تركيا تدخل «عنق الزجاجة» والانتخابات المبكرة السيناريو الأقرب لإخراج البلاد من حالة «عدم الاستقرار السياسي»

حجم الخط
2

إسطنبول ـ «القدس العربي»: أجمع محللون ومختصون بالشأن التركي على أن نتائج الانتخابات البرلمانية التي جرت الأحد في تركيا أدخلت البلاد في حالة من «عدم الاستقرار السياسي» وأن الانتخابات المبكرة باتت هي السيناريو الأقرب لإخراج البلاد من هذه الأزمة، وذلك في مقابلات خاصة لـ»القدس العربي».
وبحسب النتائج النهائية «غير الرسمية» فإن حزب العدالة والتنمية الحاكم حصل على 40.8٪ من أصوات الناخبين، وبالتالي حصوله على 258 مقعداً في البرلمان من أصل 550، ليفقد بذلك «الأغلبية البرلمانية» التي تمتع بها طوال سنوات حكمه الماضية، ويكون بذلك قد فقد 69 مقعداً مقارنة بالبرلمان السابق الذي كان بمتلك فيه 327 مقعداً.
وهذه النتيجة لا تمكن «العدالة والتنمية» الذي يتفرد بالحكم منذ سنوات طويلة، من تشكيل حكومة بمفرده، وبالتالي سيضطر لبحث الخيارات التي يتيحها له الدستور التركي، والتي تنحصر بتشكيل «حكومة ائتلافية» أو «حكومة أقلية»، وفي حال الفشل اللجوء إلى انتخابات برلمانية مبكرة.

السيناريوهات المطروحة

بحسب القانون التركي، يقوم رئيس الجمهورية بتكليف الحزب الحاصل على أكبر عدد من المقاعد في البرلمان بتشكيل حكومة، ويجب أن تحصل هذه الحكومة على ثقة الأغلبية المطلقة من البرلمان 50+1 وهو ما لا يملكه حزب العدالة والتنمية الآن، حيث يحتاج إلى قرابة 20 مقعداً إضافياً لكي تنال حكومة الثقة وبالتالي سيضطر إلى اللجوء لعقد تحالف مع أحد أحزاب المعارضة.
وحل حزب الشعب الجمهوري أكبر أحزاب المعارضة ثانياً في هذه الانتخابات بنسبة 25% من أصوات الناخبين و132 نائباً، وفي المركز الثالث جاء حزب الحركة القومية بنسبة 16.3% و80 مقعداً، بينما تمكن الأكراد ولأول مرة في تاريخهم من دخول البرلمان كحزب سياسي، بعدما كسر حزب الشعوب الديمقراطي الحاجز الانتخابي (10٪ من أصوات الناخبين) وحصل على نسبة 13.1% ليمثله في البرلمان 80 نائباً.
الكاتب المختص بالشأن التركي الدكتور سعيد الحاج أوضح أن حزب العدالة والتنمية أمامه «نظرياً» عدة سيناريوهات، و»عملياً» تبدوا الخيارات محدودة وصعبة.
وقال في تصريح خاص لـ«القدس العربي»: «حزب العدالة والتنمية يستطيع تشكيل حكومة ائتلافية مع أحد أحزاب المعارضة الثلاث، أو حكومة أقلية بدعم من نواب المعارضة وبالتالي يكون تحت ضغط وابتزاز هذه الأحزاب وتكون حكومته ضعيفه».
واعتبر الحاج أنه من الناحية العملية، من المستحيل أن يحصل تحالف بين «العدالة والتنمية» وحزب الشعب الجمهوري لاختلاف البرامج والعداء التاريخي بينهما، في حين كان الاعتقاد أن حزب الشعوب الديمقراطي سيكون أقرب للتحالف مع العدالة والتنمية، لكن إعلان زعيمه رفضه المطلق للتحالف معه نسف هذه النظرية وبات خيار «الشعوب الديمقراطي» مستبعداً.
وأشاد الزعيم المشارك لحزب الشعوب الديمقراطي التركي، «صلاح الدين دميرطاش» بإجتياز حزبه وللمرة الأولى الحاجز الانتخابي (10٪ الذي يؤهله لدخول البرلمان، واصفاً ذلك بـ»النصر العظيم». قائلاً: «لقد حققنا نحن المضطهدون، والفقراء، ومناصروا العدل، والسلام، والحرية، نجاحاً ونصرا عظيماً، وأبارك بالمناسبة جميع أعضاء حزبنا وكل تركيا».
من جهته، أكد «دولت بهتشه لي» زعيم حزب الحركة القومية -ثاني أكبر أحزاب المعارضة التركية-، أنهم مستعدون للعب دور المعارضة في البلاد، حال تشكيل ائتلاف حكومي بين الأحزاب الأخرى الفائزة في الانتخابات التشريعية، وذلك في كلمة ألقاها في مقر حزبه بالعاصمة أنقرة.
وفي معرض رده على سؤال صحافي حول احتمال تشكيل حكومة ائتلافية، قال «بهتشه لي» متهكماً: «يمكن لحزب العدالة والتنمية – الحاكم- أن يستمر في ائتلافه الذي أقامه مع حزب الشعوب الديمقراطي – أغلبية أعضائه من الأكراد-، أما الاحتمال الثاني لهذا الائتلاف، فيمكن أن يكون بين ثلاثتهم: العدالة والتنمية، والشعب الجمهوري – أكبر أحزاب المعارضة- والشعوب الديمقراطي، وعندها سنكون على أتم الاستعداد للعب دور حزب المعارضة الرئيس».
وعلى الرغم من هذه التصريحات، رأى الحاج أن حزب الحركة القومية هو الأقرب الآن للتحالف مع العدالة والتنمية، معتبراً أن تصريحات زعيم الحزب تركت الباب مفتوحاً أمام جميع الاحتمالات، وأنها رفعت سقف الشروط، لافتاً إلى أن تصريحاته فهم منها شرطان للتحالف وهما تحديد صلاحيات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وتقييد سير العملية السياسية مع الأكراد التي بدأها حزب العدالة والتنمية تحت اسم «مسيرة السلام الداخلي».
ونوه لخيارات أخرى لكنها «مستبعدة»، ومنها أن يتم تشكيل حكومة أقلية برئاسة العدالة والتنمية ودعم من نواب من المعارضة، أو فشل العدالة والتنمية في تشكيل الحكومة وبالتالي تمكن حزب الشعب الجمهوري من تشكيل تحالف برلماني مع حزب الحركة القومية والشعوب الديمقراطي، لكنه أكد مجدداً أنها خيارات صعبة وأقرب إلى «المستحيل».
وختم الحاج حديثه بالتأكيد على أن «الانتخابات المبكرة» هو الخيار الأقرب، معتبراً أن أي حكومة سيتم تشكيلها ستكون ضعيفة وهشة.

انتخابات مبكرة

من جهته، أكد الكاتب الصحافي التركي محمد زاهد غُل أن «الجميع متفق على أن الانتخابات المبكرة هو السيناريو الأقرب بغض النظر عن شكل وتركيب الحكومة المقبلة»، معتبراً أنه «حتى في حال تشكيل حكومة ضيقة أو حكومة ائتلافية فإن الانتخابات المبكرة ستكون تحصيل حاصل»، وتابع: «السؤال الوحيد هو هل ستكون الانتخابات بعد ثلاثة أشهر أم بعد عام وهذا الأمر ستجيب عنه الأيام المقبلة».
وقال، في تصريح خاص لـ«القدس العربي»: «العدالة والتنمية سيحاول تشكيل حكومة وإذا فشل في ذلك سيضطر رئيس الدولة بعد 45 يوم إلى أن يطلب من حزب الشعب الجمهوري الذي حل ثانياً بالبرلمان أن يشكل الحكومة، وفي حال فشل الآخر خلال 45 يوم، يقوم رئيس الجمهورية بالدعوة إلى انتخابات مبكرة».
وأضاف غُل: «لو شكل العدالة والتنمية حكومة ضيقة أو حكومة ائتلافية مع أي حزب من الأحزاب وحتى ولو شكلت المعارضة ائتلافا حكوميا ستكون كل هذه التحالفات ان حدثت ضعيفة وستكون النتيجة الحتمية انتخابات مبكرة».
وعن الممكن أن يتغير في حال جرت انتخابات مبكرة، قال غُل: «كل شيء يمكن أن يتغير والعدالة والتنمية طمع وتراخى بسبب احتمال عدم تجاوز الأكراد حاجز الـ10٪% وبالتالي خسر الكثير، لكنه الان سيضع استراتيجية جديدة حتى يستعيد أكبر قدر ممكن من الأصوات التي خسرها، وسيكون المؤتمر المقبل للحزب في شهر أيلول/سبتمبر المقبل مؤتمراً استثنائياً وسيشهد تحولات كبيرة وربما يتم إعادة النظر بالقرار الذي منع القيادات التاريخية للحزب بعدم الترشح وربما يتم إعادة الرئيس السابق عبد الله غُل إلى المشهد السياسي من جديد».

بدء المشاورات الحكومية والحزبية

وفي أول تصريح له، قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، إن «إرادة أمتنا فوق كل شئ»، في معرض تعليقه على النتائج غير الرسمية للانتخابات العامة التي شهدتها البلاد، الأحد.
وأضاف في بيان له، على الموقع الالكتروني لرئاسة الجمهورية، الاثنين: «النتائج لم تخول أي حزب لتشكيل الحكومة بمفرده، وأنا على ثقة أن كافة الأحزاب التي شاركت في المنافسة، ستجري تقييما سليما وواقعيا للمشهد الراهن»، مشيراً إلى «الأهمية البالغة لإبداء كافة الأحزاب الحساسية اللازمة للمحافظة على استقرار البلاد، وأجواء الأمان والمكتسبات الديمقراطية، وتحليها بروح المسؤولية، في هذه المرحلة الجديدة عقب الانتخابات».
وترأس رئيس الوزراء التركي، أحمد داود أوغلو، اجتماعا مغلقا، الاثنين، مع أعضاء مجلس الوزراء واللجنة المركزية لحزب العدالة والتنمية، وذلك في المقر العام للحزب بالعاصمة أنقرة.
وأفادت مصادر في رئاسة الوزراء أن من المنتظر عقد اجتماع بين داود أوغلو، والرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، دون أن تحدد توقيتًا للاجتماع. وبحسب ما نقلت وكالة الأناضول التركية عن هذه المصادر فإن الاجتماعات ترمي إلى تقييم نتائج الانتخابات التشريعية.
وأكد «داود أوغلو» أن «حزب العدالة والتنمية هو الأول والمنتصر في الانتخابات، ولا شك في ذلك، ولا يجوز لأي أحد أنَّ يحوِّل هزائمه لانتصارات، وعلى الجميع أن يحاسب نفسه».
وأوضح رئيس الحكومة التركية في «خطاب النصر» أنَّ حزبه سيعيد تقييم الأمور، ويجري الاستشارات الضرورية، وسيُقدم على اتخاذ الخطوات المناسبة «التي من شأنها جلب الاستقرار للشعب التركي»، موجهاً ندائه للأحزاب التركية الأخرى»، قائلاً: «على الجميع أن يعيد تقييم الأمور، وأدعو الأحزاب التركية مجددا، إلى صياغة دستور مدني جديد لتركيا، من أجل مستقبلها ولتحقيق السلام والاستقرار لها».
واستطرد قائلا: «ينبغي على كل حزب أن يترك مسافة بينه وبين العنف والإرهاب، وأن يضع على الطاولة ما لديه من أفكار جيدة، ونحن كحزب منفتحون على كافة الأفكار ومستعدون لنقاشها، لكننا نرفض أن تعود ثقافة الانقلاب والوصاية إلى تركيا ثانية».
وتابع «لن تتمكن أي قوة من فرض سيادتها على الإرادة الوطنية، ولن يكون لأي لوبي أو كيان دور في تحديد مصيرالبلاد، لذلك حان الوقت الذي ينبغي فيه على كل شخص وكل حزب أن يقدم أفضل ما يحمله من أفكار من أجل وطنه». كمال قليجدار أوغلو رئيس حزب «الشعب الجمهوري»، قال: «سنواصل العمل بنفس الروح، فقد أُسدل الستار على مرحلة، وفازت الديمقراطية»، وذلك في أول تعليق منه على نتائج الانتخابات. مضيفاً في مؤتمر صحافي بالعاصمة أنقرة: «لقد استطعنا من خلال الديمقراطية إنهاء مرحلة قمعية، فقد انتصرت الديمقراطية، وانتصرت تركيا».

إسماعيل جمال

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول الكروي داود النرويج:

    لولا حزب العدالة والتنمية ورئيسه أردوغان ما فاز الأكراد كحزب
    ولهذا فمن الطبيعي اصطفاف الأكراد مع حزب العدالة وأردوغان

    ولا حول ولا قوة الا بالله

    1. يقول سلمى:

      أخ الكروي. رئيس حزب ااشعوب الديمقراطي وجه كلامه لنواب العدالة و التنمية قائلا : لا تخافوا ، لن نعدمكم. هذا الرجل يظن نفسه فاز برئاسة الولايات المتحدة. لن يفعلوا للأسف

إشترك في قائمتنا البريدية