القاهرة ـ «القدس العربي»: ظلت القضية الفلسطينية منذ بدايتها كاشفة لكل من تقمص دور المناضل، بينما يتسلل في غرف الاجتماعات للقاء مسؤولين إسرائيليين ليعلن لهم الولاء.
ومن المؤسف أن المقدسيين الذين يقاومون منذ عقود أسوأ جيش احتلال عرفته البشرية، بأيد خالية، تشهد المنطقة العربية حمى للتعاقد على صفقات أسلحة بمئات المليارت من الدولارات، فعلتها السعودية قبل أسابيع ودول أخرى في العالم العربي، بعضها لا تجد قوت يومها، وينتهي الأمر بتلك الأسلحة للمخازن، حتى يعلوها الصدأ، فيما الجرح الفلسطيني مستمر في النزيف.
في الماضي وحتى قبل مولد ثورات الربيع العربي كان حلم الشعوب مد الفلسطينيين بالسلاح، الآن تقلص الحلم لحد دعوة تلك الأنظمة للوقوف في منطقة وسط بين القاتل والضحية. المجاهدون حول الأقصى وأشقاؤهم من مسلوبي الإرادة في بلدان العالمين العربي والإسلامي، لم يعودوا يطمحون في دعم الأنظمة للقضية الأهم في وجدان كل مسلم وعربي، فقط بات الشعار الذي يحمله المجاهدون والسائرون في ركابهم في وجه الأنظمة «كفوا عنا أذاكم وفرملوا مشاعر الحب نحو تل أبيب». مازال الأقصى ينزف والمرابطون حوله ليس لهم من مدد سوى السماء، فيما العواصم العربية تتعاقد على المزيد من الأسلحة وتنشئ القواعد العسكرية لغرض في نفس «يعقوب».
وأمس الاثنين 24 يوليو/تموز واصلت الصحف الحكومية المصرية، ومن يسير على دربها الثناء على الرئيس، رغم صرخات الجماهير التي تكتوي بالغلاء، فيما اهتم الكتاب بالعديد من القضايا والمعارك الصحافية بسبب جزيرة الوراق، التي يخوض أهلها صراعا من اجل البقاء، في وجه سلطة لا تطيق رؤية الفقراء، وتسير بخطى واسعة في تنفيذ مخططات ستقضي على السواد الاعظم من معدومي الدخل. ومن الموضوعات التي اهتمت بها بعض الصحف زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان للخليج، التي لخص تأثيرها الكاتب جمال سلطان رئيس تحرير «المصريون» بقوله «حالة رعب وتوتر واضحة في تصريحات إماراتية من جولة أردوغان الخليجية لإصلاح ذات البين». وتساءل سلطان: «لماذا تخشى الإمارات الصلح وإنهاء الأزمة؟». ومازالت الصحف تهتم بالقاعدة العسكرية التي افتتحها السيسي مؤخرا، وتدور معظم التساؤلات حول موقع القاعدة. ومن جانبه كشف الكاتب الصحافي المقرب من السيسي ياسر رزق السبب الحقيقي وراء إنشاء قاعدة محمد نجيب العسكرية، مؤكدًا أنها سوف تجري بها مناورات «النجم الساطع» بعد توقفها لمدة 8 سنوات. وأضاف أن الهدف الثاني من إنشاء القاعدة هو حماية الحدود مع ليبيا، مؤكدًا أنه من ضمن أهداف القاعدة الأساسية حماية حقل البترول «ظهر» الذي يعد من أكبر حقول البترول وإلى التفاصيل:
لن يغار على الأقصى
علق المحامي والحقوقي المصري خالد علي، على تجاهل السيسي لاعتداء إسرائيل على المسجد الأقصى، قائلا: «من باع تيران وصنافير من أجل عيون الصهاينة لن يشترى القدس».
ورغم أن السيسي أكد في خطابه خلال افتتاح قاعدة محمد نجيب العسكرية على أن «وجود الأشقاء العرب خلال الاحتفال، يعد تأكيدا على وحدة الصف العربي، وتأكيدا جديدا على ما يجمع بلدنا وشعوبنا من مصير مشترك وتعاون بنّاء لمواجهة التحديات التي تواجه أمتنا العربية»، إلا أنه لم يذكر اسم المسجد الأقصى، ولا القضية الفلسطينية ولا مدينة القدس بكلمة واحدة. ووفقاً لـ»البديل» ندد العديد من خصوم النظام بالموقف السلبي للسلطة تجاه القضية الأولى بالاهتمام في المحيطين العربي والإسلامي».
طعامنا ليس أهم من أول القبلتين
انتقد الناشط السياسي والخبير الهندسي ممدوح حمزة، تجاهل الرئيس عبد الفتاح السيسي لأحداث القدس، التي وقعت مؤخراً، وعدم الحديث عنها خلال كلمته في افتتاح قاعدة محمد نجيب. ووفقاً لـ»البداية» نشر حمزة عبر حسابه الشخصي، منتقداً حديثه عن طعام المصريين بدلاً من حديثه عن أزمة المسجد الأقصى، قائلاً: «لماذا لم يدن السيسي أحداث القدس، في حين أن ملك السعودية ورئيس تركيا تدخلا؟ فقط أفاد بأن التدخل في شؤون مصر له ثمن وهو تكلفه إطعام المصريين». وتابع: «العقارات والإنشاءات لم ولن تبني اقتصادا، الاقتصاد يبنى بالإنتاج». وكان «السيسي» خلال افتتاح قاعدة محمد نجيب، قد انتقد محاولات بعض الدول للتدخل في سياسة مصر الداخلية، لافتًا إلى أن الشعب المصري يأكل في يوم واحد ما تأكله شعوب تلك الدول في عام كامل. وقال السيسي ساخراً: «100 مليون مصري بيفطروا ويتغدوا ويتعشوا في يوم ما تأكله بعض الدول في سنة»، مضيفًا أن مصر أكبر من أن تتدخل فيها أي دولة أخرى».
علي جمعة: الإخوان
وراء سرقة حائط البراق
ومن بين المعارك الصحافية نختار تصريحات لمفتي مصر الأسبق الذي لا يكاد يشارك في مناسبه أو تستضيفه إحدى الفضائيات إلا وصب جام غضبه على الإخوان، ودعا لملاحقتهم. وأمس اتهم الدكتور علي جمعة، مفتي الجمهورية السابق وفقا لـ»مصر العربية»، الإخوان المسلمين بأنهم من تسببوا في استيلاء الصهاينة على حائط البراق، الذي يدعونه «حائط المبكى» قائلاً: «حين حرق الأقصى في 67، الإخوان المسلمون فهمونا إننا منسافرش، فسافر اليهود واستولوا على حائط البراق». وأضاف جمعة، خلال حواره في برنامج «والله أعلم» المذاع عبر فضائية «سي بي سي»: «لو المسلمون تدافعوا ودخلوا لما منعهم أحد، حيث أن غولدا مائير كانت تخشى هجوم المسلمين عليه، لكن لم يذهب أحد». وتابع قائلا: «ذهبت للقدس نكاية في الإخوان ودخلت من الأردن ولم يمنعني أحد، لكن الناس خُدعت بالإخوان». ورأى جمعة، أن حل أزمة القدس الآن، أن يذهب المسلمون إلى هناك ليدعموا إخوانهم الفلسطينيين.
للأسف نسيناهم
لماذا لم تقم مظاهرة واحدة في مصر ضد العربدة الإسرائيلية في الأقصى؟ سؤال يطرحه سعيد الشحات في «اليوم السابع»: «سؤال كاشف ومؤلم، ويعبر عن لحظة راهنة في نظرة الشعب المصري للقضية الفلسطينية، وسبقني للإجابة عنه الصديق الدكتور أحمد الصاوي متعجبا من أن القاهرة، التي كانت المظاهرات تهب فيها من قبل من أجل القضية الفلسطينية، لم تتحرك فيها مظاهرة واحدة! وحمل الصاوي جماعة الإخوان المسؤولية، فذراعها ممثلا في حركة حماس انصرفت بعد 30 يونيو/حزيران 2013 إلى تنظيم المظاهرات تأييدا لمرسي واعتصام رابعة، ما أدى إلى خلق مواقف عدائية من الشعب المصري للحركة، انعكست بالسلب على القضية الفلسطينية. لرأي الدكتور الصاوي وجاهته، وهناك كثير من المواقف التي يمكن ذكرها للتدليل على أن قوى الإسلام السياسي أضرت القضية الفلسطينية كثيرا، لكن في الوقت نفسه لا يمكن إغفال أننا أمام حالة شعبية وسياسية راهنة، تسهم أطراف داخلية وخارجية في تشكيلها، وتتحمل الأنظمة العربية مسؤوليتها فيها، حتى أدت في الظرف الحالي إلى فرض حقيقة على الأرض عبّر عنها الشيخ عكرمة صبري، خطيب المسجد الأقصى، بقوله: «إسرائيل لم تتعرض لضغط عربي حقيقي بسبب ضعف الدبلوماسية العربية، فالعرب منشغلون بالعنتريات بعضهم على بعض، وشراء أسلحة ليقتل بعضهم بعضا». وللتاريخ فإن محاولات فض الحضانة الشعبية المصرية للقضية الفلسطينية والنضال الفلسطيني ليست جديدة، وكانت جميعها تمهد لقرارات خاصة بالقضية الفلسطينية تتوافق مع الرغبات الإسرائيلية، أو تالية لهذه القرارات، ففي سبعينيات القرن الماضي وقبل وبعد دخول السادات مرحلة السلام مع إسرائيل، تولى الإعلام المصري مهمة شيطنة النضال الفلسطيني، وبث أكاذيب كقيام الفلسطينيين ببيع أرضهم إلى اليهود، وتشويه صورة الفدائيين، ومنظمة التحرير الفلسطينية كممثل للشعب الفلسطينى، ولم تختف هذه اللغة تماما أثناء حكم مبارك».
الأسوأ مقبل
نبقى مع الحدث الأبرز حيث يحذر أحمد عبد التواب في «الأهرام» مما هو أخطر: «يشغل الفلسطينيون أنفسهم هذه الأيام، ومعهم كل الدول العربية، وجامعتهم وتلفزيوناتهم وصحفهم، عن خطر حقيقي يجري طبخه حالياً في أمريكا، حيث وقَّع حتى الآن 45 عضواً في مجلس الشيوخ، مع 237 آخرين من مجلس النواب، على مشروع قانون ينصّ على تجريم مقاطعة إسرائيل! بفرض غرامة على أي مواطن أمريكي، تَصل إلى ربع مليون دولار، إذا هو شارك في أعمال مع شركة أمريكية أو أجنبية تقاطع أو تدعم مقاطعة المنتجات أو الخدمات الإسرائيلية. ولك أن تتخيل صياغة المشروع عندما تعرف أن «أيباك» أكبر لوبي أمريكي يدعم إسرائيل، قد شارك في وضعه. أما الموقعون على المشروع فهم من ممثلي الحزبين الديمقراطي والجمهوري. وفي ما لا يبدو أي اهتمام بالموضوع في الأوساط الفلسطينية وفي العالم العربي كله، تتحرك بعض المؤسسات الأمريكية احتجاجاً في محاولة لوقف المشروع، حيث أرسل الاتحاد الأمريكي للحريات المدنية خطاباً إلى الكونغرس، لافتاً النظر إلى أن هذا المشروع يُجرِّم ممارسة المواطن الأمريكي لحرية التعبير، وأن هذه العقوبة هي انتهاك صريح للتعديل الأول في الدستور الأمريكي. كما نبهوا أيضاً إلى تعارض هذا المشروع مع قرارات الأمم المتحدة التي أدانت إقامة المستوطنات الإسرائيلية على أراض اعترف العالم بأنها أراض فلسطينية، وأن معظم المقاطعات الغربية تطبق على المنتجات الإسرائيلية لأنها تصدر من هذه الأراضي. هل نجد التفسير في مفهوم المؤامرة وافتراض أن إسرائيل تعمَّدت إلهاء الفلسطينيين والعرب وتبديد طاقتهم هذه الأيام في معركة مفتعلة حول المسجد الأقصى، حتى يمرّ مشروع القانون».
الفقراء أولى
«القاعدة العسكرية الجديدة، التي تعتبر مفاجأة حتى للشعب نفسه، كما يشير جمال سلطان في «المصريون» الذي يشاهد افتتاحها من باب العلم بالشيء أسست على مساحة تبلغ ثمانية عشر ألف فدان، أي أننا أمام مدينة حقيقية، وتلك المساحة المهولة مع التجهيزات والمنشآت والتسليح، التي تقدر بمليارات الدولارات، لو تصورنا أنها وضعت في أولويات «مدنية» أخرى تعاني منها مصر حاليا، مثل التعليم والصحة، لتم إنشاء عشرات الآلاف من المدارس وعشرات الآلاف من المستشفيات، بلا مبالغة، يمكنها أن تغير وجه مصر، وتنقل مستوى التعليم والصحة فيها إلى مستويات هائلة، تواكب تطورات العالم الحديث وقدراته، بدلا من انهيار التعليم الذي جعل مصر تتذيل دول العالم في ترتيبه والهوان الذي يلاقيه ملايين المواطنين للبحث عن سرير في مستشفى أو حتى حبة دواء، ولكن المشكلة أن تقدير تلك الأولويات من الصعب حسمه الآن، لأنه لا يوجد أي حوار وطني حول تلك الأولويات. التعليقات شبه الرسمية تتحدث عن أن القاعدة الضخمة هدفها حماية المنشآت النووية في الضبعة ومناطق البترول، وبديهي أن التهديد هنا هو تهديد جوي، من دول معادية تملك قدرات جوية عالية أو قدرات صاروخية فائقة التطور، لأن مصر لا تتهددها جيوش جرارة في الغرب، أو الجنوب. والمشكلة هنا أن سباق التسليح يرتبط بالاستيراد والشراء بالعملة الصعبة، في الوقت الذي تعاني فيه البلاد من ضعف الإمكانيات لظروف اقتصادية صعبة واستثنائية وحادة، وتأثرت حياة الناس ومعيشتهم بقسوة شديدة، بسبب تلك الضغوط المعيشية، ويحدثنا رئيس الجمهورية بصفة مستمرة عن فقرنا الشديد وقلة ذات اليد الأمر الذي قلص ميزانيات حيوية».
لهذا يحظى السيسي بسخط شعبي
«جاء الرئيس السيسي إلى مقعد الرئاسة، كما يؤكد مصطفى كامل السيد في «الشروق» حاملا تجربته في القوات المسلحة، التي قضى فيها معظم سنوات حياته الدراسية والمهنية، ومتأثرا بالمناخ غير الديمقراطي الذي عاشت فيه مصر منذ ثورة 1952، خصوصا الانفراجة المحدودة التي تمت في عهد الرئيس حسني مبارك وبعد ثورة يناير/كانون الثاني، وأوصلت الإخوان المسلمين للسلطة. كل هذا جعله يوقن بأن النظام الديمقراطي لا يصلح لمصر، ولذلك فإن نموذجه الأمثل في التعامل مع الرأي العام هو من خلال ما يسميه «إعلام عبدالناصر» الذي ينجح في بناء «الاصطفاف الوطني» وقد بذل قصارى جهده لإقامة هيكل هذا النظام الإعلامي. هو لم يكتف بوجود إذاعات وقنوات تلفزيونية تابعة للدولة في شبكة ماسبيرو، ولكن بحسب التقارير الصحافية أقامت إحدى مؤسسات الدولة شبكة تلفزيونية متعددة القنوات، جرى الإنفاق عليها بسخاء، كما امتد سلطان رجال الأعمال وثيقي الصلة أو المرضي عنهم من جانب أجهزة الدولة، إلى معظم القنوات التلفزيونية وبعض الصحف اليومية، واستغنى هؤلاء عن خدمات كثير من الإعلاميين ذوي التوجهات المستقلة، وامتد إشراف المحيطين بالرئيس على جميع أجهزة الإعلام من خلال ثلاثة مجالس للإعلام، تتحكم السلطة التنفيذية في تعيين أعضائها. وتثبت خطواتها الأولى أنها أقرب إلى رقيب على الإعلام من أن تكون حارسا لحريته. وعلى عكس كل رؤساء مصر السابقين، بمن فيهم الدكتور محمد مرسي، وباستثناء المستشار عدلي منصور، فإن الرئيس السيسي لا يخاطب الرأي العام شارحا أسباب قراراته، ولا يقبل حتى على سبيل الرد على ما يقوله ناقدوه، ويرى أنصاره في كل ما توصف به سياساته في المحافل الغربية يد الإخوان المسلمين أو قطر أو أهل الشر. ونتيجة ذلك كله، أنه كما أن هناك بونا شاسعا بين السياسات المصرية والرأي العام العالمي، هناك بون شاسع بين السياسات الداخلية والخارجية لمصر والرأي العام المحلي».
لا يرحم الفقراء
«كيف انتهك أهم حق من حقوق الإنسان وهو الحق في السكن، في الأحداث الأخيرة لجزيرة الوراق التي راح ضحيتها أحد شباب الجزيرة، وأصيب الآخرون. فليس من حق أحد، كما يرى جورج إسحاق في «الشروق»، أن يخرج سكان من أراضيهم وينتزع حقهم في بيوتهم ومنازلهم، خاصة بهذه الطريقة العشوائية. فإذا لزم أمر الإخلاء لخطر يحيط بهم أو سبب مجتمعي أو اقتصادي أو حتى سياسي، استدعى أمر الإخلاء، فلابد أن يطبق بطريقة مدروسة مخططة، وأن يفتح حوار مجتمعي بناء يحمل المصداقية والشفافية، يعرض على السكان المشكلة وأسبابها والخطورة إن وجدت. ويقترحون البدائل معا ويتناقشون فيها حتى يستقر الطرفان (الحكومة والسكان) على حل بديل، لا يهدر حق السكان ويضمن حقهم في حياة آمنة مستقرة. أما ما حدث مؤخرا فهو المعنى الحرفي للعشوائية والفوضى في إدارة الأزمات، وهذا هو الضرر الحقيقي للوطن والمواطنين. والمواجهة التي حدثت من الأهالي والاشتباكات، هي رد فعل طبيعي لسكان استيقظوا على صوت البلدوزر يهدم بيوتهم بدون أي مقدمات. إسمعوا المواطنين، قدروا ظروفهم، إفتحوا مجالا للحوار، أغلقوا باب العنف الأمني، فقد ثبت فشله في إدارة الأزمات، خاصة الاجتماعية منها. ضعوا حقوق الإنسان في المقام الأول، فما حدث في الوراق من تصدي الشعب للقوات الأمنية هو نذير يدق ناقوس الخطر. ضعوا حقوق الإنسان المصري نصب أعينكم، فهي الآن تتعرض لرياح عاتية من الممكن أن تدمر الكل إذا لم تتم حمايتها والحفاظ عليها حتى لا تندثر وتصبحوا على ما فعلتم نادمين».
صبرنا نفد
وجّه النائب الإسكندري هيثم أبو العز الحريري عضو مجلس النواب رسالة لرئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسي، بسبب عدم دعوته لحضور مؤتمر الشباب المنعقد على أرض المحافظة. واهتمت «المصريون» و«البداية» و«البديل» بنص الرسالة، التي أكد فيها الحريري أنه لم يتلق دعوة لحضور مؤتمر الشباب، الذي يعقد في الإسكندرية، كما وجّه عدة أسئلة لرئيس الجمهورية، مطالبا فيها تنفيذ قرار العفو عن كل الأبرياء في السجون، بسبب آرائهم ومواقفهم السياسية السلمية. وأشارت الرسالة التي وجهها الحريري إلى أن الرئيس تحدث بأنه يشعر بما يعانيه المواطنون في ظل السياسات الاقتصادية، التي اتخذتها السلطة التنفيذية بموافقة أغلبية ائتلاف دعم مصر البرلماني، مطالبا في حديثه المصريين بالصبر سنتين، ثم ستة أشهر ثم سنة، وها هي مدة الرئاسة قاربت على الانتهاء ومازال المصريون صابرين، ولكن إلى متى الصبر، في ظل قسوة الأوضاع الاقتصادية وارتفاع الأسعار وتدني الدخل والمرتبات والمعاشات للغالبية الكاسحة من المصريين؟ وتساءل متى يشعر المصريون بعائد حقيقي ملموس من مشروعات اقتصادية أنفقت عليها مئات المليارات بدون عائد اقتصادي ملموس حتى الآن؟».
مات نادماً
«إطلاق اسم محمد نجيب على القاعدة العسكرية التي افتتحها الرئيس مؤخراً دفع باسم الرجل من جديد، كما يقول محمود خليل في «الوطن»، إلى سطح الأحداث. رغم أن الجنرال نجيب كان أول رئيس للجمهورية، حين إعلانها عام 1953، فإن أجيالاً كثيرة ممن ولدوا في الستينيات والسبعينيات، تعلمت أن جمال عبدالناصر هو أول رئيس لمصر بعد الثورة، حتى أدركت خطأ المعلومة مؤخراً، ووعت أن كتب التاريخ التي تدرسها، أحياناً ما تسقط منها معلومات لحسابات معينة. كان نجيب أول شخص يستبعد من مجلس قيادة ثورة 23 يوليو/تموز، ليحكم من بعده عبدالناصر والسادات، وظل حياً لعدة سنوات بعد رحيلهما، رغم أنه كان يكبرهما في السن. عبدالناصر هو مَن أسس تنظيم الضباط الأحرار، هذه حقيقة يجمع عليها أغلب المؤرخين، واللواء محمد نجيب كان مجرد ستارة تتحرك من خلفها مجموعة الضباط الصغار الذين قاموا بالثورة من داخله – وكما تعكس مذكراته – لم يكن نجيب يعتقد في «حدوتة الستارة» تلك، وينكر ما كان يراه الجميع. كان نجيب يريد السلطة، لكنه لم يكن يمتلك أدواتها بما يكفي، عاش نشوة الإحساس بالرئاسة والذوبان في الجماهير ومبادلتهم التحية عندما يهتفون باسمه، في وقت كان فيه جمال عبدالناصر يخطط بدأب للجلوس مكانه، مراهناً في ذلك على سيطرته على مجلس قيادة الثورة من ناحية، وعلى سيطرته على الجيش من ناحية أخرى، في وقت كان يراهن فيه محمد نجيب على شعبيته في مصر والسودان من ناحية، واستقوائه بجماعة الإخوان من ناحية أخرى. ويؤكد خليل أن عقدة ذنب عاش بها محمد نجيب ارتبطت بتصديقه على إعدام العاملين «خميس والبقري». وكانا من ضمن المشاركين في الاحتجاجات التي قام بها عمال كفر الدوار عام 1952».
هل تغير المعارضة جلدها؟
«لأن الزمن اختلف، والظروف اختلفت، ونظام الحكم مختلف، فإن قواعد اللعبة بالتأكيد حدث فيها تغيير، يجعل من أوراق المعارضة الحالية كالسلحفاة تسابق طائرة تطير بسرعة الصوت. هذا الأمر يحتم على المعارضة وفق ما يقترحه عبد الفتاح علي في «صوت الأمة» أن تغير جلدها، وتبدأ من حيث يجب البدء، من الناخبين، وأن تعطي نموذجا ومثلا يجلب الثقة في كونها ستسيطر على البلاد، وتجعل الاستقرار أرضا للتنمية والبناء. قد يعتقد البعض أني أنافق السلطة، أملا في رضا من هنا، أو عطية من هناك، لكن من يفضل الخروج في المظاهرات على التعلم، والهتاف على التفكير، من حقه أن يرمي الناس بالباطل الذي يتصنعه. هل فكرت قوى المعارضة مثلا في ابتكار أفكار جديدة لمحو الأمية التي تنهش في عرض الناخبين؟ هل خطر على بالها يوما، أن تسهم في تعليم اللغة العربية للخريجين من حملة الدبلومات والشهادات الجامعية؟ هل قررت أن تحول مقراتها إلى نواد للقراءة؟ هل قررت أن تنافس الحكومة فتساعد في فتح ورشة حدادة، أمام كل مصنع تبنيه الحكومة، وعيادة خيرية أمام كل مستشفى تشيده الحكومة، ومظلة تقي الناس الشمس أمام كل طريق تعبده الحكومة؟ هل ساهم أعضاء أي حزب في أي صناعة متناهية الصغر، فتنقذ عشرات العائلات من شبح التشرد؟ هل فكر أعضاء الأحزاب في تكوين شركة مساهمة صغيرة مهمتها إنشاء مصنع غزل صغير، أو تكوين جمعية خيرية تساهم في تجهيز اليتيمات، أو تربية أولاد الشوارع، أو العناية بكبار السن المشردين؟ الادعاء بالسعي نحو السلطة، هو في حقيقة الأمر تزلف للسلطة، ونفاق للسلطة، ورغبة في الحصول على أي فتات يقع من على موائد السلطة».
«صوت الأمة» في قبضة السلطة
نتوجه نحو الحرب التي تشن لتركيع صاحبة الجلالة والعاملين فيها، التي تزداد حدتها بسبب هجومها على النظام، وانتقاد عدد من كتابها القصر الرئاسي. ووفقاً لصحيفة «البلاغ» وفي واقعة تكشف ربما الأسباب الحقيقية التي وقفت وراء شراء جريدة «صوت الأمة» الصحيفة المستقلة الأكثر شهرة من بين العديد من الصحف المستقلة في مصر، فوجئ قراء الصحيفة بتعطيل الدومين الخاص بها على شبكة الإنترنت.. واستبدالة بدومين جديد.
الدومين الجديد لا يتضمن أياً من الموضوعات القديمة فيها، وعلى الأخص منها موضوعات الكاتب الصحافي محمد سعد خطاب، التي تزيد عن 3 آلاف موضوع، ما بين خبر وتقرير وتحقيق استقصائي، وثقت على مدار سنوات طويلة حالة الفساد في مصر لأكثر من 13 عاما وتحديداً منذ عام 2003 الذي شهد أول حلقات الزميل سعد خطاب في الجريدة وحتى استقالته بعد بيعها قبل عدة أشهر إلى رجل الأعمال أحمد أبو هشيمة».
لم يهبط من السماء
نتحول نحو الحرب على الأزهر حيث يؤكد حمدي رزق في «المصري اليوم»: «أن الإمام الأكبر لم يدّعِ عصمة قط، ولا المشيخة اتشحت يوماً بالقداسة، إرهاب الآراء الناقدة بتهمة الإساءة إلى المؤسسة (الشيخ والمشيخة) لن يثني من يريد بالأزهر خيراً عن توجيه النقد والنصح، تناصحوا تحابوا فالدين النصيحة. وللعلم من بين الناقدين من هم أحرص على الأزهر كمنارة وسطية عالمية تجاوزت حدودها الوطنية من بعض أبنائه، ولا أبالغ أن من بين من يتطوعون بالدفاع عن الأزهر في مواجهة الناصحين من يسيء إلى الأزهر جامعة ومشيخة وشيخاً، بتنزيههم عن كل نقص، وصمتهم عن كل عيب، وتصديهم بالاتهام لكل من يخرج ناقداً أو ناصحاً، أو رافضاً لما يصدر عن المشيخة، وهو من فعل بشر، لم يتنزل من السماء. من أساء إلى الأزهر هو مَن قرر اقتحام الحياة العامة في مجال الفتوى على أرصفة المترو، وأدخل المؤسسة مدخلاً ضيقاً، وعرّض الأزهر مؤسسة وشيخاً لسخرية محزنة، ما كنا نتمناها. افتتاح محل للفتوى في محطة «الشهداء» قوبل بعاصفة من الاحتجاج الشعبي، تلون ما بين الرفض الجاد الرصين، والسخرية الفيسبوكية المريرة، ويقيناً طال الرذاذ الإمام والمشيخة والمؤسسة الأزهرية العريقة، التي لم تتحسب، وهي تخطو خطوتها لقانون الملاءمة المجتمعية، وهو قانون غاب بالكلية عن فكرة محال الفتوى، وجلب على المؤسسة سيلاً من الرفض والاستهجان. وقال قائل منهم ناقداً رافضاً: محال الفتوى، للأسف، تكرس للدولة الدينية، وتعلن عن تمدد المؤسسة في الشارع، كأنها خطوة على طريق تديين المجتمع. لو كنت في مكان يسمح بالنصيحة، لطالبت الإمام الأكبر بمراجعة فكرة محال الفتوى فوراً، وعدت بالشيوخ إلى مكانهم الطبيعي داخل بيوت الله يذكرون فيها اسمه- سبحانه وتعالى».
فكرة فاشلة
لا يظن جلال عارف في «الأخبار» أن مشكلتنا هي نقص الفتاوى الدينية، بل ربما كانت: «المشكلة في إغراق السوق بالفتاوى الصحيحة والمضروبة التي يشارك فيها العلماء بأقل القليل، ويشارك فيها أيضا كل من هب ودب، فيتركون الناس ضحايا للجهل أحياناً، وللتطرف في معظم الأحيان. ولا أعرف من هو العبقري الذي أطلق مشروع «أكشاك الفتوى» في محطات المترو، ولكن إذا كنا أمام مرحلة للتجريب في محطة أو أكثر، فالمطلوب صرف النظر فوراً عن هذا الطريق، قبل أن يتحقق الضرر الذي لا نظن مطلقاً أن مجمع البحوث الإسلامية كان يستهدفه حين أطلق هذه الفكرة، ظناً بأنها يمكن أن تضيف إلى ما يقدمه في مجال الفتوى الشرعية، أو تصوراً بأنها تقطع الطريق على دعاوى التطرف التي تستخدم كل الوسائل لغزو عقول الناس.. خاصة الشباب منهم. الفكرة فاشلة، وصرف النظر عنها ينبغي أن يتم بأسرع وقت، وبدون الدخول في جدل يستنزف المزيد من الجهد، وينال من قدر مؤسسات نريدها أن تنهض بمسؤولياتها في مقاومة التطرف، وفي تجديد الفكر الديني. مازلنا ندور في فلك نهج لا ينتج إلا هذه الأفكار العقيمة، بدلاً من مواجهة المشاكل الحقيقية بشجاعة ومسؤولية. والحديث هنا ليس عن المؤسسات الدينية وحدها، ولكن عن العديد من مؤسسات الدولة العاجزة عن فهم الحقيقة الأساسية التي ينبغي أن تحكم تحركنا كدولة ومجتمع.. وهي أن الفكر الديني لن يتجدد بفتوى هنا أو هناك، وإنما بنهضة فكرية وثقافية شاملة تبني الدولة المدنية، وتنحاز للقيم السامية التي أرستها الأديان السماوية.. من العدل إلى الحرية وكرامة البشر وتسامحهم وإعلائهم للعقل والفكر الحر المستنير».
لا يليق باللبنانيين فعل هذا
لم يكن حسن أبو طالب في «الأهرام» يتوقع يوما أن يكتب فيه عن عنصرية لبنانية: «يُحرض عليها البعض علنا وبدون خجل، ويمارسها قطاع كبير بأريحية وطيب نفس وكأنها وصفة للتفوق والعلو والتخلص من عُقد الماضي القريب. العنصرية اللبنانية حسب المتداول في تعليقات بعض كبار السياسيين والمحللين ورؤساء بلديات في مناطق مختلفة شمالا وجنوبا، والأدهى والأمر في تصريحات لرجال دين كبار، موجهة بالأساس ضد اللاجئين السوريين، الذين اضطرتهم الحرب الملعونة في بلادهم إلى الهجرة واللجوء إلى بلدان شقيقة أو صديقة، أو ظنوا أنها كذلك، وإذا بها تلفظهم وتعاملهم وكأنهم سبب كل المشكلات التي تثور فيها، حتى لو كانت جذور تلك المشكلات تمتد إلى عشرات السنين الماضية، ولا علاقة لها من قريب أو بعيد بهؤلاء اللاجئين المؤقتين. بعض السياسيين الذين يحرضون على اللاجئين السوريين، يعيدون المخاوف نفسها التي سبق أن قيلت في حق اللاجئين الفلسطينيين قبل أربعة عقود؛ مخاوف أن يبقى هؤلاء ويحصلوا على الجنسية بحكم طول الإقامة، ومن ثم تتغير الأوزان السكانية بين مسيحيين ومسلمين.
وإن كان الخوف من تغييرات دراماتيكية على التوازن السكاني والديني تتبعها نتائج سياسية غير مريحة أمرا مشروعا، فهو لا يبرر أبدا تلك الممارسات العنصرية البغيضة، وما يرافقها من سخرية وحملات تحريض لا تليق ببلد عُرف عنه قبوله التعدد بأشكاله المختلفة الدينية والعرقية، وكان يُضرب به المثل في التعايش بين المختلفين. وتحت مبرر مناداة الدولة بأن تعمل على إعادة هؤلاء السوريين إلى بلدهم تتعدد التصريحات من أعلى المراجع الدينية والسياسية بأن هؤلاء اللاجئين ينتزعون لقمة العيش من فم اللبناني ويرمونه في حالة الفقر والحرمان».
حسام عبد البصير