لندن ـ «القدس العربي»: مع اقتراب المئة يوم الأولى على دخوله البيت الأبيض ليس لدى الرئيس دونالد ترامب ما يقدمه، فنسبة الأمريكيين الذين يوافقون على أدائه لا تتعدى 42% وهي الأقل التي تسجل لرئيس في الأيام الأولى من ولايته، وهي أقل من تلك التي سجلها جيرالد فورد بعد عفوه عن ريتشارد نيكسون.
ومع ذلك فالرئيس يستفيد من ظاهرتين: فشعبيته بين الجمهوريين عالية تصل إلى 84%، أما الظاهرة الثانية والتي من الصعب إدراكها ولا يمكن اختصارها في الارقام «وأعتقد انها حقيقية وأشير إلى القبول المتزايد في البلاد للذي لا يقبل به» كما يقول ماكس بوت في مجلة «فورين بوليسي» ويقول إن الناس عادة ما يتكيفون مع الوضع مهما كان غريبا أو شاذا «فنزول كائن فضائي على الأرض قد يكون خبراً ضخماً لكن نزول كائن كل يوم سيتحول إلى أمر عادي» وعليه فمن خلال هذا الفهم أصبح الرمز الدخيل على المكتب البيضاوي أمرا عاديا ويتم التعامل معه كرئيس طبيعي مع أنه ليس كذلك.
ويضيف أن ما لم يفكر به احد أصبح أمرا عاديا. ويقول إن الكثير من أصدقائه الذين لم يكونوا أبدا أصدقاء لترامب يهزون أكتافهم كلما شاهدوا خدعا جديدة له.
ويضيف أنه من الصعب البقاء غاضبا لمدة 100 يوم علاوة على 1.461 وهي مدة الرئاسة الأمريكية.
لا أحد يهتم
ويتحدث الكاتب عن ترامب الذي لا يزال يقول نفس الكلام الفاضح المثير للغضب لكن الناس لم يعودا يلتفتون إليه لأنه اصبح يحدث كل يوم. ويضرب أمثلة على هذا الكلام مثل دعمه للمرشحة المتطرفة مارن لوبان حيث تحدث إلى وكالة «أسوسييتدبرس» إن الهجوم الإرهابي على الإليزية قبل أيام من الجولة الأولى «من المحتمل أن يساعدها لأن موقفها قوي بشأن الحدود وهي الأقوى في ما يتعلق بما يحدث في فرنسا»، متجاهلا في هذا تاريخها الطويل في معاداة السامية والعنصرية وعداء أمريكا وإنكار الهولوكوست ودعم البوتينية. ولم تساعد تصريحات ترامب لوبان التي جاءت ثانية بعد مرشح الوسط إيمانويل مكرون . وربما أضرت تصريحاته بها. ولا أحد يفهم قرار رئيس لكيل الثناء على شخصية تقع على الهامش السياسي وتحيط نفسها كما قال أحد مستشاريها «بالنازيين الحقيقيين».
أما المثال الثاني فثناء ترامب على الديكتاتوريين، فقد فرش البساط الأحمر لعبد الفتاح السيسي وأثنى على هذا المستبد الذي يشرف على عمليات تعذيب واعتقال جماعية قائلا إن الديكتاتور المصري «قام بعمل رائع في وضع صعب»، مضيفا أن أمريكا تدعمه بقوة. ورغم إطلاق النظام المصري مواطنة أمريكية معتقلة منذ 3 أعوام إلا أن ترامب لم يقل ولو كلمة عن المعتقلين الذين يعانون من الإنتهاك المستمر.
وقال بوت إن الرئيس الأمريكي هنأ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على الإستفتاء المثير للجدل والذي كان جرس الموت للديمقراطية في تركيا. وجاءت تصريحاته رغم التجاوزات التي تحدثت عن حدوثها وزارة الخارجية الأمريكية. وما عليك إلا العودة لإدارة نيكسون كي تجد رئيسا أمريكيا يقدم الدعم الغامض لانتهاكات حقوق الإنسان وتدمير الديمقراطية. وفي الوقت الذي قدم فيه الرئيس الدعم للديماغوغيين قام ترامب بافتعال الحرب مع حلفاء الولايات المتحدة مثل كندا قائلا إن دعمها لصناعاتها «عار».
وفرض تعرفة جمركية بقيمة 20% على وارداتها من الخشب اللين. وتأتي المواجهة مع حلفاء الولايات المتحدة بعد المكسيك وأستراليا.
أمام صورة كلينتون
والأمثلة كثيرة على تصرفات ترامب الغريبة فقد استقبل في 19 نيسان/إبريل مغني الراب كيد روك وسارة بيلين المرشحة لنائب الرئيس في انتخابات عام 2008 والمغني تيد ناقينت والذي وصف الرئيس السابق باراك أوباما بنصف الإنسان إبن السفاح، واعتبر هيلاري كلينتون المرشحة الديمقراطية الخاسرة عاهرة لا قيمة لها وتحدث بكلام أسوأ عنها وعن أوباما وطالب بمحاكمتهما بتهم الخيانة العظمى ودعا لإعدامهما وقال «أريد إطلاق النار عليهما». وقال إن هناك مؤامرة يهودية للحد من استخدام السلاح. وتصريحات كهذه كانت كافية لمنعه من دخول أي مكان في الحكومة علاوة على البيت الأبيض.
ولكن ترامب زاد في البجاحة عندما أخذ صورة «سيلفي» أمام صورة كلينتون، عندما كانت سيدة أولى في البيت الأبيض. ولا يزال ترامب، رجل العقارات والرئيس يواجه تضارب مصالح، فلم يحصل على ماركات تجارية سرية من الصين ولكنه عيّن ابنته إيفانكا كمستشارة بارزة في اختراق واضح لقانون المحسوبية.
وتواصل منظمة ترامب وأيفانكا ترامب ماركس أل أل سي بالتوسع حول العالم وتعقد صفقات مع شركات أجنبية. وكما ذكر محامون في القانون الأخلاقي لوكالة أسوسيتدبرس. فالتعاملات المالية للرئيس غير مسبوقة في تاريخ السياسة الأمريكية. وفي مقابلته معها تحدث مفاخراً أن حديثه مع كبريات القنوات الأمريكية مثل «سي بي أس» هي الأكثر مشاهدة منذ هجمات 9/11.
ويعلق بوت أن هذا الكلام لو صدر عن رئيس آخر لأدى إلى موجة من السخط وعناوين الأخبار إلا أن كلام ترامب لم يلاحظه أحد. ويضيف أن مشكلة الإدارة الحالية كما في الحملة الإنتخابية هي أن التعليقات الصارخة تأتي سريعة ولا يمكن هضمها لان تصريحات جديدة تصدر بحيث تنسي المواطن الأمريكي ما قيل سابقا.
وكمثال عن هذا هي «كرملين غيت» عن علاقة الروس في الإنتخابات الرئاسية الأمريكية. فهناك الكثير من الأدلة تقترح تدخل روسيا فيها بشكل ساعد على فوز ترامب.
ولا تزال المعلومات تظهر للنور حول العلاقة. فمثلا قبلت لجنة تنصيب الرئيس مليون دولار من ألكسندر شوستورفيتش الذي وصفته «وول ستريت جورنال»، «برجل الأعمال الأمريكي ـ الروسي والذي دفعت علاقاته التجارية مع المسؤولين الروس والشركات المملوكة من الدولة الولايات المتحدة رفض السماح له بأنه يكون جزءاً من صفقة يورانيوم قبل عقدين ولأسباب تتعلق بالأمن القومي. وقامت لجنة الحزب الجمهوري الوطنية بإعادة صك مالي بقيمة 250.000 دولار تبرع به عام 2000.
ومع ذلك فلم يلاحظ أحد صلة رجل الأعمال الروسي الذي جاء ذكره مضمنا في الفقرة السادسة من تقرير الصحيفة وتجاهلته معظم وسائل الإعلام تماما كما تم تجاهل القصص الأخرى عن علاقة ترامب بالروس، مثل الدور الذي لعبه إريك برينس، مؤسس شركة بلاكووتر للتعهدات الأمنية وشقيق وزيرة التعليم بيسي ديفوس، والذي التقى ممثلا روسيا مقربا من الكرملين في جزر سيشل في المحيط الهندي.
وقالت حملة ترامب إن برينس لم يكن على علاقة بفريق المرحلة الإنتقالية إلا أن «بوسطن غلوب» جمعت أدلة قوية تظهر فيها كذب البيت الأبيض.
ويعلق بوت أنه في ظل سيطرة الجمهوريين على اللجان الأمنية في مجلسي النواب والشيوخ لا تستطيع القيام بهذه المهمة ولا بد من لجنة من الحزبين كتلك التي شكلت بعد هجمات 9/11 ولن يحدث هذا طالما غاب الضغط من الرأي العام.
ويختتم الكاتب بالقول إن ترامب لا يتمتع بشعبية واسعة، وهذا صحيح إلا أن فشل معارضيه الحشد والتعبئة يعطيه الفرصة للتملص من كل أخطائه.
نجاحات
وفي ظل الغياب العام والإهتمام تحاول الإدارة المضي في حملتها التي حولت الإعلام إلى حزب معارضة كما وصفه المنظر ومستشار ترامب للإستراتيجيات ستيفن بانون.
رغم أن مهمة الإعلام هي البحث عن الحقيقة المحايدة من دون تحيز. وتحدثت صحيفة «واشنطن بوست» عن جهود أسبوع من النشاطات التي تحاول فيها الإدارة الحالية الإشارة لإنجازات الرئيس.
وقالت إن النشاط المحموم في البيت الأبيض بدأ يوم الإثنين بحفل استقبال لوسائل الإعلام المحافظة وفرض تعرفة جمركية على الخشب اللين المستورد من كندا وشهد اليوم وإن في ساعة متأخرة إطلاق موقع على الإنترنت وأظهر إنجازات الرئيس «في أول 100 يوم». وتبع هذا أمر رئاسي صمم لمساعدة المزاراعين وأصحاب المزارع والتأكيد على أهمية بدء العمل بالجدار على الحدود الجنوبية مع المكسيك «سيتم بناء الجدار»، هكذا قال الرئيس. ويوم الأربعاء أعلن عن خطط ضريبية.
ويتعامل ترامب مع المئة يوم الأولى كعلامة «مصطنعة» إلا ان النشاطات في الجناح الغربي للبيت الأبيض تكشف عن حمى تحاول من خلالها الإدارة تقديم بعض الإنجازات الملموسة وهي تعبر عتبة الـ100 يوم الأولى.
وتعلق الصحيفة أن عاصفة النشاطات التي تلاحقها الإدارة الناشئة هي تعبير عن محاولة للحفاظ على الزخم في ضوء النقد الذي وجّه إليها لعدم وجود بصمة الإنجاز الكبير.
ومن هنا فتقديم حس انها تعمل شيئا افضل من الجلوس ساكنة. وكما قال الرئيس يوم الثلاثاء وهو يوقع على اوامره الجديدة إنها مجرد كلام كثير وليس لديه الوقت الكافي لقراءة ما فيها. وتعلق الصحيفة أن ترامب يواجه ضغوطا شديدة بعضها فرضها هو على نفسه ويشعر بالحاجة لتلبيتها.
فما بين الجدار على الحدود ومشروع إعادة إعمار البنية التحتية على مدار العقد المقبل ورصد له تريليون دولار لم يستطع ترامب تمرير أي من التشريعات في الكونغرس.
ولم يتم تقديم أي مشروع سوى محاولة إلغاء نظام الرعاية الصحية «أوباما كير» والذي فشل بسبب عدم توافر العدد الكافي من النواب الداعمين له ومن داخل الحزب الجمهوري. مع أن مسؤولين في البيت الأبيض والجمهوريين قالوا إنهم يقتربون من إنهاء مشروع جديد من دون تقديم تفاصيل.
وتقول الصحيفة إن ترامب وعلى خلاف الرؤوساء من قبله يقوم بإدارة البيت الأبيض مثل الدراما التلفزيونية.
ويعتقد أن تقديم صورة عن الطاقة الحركة مهمة إن لم تكن أهم من الواقع الحقيقي. ويرى بيتر وينر أحد مسؤولي إدارة بوش السابقين ان الإدارة لا يمكنها المرور من دون إنجازات ولمدة أربعة أعوام «عليك أن تظهر نتائج» فما يهم في النهاية هو الإنجازات.
فيمكن للإدارة التلاعب بالإعلام وتقديم الأمور بصورة براقة لكن الرأي العام يحكم على الرؤوساء من خلال النتائج لا الكلام. صحيح أن ترامب استطاع أن يملأ بعض الشواغر مثل تعيين رئيس للمحكمة العليا وبعض القرارات التي تحفز النمو الإقتصادي إلا أنه لم يبدأ بعد في وعوده الكبيرة.
ولهذا السبب يحاول مساعدوه البحث وعن إنجاز ولو كان صغيرا لعبور امتحان مئة اليوم الأولى. وبناء على قائمة تحتوي على 60 وعداً وجدت صحيفة «واشنطن بوست» أنه وفى بخمسة منها وحنث بخمسة و36 لم يبدأ العمل بها أما البقية فقد أطلقها أو تراوح مكانها. وحسب مارك شورت، مسؤول البيت الأبيض للشؤون التشريعية فقد وجدت الإدارة نفسها أمام عقبات البيروقراطية. فبعض الوعود التي أطلقها ترامب تحتاج للتعاون بين البيت ومجلس الشيوخ واعترف أن بعض الوعود ربما كانت طموحة. كل هذا لا يخفي حالة الهوس التي عاشتها الإدارة من ناحية إظهار إنجازات الرئيس ودفعها لإصدار مذكـرات غير دقيـقة.
وفي يوم السبت سيقود الرئيس مسيرة في هاريسبيرغ في بنسلفانيا. وتعلق إن الخطوات التي يقوم بها ترامب حتى يوم السبت هي إعادة تغليف لاستراتيجيته والتي تعلمها كمقاول ووصفها في كتابه «فن الصفقات» (1987) بأنها مبالغة في الحقيقة.
ومشكلة الرئيس كما يقول وارين تومكينز، الإستراتيجي الجمهوري في ساوث كارولينا إن بعض الوعود تحتاج لأدلة وبصمات وتشريعات.
وقال «مشكلتنا هي أن الناس صوتوا وأعطونا مفاتيح الحافلة ونسينا كيفية القيادة». وفي وسط الصراع وجدت مكتبة جيمي كارتر فرصة هذا الأسبوع وقامت بنشر تغريدة تحدثت فيها عن إنجازات كارتر في المئة يوم الأولى من رئاسته وأن شعبيته كانت 63%. مقارنة مع ترامب الذي يعتبر الأقل شعبية في تاريخ الرئاسات الأمريكية.
انقسام
وتعلق صحيفة «لوس أنجليس تايمز» أن الرئيس الأمريكي لم يحقق الكثير لكنه حافظ على دعم الناخبين الذي أوصلوه إلى البيت الأبيض.
وعلقت إن الرئيس تسيدت اخباره الإعلام في موضوعات داخلية وخارجية ولكنه أثبت قدرة على البقاء في داخل الأضواء. وفي الوقت الذي منح فيه الجمهوريين القدرة على القيادة إلا أنه أعطى الديمقراطيين الطاقة لمواجهة خططه.
وأدى خطابه التخويفي من المهاجرين إلى تناقص عدد المهاجرين الذين يحاولون الدخول إلى الحدود الأمريكية.
ويظل أثر ترامب قليلا خاصة أن الإنقسام في الحزب الجمهوري والمعارضة من الديمقراطيين والأخطاء التي ارتكبها أسهمت في التقليل من فاعليته.
وتقول لين فارفيك من جامعة كاليفورنيا: «ركز ترامب على الأهداف قصيرة الأمد» وهذه استراتيجية غير عادية لرجل يريد أن يحكم. وأضافت أن معظم الأشخاص الذين يريدون أن يحكموا لديهم خطة طويلة الأمد ويريدون تحقيق إنجازات من خلال رؤية.
وتقول الصحيفة أن أحلام الديمقراطيين بتراجع شعبية الرئيس تلاشت بسبب استعداد الناخبين له مواصلة الدعم كما أظهر استطلاع أجراه «يو أس سي» و»لوس أنجليس تايمز» وقالت فيه نسبة 90% إنها مستعدة لانتخاب ترامب مرة ثانية إلا أن الإستطلاع كشف عن انقسام حول أدائه فـ 40% دعمت أداءه و 46% لم تصادق على أدائه ورفضت نسبة 14% دعم أي طرف.
إبراهيم درويش