزاه إلى عدة عوامل، من ضمنها أنه يمثل رحلة في السيرة الذاتية لليهود العرب ولجوانب حاولت الحركة الصهيونية طمسها فيما يتصل بالشق العروبي لليهود.
وذكر أن الكتاب يتضمن بعدا جديدا حول اليهود الشرقيين، وعلاقتهم بالحركة الصهيونية، موضحا أن مصطلح «الشرقيين» حديث، وهو عبارة عن كلمة اثنية سوسيولوجية. ورأى أن شنهاف ومعه بعض الكتاب والمثقفين الإسرائيليين الآخرين على قلتهم، يطرحون عبر تركيزهم على ما يعرف بـ «تطهير اليهودي العربي من عروبته» فكرا ثوريا غير مقبول سواء من اليهود أو العرب، مبينا أن الفكرة المتصلة بعروبة اليهود العرب تحاول استعادة ماض تم القضاء عليه من قبل الحركة الصهيونية.
وقدم تماري نقاشا لمفهوم اليهود العرب، وما يعتريه من التباسات، وما يحمله من تناقضات، واضعا إياه في سياقه التاريخي ابتداء من الحقبة العثمانية مرورا بأحداث البراق والخليل ويافا أواخر العشرينيات، وصولا إلى ما بعد قيام إسرائيل. وركز على تجربة القاص اليهودي الفلسطيني اسحق شامي، اليهودي الخليلي، الذي كتب بالعربية، وكتب أيضا بعبرية حديثة ارادت ان تتحرر من هيمنة العبرية القديمة في تحد للطابع الديني لها، ان التطورات الميدانية الناجمة عن الهجرة والصهيونية لم تترك لليهود في فلسطين خيارات رغم انهم في معظمهم اعتبروا الصهيونية مشكلة لهم، أولا لأنها تعمق مشاكلهم مع المجتمع المحلي، إلى جانب ما تحمله من أفكار بعيدا عن عالمهم المتدين.
واعتبر تماري أن اليهود العرب ضموا ايضا تيارا صهيونيا منذ وقت مبكر عكس الانطباع بأن الصهيونية مشروع اشكنازي غربي، ومنهم من أراد تحقيق كيان يهودي عبر الدولة العثمانية. وفي السياق ذاته، قال في مداخلته، إن الكتاب يشتمل على مضأمين نقدية مهمة للمشروع الصهيوني، وتعبر عن تيار يستحق التشجيع، الأمر الذي لا يعني عدم وجود انتقادات وتساؤلات حول مضأمين الطروحات.
وتابع «في الحديث عن منهج الكتاب اعتبر الشيخ تطبيق شنهاف لمعايير النظرية ما بعد الكولونيالية تطبيقا غير دقيق، إلى جانب ما اعتبره توظيفا خاطئا لمنجزات ميشيل فوكو ورولان بارت وديفيد هارفي وأوري يفتاحئيل وإيلا شوحاط، وتجاهلا لكافة أعمال جيل أنيجار التي وضعت مسألة اليهودي العربي في سياقها النظري، والسياسي، والثقافي، والتاريخي الصحيح. «
وركز على إشكالية اعتبار أن بداية مسألة اليهود العرب تتمثل بوصول المبشرين الصهاينة إلى عبدان الإيرانية بالشراكة مع الاستعمار البريطاني عام 1948، معتبرا مسألة اليهود العرب تعود إلى 500 سنة للوراء، بالخروج من الاندلس» .
سياسيا وربما هذا الأهم اعتبر الشيخ أن انتقادات الكثيرين ضمن هذا التيار، ومن بين اليهود العرب والاشكناز ايضا، لا تترجم إلى سلوك سياسي يصل بالأمور إلى نهاياتها، إذ ينحاز هؤلاء في النهاية للحاضنة القومية في كيان استعماري، بدل تبني تغيير الواقع الاستعماري، وصياغة بديل ميثاقي فلسطيني يشكل حاضنة لكل المواطنين. وتساءل الشيخ في هذا الإطار: لماذا لا نستعيد المكوِّن اليهودي في الثقافة العربية، والمكوِّن اليهودي في الثقافة الفلسطينية؟ لماذا نسلم به للصهيونية؟ ولماذا لا تكون العبرية لغة محلية فلسطينية حالها حال العربية والأوغاريتية والآرامية؟ لماذا نسلّم بها كلغة صهيونية؟.
وديع عواودة