للن لندن ـ «القدس العربي»: هل تستخدم روسيا الأيام الأخيرة لباراك أوباما لتوطيد حكم بشار الأسد وتوسيع المناطق التي يسيطر عليها وتقليل الخيارات أمام الرئيس الأمريكي المقبل؟ حسب محللين أمريكيين وروس يبدو أن هذا هو الخيار.
وحسب صحيفة «نيويورك تايمز» يقوم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين باستغلال الفرصة النادرة المتاحة له الآن إلى أن تدخل الادارة الجديدة البيت الأبيض في كانون الثاني/يناير 2017 حيث يتوقع أن لا يتخذ الرئيس الجديد قرارا بالتدخل في سوريا.
ونقلت الصحيفة عن نيقولاي بيتروف، الباحث السياسي في موسكو إن بوتين يبدو على عجلة من أمره، مضيفا أن الرئيس الأمريكي المقبل سيواجه حقيقة جديدة وسيجبر على القبول بها. ويؤكد كلام المحلل الروسي ما جاء في تصريحات محللين أمنيين أمريكيين أخبروا البيت الأبيض أن الهدف الروسي يقوم على تقديم المساعدة للنظام السوري والسيطرة على المدينة المركزية حلب وبعد ذلك الشروع في المحادثات السلمية من موقع قوة.
وأكد مسؤول أمريكي بارز مصداقية هذه التحليلات عندما قال للصحافيين إن الهجمات التي تشنها قوات النظام السوري بدعم من روسيا تعتبر الأكثر فتكا منذ إعلان دمشق في 19 إيلول/سبتمبر نهاية الهدنة.
بدون منطق
وظلت ملامح إدارة بوتين للملف السوري بدون منطق وعشوائية إلا أن هذا لا يعني أن الحرب لا تمثل بالنسبة له أهمية استراتيجية.
فالتدخل العسكري يمثل أهم تحرك عسكري يقوم به الكرملين منذ عقود ومنح موسكو الفرصة كي تستعرض قدراتها العسكرية.
وكان أيضا فرصة للوقوف مع حليف لها إن لم يكن الحليف الوحيد في المنطقة والقيام ببعض العمليات ضد تنظيم «الدولة» (داعش) و»جبهة النصرة».
لكن أهم ما في الحملة العسكرية الروسية هي أنها دعمت الجيش السوري الذي يعاني من ملامح ضعف وليس لديه القوة البشرية لكي يسيطر على كل المناطق التي سيطر عليها المقاتلون ولهذا بدأ بالاعتماد على حزب لله، الجماعة الشيعية الوكيلة عن إيران في لبنان بالإضافة للجماعات الشيعية من العراق وأفغانستان والحرس الثوري الإيراني. ورغم القوة الجوية الروسية التي منعت انهيار النظام إلا أنه لم يحقق إلا تقدما بسيطا بعد عام من التدخل العسكري.
ومع ذلك يحاول الروس مساعدة القوات السورية استعادة المناطق التي سيطرت عليها المعارضة في حلب الشرقية. وحالة تحقق هذا الهدف فسيكون النظام قد أحكم سيطرته على معظم التجمعات الحضرية في المدن: دمشق وحماة وحمص واللاذقية وحلب.
وحسـب السفير الأمريكي السابق في دمشق، روبرت فورد هناك احتمال أن تكون نتيجة النزاع هي حالة جمود يكون فيها النظام في وضع قوي. وقال السفير السابق «لا أعتقد أن المعارضة ستسلم وسيواصلون القتال إلا أنهم سيهمشون».
هل تفعلها كلينتون؟
وكانت هيلاري كلينتون، المرشحة الديمقراطية للرئاسة قد اقترحت عند إقامة منطقة حظر محدودة في سوريا نشر قوات أمريكية إضافية كي تقوم بتوفير الحماية لها.
ويقول مسؤولون مقربون من المرشحة الديمقراطية أنها لم تغير موقفها من مسألة الحوار. وكوزيرة للخارجية دعمت كلينتون تدريب وتسليح المعارضة السورية.
ورغم قيام إدارة أوباما الطيران لحماية مناطق في شمال سوريا يعمل منها المستشارون الأمريكيون مع المقاتلين الأكراد إلا أنها رفضت تسميتها مناطق حظر جوي.
وفي آب/أغسطس أرسلت القوات الأمريكية تحذيرات للنظام السوري عندما قام طيرانه بقصف مناطق قريبة من القوات الخاصة في شمال- شرق سوريا.
وقامت مقاتلات أف-22 بتنفيذ الرسالة عندما بدأت طلعات جوية لحماية المنطقة. وتعلق الصحيفة أن عملية سورية- روسية في حلب قد تؤدي إلى إعادة رسم الخريطة وقد تعقد أي عملية عسكرية أمريكية في سوريا.
وقال أندرو تابلر، الزميل الباحث في معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى «عبر لي المسؤولون والمثقفون الروس عن اعتقادهم باحتمال كلينتون استخدام القوة في سوريا أكثر من أوباما» و»ستؤدي السيطرة على حلب القرار المصيري للرئيس الأمريكي المقبل. وستستمر الحرب في وقت لايزال فيه تنظيم «الدولة» يحتل مناطق من البلد. وسيواصل النظام سيطرته على المحور الشمالي- الجنوبي».
وتقول الصحيفة إن النتيجة هذه لم تكن تتوقعها الإدارة الأمريكية قبل عام عندما بدأ الروس يعززون قواتهم الجوية في سوريا. وحاولت وزارة الخارجية في البداية منع تحليق الطيران الجوي الروسي من خلال الطلب من بلغاريا وغيرها منع الطيران الروس من دخول مجالها الجوي. وبعد ذلك تخلى الأمريكيون عن هذا المدخل وفكر بعض المسؤولين أن هذا المدخل قد يدفع موسكو للمشاركة في حل سياسي للأزمة.
وبعد عام من تصاعد العنف وزيادة الكارثة الإنسانية بالإضافة لفشل جهودها في تخفيف العنف بدأت واشنطن بالبحث عن خيارات ذات طابع عسكري تشمل على ضربات جوية لمنع قوات الأسد السيطرة على الجزء الشرقي من حلب. وربما اتخذت الإدارة الأمريكية إجراءات أخرى لرفع ثمن التدخل العسكري على روسيا وفرض عقوبات اقتصادية عليها بشكل يدفع واشنطن لإعادة التفكير باستراتيجيتها. وقال أنتوني بيلكن، نائب وزير الخارجية أمام الكونغرس «سيتحملون أعباء كبيرة لو تصاعدت الحرب الأهلية نتيجة لأفعالهم من خلال زيادة الأسلحة الآتية من الرعاة الخارجيين».
تدخل غير مكلف
وحتى هذا الوقت انتهجت موسكو استراتيجية متواضعة قليلة التكاليف من ناحية الخسائر المادية والروحية وتعكس الدروس التي تعلمها الروس من حملات عسكرية سابقة، كانت باهظة الثمن عسكريا وبشريا. فعلى خلاف الحملة العسكرية في أفغانستان قبل ثلاثة عقود اعتمدت روسيا في حملتها السورية على الطيران وتجنبت نشر قوات برية. ولا تعتمد أيضا على دفع جيش النظام لمواجهة المقاتلين الذين حصنوا أنفسهم في مواقعهم بل وركزت على القصف الجوي الذي تقوم به إلى جانب طائرات النظام. وتؤكد الغارات الجوية على مفاقمة المعاناة الإنسانية واستهداف المستشفيات وفرق الدفاع المدني وقوافل المساعدات الإنسانية. وتسهم بعض أفعال الولايات المتحدة في تجنيب روسيا الوقوع في مستنقع الحرب السورية من خلال مواصلة الحرب على تنظيم «الدولة» و»جبهة فتح الشام»، (جبهة النصرة سابقا).
نتيجة سياسية
وكتب سكوت باترسون في صحيفة «كريستيان ساينس مونيتور» عن الحملة العسكرية الروسية في حلب، وأكد ما جاء في تحليل صحيفة «نيويورك تايمز» وهو أن الدفعة الجديدة والقوية تهدف لتوسيع مكاسب النظام السوري وبالتالي تعزيز موقعه في التسوية السياسية التي يرى الروس أنها قريبة.
كما أن الاستناد على القوة المفرطة في وحشيتها هو استعادة للأسلوب نفسه الذي استخدمه الروس في الشيشان ونظام حافظ الأسد في حماة لهزيمة الإسلاميين.
ويقول إن الروس والنظام يبحثون عن نتيجة محببة من خلال القوة العسكرية الوحشية. وتذكر الوحشية في حلب، وحشية أخرى قام بها حافظ الأسد والد الرئيس الحالي عام 1982 عندما قامت قواته بتدمير مدينة حماة لاستئصال خطر الإخوان المسلمين.
وقتل في العملية حوالي 10.000 شخص وهو ما قدم مثالا عن «حالة الإرهاب» التي يمكن أن تلجأ لها دول المنطقة لمواجهة خطر عليها.
وفي روسيا استخدم بوتين القوة الوحشية لهزيمة التمرد الإسلامي، وقام بتدمير مراكز البلد بلا رحمة خاصة العاصمة غروزني.
ونقل الكاتب عن سمير بوري، المحاضر في كلية كينغز قوله « توصل الروس والسوريون وعبر تجارب تاريخية مختلفة لموقف عسكري يتعلق بالتمرد الذي لا يهزم إلا بمحاصرته وتسويته بالتراب». وقال «أعتقد أنهم يريدون حرف الوضع لصالح الأسد مع بداية المحادثات السياسية، وهو ما سيحققه هذا الانفجار القصير في العنف».
ويذكر الكاتب هنا بدروس حماة في زيارة للمدينة. ويقول إن «المشاكل» مع الإخوان المسلمين التي قادت لمجزرة حماة لا يزال السوريون يتذكرونها بخوف رغم مرور عشرين عاما عليها. وتذكر رجل برعب كيف «قتلوا الكثير من الناس» و»فقدت كل عائلة فردا منها». وحسب محلل سوري «إن الوحشية كانت خيالية، ولم تكن هناك محاولة للتراجع عنها» و»لم يكن الهدف العقاب بل تلقين السكان درسا يمتد أثره ولأجيال».
وكانت مجزرة حماة، التي قادها رفعت الأسد، عم الرئيس الحالي بشار تذكيرا مرا بنظام شعر بتهديد من الإسلاميين. وحسب فواز جرجس، الخبير بشؤون الشرق الأوسط في مدرسة لندن للاقتصاد «كانت القيادة السورية تتفاخر بما فعلته للجزائر ومصر: لو فعلتم ما فعلنا لما واجهتم التمرد». وأضاف جرجس «كلنا شعر بالدهشة من الكثافة والوحشية والقسوة إلا أن هذه الأساليب استخدمت بشكل مستمر في سوريا لتغيير الحقائق».
ويعلق باترسون إن دروس حماة قد تدفع الواحد للمقارنة بما يجري في حلب اليوم، إلا أن الأخيرة تعتبر تحد أكبر. فالحرب الأهلية الحالية ينخرط فيها عدد كبير من اللاعبين المحليين والدوليين وجماعات مقاتلة متصلبة، بشكل يجعل من السيطرة على 300.000 مواطن في حلب الشرقية عملية مستحيلة.
وفي سياق حلب يعلق جرجس قائلا إن الأساليب المستخدمة هي تكتيكات روسية تقوم على القوة المفرطة لإخضاع الجماعات المسلحة وبالضرورة تخويف المدنيين وقطع الحبل السري الذي يزود المقاتلين بالحياة.
ورغم نجاح النظام في تركيع المدنيين في حمص ومناطق في دمشق إلا أن جرجس يفسر الهجوم العسكري الأخير على حلب بأنه محاولة لفرض الحل الدبلوماسي «إنهم يتحدثون، والدم والنار هو استمرار للدبلوماسية ولكن بطرق أخرى».
ويقول «هذه إنجازات عسكرية تأمل سوريا وروسيا وإيران تحويلها لمكاسب على الطاولة». وفي رد المندوب الروسي في الأمم المتحدة فيتالي تشيركن على الإتهامات بأن روسيا تستخدم اليد الحديدية في حلب رد قائلا إنه بدون التدخل الروسي لكانت الراية السوداء ترفرف فوق دمشق، في إشارة إلى تنظيم «الدولة».
حروب الشيشان
ويقول الكاتب إن حروب روسيا في الشيشان في الفترة ما بين 1990 – 1999 يتم تطبيقها على سوريا اليوم. وبحسب ألكسندر غولتز، المحلل العسكري المستقل في موسكو إن «الحقيقة المؤكدة لدى القادة الروس وهي إن أردت تحقيق الهدف العسكري فعليك أن تستخدم كل الوسائل المتوفرة لديك».
وهو يشير هنا للحرب الشيشانية الأولى ما بين عام 1990 – 1996 حيث وقعت الحكومة الروسية هدنة مع المقاتلين الشيشان، إلا أن البلد انزلق نحو الفوضى ودخلت إليه عناصر «القاعدة».
وفي عام 1999 اجتاح المتمردون الشيشان مع القاعدة الجمهورية الجارة وهي داغستان وشنوا عددا من العمليات ضد أماكن عام وشقق في العاصمة موسكو.
ودفع هذا الروس لشن حملة عسكرية شاملة عام 1999 ودمرت الحملة العاصمة غروزني حيث قامت موسكو بفرض نظام قوي يقوده رمضان قديروف الذي فرض سيطرة كاملة على الجمهورية الصغيرة.
صحيح أن روسيا كان لديها مطلق الحرية لفعل ما تريده في هذه الجمهورية التابعة للفدرالية الروسية. ويقول الكسندر غابويف، وهو خبير من وقفية كارنيغي في موسكو «واستخدمت فيها القوة وشعرت من الضروري القيام بهذا وبعد ذلك فرضت نسختها من المصالحة تحت قيادة قديروف.
إلا أن الوضع في سوريا معقد، وهناك الكثير من القوى التي لا تسيطر موسكو عليها ولهذا يجب أن تمارس الحذر مع أن الأساليب التي تستخدمها مشابهة». ويبدو أن الرأي العام الروسي وافق على الرواية الرسمية. ويعتقد معظم الروس أن العملية ضرورية. وكشفت استطلاعات عدة نظمت عبر السنين زيادة الدعم الشعبي للحرب الثانية في الشيشان. وتظهر الاستطلاعات التي تقوم بها المؤسسة «في تيس أي أو أم» المدعومة من الدول أن الدعم الشعبي للتدخل في سوريا زاد من نسبة 66% قبل عام إلى 70% في آذار/مارس وتصل النسبة بين الرجال إلى حوالي 80%.
ويقول الكسندر خرمشيخن، نائب مدير معهد التحليل السياسي والعسكري في موسكو إن القيادة الروسية ربما كان لها أسباب جيوسياسية للتدخل العسكري في سوريا ولكن الهدف الرئيسي هو محاربة وهزيمة تنظيم «الدولة» وإبعاده عن حدودنا» ويرى أن العملية من ناحية سياسية تعتبر ناجحة.
ولكن الحرب لم تنته وقد تظل مشتعلة لسنوات طويلة. وهي كما يقول بوري لا تشبه أيرلندا الشمالية حيث التقى ممثلو الحكومة والمقاتلين الأيرلنديين وتوصلوا لحل سياسي.
إبراهيم درويش