صنعاء ـ «القدس العربي» من محمد البندوري: يشكل المعجم الفني المتألف من عدة أشكال واقعية أحد أهم المسالك التي تغذي المشهد التشكيلي للفنان عبد القادر الكلدي. فالأشكال لديه هي مجموعة من الأدوات الواقعية التي يتصرف في تكوينها وفق مقومات تصورية تتفاعل مع نظام الفضاء التعبيري لديه في أنساق دلالية متلائمة ومنسجمة في ما بينها، تطاوع حسه الانفعالي ليعيد من خلالها تشكيل الواقع بإشارات عن وجود أنساق باطنية، تخترق المفاهيم الواقعية. وهو يترصدها وفق خاصيات محلية ترتبط أساسا بمحيطه وبيئته لتطفو في نسيجه التشكيلي، وتؤثر في ثقافته الفنية. إنه يشتغل وفق ذلك بتثبيت محكم وتعبير متناسق عن الواقع الذي يفصح عنه نمو أسلوبه المعاصر الذي يمتح مقوماته من جهاز تشكيلي معاصر، يؤثث مركزيته داخل أنساق تعبيرية بجماليات متعددة المرامي. تحدد له خريطته في الفن التشكيلي المعاصر، وتسمو به إلى مقام فن الصفوة بخطى ثابتة تستجيب لكل متطلبات الفن الواقعي.
إن خاصية التعدد في المضامين الواقعية بجماليات تشكيلية قد أثقلت دواليب المبدع عبد القادر الكلدي بإنتاج يتنوع في المعاناة والقضايا والإشكالات اليومية التي ينتجها الواقع المحلي، والتي تُمد المبدع بأبعاد فلسفية وخصائص قيمية ورؤى تعبيرية. تقوده إلى صياغة مساحة دلالية عن طريق الإيحاء والإشارة، حيث يتحطم الشكل الواقعي واللون التعبيري فوق القماش، ليحدث حركات متتالية قادرة على دفع العمل الإبداعي للانزياح نحو تعددية القراءة. إنه بذلك يبلور العملية الإبداعية وفق خاصيات جديدة وأساليب نوعية في التعبير.
وإنه أيضا يمنح أعماله مسحة إبداعية لمأسسة الرؤى الدلالية، وفق تشكيل مضاميني يحمل القارئ إلى عمق تلك الصورة الواقعية ومعالجتها بسلطة الرؤية البصرية، التي تشترك في استنطاق بواطن العمل في كليته. ولا شك أن صناعة الصيغ الجمالية تتوقف على المنحى التعبيري وفق معجم جمالي يتخذ مادته من الصيغ المضامينية ليشكلها جماليا بتقنيات تخدم التوجه نفسه، وهو توجه مليء بحمولات اجتماعية وثقافية وقيم دلالية ينشدها المبدع لغايات تبعث الرحمة والإنسانية، وتنطوي على مقصديات ذات بعد أخلاقي.
إن اختلاف طرائق استعمال الألوان تشغل حيزا كبيرا في المكان، لأنها تؤكد المسالك التعبيرية التي يرمي إليها المبدع، والتي تنبني على تفاعله الواقعي المتنوع، وتصوراته الهادفة التي يحملها اللون وطريقة التوظيف، وهو ما يمكن تفسيره بالتعددية التعبيرية المتناسقة وفق مقاربات اجتماعية وبناءات لونية وتقنية توحي بقدرة المبدع التحكمية في الفضاء، وهو ما يفضــــي إلى عوالم تبرز قيمة الفضاء وتظهــــر جانبا خصــــبا من التفاعل بين المبدع ومحيطه، وبينه وبين عالمه التشكــــيلي الذي ينبني على أسس معرفية وثقافية واجتماعية.
وكل ذلك يتيح للقارئ فرصة التأمل بعمق في أعماله الواقعية لاكتشاف عالمه الإبداعي المتوازن والمنسجم، الذي يحرك المشاعر ويؤثر في الأبصار.