بلا دهشة !

لم يدهشني قول أحد أساتذة الأزهر أن نكاح الزوج لزوجته الميتة شرعي وأمر حلال. فهو لم يكن الأول ولن يكون الأخير. ورغم أن الأزهر أحاله للتحقيق فالباب مفتوح لغيره. الأمر نفسه في ما قالته أستاذة الأزهر سعاد صالح، وهي تستنكر ذلك بأن بعض الفقهاء قالوا بشرعية نكاح البهائم! بدون أن تسأل نفسها هل إذا قالوا ذلك أقوله أنا؟ وهي أيضا لن تكون الأخيرة. باختصار أرى أن كل ما يقال عن ضرورة تجديدx الفكر الديني أمر عبثي وفخ نصب للمجددين أو راغبي التجديد.
التجديد لأي فكر لا يحدث في بلد يحكمه نظام شمولي لا يعترف بالديمقراطية ولا الليبرالية ولا حرية الآخرين، في انتقاد أعمال السلطة. نظام يخلط بين السلطة الزائلة مهما طالت والدولة الباقية مهما خربت. الدولة هي الشعب والأرض والسلطة. الباقي منها دائما هو الأرض والشعب لكن السلطة تتغير. الخلط بين الدولة والسلطة في الخطاب السياسي، عمل النظم الشمولية، أي الديكتاتورية بلا مواربة. هذه النظم أخذت درس التاريخ فهي تفسح المجال لحرية الرأي حقا، لكن في حدود لا تؤثر فيها، وإذا تجاوز معارض أو كاتب أو سياسي هذه الحدود تنتقل على الفور من موقع السلطة إلى موقع الدولة، ويصبح المعارض مخربا للدولة التي هو فرد في شعبها، ويعيش على أرضها ويُتَهم بأنه يريد إسقاط الدول لا السلطة! رغم أن إسقاط السلطة عمل سياسي سلمي وطبيعي، وبدونه ستسقط السلطة أيضا مع الزمن لأسباب ليس أولها الثورة ولا آخرها الحرب. مثل هذه السلطة ـ كدت أقول الدولة من فرط ما سمعت المصطلح ـ لا يهمها من رجال الدين إلا شيئا واحدا وهو أن يعلنوا أن الخروج على الحاكم حرام. غير ذلك فمهما فعلوا لا تتدخل ولا تناصر المجددين. يتحول الأمر كله إلى تسلية في الصحف وتسلية كبرى في مواقع الفضاء الافتراضي، وهي تسلية حلوة على أي حال ولست ضدها ويأتي مفعولها مع الزمن، لكن سرعان ما تنتهي لندخل في تسلية أخرى، ويبدو الأمر على حقيقته لا ينتهي.
في الكتاب العظيم «تقويم النيل» لأمين سامي باشا وهو حوليات الحياة السياسية والاجتماعية منذ العصور الوسطى في شكل رسائل ومراسيم وأحداث، قرأت رسالة من حكمدار البلاد إلى الخديوي سعيد – تولى الحكم عام 1854 من فضلك – يقول له فيها إنه في القرى والمدن شيوخ يفتون في الدين والحياة بينما هناك مفت معتمد للديارالمصرية، ومن ثم يطلب منه التصريح بمنع هؤلاء من الفتوى حتي لا تتشتت البلاد. أنظر إلى ذلك الوقت، وانظر إلى ما نحن فيه الآن. طبعا في ذلك الوقت كانت مصر تنهض وتتقدم بالبعثات والانفتاح على أوروبا وتتقدم إلي الليبرالية شيئا فشيئا وتخرج من ثوب الدولة المركزية الذي عاد إليها عام 1952. الآن صار لنا كشك فتوى في كل محطة مترو!
منذ السبعينيات امتلأت الشاشات برجال الفتوى والحديث في الدين. وأقام رجال الدين حاجزا حولهم بأنهم هم علماء الدين ولا يتكلم في الدين غيرهم، رغم أن الحديث في الدين من أعمال العقل الذي هو قسمة بين الناس. وعانت مصر مع انتشار الفضائيات في عصر مبارك وحين وقعت الواقعة بين الشعب وجماعة الإخوان، وجاءت سلطة جديدة أغلقت بث معظم هذه القنوات، لكن هل ما بقي يختلف؟ لا. وعلى رأس ذلك إذاعة القرآن الكريم التي تذيع كل غريب في الدين. لقد فاز النظام الجديد بما يريد من رجال الدين، وهو تحريم الخروج عليه – وهو أمر تاريخي بالمناسبة ليس جديدا- ونسمع ذلك كل يوم لذلك ليس غريبا أن يطمئنوا. هذا الاطمئنان بين الجانبين، الأزهر والسلطة، يفتح الباب لأي كلام لهواة التغييب العقلي! ليس معنى أن فقهاء قدامى قالوا بنكاح الموتى أو البهائم أن أقول أنا. هؤلاء القدماء لا يختلف عنهم الحاضرون الذين صدعونا بالإجابات عن هل ترسل المرأة ثيابها إلى المكوجي؟ وهل يجوز لها أن تتعطر؟ أحدهم قال بتحريم العطرعلى الجسد لكن «إذا كنت مزنوقة يعني حطي العطر على الهدوم وبلاش على جسمِك. على جسمك حطي مزيل عرق بس». ولم يكن لائقا في دار الإفتاء أبدا أن تفتي يوما بأن غرقى زوارق المهاجرين غير الشرعيين إلى أوروبا غير شهداء، في وقت تتقطع فيه أكباد أهلهم عليهم. لم توجد حتى كياسة روحية، فلا يجيب المفتي لا بالشهادة ولا بغيرها ويحيل الأمر إلى الله. وأحد معاوني شيخ الأزهر وهو بالمناسبة شاب مفتول العضلات يرتدي ملابس ضيقة جدا لا تناسب رجل دين وهو حر، لكن هو لا يجد إلا العلمانية ليؤكد بها أفضلية الإسلام، ولا يرى في العلمانية غير إنها تبيح الشذوذ وزواج الشواذ، بل يزيد وضرب المرأة أكثر مما هو مفروض من ضربها في الإسلام. طبعا حضرته لم يسافر إلى أوروبا مثلا ويشوف ضرب المرأة دا يودي صاحبه فين. لا يعرف أن التحرش جريمة كبرى فما بالك بالضرب. أما الشواذ فهم في كل الدنيا ولم يحدثنا مثلا عن هواية الغلمان عند الكبار في بعض دول الإسلام وتاريخها.
الآن رغم غلق كثير جدا من الفضائيات التافهة، لكن ليس المهم عدد الفضائيات. المهم أن الفكر لا يتحرك عن خرافات السلف وإنه وقد تقابلت السلطة مع رجال الدين في عدم الخروج على الحاكم والتفسير الديني لأعمال السطة، فلهم قذفنا بكل ما هو شاذ عن العقل البشري، وكل ما هو تافه في الكتب القديمة. لم لا؟ إنها كتب السلف المقدسة، التي لا أعرف من أين تأتي قداستها وقد كتبها بشر مثلنا في عصر غير عصرنا، ولا نعرف كيف كانوا يعيشون ولا أي نوع من الطعام والشراب كانوا يتعاطون.
روائي مصري

بلا دهشة !

إبراهيم عبد المجيد

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية