القاهرة – «القدس العربي»: نظمت مكتبة الإسكندرية بالتعاون مع مركز الدراسات والوثائق الاقتصادية القانونية والاجتماعية، والمركز الثقافي الفرنسي، والمركز الوطني الفرنسي للبحث العلمي، احتفالية تحت عنوان «الأرشيف الصحافي مع سيداج»، وهو افتتاح جزئي لمشروع بدأ في سبعينيات القرن الفائت، يقوم على تجميع أرشيف صحافي مصري يمتد من السبعينيات وحتى عام 2010، ومعالجته إلكترونياً، بحيث يصبح متاحاً على شبكة الإنترنت، فيتيح بذلك للباحثين والمهتمين بالشأن السياسي والاجتماعي والاقصادي أن يتابع التطورات التي طرأت على المجتمع المصري في تلك الفترة.
وحسب الموقع الإلكتروني للمشروع cedej.bibalex.org فقد تم توفير رصيد وثائقي يجمع ثمانمئة ألف مقالة مأخوذة من أربع وعشرين صحيفة يومية وأسبوعية مصرية وعربية، منها ثلاث عشرة صحيفة ورقية وإحدى عشرة صحيفة رقمية. وقد تم تصنيفها إلى خمسة عشر مجالاً طبقا لموضوعاتها. والذي تمت معالجته حتى الآن ما يقارب النصف مليون وثيقة.
أقيمت الاحتفالية في المركز الثقافي الفرنسي في القاهرة، حيث تم عرض فيلم قصير بعنوان «قصاصات مصرية» يستعرض فريق العمل بالمشروع، ومراحل جمع وتحضير وإعداد هذه الوثائق إلكترونياً، إضافة إلى معرض لبعض من هذه القصاصات/الوثائق، أقيم في بيت السناري في حي السيدة زينب في القاهرة.
التاريخ الاجتماعي والسياسي
تعتبر الصحف، سواء قومية أو معارضة لسان حال الشعب، وسواء اتفقت مع أهدافه أو تعارضت وسوّفت هذه الأهداف، واستعراض أرشيف كهذا يوضح العديد من السمات التي عاشتها مصر في تلك الفترة، خاصة أن الأخبار المؤرشفة لا تقتصر على موضوعات بعينها، فهناك الفن والحوادث والرياضة والمشروعات والقرارات السياسية والاقتصادية. الأمر الذي يوضح الحالة الاجتماعية أكثر والجو العام للفترة محل البحث والأرشفة. والتساؤل هنا.. هل تغيّرت المشكلات التي يُعاني منها المواطن المصري أم زادت وتفاقمت؟ وهل التطور الزمني ــ نتحدث عن أربعين عاماً مضت ــ جاء بتطور ما في حياة المصريين؟
الصراعات والمشكلات المزمنة
في نظرة سريعة إلى بعض الوثائق التي تم عرضها في المعرض نجد الظلال السياسية والاقتصادية ترسم المشكلات والعلاقات الاجتماعية. بداية من الصراعات التي تدور بين السلطات الثلاث (التنفيذية، التشريعية، والقضائية)، أو مشكلات حرية الرأي والصحافة، تلوث مياه النيل، المرأة ووضعها الاجتماعي ومشروعات التنمية الوهمية، إهمال الآثار، والعديد من القضايا.
على سبيل المثال نجد صراعات لا تنتهي بين السلطة التنفيذية، المُتمثلة في الرئيس والحكومة، وبين أحكام المحكمة الدستورية، ورغم أن السلطة التشريعية التي يمثلها مجلس الشعب كان يجدر بها الوقوف أمام القرارات الحكومية الخاطئة، إلا أنه أكثر نواب مجلس الشعب يوالونها.
من ناحية أخرى نجد التباين بين ما تنشره الصحف القومية والمعارضة، فبينما الأولى تناقش وتستعرض ــ سواء مقالات أو تحقيقات ــ الأزمات الاجتماعية، وتشير على استحياء إلى مسؤولي السلطة التنفيذية، فقط كرؤساء الأحياء أو على الأكثر أحد المحافظين، من دون التعرض للوزراء، وبالتأكيد لا أحد يمس رئيس الدولة، فالقصاصات تأتي في ما يشبه الاستغاثة بالرئيس وأصحاب القرار.
نجد أن صحف المعارضة، التي اختفى بعضها الآن كجريدة «الشعب» مثلاً، تحاول أن تستعرض أوجه الفساد الإداري والمالي في الدولة، وهنا تصل إلى انتقاد الوزراء، دون السيد الرئيس بالطبع.
هذا حال الصحف الورقية بنوعيها، بينما يصبح الأمر أكثر جدية في حال الصحف الإلكترونية، وكلما تقدّم الوقت واقترب من عام 2010.
وبمقارنة بسيطة بين ما حدث ودوّنته الصحف طوال أربعين عاما، وما يحدث الآن نجد أن الصحف القومية لم تزل على عهدها في النفاق، وأن مهمتها خلق مساحة من الدعاية لرئيس الدولة وأعماله الجليلة. قد تتغير أسماء كُتّاب المقالات ورؤساء تحرير هذه الصحف، إلا أن المنهاج واحد لا يحيدون عنه، تنميط لعقول وأقلام هؤلاء، أو أنهم على استعداد لتزييف الحقائق، حيث لم تزل الصحافة في عُرفهم مجرد التهليل للحاكم، وقد ارتبطت مصالحهم ووجودهم بوجوده.
اللهم إلابعض الأقلام القليلة التي ارتبطت بأسماء أصحابها، من دون الارتباط بجريدة معينة. الأرشيف في النهاية يمثل رؤية شبه شاملة لما حدث في مصر، ولم يزل يحدث، في ظل مشكلات متماثلة وإن اختلفت في الدرجة أو درجة وعي الناس بها، ويبدو أن المشكلة الأساس تكمن في النظام السياسي ومِن يمثلونه، وعلى رأسهم الرئيس نفسه.
محمد عبد الرحيم