تبت أيديكم تلك التي غمستموها بدمائنا

آخر قطرة غيرة عربية سقطت من النظام الرسمي العربي، مرت ذكراها قبل أيام. إنه التاسع من أبريل 2003، يوم احتفلوا باحتلال بغداد. لم يكن الحدث ابن تلك اللحظة، ولم يأت من فراغ. كان حصيلة خيبة عبدالله الصغير يوم أضاع الاندلس، وكل الخيبات التي تلت على أيدي عبيدالله الصغار الذين أتوا من بعده.
كان الحدث أكبر نخوة عربية وفزعة مُضرية، شارك فيها بعض العراقيين والعرب ، الأمريكان والانكليز والآسيويين والأفارقة، في اغتصاب العراقيين رجالا ونساء وأطفالا. كان أعظم سباق تاريخي لوضع بصمة في حملة بوش وبلير، إلى الحد الذي شاركت فيه دولة أفريقية بجندي واحد، كي تُحسب لها مشاركة، واعتذرت دولة عربية عن إرسال قوات، فشاركت بمجموعة من القرود كي تُفتح بهم حقول الألغام، التي زرعتها القوات العراقية على الحدود مع الكويت لإعاقة تقدم قوات الغزو، كي لا يفوتها شرف المشاركة في قتل العراقيين واحتلال بلدهم، وفُتحت الأجواء العربية والمياه الإقليمية، وأزيلت السواتر الترابية التي وضعها الأشقاء على حدودنا قبل الغزو، وأعلنوا عن إطفاء ديونهم لكل من يشارك. أما المعارضة العراقية فقد أقسم بعضها أن يُعيد تاج وصولجان كسرى إلى مدائن بغداد، وآخرون جلسوا حول موائد المخابرات المركزية الامريكية ليضعوا اللمسات الاخيرة لحل الجيش العراقي، وتوقيع عقود النفط طويلة الأجل برخص التراب. وطرف ثالث يسمون أنفسهم جنرالات خانوا شرف العسكرية وهربوا إلى أحضان الاعداء، وأبوا إلا أن يؤكدوا خيانتهم فأطلوا من على شاشات الفضائيات، يتوسلون الاعداء بتعديل إحداثيات القصف الجوي كي يقتلوا منا أكثر، ويدمروا كل ما على الارض من إنسان وجماد وحيوان. الاشقاء فتحوا خزائنهم بكرم عربي معروف لكل من يغرف، وأرسلوا كل ما لدى مخابراتهم من معلومات صحيحة ومفبركة عن العراق إلى الحلفاء، وتطوع زعماء وملوك وأمراء عرب بوضع ما لديهم من معلومات، عرفوها عندما كانت علاقاتهم متينة مع العراق. بعضهم كان حتى تلك اللحظة يأخذ نفطا عراقيا على شكل هبات كي لا يجوع، لكنه أبى إلا أن يشارك الآخرين ذاك الجُرم، فأرسل قواته الخاصة لتتوغل في الأراضي العراقية رفقة قوات النخبة الأمريكان، لغرض الاستطلاع قبل الغزو. أما الغرباء فقرروا منح جنسياتهم لكل من يشارك في الحملة العسكرية، من المرتزقة والمجرمين والباحثين عن اللجوء، لأن احتلال العراق كان عملا مقدسا وأكبر اختبار لحسن النوايا بما يفوق قسم الولاء.
كان عرسا وحشيا رقص فيه الجميع حول النيران، وتلذذوا برائحة شواء الأجساد العراقية، التي كانت تذوب بآخر ما أنتجته المصانع الحربية من تكنولوجيا القتل والدمار. كانت أمنية كبرى للبعض فنذروا النذور لها وأوقدوا شموع الفرح، إلى الحد الذي أقسم فيه أمير عربي، كان يمثل بلاده في الولايات المتحدة، أن لا يحلق ذقنه الا بعد أن يسمع باحتلال العراق، وعندما غادر مكتب بوش منتصف ليلة الغزو قال له، أنا ذاهب أصلي لقواتكم كي تحقق النصر. أمير آخر جاء بغداد في اللحظات الاخيرة ما قبل الغزو قائلا، سلموا بغداد للامريكان فهو الخيار الافضل. وقبل كل ذلك كانت الأبواق تصرخ بهستيريا عن خطر العراق المزعوم، وكانت الأقلام المأجورة تُسطّر المقالات عن شرق أوسط جديد يعُم فيه الامن والسلام بعد تمزيق العراق. وها هو العراق الجديد علم ودستور وبرلمان كل عن المعنى الصحيح مُحرّف، وخريطة تشظّت بعشرات الحدود والخنادق الطائفية والقومية والعشائرية، وشعب بات الجميع يطلق عليه تسمية سنة وشيعة وكرد وتركمان، ولم يعد أحد يصفه بهويته الوطنية، لأن زعاماته السياسية لا تحمل هذه الصفة، بينما يُقتل العشرات من ابنائه يوميا بتفجيرات إجرامية أو لحسابات طائفية. فبيان بعثة الامم المتحدة في العراق يشير إلى مقتل وأصابة 2680 عراقيا خلال شهر مارس الماضي. أما النازحون من مناطقهم داخل العراق، فتشير التقديرات إلى 3.2 مليون نازح، يرافق كل هذا انحدار كارثي في مستوى الخدمات الأساسية، في حقول الصحة والتعليم والرعاية الاجتماعية. فهل صان العرب أمنهم القومي عندما شاركوا في جريمة احتلال العراق؟ وهل تحقق لدعاة القيم الإنسانية الغربيين العالم الآمن الذي كانوا ينشدونه بغزو البلد؟ وأي دور يلعبه العراق اليوم؟
يقينا لقد ارتكب النظام الرسمي العربي جريمة أخرى لا تقل كارثيتها عن جريمة ضياع فلسطين، وها هم يجلدون ذواتهم بعد فوات الأوان. فأحدهم اعترف علنا بأن الامريكان قدموا العراق على طبق من ذهب إلى إيران، ومؤخرا اعترف آخر بأن المنطقة لم تعرف الطائفية إلا بسبب احتلال العراق. إن أعترافاتهم الصريحة والعلنية تلك هي تعبير واضح عن حجم التهديد الذي لمسوه وباتوا محاطين بمخاطره. فالحدود الايرانية انتفخت حتى لامست حدودهم من جهة العراق، ولم تعد جغرافيته عازلة للخطر الايراني عنهم، كما بات مُصدّرا للميليشيات، حسب قول وزير وقيادي عراقي، حين قال بأن العراق لا يحتاج إلى مقاتلين من دول أخرى للتصدي لتنظيم الدولة، لانه بات يُصدّر المقاتلين. يضاف إلى ذلك المحاولات المستميتة لسلخ الشعب العراقي عن عروبته، من خلال تجريم هذه الرابطة والصاق التهم بها، وتغليب الصفات الطائفية والمذهبية. كل هذه النتائج جعلت العراق التهديد الأكبر للأمن القومي العربي. أما على الصعيد الدولي فغاب دوره المعتاد في المنظمات الدولية والإقليمية، وبات مختبرا كبيرا تصنع فيه كل عوامل التهديد للامن والسلم الدوليين، حتى أصبح العراقيون ممنوعين من زيارة الكثير من البلدان، وتلاحقهم الشبهات عند وقوفهم في نقاط الحدود للدول الأخرى.
لقد نسي ولاة الامر بغداد التي كانت تقسم رغيف خبزها معهم، وتهب دماء أبنائها كي تحميهم ويزهر المستقبل في أقطارهم، وتفتح خزائنها كي تبني لهم طرقا وجسورا ومطارات وقصورا رئاسية. أسألوا عمان والقاهرة ونواكشوط والخرطوم وفلسطين ودمشق وصنعاء وغيرها، فمازالت حملات الإعمار التي قامت بها بغداد شاخصة لديهم. واحصوا القادة والزعماء العسكريين والمدنيين الذين تخرجوا في جامعاتها المدنية والعسكرية، ولم يدفعوا قرشا واحدا لأن كل خدماتها مجانية للعرب. لا منة في ذلك، بل هو واجب الاخ الكبير والغني والشريف، لكن أنظروا اليوم إلى بغداد والكوفة والبصرة التي هي حواضركم، ستجدون خرابا فعلته أيديكم أيها الاشقاء. أنظروا إلى أهلكم وأطفالكم وأشقائكم وشقيقاتكم في العراق، واحصوا الوجع البادي على وجوههم واسألوا أنفسكم. أهذا هو جزاؤهم ؟

٭ باحث سياسي عراقي

د. مثنى عبدالله

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول الكروي داود النرويج:

    نصف ما ذكرته يا دكتور مثنى فعله العراقيين ببلدهم
    وهؤلاء لو تذكر كانوا من إنتخبوا القائمة 555
    هؤلاء أعطوا أصواتهم لإيران بملئ إرادتهم
    فجنوا الخراب والإهمال والبؤس بمناطقهم
    حاقدون قادمون من الشرق دمروا بغداد
    ولا حول ولا قوة الا بالله

  2. يقول مهند العراق:

    نقطتين يا دكتور اذا تسمح تجيبني عليها مع الاحترام.
    1. تقول ان بعضهم كان ياخذ نفطا كهبات لحد تلك اللحظة حتى لا يجوع !
    بربك من اعطى العاطي لهذه الهبات الرخصة لاعطاءها ياترى ؟! هل انت ام انا ام اي واحد اخر من الشعب العراقي !
    2. ولاة الامر نسوا ان بغداد كانت تتقاسم رغيف الخبز معهم ،وتهب دماء ابناءها لتحميهم ! ……الخ مما ذكرت . اليس الاولى اذا كان لدينا مرقة زائدة ان نسكبها على( زياكنا) مامعناه فتحة الدشداشة من ناحية العنق للذي لا يعرف المعنى، كما يقول المثل العراقي !
    اربع سنوات متتالية كنت اتقدم للحصول على سلفة الطلاب الجامعيين في السبعينات من القرن الماضي وقدرها 50 دينار بالسنة، ولم احصل عليها مطلقا فقط لاني غير بعثي ! والسوري واللبناني والفلسطيني وحتى الصومالي ….الخ من الجنسيات ، كانوا يحصلون عليها وتعرف لماذا ! لاننا ننطلق من منطلقاااااااات قومية كما كان يقول طارق عزيز منظر الحزب القائد !
    بربك اهذا هو العدل ؟! اجبني . وشكرا

  3. يقول hussain:

    AHSNT VERY GOOD ARTICLE
    I FEEL YOUR TEARS IN THIS ARTICLE & I SHARE IT
    WITH YOU

  4. يقول ابو علی:

    هل هذه هی المشکله. لماذا تنکر ان العرب هم من حییوا باالامریکان و ساندوهم و هذا هو الخطا .الحقیقه ان الارا الطائفیه لا قیمه له

  5. يقول الخيال:

    حقد العرب ودورهم في دمار العراق غير طبيعي والان يبكون على الاطلال لا لندامة ولكن لانهم ايقنوا ان دورهم قادم.

  6. يقول غادة الشاويش المنفى:

    د مثنى صوتك عراقي لا يعتريه رياء الإعلام والصحافة د مثنى صوتك قلب العراق الجريح وصرخة الأسد الذي سقط فكثر ذابحوه صوتك يا مثنى ادمى قلبي أتذكر كنت لا زلت طالبة في الصف العاشر في الكويت أتذكر فرعون مصر وحيات الله يا د مثنى اني ما نسيت كلامه لهلا قال يومها في مؤتمر صحفي ربما على ما اذكر كان في السعودية قال للإعلام بالحرف يا د مثنى قبل العدوان الثلاثيني على بغداد قال ( العراء (بكسر العين وهمز القاف يقصد العراق ) العراء حيضرب ضربة اوية جدا انا بؤللكم العراء حيضرب ضربة اوية جدا ما تؤولوش عميل ولا عارف حاجة !!!) العراق يا مثنى ذبح ذبحه الحاقدون من أبناءه الذين يتكلمون الفارسية على ارض عروبتها عاصفة لم تنطق ولن تنطق حرفا فارسيا ولو حرقوها العراق أتذكر تلميذا كان معنا في الأردن بعد ان نزحنا إلى الأردن بعد.حرب الكويت ذهب الة بغداد وهو ابن السبعة عشر ربيعا ليدافع عن عاصمة الرشيد وعن بلد دمانا فدى كحل عيني نخيله وترابه وانسانه المتعدد الثقافات والتخصصات ذهب هو وزوج اخته بعد ان انتهى كل شيء عادا الى الاردن فورا الى المخابرات بدؤوا بضربهما !! وكل شوي يقولون لهما رايحين تتحملو صواريخ القصف الامريكي يعني رجال اسم الله بتتحملو ضربات مقر المخابرات مش هيك يا ولاد ال …. المهم الشاب افرج عنه لصغر سنه ولانه لا ينتمي لاي تنظيم وزوج اخته كذلك لانه لم يكن من اصل فلسطيني وكان ابنا لاحد عشاءر الشمال في الاردن وكان مدير المقر من نفس العشيرة تعاطف معه (!!) المهم اجريت مقابلة مع الشاب قال لي كنا في البصرة والجنوب العراقي نسال بعض السكان عن الاتجاهات لاننا لا نعرف البلد جيدا يدلوننا على المكان تاتي الطاءرات تقصفنا بعد قليل اكثر من ذلك عندما يدلونا يدلونا على طرق مليءة بالموت والقصف سالته عراقيين ويفعلون ذلك وبلدهم يقصفه العالم !؟؟ قال لي يكرهون صدام حسين كثيرا وتعاملو معنا على اننا اتون لانقاذه !! لا لانقاذ بغداد والعراق !! وبدء العدوان الثلاثيني على بغداد الذي شارك فيه كل الحاقدين لاعقي أحذية أمريكا من أمارات ا لبترودولار اسراءيل التي كانت طوال الثمانينات تناقش للاميريكيبن في ان الخطر هو بغداد وتمرر الاسلحة بقيمة 500مليون دولار الى طهران العراق رابع أقوى جيش في العالم على مستوى القوات البرية وصاحب التصنيع العسكري العراق الذي كان الفلسطيني يذهب من الضفة ليدرس في جامعاته ويأخذ راتبا أيضا لانه مناضل العراق الذي رغم وجود تحسس لدى سلطاته البعثية آنذاك من اي تحرك إسلامي الا الفلسطينيين كانوا استثناء يدخل الفلسطيني الجامع يدرس الشريعة الإسلامية يتحول إلى خبير في الأسلحة الكيماوية وممنوع ان يضايقه أحد حتى الاستخبارات العراقية في دولة بعثية ! العراق كان تاجا وجبلا في وجه العدو الاسراءيلي والفارسي أخبروني اليوم هل من رثاء لعينيه المغمضتين مسجى جثة هامدة قتلها قابيل الغادر !

  7. يقول منى*الجزائر*.:

    ليسوا إخوانكم ياد.مثنى ابدااا ولن يكونوا…الخونة والعملاء لا أخوة معهم ؛أخوهم وابنهم وعمهم وحتى ربهم الوحيد الذي يعبدونه هو الدولار…بربك من يبيع وطنه وابناء وطنه يعز عليه جار!؟؟…
    نحن في زمن انهارت فيه العروبة من حولنا….
    كلما مرت ذكرى احتلال العراق المشؤومة 20 مارس اشعر بغصصة في حلقي…يوم نحروا صدام في العيد!!..يوم بيعت بغداد الرشيد للامبراطورية فارس …لكن ضع كل هذا جانبا وقل لي ماذا فعل أبناؤه!؟..
    الهذه الدرجة يجرد الدولار والانتماء الطائفي بعض النفوس من وطنيتها….
    لكن أقول لاخوف على العراق سيجمع شتاته ويبنيه ابناؤه وبناته الماجدات…ويعيدوا للعراق مجده وزخمه الحضاري والثقافي قريبا بإذن الله….مادمت ياد.مثنى فيهم انت وامثالك صناديد بالقلم والحب لوطنكم المفدى العراق الأشم….
    تحية لك استاذنا وتحية لكل الاخوة المعلقين وتحية لقدسنا الغراء بيتنا الثاني…

  8. يقول د. مثنى عبدالله:

    تحية لكل من قرأ هذا المقال وعلق أو لم يعلق…تحياتي الخاصة اليكم جميعا , غادة ومنى اللتين يعجز القلم عن التعبير لهما , وكذلك الاخوة الاعزاء الكروي , ومهند , وحسن , وأبو علي , والخيال , وأسمحوا لي أن أعلق على ماقاله أخي مهند من العراق:
    أخي مهند أحترم ماقلته لكني اختلف معك فيه . أنا أتحدث هنا عن النظام الرسمي العربي وليس عن أشقائنا العرب الذين تمتعوا بخيرات العراق . النظام الرسمي خان العراق , لكن أشقائنا أول من قدموا للدفاع عن العراق , وأذا كنت في العراق قبل الاحتلال فأنك تعرف المقاتلين العرب الذين قدموا للدفاع عن بغداد وأستشهدوا ودفنوا على أرصفتها أنذاك. أنت تقول بأن الخيرات يجب أن تذهب للعراقيين وليس لغيرهم , لكنني واثق جدا بأنك لو وجدت أبناء شقيقك عراة فسوف تأخذ من ملابس أولادك لتكسوهم , وأذا وجدتهم جياع فسوف تقسم خبزة أولادك بينهم , اليس هذا صحيح يامهند؟ هكذا علمنا الاسلام وقيم العروبة . وأذا أنت اليوم تعتبر من أخذ نفطا كهبة , أو درس في العراق مجانا من بقية العرب , تعتبره خطأ جسيما , أذن ماذا تقول بمن قدم روحه ودمه للعرب ؟ أنت تعرف بأن الجيش العراقي الكثير منه أستشهدوا دفاعا عن فلسطين وسوريا ولبنان والجزائر . أننا أمة واحدة تجمعنا رابطة العروبة والاسلام , ولاخير فيمن بات شبع وبات جاره جائع. فلاتمن بما قدم العراق على اشقاءك , وتذكر ان بعض العراقيين قدموا ارواحهم دفاعا عن العرب , وهو شرف يجب ان نفاخر به.
    مع التقدير والاحترام

إشترك في قائمتنا البريدية