بيلين ينبش القبور

حجم الخط
2

تتعالى الدعوات في إسرائيل لحرمان حركة حماس من خوض الانتخابات المحلية الفلسطينية المزمعة في الثامن من اكتوبر المقبل. وأغراض هذه الدعوات طبعا مكشوفة ومفضوحة.
لا يقود هذه الدعوات رئيس وزراء دولة الاحتلال نتنياهو ولا وزير حربه أفيغدور ليبرمان، الذي أعلن أمس انه لن يتدخل في الانتخابات المحلية الفلسطينية، ولن يتدخل وزير التعليم نفتالي بنيت زعيم حزب البيت اليهودي العنصري المتطرف ولا حتى زميلته في الحزب الأكثر عنصرية وتطرفا وزيرة القضاء إيليت شكيد ولا أي من زمرة اليمين واليمين المتطرف في الإئتلاف الحكومي. إن من يقودها هو زعيم «الحمائم» حتى في أوساط «اليسار» الصهيوني ممثلا بحزب العمل الذي تغير اسمه بعد تحالفه مع حزب الحركة بقيادة تسيبي ليفني الى «المعسكر الصهيوني» وحزب «ميرتس» الاكثر يسارية. إنه يوسي بيلين ذو الوجه الطفولي، أحد كبار مهندسي اتفاق اوسلو المشؤوم.
وللتذكير فقط فإن بيلين شغل العديد من المواقع القيادية في حزب العمل بداية. وكان من المقربين من شيمعون بيريز عراب أوسلو، وتسلم عدة حقائب وزارية قبل أن يغادر «العمل» لتزعم حزب «ميرتس» الذي كان يفترض أن يكون اكثر يسارية واكثر مصداقية ازاء ما يسمى بالعملية السلمية.
والشيء بالشي يذكر فان بيلين هو الحائز لقب عراب «مبادرة جنيف» مشاطرة مع «صديقه» ياسر عبد ربه أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، إلى أن اعفاه ابو مازن من هذا المنصب ومناصب أخرى، قبل نحو عام، بعد ان افترقت السياسات وتناقضت الاهداف وربما المصالح. تلك المبادرة التي لم تغادر قاعة المهرجان الاحتفالي الذي اقيم في جنيف لاطلاقها في الاول من ديسمبر 2003، لتنضم الى سلسلة من المبادرات او بالاحرى «فقاعات السلام» التي كانت ولا تزال تطل علينا بين الحين والآخر، وآخرها المبادرة الفرنسية، والمؤتمر الاقليمي لعبد الفتاح السيسي وبنيامين نتنياهو وربما مبادرة امريكية تطرح قبل نهاية ولاية باراك اوباما في البيت الابيض.. الخ.
انطلق بيلين في دعوته الخبيثة هذه على جزئية في اتفاق اوسلو تعرف بـ»بروتوكول الانتخابات» تنص على رفض»طلبات الترشح، سواءً من ممثلي الأحزاب أو غيرهم وتلغي طلبات ترشيحهم إذا ما عملوا أو شجعوا العنصرية، أو يسعون لتطبيق أهدافهم بطرق غير شرعية أو غير ديمقراطية». ويقول في مقاله الذي اختار نشره في جريدة «اسرائيل اليوم» اليمينية التي أسسها الملياردير اليهودي الامريكي شيلدون أديلسون، خدمة لصديقه نتنياهو، على ضرورة عدم السماح لحماس بالاشتراك مرة أخرى بالانتخابات، وان اجريت الانتخابات الا تعترف بالفائزين فيها من حماس «طالما لم تعلن الحركة على الأقل عن نبذها للمقاومة المسلحة ضد إسرائيل. ويضيف: «إذا لم تقم إسرائيل بهذه الخطوة؛ فإنها ستجد نفسها مساهمة في انتصار حماس في الانتخابات، وهي الحركة التي ترفع علم الإرهاب»، على حد زعمه. وشدد على، ضرورة إصرار إسرائيل على تطبيقه قبل فوات الأوان.
ويُذَكر بيلين بالانتخابات التشريعية الفلسطينية لعام 2006 التي اضطرت اسرائيل حسب قوله، القبول بمشاركة حماس، جراء ضغوط الرئيس السابق جورج بوش الابن. وقال إنه تحدث عن ذلك مع شارون، وسلمه نسخة عن ملحق الانتخابات، وأن شارون أخبره وقتذاك أنه لا يوجد فرق بين منظمة التحرير وحماس ولا يهمه بتاتا مشاركة حماس، خصوصا عندما يتعلق الأمر بطلب خاص من رئيس الولايات المتحدة. ويضيف أنه فشل في اقناعه بأن ذلك «قد يكون سابقة إشكالية، وربما حتى مشاكل لا نهاية لها».
وهذا يدفع الى التساؤل، لماذا قرر بيلين نبش «قبر اوسلو» الان، بحثا عن تجاوزات السلطة لبنوده، بينما لم تطبق حكومات اسرائيل السابقة واللاحقة، ولم تلتزم بأي من بنوده الا ما يخدم مصالحها ومخططاتها وكرس احتلالها للاراضي الفلسطينية.
وفي كل الأحوال وسواء شاركت حماس أم لا تشارك، فإن اسرائيل، وبيلين يعرف أكثر من غيره، لا تعترف بأي سيادة فلسطينية ولا بنتائج اي انتخابات بلدية كانت أم تشريعية.
ونود ان نذكر بيلين الذي يقترب من عامه السبعين وللسن احكامه، أن اسرائيل وحكومتها لا تعترفان أصلا باتفاق اوسلو واعلنتا ذلك قولا في غير مرة ومارسته فعلا. فتعامل اسرائيل مع اتفاق اوسلو لن يكون الا سلسلة من الانتهاكات والاختراقات..
ولتنشيط ذاكرته التي علاها الصدأ كما يبدو، نتساءل:
هل اعتقال نواب المجلس التشريعي الفلسطيني، وعلى رأسهم مروان البرغوثي (حركة فتح) واحمد سعدات الامين العام للحبهة الشعبية، ونؤكد لبيلين انهما ليسا من حماس، التزام باوسلو؟ هل عمليات القتل والاعتقال والحواجز التزام بأوسلو؟ وكيف يرى عدم الافراج بموجب الاتفاق عن أسرى ما قبل اوسلو؟ وهل إعادة السيطرة على المعابر لا سيما معبر الكرامة أو جسر الملك حسين البوابة الوحيدة للضفة الغربية الى الاردن والعالم الخارجي، تمسك اسرائيلي بالاتفاق؟ وكيف تسمى اعادة احتلال الضفة الغربية في حملة ما يسمى بالجدار الواقي مطلع عام 2002؟
وما هو تفسيره للابقاء على اغلاق بيت الشرق وجميع المؤسسات الفلسطينية في القدس المحتلة منذ سنوات طويلة؟ وهل مواصلة الاستيطان في الضفة والقدس، احترام لاوسلو والارادة الدولية.
وهل تعتبر الاجراءات الاحادية الجانب لاسيما في القدس تمسكا بروح اوسلو؟
وكيف يفسر بناء جدار الفصل العنصري الذي التهم مساحة كبيرة من اراضي الضفة؟
وما معنى محاولة حكومة الاحتلال فرض المناهج الصهيونية على المدارس العربية في القدس الشرقية، عبر مساواة المساعدات لتطوير المدارس هناك بالالتزام بالمناهج الصهيونية.. أي تغيير المناهج القائمة من احتلال القدس عام 1967.
طبعا هذه ليست سوى امثلة قليلة.. ولا غرابة في ما يقوله أو يفعله بيلين فهو الذي ترعرع في كنف اليسار الصهيوني منذ ولادته عام 1948 وهو التلميذ النجيب لاستاذه شيمعون بيريز.. وهو الابن المطيع لمؤسسة اليسار الصهيوني التي تبقى الاكثر خطرا على الفلسطينيين وقضيتهم من اليمين الذي يعكس الوجه الحقيقي البشع لاسرائيل وسياساتها العنصرية الكريهة… وهو أي اليسار المزعوم يعمل دوما على اظهار اسرائيل بغير وجهها وواقعها على المسرح الدولي.
لا نريد الخوض في تفاصيل سياسات وجرائم حزب العمل فهي معروفة وذكرت مرارا في مقالات سابقة، ولكن لا بد من التذكير ببعضها باختصار شديد. فقط بدأت مع بداية الحملة الصهيونية في مطلع القرن وتواصلت في دير ياسين وكفر قاسم وقبية والسموع وغزة. ويبقى الاستيطان جريمة الجرائم، فهو الذي بادر إليه في الاشهر الاولى من احتلال الضفة الغربية عام 1967 وهو الذي سمنه وضاعفه.. وهو الذي واجه انتفاضة الحجارة بالحديد والنار، وهو صاحب سياسة تكسير العظام، وهو الذي دفع نحو الانتفاضة الثانية بالسماح لأرييل شارون بتدنيس الحرم القدسي، وهو اول من استخدم الطائرات الحربية ضد المدنيين وعمليات الاغتيال في مدن الضفة وغزة، وهو ايضا صاحب مقولة «لا مواعيد مقدسة» للتهرب من مستحقات اتفاق اوسلو.
لا شيء في مقال بيلين يتسم بالبراءة وهو العارف بخفايا الامور.. فهو يعكس تقاسم ادوار غير معلن بين اليمين واليسار هدفه خلط الأوراق وتثبيت الانقسام وزرع مزيد من الشكوك وإرباك الساحة الفلسطينية، وإبعاد شبح أي عملية سياسية يمكن أن تفرض حل الدولتين. فاليسار ممثلا ببيلين يقوم بدوره عبر الهجوم على حماس وبقية الحركات والفصائل الفلسطينية، بينما يأخذ اليمين ممثلا بليبرمان وغيره، منحى شيطنة الرئيس ابو مازن ممثلا لحركة فتح والسلطة عبر حملة تحريض غير مسبوقة بالتركيز على أنه ليس شريك سلام وهو ماض في تطبيق نظرية المراحل للقضاء على اسرائيل.
واختم: دروس كثيرة يمكن ان نتعلمها من العدو وعنه.. لكن تجربة ما بعد اتفاق اوسلو تؤكد ان فلسطين الرسمية لم تتعلم شيئا.. والدرس الاساس هو تعلم كيفية التحرر من تبعات هذا الاتفاق المشؤوم وبنوده وملحقاته وبروتوكولاته.
ليس عيبا ان نتعلم من عدونا لكن العيب ان نبقى جهلاء به وبمكره وأساليبه وطرق تفكيره وتكتيكاته واستراتيجياته وتسريباته، وبحرصه بجميع اطيافه السياسية من اليمين الى اليسار وبالعكس، على العمل لخدمة «الوطن» والمصلحة العامة، وان يكون هناك بعض الفساد المالي والاخلاقي، واستغلال النفوذ والجرائم الاخرى من قبل بعض المسؤولين التي لا يمكن ان تقارن بالفساد المالي لبعض المسؤولين، بل الكثير من المسؤولين في السلطة التي وصلت الى مئات ملايين الدولارات، حسب تقارير دولية وحتى باعترافها وملاحقتها لبعضهم في المحاكم وصدور احكام ضد آخرين.
إنهم متفرقون في كل شيء ويتراشقون بالكلام ويختلفون في الرؤى والمبادئ ويتعارضون بالمواقف.. لكنهم يلتقون ويتحدون في مواجهة الخطر الذي قد يحيق بدولتهم انه الشعب الفلسطيني.. عندئذ لا فرق بين يمين ويسار وبين علماني ومتدين فكونوا كما أعداؤكم.

كاتب فلسطيني من أسرة «القدس العربي»

بيلين ينبش القبور

علي الصالح

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول Hadib:

    أفلح الكاتب علي الصالح في عتابه العقلاني لفلسطينيي وعرب الداخل. وأود أن أنهج نهجه وأوجه العتاب أيضا الي العرب والمسلميين المقيمين في الدول الغربية، وبالأخص بريطانيا. فالأخطبوط الذي تعتصر بعض أهدابه أشقائنا في فلسطين رأسه موجود في بريطانيا وبالأخص في ما يسمي بال City of London وهو حي بمدينة لندن مساحته حوالي ميل مربع واحد يحتوي علي بنوك تتحكم عبر الربا في معاش كل من يعيش علي ظهر هذه البسيطة. ومن المعروف أن بريطانيا بلد ليس لديها دستور مكتوب وتحكم من خلال العرف والسوابق القضائية. ومن أراد ان يعرف سبب فشل محاولات الإنجليز في كتابة دستور لبلادهم عليه أن يبحث في الإنترنت عن مقال نشرته صحيفة الغارديان بعنوان The medieval, unaccountable Corporation of London is ripe for protest يتحدث عن الإمتيازات التي يتمتع بها حي المال في لندن وعدم خضوعه لسلطات بريطانيا وخشية النخبة البريطانية الحاكمة من أن يعرف رجل الشارع الإنجليزي حقيقة ما يجري في هذا الحي من عبادة الشيطان وال occult أي المخفي من الدجل والشعوذة مما ينخر في جسد بريطانيا (والعالم أجمع) نخر السوس في العود. فجلّ الخواجات لا يعلمون أنهم ضحايا مؤآمرة شيطانية لإستعباد الإنسان مثلهم مثل بقية إخوانهم من البشر.

  2. يقول موسى زاحم:

    بيلين يتصرف من وجهة نظره وعقيدته الصهيونية ولا داعي لانتقاده بانه اصبح مسنا . هو يعي ما يقول،

إشترك في قائمتنا البريدية