فعلا، أمريكا يحكمها نظام الحزب الواحد ذو الوجهين، الجمهوري والديمقراطي. والناس في أمريكا، خاصة الطبقات الوسطى والفقيرة والمهمشة والشباب، ملوا وضجروا من هذا النظام ومؤسسته الحاكمة، وباتوا يتطلعون إلى التغيير. أوباما رفع شعار التغيير، فوجد دعما شعبيا أوصله للبيت الأبيض، وصبر الناس عليه ثماني سنوات ليحقق التغيير، لكنهم في النهاية حصدوا الخذلان والخيبة. ثم تحلقت تلك المجموعات المتضجرة حول المرشح ساندرز وتجدد لديهم أمل التغيير، لكن، مرة أخرى، بدد «السيستم» آمالهم وأحلامهم، لتتجدد وتتجاوب مع خطاب المرشح دونالد ترامب. هاجم ترامب النظام الأمريكي ووصفه بالفاسد والخرب، وأنه يبدد ويهدر أموال أمريكا في سياسة خارجية ليس لأمريكا مصلحة فيها، بما في ذلك حلف الناتو والتواجد العسكري في آسيا.
وهاجم المؤسسة الحاكمة والطبقة الغنية الأمريكية متهمها بالفساد والتلاعب، مركزا على شخصية هيلاري كلينتون كممثلة لها. وظل ترامب في كل خطاباته يوجه نقدا لاذعا للآلة الإعلامية الأمريكية باعتبارها تطبل للنظام الفاسد وتغيب وعي الشعب. ثم نجح ترامب في لمس وتر حساس عند الناخب الأمريكي، عندما وصف إدارة الرئيس أوباما بالضعف والفشل في مواجهة بعبع الإرهاب «الإسلامي»، وعندما وجه خطابا جاذبا للبيض، خاصة الطبقة العاملة، في مواجهة تدفق موجات الهجرة إلى البلاد، وتحديدا عبر المكسيك، وعندما عبر عن دعمه المباشر لكل المجموعات التي ظلت تعاني من التهميش في ظل سياسات النخب الحاكمة. وحتى لغة ترامب الصادمة والخادشة، والخارجة عن النمطية المعتادة، فأعتقد أنها صادفت هوىً عند أنصار التغيير! أعتقد، هذه المعطيات وغيرها هي التي أوصلت ترامب إلى البيت الأبيض.
لكن، وعلى الرغم من أي دعاوى للتغيير، فإن النظام الأمريكي، يجعل من المستحيل على أي رئيس للبلاد، جمهوري أو ديمقراطي، تغيير استراتيجية الأمن القومي الأمريكي التي ترسمها وتحميها المؤسسات السياسية والاقتصادية والعسكرية والأمنية الأمريكية. أما دور الرئيس، فينحصر فقط في كيفية ووتيرة التنفيذ. وإذا حوى خطاب المرشح للرئاسة أي قدر من التعارض مع هذه الاستراتيجية، فعند دخوله البيت الأبيض، إما أن يتدجن منصاعا لهذه الاستراتيجية، أو سيغيب عن المسرح، ويترك البيت الأبيض، وربما الحياة، بهذه الطريقة أو تلك.
بالنسبة لمنطقتنا، فإن مشروع «الشرق الأوسط الجديد» يمثل جوهر هذه الاستراتيجية، والتي من ضمن أولوياتها: 1- ضمان أمن إسرائيل وبقائها كدولة متفوقة نوعيا في الإقليم، والضغط من أجل الاعتراف بها وتطبيع العلاقات العربية معها. 2- تفتيت المنطقة إلى دويلات دينية ومذهبية وثنية، ضعيفة ومتصارعة. 3- مواصلة السيطرة على ثروات المنطقة، القديمة منها والمكتشفة حديثا. 4- الموقع الاستراتيجي للمنطقة، طرق نقل مصادر الطاقة، المتاخمة لروسيا والصين. 5- تجفيف منابع الحركات الإسلامية الجهادية.
وبالنظر إلى تطابق خطاب ترامب الانتخابي مع هذه الأولويات، أو بعضها، فأعتقد أنه سيتحمس بقوة لتنفيذها. لذلك، وبدلا من مواصلة الخوض في مستنقع الدهشة البلهاء حول كيف ولماذا فاز ترامب، أرى ضرورة الاستعداد لمقاومة هذه الهجمة المتوقعة.
ظهر مصطلح الشرق الأوسط في القرن 19 وسط الاستراتيجيين العسكريين الأوروبيين. لكنه، دخل في التداول السياسي والفكري، في بدايات خمسينات القرن العشرين، بغرض فرض هوية بديلة للهوية العربية، عبر إدماج الوطن العربي بكل مكوناته الثقافية والسياسية والحضارية في وعاء فضفاض، الشرق الأوسط، بما يحقق واقعا جغرافيا جديدا يضفي الشرعية على الكيان الإسرائيلي. ومن زاوية مختلفة تماما، شكل المصطلح حضورا بارزا في الخطاب السياسي والفكري لمختلف القوى في المنطقة العربية، وخاصة القوى الليبرالية واليسارية، باعتباره بديلا للمفاهيم التي يطرحها القوميون العرب. ولقد عاصر العديد من رؤساء الولايات المتحدة الأمريكية، جمهوريين وديمقراطيين، محاولات ترجمة استراتيجيتها حيال الشرق الأوسط في مشاريع تتيح تحكمها في بلدان المنطقة، فلم يعترض أي منهم، ولكنهم تفاوتوا في كيفية التنفيذ ووتيرته. فبإيعاز وتحريض ودعم مباشر من الولايات المتحدة، أنشئ في عام 1955 حلف الشرق الأوسط، والذي، بعد انضمام العراق إليه في 1956 صار يعرف بحلف بغداد المركزي. هدف الحلف المعلن كان مواجهة النفوذ السوفيتي والشيوعي في منطقة الشرق الأوسط. وحاول الحلف، المكون من بريطانيا وتركيا وإيران وباكستان والعراق، التمدد تجاه الدول العربية الأخرى، خاصة مصر والسعودية، إلا أنه جوبه بالرفض، كما اندلعت مقاومة شعبية، واسعة وقوية، ضده في كل البلدان العربية تقريبا. انسحب العراق من الحلف بعد الإطاحة بالنظام الملكي في 14 تموز/يوليو1958. وبعد اندلاع الثورة الإيرانية، تم حل الحلف.
وعلى الرغم من انهيار حلف بغداد، ثم اشتداد عود جبهة التصدي والرفض للاعتراف بإسرائيل وقبولها كدولة شرق أوسطية، حتى بعد توقيع عدد من الأنظمة العربية لاتفاقيات سلام وتفاهم إسرائيل، إلا أن عزيمة الولايات المتحدة، وبالطبع إسرائيل، لم تفتر في محاولة إدماج إسرائيل في المناخ العربي، ولتكريس مفهوم الشرق الأوسط كواقع سياسي وفكري بديل لفكرة القومية العربية التي سادت الوعي العربي والحركة السياسية العربية لفترات طويلة خلال القرن العشرين. وامتدت هذه المحاولات عبر السعي لإدخال مفهوم الشرق الأوسط، وترسيخه، من بوابة الاقتصاد. فعقد مؤتمر الدار البيضاء الاقتصادي حول الشرق الأوسط عام 1994، وتكرر في القاهرة وعمان والدوحة. وقبل ذلك، كان مؤتمر مدريد، 1991، خطوة متقدمة في إنهاء مقولة صراع الوجود بين العرب وإسرائيل، وفتح الأبواب أمام نظام شرق أوسطي يملأ الفراغ الذي أحدثه انهيار منظومة الأمن العربي إثر غزو الكويت، 1990، والحرب ضد العراق، 1991. وكان لإسرائيل رؤية واضحة في هذا المشروع، أبرزها ما طرحه شمعون بيريز، في كتابه الشهير «الشرق الأوسط الجديد»، المنشور في 1993، حول جمع كل دول الشرق الأوسط، بما فيها إسرائيل، في سوق مشتركة، كحل نهائي للنزاعات بين العرب والدولة اليهودية.
وسنواصل في المقال القادم استعراض الجهود الأمريكية لتنفيذ مشروع الشرق الأوسط الجديد في منطقتنا.
٭ كاتب سوداني
د. الشفيع خضر سعيد
إنّ مصطلح الشرق الأوسط من ( ابتكارات ) وزارة الخارجية البريطانية قبل الحرب العالمية الأولى ( الهند )…وأصبح متداولاً بشكل كبيربعد الحرب العالمية الثانية ( السويس ) وهويشمل المشرق العربيّ ومصروتركيا وإيران ؛ وزادت إسرائيل من رواجه بل سيادته على ما سواه بعد حرب عام 1967 مقابل منطقة شرق المتوسط ؛ حسب التسمية البريطانية…وذلك من خلال اطلاق التسمية ( أمريكياً ) تحت تصنيف الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.والبعض يضيف إليه جيوسياسياً ؛ دول البحرالأحمرالأفريقية إضافة لمصر: ( السودان وأثيوبيا وأريتريا ).
والشرق الأوسط فيه أهمّ ثلاث جزرهي :
# قبــرص ( البحرالمتوسط ).
# تيـــران ( البحرالأحمـــر ).
# البحرين ( الخليج العربيّ ).
والشرق الأوسط أصل لأهمّ ثلاثة أديان عالمية هي :
# الإســــــــلام.
# المسيحية.
# اليهوديــــة.
وهوأصل ومنبع جميع الرسالات السّماوية من آدم ونوح إلى النبيّ الخاتم.ففيه الأنبياء الكبارالكرام من نسل سيدنا إبراهيم : ( موسى / عيسى / محمد ) من هنا نرى أنْ نطلق عليه مصطلحاً جديداً ؛ أنسب وأدق لواقعه في الماضي والحاضروالمستقبل هو: الشرق الإبراهيمي.