لندن – «القدس العربي»: تساءل أحدهم «كيف أصبح الحرام حلالاً» في إشارة للمعارضة الدائمة من المؤسسة الدينية في السعودية لقرار السماح للمرأة بقيادة السيارة، وكتب ريتشارد سبنبسر مراسل شؤون الشرق الأوسط في صحيفة «تايمز» تحت عنوان «الطريق الطويل لحرية المرأة السعودية» إن إلغاء الحظر عن قيادة السيارة للمرأة في المملكة، لا يعني أن الديمقراطية قد تحققت، فهي لا تزال مشروعاً بعيد المنال. وفي البداية يشير إلى محاولات ناشطات مثل لوجين الهذلول ابنة ضابط البحرية المتقاعد التي قادت سيارتها من دبي إلى الرياض وكيف اعتقلت مع صديقتها ميساء العامودي في عام 2014.
ويقول: إن الحملة من أجل السماح للمرأة بقيادة السيارة التي حققت نهايتها السعيدة كانت حركة منظمة ومتجذرة في تاريخ الجزيرة العربية، وآخر مظاهرها وصول القوات الأمريكية والمتحالفة معها في الحملة ضد احتلال صدام حسين للكويت. ففي عام 1990 وصلت مع هذه القوات جنديات ونساء يقدن العربات والطائرات، وهو ما لم يفت انتباه السعوديات، خاصة المتعلمات المنفتحات اللاتي درسن في الخارج، وفرض عليهن العيش مع ذلك في ظل ثقافة مقيدة. ففي تشرين الثاني/ نوفمبر 1990 قادت المحاضرة الكاتبة فوزية البكر موكباً من 47 سيارة قادتها نساء حول الرياض. ولم تكن قيادتهن غير قانونية فكلهن يحملن رخص قيادة من دول أخرى مثلما فعلت الهذلول بعد 24 عامًا. وكان المنع على قيادة المرأة مرتبطاً بالعرف لا بالشرع. واعتقلت النساء يوماً واحداً وأطلق سراحهن بعد التعهد أن لا يحاولن مرة أخرى. وبرغم ترحيب الناشطات في العالم بما فعلته هذه النساء، إلا أنهن أصبحن منبوذات داخل مجتمعهن، ومن دون فرص حقيقية للعمل بشكل دفعهن للابتعاد عن الحياة العامة.
علاقة متوترة
كل هذا في وقت اتسمت علاقة السعودية بالغرب بالتوتر. ونظر العالم الخارجي للمرأة بأنها ضحية دولة تعيش في القرون الوسطى. ومع صعود القاعدة وهجمات أيلول/سبتمبر 2001 نظر إلى الناشطات على أنهن مثال عن سيطرة المواقف الغربية على البلاد. وبالنسبة للعائلة المالكة فهي تعبير عن مخاوفها من المعارضة التي تعرض استخدام الإعلام وتتقن العلاقات العامة.
وقد تغيرت الأوقات ومات الملك فهد عام 2005 وتولى السلطة الملك عبدالله المعروف بعقليته الميالة للتغيير، مع أنه لم يكن ليبراليا بالمعنى الحقيقي. وقام بالوقوف أمام وصول الربيع العربي للبلاد وأدخل عدداً من السياسات التي كانت رحمة ولعنة في الوقت نفسه. فلم يتم التركيز على الطريقة التي عاملت فيها السعودية المعارضين وسجن المثقفين وسجن النساء اللاتي تحدين قرار المنع بدلاً من دعوة عائلاتهن وتحذيرها. وفي الوقت نفسه أخذ الإعلام الغربي يهتم بموضوع المرأة السعودية وبشكل عام بالحريات في العالم العربي.
فقضية المرأة من الصعب تقديمها على أنها تهديد للسلم الاجتماعي مثل مواجهة التطرف أو الناشطين الداعين للديمقراطية. فمن يعارض حملة ريم أسعد ومحاولاتها «تأنيث» محال بيع الملابس النسائية. فهي قصة لا يمكن لأي رئيس تحرير رفضها لأنها تهدف لمنح النساء فرصة للعمل في محال تبيع حاجات خاصة بهن.
وفي النهاية منح الملك الإذن للمرأة للعمل ليس فقط في محال النساء ولكن في كل مكان. وفي غضون عام دخل سوق العمل آلاف النساء في المتاجر. ومع ذلك ظل الحظر على قيادة المرأة لأنه أصبح «سياسياً» حسبما قال له المسؤولون السعوديون. وكان يسمع «أحب أن تقود زوجتي السيارة» «إلا أن المحافظين سيغضبون لأننا خضعنا للضغوط الغربية». وفي هذا الوقت قامت عدة نساء بتحدي قرار المنع واعتقلن فيما طلبت نساء من أبنائهن الصغار قيادة السيارة. وفي أيار/ مايو 2011 قضت منال الشريف أسبوعاً في السجن لأنها تجرأت على خرق الحظر. وكانت مدفوعة بهذا لأنها لم تعد تستطيع توفير تكاليف سائق السيارة بعد طلاقها من زوجها. وسجلت قصتها وقصة حقوق المرأة في السعودية في كتاب صدر هذا العام.
محافظ
ويقول الكاتب إن الملك سلمان بن عبد العزيز يعتبر محافظاً ولكن بطريقة معينة، وقد يكون من أكثر الملوك السعوديين المؤيدين للغرب وهو يعرف حسب الكاتب ما يلعبه الإعلام في تغيير الصورة، خاصة أن عائلته تملك سلسلة من الصحف والمجلات في السعودية ولندن. وعين ابنه الأمير محمد ولياً للعهد وشارك أحد أبنائه سلطان في رحلة سفينة الفضاء «ديسكفري» عام 1995 أول رائد فضاء عربي.
ومنذ وصوله للحكم قام بتخفيف سلطة هيئة الأمر بالمعروف «المطاوعة» وقلل من شروط وصاية الرجل على المرأة خاصة في مجال العمل والسفر للدراسة وسمح للمرأة بدخول الملاعب الأسبوع الماضي. ويرى الكاتب أن هذه الخطوات جزء من خطة لجعل السعودية تبدو «عادية» للمراقب الخارجي أو أنها مثل جاراتها في الخليج- دبي وأبو ظبي. ومن منافع رفع الحظر عن قيادة المرأة هي أن الملايين التي تنفق على السائقين الأجانب سيتم استثمارها في السوق المحلي. وفي هذا السياق يقول سبنسر إن قضية الهذلول والعامودي اللتين سجنتا وحولتا إلى محكمة إرهاب نظرا للغة الحادة التي استخدمت على وسائل التواصل الاجتماعي كان له دور في حلها عندما ذكرها للسفير البريطاني الذي استقبل ولي العهد الأمير تشارلز للقيام بواجب التعزية بوفاة الملك عبدالله عام 2015.
وبعيداً عن هذا يقول إن دور المرأة السعودية يتغير ولكنه يدعو الغرب أن لا يتحمس كثيراً ويتفهم على ما يبدو الموقف السعودي. ففي قصة المدون رائف بدوي الذي حكم عليه بالسجن والجلد، فهو لم يتلق سوى 50 جلدة وبعدها توقف عقابه ولا يزال في السجن وانضم إليه عدد من رجال الدين، من الذين يتسببون بمشاكل. وعندما يتعلق الأمر بقيادة السيارة فإن الحبل السري لمعارضة العلماء له قطع من خلال سؤال هيئة كبار العلماء: هل من حق المرأة قيادة السيارة مع أنه ليس حراما في ذاته ولكنه بوابة للسلوك الحرام؟ أم لا غبار عليه؟ وجواب الغالبية كانت الموافقة. ولم يسأل الكاتب لِمَ تأخرت الحكومة عن طرح هذا السؤال لسنوات طوال.
وعندما حاول الكاتب الاتصال مع الهذلول والعامودي لسؤالهما عن رأيهما بالقرار الأخير لم يرفعا سماعة الهاتف. وأخبره صديق أنهما وغيرهما من اللاتي طالبن برفع الحظر طلب منهن عدم التحدث للصحافة.
أين المشايخ؟
نقلت بيل ترو وكاثرين فيليب أن السلطات طلبت منها عدم التحدث للإعلام أو كتابة التغريدات على التويتر « اتصلت بي السلطات والسيدات كلهن وطلبوا أن لا نتحدث عن قيادة السيارات أو كتابة التغريدات والتحدث للإعلام وإلا اتخذت ضدنا إجراءات». و»سألت إن كان هناك خطأ بالتعبير عن الفرح فأجاب هذا أمر وأنا أبلغك فقط، وكان يهددني». وكانت ردة الفعل على القرار المَلِكِي واضحة حيث قال رجل معلقًا على وسائل التواصل الاجتماعي «لا أحد يفهم هذا القرار، أين المشايخ؟ ماذا يحدث للسعودية؟».
وتساءل أحدهم «كيف أصبح الحرام حلالاً» في إشارة للمعارضة الدائمة من المؤسسة الدينية للقرار. بل عبر الأمير محمد بن سلمان الذي ينسب إليه القرار كجزء من خطة الإصلاح عن تحفظه من إلغاء الحظر. وقال في نيسان/أبريل إن المجتمع «ليس جاهزا». وفي ذلك الوقت صوت مجلس كبار العلماء ضد قرار رفع الحظر وقالوا إن قيادة السيارة تؤثر في رحم المرأة. ومن هنا؛ هناك أسئلة حول توقيته، فقد أعلنت الحكومة القرار في وقت تتعرض فيه السعودية لضغوط في الأمم المتحدة وتحاول منع تشكيل لجنة تحقيق خاصة في جرائم الحرب في اليمن. ولدى السعودية أسوأ السجلات في مجال حقوق الإنسان ويُفرض على المرأة زيٌ موحدٌ يغطيهن من الرأس إلى القدم.
«واشنطن بوست»: منح المرأة مفاتيح السيارة لا يعالج القيود على حريتها الشخصية
تحت عنوان «السعودية ترمي التمييز الحقير» قالت صحيفة «واشنطن بوست»: «صحيح أن قرار السعودية السماح للمرأة بقيادة السيارة من أجل حرف أنظار العالم عن انتهاكات البلد الأخرى وحربها في اليمن وهناك سبب يدعونا للحذر حول كيفية تطبيق التغيير. ولا مجال للشك في أن المرأة السعودية لا تزال تعاني. لكن يجب أن لا تمنعنا هذه المحاذير كلها من التعامل مع قرار مهم يحرر المرأة من عقبة تواجهها في حياتها اليومية».
وأشارت للأمر المَلِكِي الذي أعلنه التلفزيون الرسمي وتزامن مع مناسبة إعلامية في واشنطن أعلن فيها نهاية تمييز حقير، كون السعودية الدولة الوحيدة في العالم التي تُمنع فيها المراة من قيادة السيارة، مشيرة إلى أن القرار جزء من محاولات ولي العهد الأمير محمد بن سلمان تحديث البلد وتوسيع اقتصادها، مع أن العمل به لن يبدأ إلا في حزيران/ يونيو.
لكن ذلك لن يقتل فرحة المرأة السعودية والناشطات الحقوقيات اللاتي ذهب بعضهن إلى السجن في محاولاتهن لإنهاء القيود على حركة المرأة، ورمز اضطهادهن. وأشارت إلى ما كتبته الناشطة منال الشريف التي اعتقلت عام 2011 بسبب قيادة السيارة: «السعودية لن تعود كما كانت والمطر يبدأ بقطرة واحدة». وقالت سلمى الرشيد من جمعية النهضة الخيرية: «أتعامل مع هذا أكثر من كونه قيادة سيارة وأعتبر نفسي اليوم إنسانة أكثر من أمس» وكتبت فتاة عمرها 16 عاماً تعليقاً لـ»نيويورك تايمز»: «الآن تستطيع أمي قيادة السيارة للعمل أو تأخذني أختي بالسيارة لإصلاح هاتفي، أشعر بالسعادة الحقيقية».
وتقول الصحيفة: إن السعودية التي تحكم بناء على قوانين الشريعة تعتبر أسوأ بلد من ناحية المساواة بين النوعين. ومن هنا فمنح المرأة مفاتيح السيارة لا يعالج القيود الأخرى التي يفرضها قانون المُحْرَم أو الولي على حريتها الشخصية، ويقيد حياتها من ناحية العمل والتعليم والسفر أو حتى الخضوع لعملية جراحية. وتعلق قائلة: «قرار هذا الأسبوع خطوة في الاتجاه الصحيح. ومن يعتقدون أنه خطوة صغيرة عليهم التفكير كيف كانت ستكون حياتهم إن لم تكن لهم القدرة على الذهاب للعمل أو المطعم أو مركز التسوق أو زيارة صديق من دون الاعتماد دائماً على شخص، ودائما هو ذكر».
«غارديان»: القرار الأخير يحاول التغطية على دوامة الأخبار السيئة حول السعودية
كتب مارتن شولوف في صحيفة «غارديان» معلقاً على التطور الأخير في السعودية بشأن قرار السماح للمرأة بقيادة السيارة مشيرا إلى أنه في وقت تعاني فيه السعودية من أزمة صورة: حرب طاحنة في اليمن، أزمة مستمرة مع قطر وأوقات مضطربة في داخل المملكة.
ومن هنا فقرار منح المرأة الحق في القيادة «سيضع حداً- في الوقت الحالي- لدوامة الأخبار السيئة». وبناء عليه فستكون المرأة قادرة على قيادة السيارة في دفـعة لهـا وإصـلاح لوضـع طالما طــالبت بتغييـره.
ويقول إن «الدهشة والفرح والخوف هي ردود فعل عامة على تحرك يراه المسؤولون لحظة تحول. خاصة أن التغييرات في السعودية ينظر إليها على أنها «تطورية لا ثورية» إلا أن الإعلان هذا كان صادما للنظام».
ويضيف إن الأمير محمد بن سلمان الذي مضى عليه أربعة أشهر في دوره الجديد الذي سيقوده لاحقا للعرش السعودي لعب أكبر ورقة لديه. ومن خلال هذا استخدم دعم العقبة الكبرى أمامه وهي المؤسسة الدينية الجامدة التي ظل رجالها غير ميالين للتقدم وبالتحديد منح المرأة حقوقها.
وقد انتهزت المرأة السعودية الإعلان حيث قالت إنه منذ العام المقبل ستصبح رحلات الذهاب للمدرسة والتسوق أسهل وكذا الذهاب للعمل أو زيارة صديقات وأقارب وهناك مشكلة في الموضوع: طالما رضي الأقارب بموضوع قيادتها للسيارة.
ومن هنا فالتغيير المهم هو أنه لم يعد هناك أية عقبة قانونية تقف أمام قيادة المرأة للسيارة. ولا يوجد أي أساس ديني كما ورد في الأمر الملِكِي للحظر. وعليه فالسماح للمرأة الجلوس وراء مقود القيادة منعه لم يعد مسألة تخص الحكومة بقدر ما هو قرار توافق عليه العائلة.
وبناء على قانون المحْرم/ الولي فالرجل لديه سلطة «فيتو» على أي تحرك للمرأة من الدراسة والعمل والخروج للطبيب إلى السفر وبالضرورة قيادة السيارة. وفي الوقت الذي ستمنح الدولة المرأة رخصة السياقة إلّا أن الرجل هو من سيقرر إن كانت ستقود أم لا.
ويرى القادة السعوديون أن تغيير المواقف الاجتماعية تحتاج وقتا. وبرفع الحظر المفروض يأمل الأمير بن سلمان أن يسرع من عمليات التغيير خاصة أن الخطر الوجودي على المملكة هو من الداخل كما يؤمن وتحتاج لأن تتغير. ويبدأ هذا من تصحيح وضع المرأة التي تشكل نصف السكان. وهن محرومات من الحياة الاجتماعية ويحظر عليهن المشاركة في أي نوع من أنواع الترفيه وعدد من الأعمال. وعليه فقدرة المرأة على السياقة سيسهل عليها الحياة ويفتح الفرص أمامها حالة تم التخلص من الرؤية المحافظة التي طالما أكد القادة السعوديون أهمية تغييرها باللطف.
ومع ذلك فقد خرج التغيير من عقاله. فقبل أربعة أعوام ظهر الملك عبدالله في صورة جماعية مع طالبتين بحجاب من دون نقاب بشكل أثار همهمات رجال الدين والكتاب المحافظين.
إبراهيم درويش