وضعت العملية الإرهابية التي ضربت برشلونة في 17 أغسطس المغرب في صلب الاهتمام بل المساءلة. منفذو العملية مغاربة، والإمام الذي شحذ أذهانهم مغربي، وتزامنت مع أعمال عنف قام بها مغاربة في فنلندا وإيطاليا.
وقد تناسلت في حمأة الغضب تحاليل مبتسرة، منها تلك التي ذهبت رأسا واتهمت المغرب، وساءلت سياسته في احتواء التطرف، ومنها التي لم تتورع عن الإساءة، كما فعلت مجلة «جون إفريك» وقد أشارت في غلافها بألوان معبرة وعنوان مثير، إلى أن الإرهابيين ولدوا في المغرب. فكيف لبلد يُعترف لأجهزته باحترافيتها في محاربة الإرهاب، وله مؤسسات دينية راسخة في التصدي للتطرف، ومرجعية لـ»الإسلام الوسطي» أن يكون مشتلا للإرهابيين أو بالأحرى أن يكون شريكا؟
ليست الاستنتاجات الصحافية الخطيرة ولا الأسئلة الأكاديمية ما يهم بقدر ما تهم الأجوبة العملية لمحاربة الإرهاب.. والتشخيص الدقيق هو ما يساعد على التصدي للظاهرة.. ينبغي التذكير بقواعد عامة وهي، أن الإرهاب مُعولم، منشطر ما بين المرجعية، والجهة الحاضنة والممولة، والمنفذ ومكان التنفيذ، ومن ثمة فالتصدي له لا يمكن إلا أن يكون عالميا، وهو معقد، متعدد العوامل ومتحول. تأتي العملية الإرهابية التي ضربت برشلونة بعد انحسار تنظيم «داعش» في عرينه وفقدانه قواعده، وسعيه لتحويل ساحة المواجهة ونقلها إلى أوروبا، ما يشي بأن خطر نقل الإرهاب خارج ساحة المواجهة يظل قائما، مع استعمال السلاح الجديد، الدهس بالسيارات.
محاربة الإرهاب ينبغي أن تندرج في الأزمنة التالية، الزمن الآني، أو الأمني، يهم بالدرجة الأولى الأمنيين، وله أسلوبه وضوابطه، وليس له أن يتم في الشفافية، وينبغي أن يزاوج ما بين المعلومة، استقصاء وتبادلا، والرصد والتحليل والتوقع، وطبعا التعاون داخل الدولة بمختلف أجهزتها ومع أطراف دولية أخرى. ثم الزمن المتوسط، هو الذي يشتغل على الإنسان وأوضاعه الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والروحية. وهو طبعا شأن مسؤولي الشؤون البلدية، والسلطات المحلية، ووسائط الإدماج، وعلماء الاجتماع، وعلم النفس والإجرام، والقيمين الدينيين، ومن الضروري فتح سبل التعاون بين كل هؤلاء المتدخلين على اختلافهم، بشكل معلن وظاهر. ولا يمكن هنا، ألاّ نربط بين الاستقطاب والأوضاع التي تعيشها الجاليات المسلمة في أوروبا. ولا يسوغ أن نركن للخطابات اللينة التي لا تريد أن تزعج أو تسعى إلى أن تبسط الأمور، لأن التستر على الحقيقة هو ما قد يفضي إلى المحظور وما لا تُحمد عقباه.
والملاحظ أن الجاليات المسلمة تعيش في غيتوهات، وسبق للوزير الأول الفرنسي السابق إيمانويل فالس، أن سماه «أبارتايد». وتعرف الأحياء التي يقطنونها تدني الخدمات بمختلف أشكالها، وارتفاع الجريمة وكل أسباب الانحراف، مثلما تشكو من ارتفاع نسبة البطالة. لقد أسر لي عمدة بلدية مولنبيك المحاذية لبروكسل، على هامش لقاء حول محاربة التطرف انعقد في بروكسل في نوفمبر 2016، أن نسبة البطالة وسط الشباب وصلت إلى حدود الخمسين في المئة، ويرجع ذلك إلى أن التعليم المقدم في البلدية لا يهيئ لمتطلبات الشغل في مدينة كوسموبولتية يُفترض فيها معرفة اللغات، أي أن التعليم لا يوافق سوق الشغل، ولا يرقى من حيث الجودة إلى ما تفرضه مستلزمات العولمة من خبرات ومهارات.. وبتعبير آخر، لا يمكن ربط الانحراف بثقافة أو عقيدة، أو بلد، بقدر ما يرتبط بالأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في تلك الدول.
ومن أكبر القضايا المطروحة هي ما يسمى بالتأطير الديني، حيث ينبغي أن ينصرف إلى عناصر ثلاثة تشكو فقرا وضعفا، أولا أماكن العبادة، حيث يتكدس المسلمون أثناء التعبد في أماكن تخلو من أي مسحة روحية، ثم الوسائط، أي الأئمة الذين يجهلون ثقافة بلد الاستقبال وقضاياه ولغته، وثالثا الخطاب الديني. والسؤال كيف يمكن لأنظمة علمانية، ليست اللغة العربية لغتها، أن تضبط الخطاب وتراقبه، وتتبع شؤون القيّمين الدينيين الذين لا يخضعون لأي إطار إداري؟ تختلف الإجابات باختلاف الدول الأوروبية. هل يمكن الاستعانة بدول مصدر الجاليات في ضبط الخطاب وكيف؟ أسئلة ليست سهلة ولا يمكن حلها إلا في إطار تعاون دولي ثنائي، من خلال هيئات قائمة لا ينحصر عملها في الآني، ولا في إطار قوالب قانونية جامدة. ولكن أهم جانب ينبغي أن ينصرف إليه التصدي للإرهاب، ويندرج في الزمن المديد، أو المدى الطويل، هو ما يسمى بحرب الأفكار، أو صياغة المخيال، أو السرد المضاد. يتغذى الإرهاب من الأوضاع الاجتماعية، ولكن شرايينه هي المرجعيات الفكرية والأيديولوجية. وينبغي تفكيك خطاب التطرف، والسعي لتقديم بديل، في بلد استقبال الهجرة، وفي بلد التصدير، أي أننا، في بلداننا الإسلامية لسنا معفيين من رؤى جديدة في منظومتنا التربوية وفي مخيالنا الجماعي يعانق القيم الكونية، ويتشبع بفكر الأنوار، ويجري قراءة موضوعية على التاريخ، تاريخنا وكذا علاقتنا بالآخر، غير النظرة الأيديولوجية السائدة، ويرتبط بمنظومة قيمية للدين تدعو للمحبة والتسامح وتأنف من التكفير وتنآى عن العنف.
قامت الرابطة المحمدية في المغرب وهي هيئة رسمية مغربية بتحليل خطاب التطرف، ورصدت مواطن إغرائه، أو ما سمته بالأحلام التي يجيشها، ومنها الكرامة، والوحدة في ظل الخلافة، والبطولة والتوبة، مثلما ينبني على الأوصاب أو الجراحات الثخينة ومنها المؤامرة والأوضاع التي يعيشها المسلمون في فلسطين والعراق والبوسنة والشيشان وبورما، والكيل بمكيالين، والمركزية الغربية، واستغلال الثروات، والمساس بمقدسات الإسلام، ومنها القرآن الكريم والرسول. العمل الذي قامت به الرابطة المحمدية، على أهميته، يبقى قاصرا، إن لم ينخرط في مقاربة شمولية وطنيا، بل في تنسيق مع أطراف أخرى تتصدى للإرهاب وأسسه الفكرية، دوليا.
عوض أن نُلقي بالتعلّة على طرف، لتكن لنا الشجاعة بالقول، كلنا مسؤولون، نحن مسؤولون، في كل دول العالم الإسلامي، بخطابات العداء المستشرية بين ظهرانينا، من تكفير وتخوين وتهويل، بضحالة الفكر، بنظرتنا الأسطورية أو الأيديولوجية للتاريخ، وبالفوارق الاجتماعية الصارخة، والغرب مسؤول كذلك، من خلال شيوع شعور العداء ضد المسلمين أو الإسلاموفوبيا، فهذه ترتبط بعلاقة جدلية بالإرهاب، يغذيها الإرهاب، مثلما تغذيه، وفي الأبارتايد الفعلي أو المستتر ضد الجاليات المسلمة، وفي عدم فتح حوار جدي حول القضايا المشتركة، ومنها الهجرة، وسبل الإدماج، والماضي الاستعماري، بل ماضي القرون الوسطى، كما هي الحالة مع إسبانيا، والمقاربات النفعية للحكومات الغربية. الوعي بالمسؤولية المشتركة لما يقع، من أي موقع، هو ما قد يهيئ لحلول ناجعة لآفة تهدد العيش المشترك، وتحمل ما حذر منه الكثيرون، جرثومة حرب حضارية تأتي على الأخضر واليابس، هنا وهناك.
كاتب مغربي
حسن أوريد
تطرف بعض الحكومات العلمانية في بلادنا العربية يؤدي إلى تطرف بعض الجماعات الإسلامية
أي هي ردة فعل هوجاء من البعض لفعل أهوج من بعض الأنظمة !
ولا حول ولا قوة الا بالله