لم يشأ الرئيس الفلسطيني محمود عباس ترك تفخيم شمعون بيريز (1923/2016) للجلادين والقتلة والمنافقين، وقد تكاثروا في المناسبة فوق كثرتهم؛ بل أبى إلا أن يدلي بدلوه، كعادته كلما استشعر أنّ واقعة ما، دولية، تجيز له أن يُسمع صوته للعالمين. وهكذا: وفاة بيريز «خسارة كبرى لكلّ الإنسانية وللسلام بالمنطقة»، غرّد السيد «رئيس» فلسطين، حيث الشعب الذي كان ضحية جرائم ذلك «الفقيد»، طيلة ستة عقود ونيف.
وليست طامة إضافية، إلى هذا، أنّ السيد «الرئيس» يزعم صفة «المؤرّخ» أيضاً، أو هو بالفعل يحمل درجة الدكتوراه في تاريخ الصهيونية، من «كلية الدراسات الشرقية» في موسكو، كما يقول تعريفه؛ وكذلك الدكتوراه الفخرية، من «جامعة الصداقة بين الشعوب» في العاصمة الروسية إياها. فالطامة الكبرى هي أنّ عباس، من مواقع ومناصب ومسؤوليات عليا مختلفة، في «فتح» ومنظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الوطنية الفلسطينية، كان شاهداً عيانياً على جرائم ذلك «الفقيد» ذاته، دون حاجة إلى تنقيب المؤرخ في الوثيقة، والرقيم، والأرشيف… والأرجح أنّ تلميذ المرحلة الابتدائية في فلسطين، مثل تلميذ أيّ منهج دراسي غير منحاز لإسرائيل، لن يعجز عن استذكار الحقائق التالية الأبسط:
ـ أن بيريز، منذ مطالع شبابه وفور هجرة أسرته من بيلاروسيا إلى فلسطين خلال ثلاثينيات القرن الماضي، انضمّ إلى وحدات الـ«هاغاناه»، الجناح العسكري للصهيونية، المسؤول عن التطهير العرقي وتهجير الفلسطينيين وتدمير القرى والبلدات والحياة الزراعية والاقتصادية، سنوات 1947ـ1949.
ـ وأنه، من موقعه كمدير عام لوزارة الدفاع الإسرائيلية، ثمّ نائب الوزير، بين 1953 و1965؛ استحق لقب «مهندس البرنامج النووي الإسرائيلي»، وبرامج التسلّح الأخرى، مع فرنسا بصفة خاصة. وأنه، في سنة 1975 كما كشفت وثائق لاحقة، عرض على بيتر بوتا، وزير دفاع جنوب أفريقيا آنذاك، تزويد نظام الأبارتيد برؤوس نووية إسرائيلية الصنع؛ وأنه، في سنة 1986، أعطى الإذن للاستخبارات الإسرائيلية، الموساد، باختطاف موردخاي فعنونو، فاضح أسرار البرنامج النووي الإسرائيلي.
ـ وهو، في المواقف من النظام العسكري الذي فرضه الاحتلال الإسرائيلي على الضفة الغربية، نصير المادة 125، التي أتاحت تصنيف أراض فلسطينية تحت مسمى «منطقة عسكرية مغلقة»، ثمّ مصادرتها بعد ذلك تحت تصنيف «أراض غير مزروعة». توصيف بيريز لهذه المادة كان التالي: «وسيلة لاستمرار النضال المباشر من اجل الاستيطان اليهودي والهجرة اليهودية». واستكمالاً لهذا الموقف، كان بيريز، ومن موقعه كوزير للدفاع، شديد الحماس لتهويد منطقة الجليل، وخفض نسبة سكانها الفلسطينيين.
ـ ثمّ غزّة، وحروب إسرائيل ضدّ أهلها، والحصار البربري الذي يُفرض عليها؛ وفي هذا الملفّ لم يكن بيريز «خسارة» لأية إنسانية، في حدودها الدنيا؛ بل كان رجل حرب بامتياز، تماماً كما كانت حاله في كلّ سانحة تضعه على رأس آلة القرار العسكري أو الأمني.
أخيراً، وليس آخراً أبداً، كان بيريز بطل مجزرة قانا، 2006؛ جريمة الحرب التي كانت أمثولة أمنية لشارع إسرائيلي هستيري باغتت فكرة السلام حصونه الأمنية، ثمّ أفزعته على نحو وجودي شامل، فأطلق رصاصة المسدس على ذاك الذي سًمّي «نبيّ السلام» الأوّل، إسحق رابين؛ وبعدها أطلق رصاصة صندوق الاقتراع على الذي مُنح لقب «نبيّ السلام» الثاني، خليفة الأول، بيريز. وعبر انتخابات الكنيست، كان المجتمع الإسرائيلي (أو نصفه على الأقلّ) قد قرّر الإطاحة بفريق السلام (بيريز وحزب العمل)، واستقدام فريق الحرب (بنيامين نتنياهو وحزب الليكود)؛ في ما يشبه الميل الغريزي الجَمْعي نحو مسار الشرنقة.
وكان بيريز قد ارتكب العديد من الأخطاء القاتلة، التي أفضت إلى هزيمته وتمريغ كرامة مشروعه الشخصي عن السلام و«الشرق الأوسط الجديد» في أوحال بلاغة نتنياهو ومناخات الترهيب الداخلي والتلويح بأشباح «الإرهاب» العربي والفلسطيني.
المفارقة، مع ذلك، ظلت كامنة في أن خطأ بيريز الأكبر ظلّ جزءاً لا يتجزأ من ميله الغريزي (وهذا نزوع صهيوني عريق) إلى ممارسة الإرهاب لأسباب وجودية. وبهذا المعنى فإنّ بيريز، في تنفيذ مجزرة قانا، لم يكن قد ارتكب «خطأ»، سياسياً أو عسكرياً، بقدر ما انخرط في ممارسة تلقائية أُريد لها أن تندرج في خانة المآثر الكبرى الكفيلة برفع رصيده السياسي وتجميل صورته في عين الناخب الإسرائيلي.
ذلك الإرهاب التلقائي النابع من أسباب وجودية قاد بيريز إلى قرار اغتيال يحيى عبد اللطيف عياش، أو «المهندس»، أحد أبرز كوادر كتائب عز الدين القسام؛ وتحميل العملية (الطافحة أساساً بالكثير من الإثارة المسرحية، لأنّ الاغتيال جرى عن طريق عبوة ناسفة زُرعت في هاتف محمول كان «المهندس» يستخدمه) رسالة بليغة إلى الفلسطينيين، تفيد باستمرار تواجد الاحتلال، والتذكير بأن ذراع الدولة العبرية الضارب أقرب من حبل الوريد.
المفارقة أنّ استشهاد «المهندس» جرّد قيادات «حماس» السياسية من ذرائع الاعتدال، وانتظار استكمال الانتخابات التشريعية بوصفها الاستحقاق السياسي الفلسطيني الأبرز في ذلك الطور من العملية السلمية، وأفسح المجال أمام انعتاق الحرج الآخر الذي كان يكبّل فصائل القسام، ويشلّ عملياتها.
وكان طبيعياً أن تكرّ السبحة: استشهاد «المهندس» أفضى إلى العمليات الانتحارية لشهر آذار (مارس) 1996، وإلى انفتاح الملفات الأمنية التي طمست دروس اغتيال رابين، وانعقاد قمّة شرم الشيخ حيث بدا بيريز أشبه بطفل مدلل يسهر العالم بأسره على ضمان راحته السياسية، وعملية «أعناب الغضب» التي استهدفت تعميد بيريز بدم «الإرهابيين» وإكسابه بعض خصال الـ Mr. Security فانتهت إلى تلطيخ يديه بدم الأبرياء في قانا، وسواها؛ مرّة وإلى الأبد.
تلك كانت مفارقة المأثرة التي تنقلب إلى لعنة، خصوصاً حين يتذكر المرء أن قيادة الاستخبارات الداخلية الإسرائيلية (الـ«شاباك») أسدت خدمة كبرى إلى نتنياهو، في سياق تنفيذها لعملية مصممة خصيصاً لخدمة بيريز! هي مفارقة، ولكنها كانت من النوع المنطقي الذي لا ينطوي على أية غرابة؛ لأن الـ«شاباك»، في توقيت اغتيال عياش، اختار تجاوز الزمن السياسي الذي يصبّ في صالح حزب العمل وبيريز، وذهب إلى الزمن السياسي المُرجأ والمفتوح أمام المعارضة اليمينية، أي إلى خط الليكود ونتنياهو بالذات. وما دام الرئيس الأمريكي الأسبق رونالد ريغان قد تأثّر بكتاب نتنياهو «الإرهاب وكيف يمكن للغرب أن يفوز»، حين أمر بتنفيذ الغارة الشهيرة على ليبيا، فمَنْ يكون المدير العام لجهاز الـ«شاباك» حتى يعفّ عن التأثر بتعاليم «بيبي؟
والمفارقة منطقية لأنّ سلسلة الأخطاء تلك كانت، لتوّها، تحفر عميقاً في السيكولوجية الإسرائيلية اليومية؛ وكان مشهد الأشلاء المحروقة في ملجأ القوّات الفيجية، في قانا، يذهب بالإسرائيلي العادي إلى مشهدَين، أوّل ونقيض: جثث «المحرقة» في أوشفتز، وجثث المحرقة في قانا.
المشهد الأوّل يُبقي اليهودي في ذاكرة الكابوس والاحتراس والشكّ في نوايا العالم «المتمدّن» دون سواه، والمشهد الثاني يُبقي اليهودي في شرنقة الأمن وثقافة الانكفاء على الذات وإدمان العصاب الجماعي. وأمّا عمليات الشدّ والجذب بين هذَين المشهدين فقد ترجمت نفسها في صناديق الاقتراع: نصف مع المشهد الأوّل، ونصف مع المشهد الثاني. وبالطبع، لا تعرف «اللعبة الديمقراطية» أنصاف الحلول، في إسرائيل أيضاً، فكان محتماً على نصف أن ينحني لنصف آخر؛ وكان لا بدّ من مجيء نتنياهو، دون سواه؛ تماماً كما توجّب أن يأتي مناحيم بيغن، لاجتياح لبنان وإدارة مجزرة صبرا وشاتيلا!
فيا لها من «إنسانية»، تلك التي فقدت شمعون بيريز، في ناظر محمود عباس!
٭ كاتب وباحث سوري يقيم في باريس
صبحي حديدي
يحيى عبد اللطيف عياش ويلقب بالمهندس (1966-1996)[1] قائد وعسكري فلسطيني، ومن أبرز قادة كتائب الشهيد عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) حتى إغتياله،[2] ولد ببلدة رافات في محافظة سلفيت بالضفة الغربية يوم الأحد الموافق 6 آذار (مارس) 1966 [3]، حاصل على شهادة البكالوريس في الهندسة الكهربائية من جامعة بير زيت عام 1993[4]، اتهمته إسرائيل بأنه خلف مقتل العشرات حيث كانت أول بصماته في منطقة “رامات أفعال” بتل أبيب بعد العثور على سيارة مفخخة [5] فيما استمرت إسرائيل بمطاردته في الفترة ما بين أبريل 1993 حتى اغتياله [6] في بيت لاهيا شمال قطاع غزة بتاريخ 5 يناير 1996 باستخدام عبوة ناسفة زرعت في هاتف نقال كان يستخدمه أحياناً [7]، وقد تركز نشاطه في مجال تركيب العبوات الناسفة من مواد أولية متوفرة في الأراضي الفلسطينية، وطور لاحقاً أسلوب الهجمات الانتحارية (الاستشهادية) عقب مذبحة المسجد الإبراهيمي في الخليل في فبراير 1994 وقد شيع جثمانه نحو 100 ألف شخص في قطاع غزة.
– عن الويكيبيديا –
رحم الله الشهيد السعيد يحيي عياش الذي قتلته يد الغدر والخيانة والعمالة
ولا حول ولا قوة الا بالله
جواب مفحم لمن يسوّد الوجه !
والله , انها قمة الهوان ان يصل الامر بالضحية ان تاتي لتتباكي علي جلادها. هل بعد الهوان هوان اشد وامر؟ يا عباس ان لم تستطع استرجاع ولو الاحد الادني من حقوق شعبك, وهلا اعفيت نفسك من بهدلة الركوع لجلادك والتباكي علي موته اعتقادا منك ان ذلك سيشفع لك عند اباطرة الطغيان العالمي علهم يزيدون في امد مكوثك في منصبك الذي يبدو انك استطبته بشكل يجعلك تقبل بتجرع كل الاهانات .