لندن ـ «القدس العربي»: من ينفذ الهجمات الإرهابية ضد أمريكا؟ بحسب روديو جولياني، عمدة نيويورك السابق وأحد كبار مساعدي الرئيس الأمريكي دونالد ترامب فالقرار التنفيذي لا يتعلق بكونه «منعا للمسلمين» بل إن «ما فعلناه، بدلا من التركيز على الدين، (ركزنا) على الخطر» في إشارة للدول التي شملها القرار وهي إيران وسوريا والعراق واليمن وليبيا والسودان «وهو خطر قائم على الحقائق لا على قاعدة دينية… وقام على المناطق التي توجد أدلة عن إرسالها إرهابيين إلى بلدنا».
ويعلق أوري فريدمان في مجلة «ذا أتلانتك» أن سياسة ترامب لا تقوم على حقائق كما أخبر جولياني شبكة «فوكس نيوز» فقاعدة البيانات المعلوماتية المتوفرة لدى الولايات المتحدة تظهر وبشكل متناسق أن التهديد يقع في مكان آخر.
صحيح أن تنظيم «الدولة» (داعش) يسيطر على أراض في العراق وسوريا وليبيا فيما يوجد لتنظيم القاعدة حضور كبير في اليمن وتسيطر حركة الشباب الإسلامي على أراض في الصومال. تتهم الحكومة الأمريكية إيران وسوريا والسودان برعاية الإرهاب.
وتقول إدارة ترامب إنها اختارت هذه الدول لأن الكونغرس وإدارة أوباما اختارت هذه الدول في السابق كمناطق لا يمكن زيارتها عندما تخطط للإعفاء من تأشيرة الدخول للولايات المتحدة.
ويقول إن دولا تقع في مرمى هدف ترامب قد يكون أبناؤها ارتكبوا أعمالا إرهابية في الولايات المتحدة. فقد قام صومالي بجرح عدد من الأشخاص في جامعة ولاية أوهايو في الخريف الماضي. وتمت إدانة طالبي لجوء سياسي في عدد من الدول الأوروبية.
صفر هجمات
كل هذا لا يعني صدقية ما تقوله إدارة ترامب. فبعد البحث والتنقيب في قواعد البيانات والتقارير الإعلامية وسجلات المحاكم ومصادر أخرى وجد أليكس نوراستيه، خبير شؤون الهجرة في «معهد كاتو» للحرية الفردية أن مواطني الدول التي منعها ترامب ارتكب أبناؤها «صفر» هجمات ضد الولايات المتحدة في الفترة ما بين 1975 ـ 2015.
وبحسب دراسة نوراستيه فقد أدين في هذه الفترة ستة إيرانيين وستة سودانيين وصوماليان وعراقيان ويمني واحد بمحاولة تنفيذ هجمات على الأراضي الأمريكية. ولم تتم إدانة ليبيين أو سوريين.
ويقول إن «الإرهابي المولود في بلد أجنبي يعتبر خطرا، لكن يمكن السيطرة عليه إن أخذنا بعين الإعتبار المنافع الاقتصادية الضخمة للهجرة وقلة كلفة الإرهاب».
وعن المهاجرين الذين يقول ترامب إنهم يشكلون تهديدا على الولايات المتحدة يؤكد إن تحرك ترامب هو «بمثابة رد على خطر وهمي».
فلم تسجل خلال العقود الأربعة الأخيرة سوى حالات قليلة جدا. فهناك 20 شخصا من بين 3.25 مليون لاجئ استقبلتهم الولايات المتحدة تمت إدانتهم بمحاولات لارتكاب عمليات إرهابية على التراب الأمريكي ولم يقتل سوى ثلاثة أمريكيين في أعمال ارتكبها لاجئون ـ وكلها من لاجئين كوبيين في السبعينات من القرن الماضي. وبالمقارنة لم يرتكب أي لاجيء سوري جريمة قتل في أمريكا.
ويقول نوراستيه إن «احتمال القتل على يد شخص غير إرهابي مولود في الخارج أكثر من بـ 252.9 مرة من مقتله نتيجة عمل إرهابي نفذه إرهابي مولود في بلد أجنبي».
وقدم الباحث قائمة بالأفراد الذين ارتكبوا عمليات إرهابية أو أدينوا بمحاولات إرهابية على التراب الأمريكي وربطهم بالبلاد التي جاءوا منها وعدد الأفراد الذين قتلوا جراء أعمالهم. فعلى سبيل المثال اعتبر تاشفين مالك المولودة في الباكستان والتي نفذت مع زوجها عملا إرهابيا في سان برناندينو عاشت معظم حياتها في السعودية.
وعليه سجل منشأ الهجوم من السعودية بالإضافة لعدد من الذين شاركوا في هجمات إيلول/سبتمبر 2001. فقد جاء 15 مهاجما من السعودية وإماراتيان ولبناني واحدا وكان قائد المجموعة مصريا. ويقول فريدمان إن الدول التي جاءت في قائمة نوراستيه تضم السعودية ومصر ولم تشملا في قائمة ترامب.
وربط ترامب بين هجمات الحادي عشر من سبتمبر/أيلول ونظام منح التأشيرات الذي قد يؤدي لنتائج كارثية إلا أن حديثه مضلل من ناحية منشأ الإرهاب اليوم.
ووجد نوراستيه أن عدد الذين قتلوا على يد مهاجرين أو سياح قتلوا 3.024 من بين 3.432 شخصا ماتوا نتيجة لأعمال إرهابية. ومن بين هؤلاء 2.983 ماتوا في هجمات الحادي عشر من سبتمبر/أيلول.
تغير أشكال الإرهاب
ويشير فريدمان إلى أن النمطية التي تتحدث عن الإرهابي الأجنبي بالشخص المتسلل عفا عليها الزمن. بحسب قاعدة بيانات أعدها معهد «نيو أمريكا» عن أشكال الإرهاب في الولايات المتحدة. وعلى خلاف معلومات معهد كاتو الذي ركز على أشكال الإرهاب في الولايات المتحدة بمرحلة ما بعد الحادي عشر من سبتمبر/أيلول فقد شملت قاعدة بيانات «نيو أمريكا» أشخاصا أدينو بجرائم لها علاقة بالإرهاب ولم تقتصر على الإرهابيين الأجانب ولكن المواطنين الأمريكيين.
وتشير تقارير المعهد «كل جهادي نفذ هجوما قاتلا داخل أمريكا منذ الحادي عشر من سبتمبر/أيلول كان مواطنا أم مقيما شرعيا». وتصل نسبة المقيمين الشرعيين والمواطنين الأمريكيين بين الذين نفذوا الهجمات في هذه الفترة 80%.
ومعظم المنفذين كانوا من الجيل الثاني من أبناء المهاجرين، فمنفذ هجوم أورلاندو كان مواطنا أمريكيا. وكان واحدا من المنفذين لهجوم سان برنادينو مواطنا أمريكيا. وكما قالت جين هول لوت، المساعدة السابقة لوزير الأمن الداخلي في مهرجان أسبين للأفكار العام الماضي «ماذا كانت نظريتنا حول الـ12 أو 15 عاما التي أعقبت هجمات الحادي عشر من سبتمبر/أيلول؟ كانت نظريتنا عن الرجال الأشرار أنهم جاهزون للدخول هنا… وماذا لو كانوا موجودين هنا؟». وفي الوقت الذي دخل فيه المهاجمون الذي شاركوا بتدمير مركز التجارة العالمي مستخدمين تأشيرات من أنواع مختلفة.
ومنذ ذلك حتى عام 2015 «فمن بين المهاجمين يزعمون أو الذين تأثروا بالتطرف الإسلامي لم يحتج أي منهم لتأشيرة دخول كي ينفذ هجومه إلا واحد» وهذا بحسب قائمة أخرى أعدتها صحيفة «نيويورك تايمز».
فنصف الهجمات التي حللتها الصحيفة قام بها أشخاص ولدوا في الولايات المتحدة. ونقلت عن خبراء الأمن قولهم إن «مخاطر السفر الروتيني ـ بما في ذلك إعفاء مواطني دول بريطانيا وفرنسا وبلجيكا و 35 دولة من التأشيرات لدخول الولايات المتحدة أخطر بكثير من تهديد الإرهابيين الأجانب الذي يدخلون من خلال برامج توطين لاجئين».
ويذكر فريدمان أن تركيز ترامب على خطر تنظيم «الدولة» مفهوم ولكنه لا يتناسق مع الإحصائيات.
فمنذ عام 2014 كانت غالبية الذين أدينوا بجرائم تتعلق بتنظيم «الدولة» في الولايات المتحدة هم من المواطنين الأمريكيين.
وبحسب برنامج التطرف في جامعة جورج واشنطن فإن نسبة 58% كانوا من حملة الجنسية الأمريكية و6% من أصحاب الإقامات الدائمة. كما أن عدد الجهاديين الذين يقاتلون في صفوف تنظيم «الدولة» جاءوا من السعودية وتونس وروسيا والصين ومصر والمغرب، أي أكثر من الدول التي صنفها ترامب.
ويمكن الحديث هنا أن عدم حدوث عمل إرهابي كبير في الولايات المتحدة على يد إرهابي مولود في الخارج نابع من السياسات المتشددة التي اتخذتها الحكومة الأمريكية من أجل تحديد عدد المهاجرين.
وكما علق غراييم وود في «أتلانتك مونثلي» «لو فكر تنظيم «الدولة» بإرسال سوري أو عراقي لقتل أمريكيين وطلب منه الحصول على تأشيرة فإنه يختار الطريق الصعب. وسيفجر كل المهاجمين أنفسهم قبل وصولهم أمريكا بسبب البيروقراطية الشديدة لدوائر الهجرة.
ويرى فريدمان أن حظر ترامب دخول المهاجرين مثل جداره الذي يريد بناءه على الحدود مع المكسيك هو تشخيص خاطئ لمشكلة حقيقية.
وفي النهاية يقول نوراستيه إن الإرهابيين في المستقبل سيأتون من دول أخرى ولن يوقف قرار الإدارة الأمريكية الإرهابيين أو يمنع قتل المواطنين الأمريكيين.
توسيع الدائرة
ومع ذلك فالرئيس سعيد بنتائج قراراته حتى الآن وهو ما دفع مراقبين للتحذير من أن يشمل دولا أخرى. وفي تصريحات نقلتها صحيفة «إندبندنت» عن كيت ألين، مديرة أمنستي قولها إن «الحظر مثير للصدمة ومريع، ومع أن الرئيس يتحدث عن المنع بصفته مؤقتا إلا أننا نخشى أن يكون دائما ويوسع ليشمل دولا أخرى».
وأضافت «نعيش وسط أسوأ أزمة للاجئين منذ الحرب العالمية الثانية ونشاهد الولايات المتحدة وهي تغلق أبوابها. ويجب أن نقف إلى جانب القيم التي ندعمها ولهذا نطالب الحكومة (البريطانية) لاستخدام ما لديها من قوة لتغيير هذه السياسة وعكسها».
وكان مدير طاقم البيت الأبيض رينس بيربوس قد تحدث لشبكة «سي بي أس» عن إمكانية توسيع الحظر. وقال «السبب في اختيار هذه الدول السبع هي أنها الدول التي حددها الكونغرس وإدارة اوباما بأنها الدول السبع التي ترتبط أكثر بالإرهاب الذي يحصل في البلد» و«لا يمكنك الإشارة لدول أخرى لديها مشاكل مماثللة مثل الباكستان وغيرها وربما احتجنا لتوسيع الأمر». وأثار اقتراح إضافة باكستان للقائمة غضبا في البلد حيث قال سيد خورشيد شاه، من حزب الشعب الباكستاني لصحيفة «هندوستان تايمز»، «ما هو واضح أن ترامب يستهدف المسلمين لا الإرهابيين».
وقالت البارونة سيدة وارسي، الوزيرة السابقة في حكومة المحافظين في تصريحات للقناة الرابعة في إذاعة «بي بي سي» إن الأمر التنفيذي بدأ يأخذ مفعوله بأنه منع لكل المسلمين وهو التعهد الذي أخذه ترامب في الحملة الانتخابية عام 2016 و»من المهم أن نشير إليه باسمه الحقيقي»، «إنه حظر للمسلمين وكل إشارة تظهر أنه حظر على المسلمين. حتى لو قلنا إنه ليس حظرا على المسلمين وقلنا إنه منع للدول ذات الغالبية المسلمة ويستثني الدول غير المسلمة، فلا فرق».
ودعت وراسي رئيسة الوزراء تيريزا مي لممارسة الضغط على ترامب لإلغاء الأمر وأنضمت للذين يطالبون بإلغاء الزيارة الرسمية التي وجهتها مي له.
معاقبة السودان
وكان شمول السودان في قرار الرئيس مدعاة للدهشة خاصة أنه جاء بعد رفع إدارة الرئيس باراك أوباما العقوبات عن هذا البلد وإن بشكل جزئي.
وفي هذا السياق كتب زاك فيرتين، الزميل الباحث بمعهد وودرو ويلسون حيث عمل في السابق مستشارا كبيرا للمبعوث الأمريكي إلى السودان وجنوب السودان مقالا في مجلة «فورين أفيرز» جاء فيه إن معاقبة السودان ليست إستراتيجية. وذكر في البداية بتعهدات أوباما عندما نصب رئيسا عام 2009 حيث مد يده للدول التي تريد التعاون. وقال فيرتين إن اوباما حاول تحقيق وعده وحقق بعض النجاحات مع كوبا وإيران. وفي الأسابيع الاخيرة من رئاسته عبر عن تحول في مواقفه من السودان، الذي ظلت الولايات المتحدة على علاقة عداء معه.
ويعلق فيرتين أن الرئيس السابق كان محقا في عمل هذا. ويرى أن المبادرة التي اتخذها أوباما تبدو أنها جاءت في اللحظات الأخيرة من رئاسته إلا أنها كانت نتيجة لمحادثات ثنائية استمرت عامين. وتعبر عن اعتراف من واشنطن بوجود فرصة لتحقيق أهدافها في السودان من خلال دبلوماسية ذكية ومرنة ـ عبر الضغط والمحادثات. ويقول إن النظام القاسي الفاسد يمسك بزمام السلطة في البلاد منذ أكثر من ربع قرن حيث أحكم السيطرة على العاصمة وهمش الولايات وقمع أهلها.
وظلت الولايات المتحدة ولعقود تتعامل مع السودان من خلال العقوبات الاقتصادية وممارسة الضغط والعزلة. وكان الهدف من وراء هذه السياسات إجبار النظام على تغيير سياساته وإن لم يفعل فالعمل على تغييره.
وفشلت السياسة الأمريكية، حيث لم تقم حكومة عمر البشير بالإصلاحات الداخلية الضرورية لبناء حكم شامل وفي الوقت نفسه لم يتم التخلص منه. ففي ردها على العقوبات الأمريكية أدارت الخرطوم ظهرها إلى الشرق حيث طورت علاقاتها مع الصين.
واستبدلت السياسة الأمريكية بسياسة خارجية تعاقدية حيث تعاملت بطريقة تكتيكية مع آسيا والشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وقامت بمقايضة ما تملكه من أوراق مقابل مكافآت مالية وسياسية. وفي الوقت نفسه قمعت المعارضة السياسية.
ولم يتأثر النظام والحالة هذه من العقوبات بقدر ما زادت حياة المواطنين العاديين، وعدد كبير منهم لا يدعم النظام، صعوبة. ولم تعد المستشفيات تستطيع الحصول على المعدات المهمة فيما واجه المستهلك أسعارا مرتفعة للمواد الأساسية.
وكافح أصحاب الأعمال للبقاء. وبالطريقة نفسها لم يغير الضغط السياسي الأمريكي سلوك النظام. وعندما قررت الحكومة الأمريكية استخدام سياسة العصا والجزرة مع السودان في الفترة ما بين 2005- 2010 تحقق بعض التقدم.
ولكن حالة الإحباط التي شعرت بها الولايات المتحدة من الحكومة السودانية جعلتها تتعامل معها بازدراء.
خطة طريق
وفي عام 2015 بدأ الدبلوماسيون بتبني استراتيجية مختلفة. وبعد سلسلة من المحادثات وافقت الحكومة على وقف حملاتها العسكرية في الأقاليم المهمشة والسماح بوصول المساعدات الإنسانية للمناطق المتضررة والتعاون في مجال مكافحة الإرهاب والتوقف عن التدخل في النزاع الحالي بجنوب السودان.
ومقابل هذا بدأت واشنطن بتخفيف العقوبات ورفع الحظر على التعاون التجاري وتقديم مبادرات متواضعة للنظام السوداني. وستكون هذه الأهداف فرصة لكي يخرج السودان من عزلته.
وفي الوقت نفسه سيكون لدى خليفة أوباما الكثير من الوسائل والنفوذ للتقدم في العلاقات. بالإضافة لمراجعة الملف في عام 2017 وتعيين السفير ورفع الحظر المفروض على أفراد وإلغاء الحظر على مساعدة الدين السوداني.
وحتى هذا الوقت وافق السودان على خطة طريق وتطبيق الشروط، ولا يعني هذا أن العلاقات عادت لطبيعتها فالسودان لا يزال بعيدا عن تخفيف قبضته الحديدية.
ومن هنا يقترح الكاتب أن تتمسك إدارة ترامب بالإجراءات العقابية إن نكثت الخرطوم تعهداتها. ويرى أن المحادثات مع السودان مثل فتح العلاقات مع كوبا والاتفاق النووي مع إيران لا يعني استرضاء نظام سيء ولكنه تحرك استراتيجي يهدف لتحقيق تغير على المدى البعيد. وفيه محاولة لتقوية المعتدلين وإضعاف المتشددين للولايات المتحدة.
ويشير في نهاية مقالته إن التغير التدريجي غير سهل. ولكن الداعين منذ فترة طويلة لتغيير النظام في السودان لم يفكروا بكيفية تحقيق التغير التدريجي، مشيرا إلى دروس التغيير في العراق وليبيا.