في مثل هذه الأيام، قبل سنة، قطعت الحكومة التركية خطوة أولى كبيرة نحو إقامة صلة أكثر ديمقراطية بين الحكومة المدنية والجيش؛ وذلك عندما نجح البرلمان في تعديل المادة 35 من قانون خدمة الجيش، والتي كانت تنصّ على أنّ «واجب القوات المسلحة هو ضمان أمن الوطن التركي والجمهورية التركية كما ينصّ عليه الدستور». تلك، في نظر غالبية ساحقة من خبراء الشؤون التركية، كانت مسوّغ الجيش في الانقلاب على المدنيين، أربع مرّات بين أعوام 1960 و1997. أمّا التعديل استقرّ على النصّ التالي: «مهمة القوات المسلحة تتمثل في الدفاع عن الوطن والجمهورية التركية تجاه التهديدات والأخطار الخارجية، والسعي إلى الحفاظ على القوة العسكرية وتعزيزها، بحيث تشكل قوة رادعة للأعداء، والقيام بالمهمات الخارجية التي تسند إليها من قبل البرلمان التركي، والمساعدة على تأمين السلام العالمي».
لافت، في هذا الميدان، أنّ تركيا كانت قد شهدت، في أيلول (سبتمبر) 2010، استفتاءً شعبياً على 26 مادة دستورية، وافق بموجبه 58 بالمئة من الأتراك على تلك التعديلات؛ التي لم تمسّ المادة 35، مع ذلك، وتحاشت المساس بنظيرتها المادة 85 التي تخصّ صلاحيات الجيش في الحياة المدنية. واليوم، مع انتخاب رجب طيب أردوغان كأوّل رئيس بالاقتراع الشعبي العامّ، فإنّ الاصلاحات الدستورية التركية تكون قد أكملت دائرة عريضة نوعية ومتقدّمة بالقياس إلى الانظمة الديمقراطية في بلدان مسلمة أخرى.
ولقد انقضى زمن شهد ترنّح الديمقراطية التركية (وهي الوجهة الأخرى من النظام الأتاتوركي) تحت الضربات المتلاحقة التي لم يتردد جنرالات الجيش، أنفسهم، في تسديدها إلى قلب التجربة. وفعل الجنرالات هذا مراراً وتكراراً، كلما تعيّن أن يشهروا المسدّسات استناداً إلى تقديرات مجلس الأمن القومي التركي، بوصفه الحارس الساهر على العلمانية، والفريق الوحيد الذي يمتلك الحقّ في الاجتهاد العلماني، وتحويل محتوى الاجتهاد إلى قرارات ملزمة للمجتمع. وكان يستوي هنا أن يطوّع الجيش القانون (المحكمة الدستورية، وحلّ الأحزاب: 24 مرّة)؛ أو ينصب حبل المشنقة (كما في مثال عدنان مندريس، أوّل زعيم سياسي منتخب ديمقراطياً في تاريخ تركيا الحديث، ورئيس الوزراء خلال فترة 1950 ـ 1960)؛ أو يلجأ إلى الإنقلاب العسكري، بوصفه ذروة العلاج بالكيّ.
وفي هذا الصدد، يتذكر المرء أنّ كبير المستشرقين الأحياء برنارد لويس، ظلّ يمتدح الديمقراطية التركية ليس فقط لأنها «علمانية» في محيط شرس من الفقه (الإسلامي) اللاعلماني واللاديمقراطي في الجوهر، كما كتب ونظّر مراراً؛ بل أساساً لأنها في يقينه المثال الوحيد الذي نجح في أيّ بلد مسلم. في ما بعد، ثمّ حتى هذه الساعة، انقلب لويس على خلاصاته هذه، جمعاء، وقرّر أنّ انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي سوف تكون له عواقب وخيمة على المجتمعات الغربية، ذات التراث اليهودي ـ المسيحي في الجوهر.
صحيح، في المقابل، أنّ الديمقراطية التركية، وربما ديمقراطية حزب «العدالة والتنمية» تحديداً، تعاني من معضلات بنيوية شتى؛ بينها التمييز ضدّ الهويات الثقافية والإثنية والدينية (الكرد، وفئات العلويين، والطوائف المسيحية)، مقابل إعلاء شأن الهوية التركية؛ وأنّ الأنظمة الحزبية والانتخابية توطّد شبكات الولاء والهيمنة، عن طريق توظيف المال والأعمال والإعلام بصفة خاصة، على حساب التمثيل البرلماني الأكثر أمانة للشرائح الشعبية؛ وأنّ أردوغان يمارس، شخصياً، نفوذاً واسع النطاق، ليس ديمقراطياً وتشاورياً دائماً، داخل مؤسسات حزبه؛ ولكن… أيّة ديمقراطية هي الكاملة، في أيّ بلد، وأيّ زمن؟
يبقى أنّ ما تشهده تركيا من إصلاحات دستورية يوفّر برهاناً على أنّ المجتمعات المسلمة ليست قاتلة العلمانية، على نحو مسبق مطلق؛ وأنّ المسافة بين العابد في مسجده، والمشرّع في برلمانه، ليست بالضرورة درب تفكك وخصام وآلام.
صبحي حديدي
أردوغان مسك العصا من المنتصف
لكن هدفه المعروف هو الدولة الاسلاميه بتركيا وليس الخلافه
فالعلمانيون يعرفون هدفه لذلك يحاربونه برغم الانتعاش الاقتصادي
الذي يكره أردغان هو نفسه الذي يكره المشروع الاسلامي بالمنطقه
ولا حول ولا قوة الا بالله
قراءة ومحاولة تفكيك محصورة بمحددات الديمقراطية والعلمانية يا صبحي حديدي.
أنا اظن سر نجاح رجب طيب اردوغان مقارنة بمن سبقوه بداية باستاذه أربكان
هو أنه وزميل دربه عبدالله غل تصالحا مع نفسيهما ورفضا أن يكونا منافقين
فلعبا اللعبة الديمقراطية والعلمانية وفق شروط اللعبة وفرضا على السّامريّ (الجيش والأجهزة الأمنية والقضائية) نفس شروط اللعبة
وأظن لعبة كرة القدم وتأثيرها عليه من جهة ومحاولة اللحاق بركب العولمة من خلال طلب الإنضمام إلى الإتحاد الأوربي كمفهوم تجاري واقتصادي (دون حصرها أو إحاطتها بضرورة الإلتزام بالفكر والثقافة كما كانت شروط الانضمام للإتحاد السوفيتي مثلا.) من جهة أخرى ساعدت كثيرا في نجاحه
فالموضوع ليس له علاقة بالإسلام إلاّ في جانب الأخلاق من وجهة نظري على الأقل
اشكالية الديمقراطية والعلمانية والحداثة لا تحترم الأخلاق هذا إن لم تكن ترفض الانصياع لها وأظن المثال الآخر المقارب إلى تجربة أردوغان هو تجربة بن كيران في المملكة المغربية.
ما رأيكم دام فضلكم؟