بعد وزير العدل المصري الكاتبة لميس جابر ترفض أن يصبح ابن زبال قاضياً وتقبل فوز راقصة في ديمقراطية السيسي «المخلّص»

حجم الخط
0

باريس – «القدس العربي» : كان يمكن للمرء أن يهمل تلك المقابلة التلفزيونية الكارثية مع كاتبة السيناريو المصرية لميس جابر لولا أنها جاءت محمولة على أمرين؛ الأول تقديم المذيع ممتاز القط لها، في برنامجه الحواري على قناة «العاصمة» المصرية، على أنها هديته و»عيديته» الخاصة للمصريين لمناسبة عيد الأضحى، ومن جهة ثانية بسبب ذلك المقطع الذي تداوله المصريون في فيديو خاص به على «يوتيوب» وجاء ليذكّر المصريين بتصريح شهير لوزير العدل المصري السابق، حين قال إنه لا يحق لابن عامل تنظيفات أن يصبح قاضياً، لأن للقضاء هيبته وشموخه، على ما قال الوزير في أيار/مايو الماضي، وأثار موجة من السخط والغضب أفضت في النهاية إلى استقالته.
جابر، التي قدمها البرنامج، كما لو أنها سياسية بارعة أو زعيمة حزب سياسي، ذكّرت بالواقعة، وقالت «ابن الزبال مش ح يبقى قاضي»، واعتبرت أن هنالك لدى الناس قدرات هي ما يجعلهم في هذا المكان أو ذاك. وأضافت الكاتبة «من قال إن طموح الزبال أن يكون قاضياً! وهناك زبالون مليونيرية! وهؤلاء لا يشكل السلك القضائي لهم طموحاً. ليكسب ابن الزبال أكثر عليه أن يتبع مهنة أبيه».
لكنها في موقع آخر من المقابلة، وفي سبيل تمرير آراء سياسية مغرضة تروج لـ «الحزب الوطني»، حزب حسني مبارك المنحل، ورجله أحمد عز، الذي تمنت له أن يعود للانتخابات، تعود إلى مصر في أول عهودها السياسية أوائل القرن العشرين فتستعيد مقولة لسعد زغلول حول أن الديمقراطية تقتضي قبول أن ينتصر طباخ في الانتخابات على صاحب الدولة. بل وتضيف أن ليس لديها مشكلة في فوز رقاصة في لعبة الديمقراطية. هذا على الرغم من تأييدها لمقولة عمر سليمان بخصوص أن «مصر غير مؤهلة للديمقراطية».
تطبّل جابر لعدالة الديمقراطية حين يتعلق الأمر برجال «الحزب الوطني» الفاسدين وإعادة تلميعهم وتأهيلهم، وتنكر عدالة العلم التي يمكن أن توصل ابن زبال إلى سلك القضاء. وهنا، في معرض دفاعها عن «الحزب الوطني»، تقول جابر «هل يعقل أن يكون هناك خمسة ملايين فاسد؟»، وهي تقصد بالطبع تعداد الحزب الوطني، ومن ينكر الخراب الذي أحاط ويحيط بمصر لعقود مضت لا بد سينكر وجود الفاسدين.
وبداهة فإن الدفاع عن «الحزب الوطني» بشراسة لا بد سيأخذها بسهولة للدفاع عن حسني مبارك، هذا الذي اعتبرت أن إدخاله السجن إساءة لهيبة مصر.
يبدو بوضوح أن جابر ترى عهود مصر السابقة لثورة يناير من منظارها الخاص جداً، فهي تعتبر أن الكلام عن القمع في مصر باطل، هي التي كانت تكتب طوال إحدى عشرة سنة مضت من دون أن يسائلها أحد، علماً أنها كانت تكتب «جامد جداً» على حد زعمها.
لكن يبدو أن لميس جابر، الأديبة وكاتبة السيناريو والصحافية والسياسية أخيراً، جعلت لمقابلتها هدفاً تمهد وتركض إليه بقوة؛ وهو مديحها الاستثنائي للسيسي حين تقول «شبهوا السيسي بعبد الناصر وهذه «خيابة» سياسية، فعبد الناصر لم يكتسب شعبية إلا بعد العام 1956، أما المشير عبد الفتاح السيسي فقد اكتسب شعبية كاسحة حتى قبل أن يكون رئيساً». وتضيف «هو بالنسبة لنا المخلّص».
وختمت بكلام هو في جوهره تمجيد للديكتاتورية، واتهام للمصريين بعبادة الديكتاتور، ولو أنها ترى في ذلك أمراً إيجابياً، تقول «الشعب المصري لازم يلتف حول زعيم، ما تقولش ديمقراطية، مصر هي وحاكمها حاجة واحدة». ثم تسخر جابر من مطالب ثورة 25 يناير التي نادت بأنها تريد رئيساً موظفاً عند الشـعب، مطالبة بالنظر إلى خصوصية الشعب المصري. أي خصوصية التحـام الشـعب مع الحـاكم.
تظل الديمقراطية كلمة براقة بالنسبة للكـاتبة التلفزيونية، ولكن فقط من أجل أن تطوب عبد الفتاح السيسي إلى الأبد، ومن أجـل اسـتعادة خمـسة مـلايين من فلول مبارك إلى الحياة العامة، وإطلاق يد أمثال أحمد عز، وليس من أجل الخصوم حين يفوزون في انتخابات نزيهة، فإذا شكل السلفيون أكثرية أو أغلبية في الانتخابات البرلمانية يجب عندها أن يحل البرلمان كما تقول. حينها لن تكون الديمقراطية على مقاسنا.
ديمقراطية لميس جابر، ستقتصر على الفلول، أما ابن عامل التنظيفات، فحتى لو خرج من جلده، لن يستطيع إلا أن يكون عامل تنظيفات آخر، وهكذا، آلى أبد الآبدين.

راشد عيسى

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية