«بيردمان» للمكسيكي أليخاندرو غونزاليس: عزلة الانتقال من هوليوود إلى برودواي

حجم الخط
1

باريس ـ «القدس العربي»: للفيلم عنوان فرعي قد يعبّر عنه أفضل من عنوانه الأساسي والمتداول، وهو «فضيلة التجاهل غير المتوقَّعة»، يُضاف إلى العنوان الذي بات يدلّ على إنجاز سينمائي هو «بيردمان»، بخلاف ما يمكن أن يوحي به، أي أفلام «السوبر هيرو» (باتمان وسبايدرمان ورفاقهما) المأخوذة عن كتب «الكومكس» التي تسعى للترفيه بقدر ما تعتمد على الإبهار البصري بالمعنى التقني للكلمة.
هنا، في «بيردمان»، نرى إبهاراً بصرياً إنّما بالمعنى الجمالي، وبالمعنى الفنّي في ما يتعلّق بالتصوير «السينماتوغراف»، الذي جعل الفيلم يبدو كمشهد واحد وطويل.
نال الفيلم الذي أخرجه وشارك في كتابة السيناريو له وفي إنتاجه المكسيكي أليخاندرو غونزاليز إيناريتو، جوائز حفل الأوسكار عن أفضل فيلم، وأفضل إخراج، وأفضل نص كُتب للسينما وأفضل تصوير، وقد نال مدير التصوير، «السينماتوغرافر»، الجائزة ذاتها عن فيلم «جاذبيّة» العام الماضي. وهذه الجوائز الأربع تُعد من بين الأفضل التي تمنحها الأكاديمية. أمّا ما يمكن أن يكون جديداً في منح الأكاديمية للفيلم جوائزَها الأهم، فهو الاستقلالية النسبيّة للفيلم والتجريبيّة النسبيّة والحذرة فيه، وكذلك «أجنبيّة» مخرجه، وإن كان الفيلم أمريكياً تماماً في ما عداه.
إذن بخلاف الشخصيّات الخارقة وأفلامها، يحكي «بيردمان» عن رجل يحوّطه البؤس من كافة الجهات، ريغان (مايكل كيتن)، الممثل الذي تعإلى على أفلام «السوبر هيرو» الهوليوودية التي اشتهر بفضل أحدها، «بيردمان» (الفيلم ضمن الفيلم موضوع المقالة)، وقرّر التوقّف عن تمثيل جزء جديد منه، فمرّ في مرحلة تصل لعشرين عاماً من تجاهل صنّاع الأفلام له، ثم أراد أن يستعيد بعض ما فقده من شهرة إنّما ليثبت لنفسه قبل الآخرين أنّه ممثل وأنّه دائماً فنان، وليس في أفلام «السوبر هيروز» التجارية، فكتب نصّ مسرحيّة وأخرجها واتّخذ دور البطولة فيها وهو الآن يحضّر لليلة الافتتاح على مسارح برودواي الشهيرة في نيويورك. لكن بؤسه الطاغي في الفيلم، الكوميدي بالقدر الذي هو فيه تراجيدي، ترافقه في مشروعه المسرحي المتواضع، ابنته (إيما ستون) التي هجرها وهي طفلة لانشغاله بأدوار «بيردمان» اتّخذها مساعدة شخصيّة له، ومحاميه منتجاً وحبيبته ممثلة. ممثلة غيرها في المسرحية (ناومي ووتس) تستدعي حبيبها السابق (إيدوارد نورتن) كممثل طارئ وبديل عن البطل الذي مات بحادثة. وخلال سير الفيلم تجتمع خيبات ريغان كحبيب مع شريكته وكأب مع ابنته وكمُخرج مع العاملين في مسرحيّته وكفنّان مع سيرته (تقول في وجهه ناقدة من «نيويورك تايمز» بأّنه، وحسب، أحد المشاهير وليس الممثلين، ثم بأنّها ستقتل مسرحيّته من دون أن تشاهدها)، تجتمع مع حوادث متفرّقة استدعاها النحس والبؤس المرافقين له.
في شيء منه، يذكّر «بيردمان»، بفيلم «ليلة الافتتاح» (1977) الذي أخرجه وكتبه ومثّل فيه أحد أبرز روّاد السينما المستقلّة الأمريكية جون كاسافيت، ففيلم الأخير يحكي كذلك عن ممثلة (جينا رولاندز) في أحد مسارح برودواي تهجس بفكرة ابتعادها عن الشهرة التي كانت لها واقترابها من العمر المتقدّم المرجّح لأن يكون عائقاً في عملها كممثلة مسرحيّة، وهي الأزمة الداخليّة ذاتها التي يعاني منها ريغان في «بيردمان» بعدما كهل وفقد مكانته الفنّية، محدّثاً نفسه بأنّه لم يعد لائقاً لدور رجل خارق، وأنّه صار أشبه بديك حبش مصاب باللوكيميا.
الفيلم مليء بالتقاطعات التي تزيد من تفرّده، منها أنّ ممثل دور ريغان، مايكل كيتن، قد مثّل دور «باتمان» في فيلميْن من إخراج معلّم الفانتازيا تيم بيرتن في 1989 و1992، وأنّه مرّ بعدهما في مرحلة من التجاهل، لم يشارك في فيلم لاقى نجاحاً لافتاً حتى «بيردمان»، فاختيار كيتن هنا (أي الكاستينغ) بدا كأنّه من صلب عمليّة التحضير للفيلم، أو كتابته في مرحلة باكرة. وفي لقطة أقرب لخلط بين كيتن الممثل في واقعه وبين ريغان الذي يمثّل دوره، يشير الأخير في الفيلم إلى شهرة جورج كلوني الواسعة مقابل تجاهل متفشٍّ له هو، وكلوني مثله (مثل كيتن في الواقع كما مثل ريغان في الفيلم) مثّل دور «باتمان» (أو «بيردمان»، بالحديث عن ريغان) في مرحلة سابقة. وهذه من مخاوف ريغان التي يهجس بها، كفاقد للشهرة التي كانت، وكذلك للقدرة على أن يكون ممثلاً يُرغب به، أو على الأقل لا يتم تجاهله.
وبالحديث عن «الكاستينغ»، فإضافة لكيتن الذي أدى دوره ببراعة، نذكر إيما ستون التي ألقت في وجه أبيها ريغان خطاباً تأنيبياً كان يثقل صدرها كما يبدو، في أحد مشاهد الفيلم الأكثر تأثيراً، ستون التي أجادت كذلك في فيلم وودي ألن الأخير «سحر في ضوء القمر». وكذلك إيدوارد نورتون الذي نراه اليوم في أحد أفضل أدواره، كممثل مسرحي معتد بنفسه ومحترف ومستفز، يتسبّب بتوقف أحد العروض بسبب خلل في عنصر الواقعيّة فيها، كأن يكون في كأسه ماء بدل الكحول في وقت يفترض أنه يشرب فيه الكحول على خشبة المسرح.
والتداخل بين العمل الفنّي والواقع لا يقتصر على السيناريو والكاستينغ في الفيلم، بل كذلك على المسرحيّة ذاتها التي يتم تمثيلها ضمن الفيلم، ففي مشهد يدخل ريغان إلى المسرح من باب الجمهور حيث المقاعد، بعدما علق في الخارج وكانت الطريقة الوحيدة للدخول، واضطرّ لذلك مرتدياً سرواله الداخلي فحسب، ثمّ في لقطة من النهايات يستخدم ريغان مسدّساً حقيقياً محاولاً الانتحار على الخشبة، ليفلت من الأزمة متعدّدة الجوانب التي يعيشها، أما ما ينتهي إليه الأمر، فهو ما أظنّه نقل سينمائي ممتاز للعنوان الفرعي للفيلم، «فضيلة التجاهل غير المتوقّعة»، فما لم يكن يتوقّعه ريغان، وهو المخالف تماماً لما خطّط له، (لبؤس حظّه أم لحسنه!) جعل من التجاهل فضيلة وصنعت منه مسرحياً استثنائياً مقحِماً الواقع في المسرح، بأقصى صوره، حسب إحدى المقالات النقديّة التي تناولت ليلة الافتتاح.
أما طريقة إيصال كل ذلك للمُشاهد، فكان بتصوير أقرب للواقعي، بدا الفيلم كأنّه لقطة واحدة وطويلة، من دون قطع بين المَشاهد، الكاميرا تجول أمام ريغان وخلفه، إلى جانبه، تطير معه، ترى ما يراه، في جميعها، في ممرات كواليس المسرح وغرفه، وعلى رصيف برودواي المزدحم بأضواء النيون والمارّة، تدخل من باب وتخرج من آخر، بدا التصوير كوصلة واحدة، التُقطت بنفَس واحد، منزاحاً عن المفهوم التقليدي للتصوير السينمائي المعتمد على القطع بين المَشاهد.
أفلام سابقة للمخرج إيناريتو كـ «جميل» (2010) و «بابل» (2006) و «21 غرام» (2003) لم تكن بعيدة عن التمهيد إلى نجاح يمكن القول بأنه شامل تحقّق في «بيردمان». بالحديث عن الإمتاع والجماليات، يمكن القول بأنه من أفضل أفلام العام، عدا عن كونه اخترق «البروتوكول الضمني» لشيوخ الأكاديمية المانحة لجوائز الأوسكار.

سليم البيك

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول balli_mohamed:

    اضع بعض السطور تحت ظل هد ا التقرير لكن ا د ا سمح لنا المنبر فا السينما الآصل تسجل والثاريخ يسجل فكلاهما يد ا في يد كلاهما يسجل المتميزة من الصور والمتميز من المخرجين ومن كلا الجنسين بين قوسين قلت الجنس الثا ني نعم المرأة المتميزة دخلت با ب الآخراج من اوسع الآبوا ب واظهرت برا عتها اليست منا فسة لرجل بلى .والمتميز من الممثلين والمتميز في الكتا بة ولو كانت مسرحية فا بين السينما والمسرح علاقة حميمية يقع بينهما التوا فق في الغا لب والمتميز في فن التصوير / اشم من خلال هده السطور واتمنى الا اكون مخطئا حضور المسرح في الصورة السينمائية .قلنا اكثر من مرة ونكرر ان للخيا ل دورا مهما في كل الصور السينمائية بدون استناء وبا الآخص الثي تكثر فيها الحركة وتكثر فيها التسلية والمتعة اشكر المنبر فا الكلمة الثي رسمناها البارحة عن المسرح لازالت على ظهره فمزيد ا من التأ لق رغم قلة الدعم في هد ا البلد للآسف من يسثحق لايأخد وهدا هو التخلف بعينه ورجله ويد اه

إشترك في قائمتنا البريدية