ثلاثة اعتبارات رئيسية، بين أخرى عديدة أقلّ فاعلية، كانت وراء الانتصار المباغت الذي حققه «حزب العدالة والتنمية» في الانتخابات النيابية التركية الأخيرة: تبدّل انحيازات الشرائح المحافظة من المواطنين الأتراك الكرد، وتجريب أربعة أشهر من حال انعدام الاستقرار السياسي، والمناخات الإقليمية التي كانت على الدوام عوامل ضاغطة على خيارات الناخب التركي.
في الاعتبار الأوّل، تقول النتائج الفعلية للانتخابات أنّ 18 مقعداً، من أصل 21 خسرها «حزب الشعوب الديمقراطي»، ممثّل الكرد النيابي؛ ذهبت إلى «العدالة والتنمية»، بمعدّل بلغ 1،2 مليون ناخب. هذا يعني أنّ بضاعة التصويت، التي خسرها الحزب الثاني لصالح الحزب الأول في انتخابات حزيران (يونيو) الماضي، رُدّت إليه، ببساطة. بيد أنّ حجم هذا الاسترداد ليس عالياً بمعنى الأرقام، فحسب؛ بل هو باهظ الثمن سياسياً، ومعنوياً، بالنسبة إلى الفريقين معاً: ذاك الذي خسر، وهذا الذي ربح.
ثمة تفسير منطقي يقول إنّ العائدين إلى حاضنة «العدالة والتنمية» هم شرائح الكرد المحافظة، غير اليسارية، المؤمنة بالسلام الكردي ـ التركي، غير المنضوية تاريخياً في خيارات العمل المسلح؛ وغير المتعاطفة مع «حزب العمال الكردستاني» التركي PKK، استطراداً. وهذه الفئات جرّبت التصويت لـ«الشعوب الديمقراطي» في الانتخابات الماضية، لكنّ الحزب خيّب أملها على أكثر من صعيد: سياسياً، في الداخل، حين اختارت قيادة الحزب خطّ المعارضة المطلقة السلبية (التي أفضت إلى مقدار غير قليل من التخبط)؛ وأخلاقياً، وأمنياً أيضاً، حين أدانت، بلسان خجول متعثر، الأعمال الإرهابية التي نُسبت إلى الـ PKK؛ ثمّ إقليمياً، حين بدا الحزب أقرب إلى إيران و»حزب الله» في الملفّ السوري.
حول الاعتبار الثاني، كان واضحاً أنّ خسارة «العدالة والتنمية» الأغلبية المطلقة، تعني أيضاً العودة بالبلاد إلى طور انعدام الاستقرار، وبالتالي عجز الحكومات المتعاقبة عن تنفيذ أي برنامج تنموي وفق تخطيط طويل نسبياً؛ فضلاً عن شبح الانقلابات العسكرية الذي خيّم على تركيا وأقعدها طيلة سنوات. البديل في المقابل، أي حال الاستقرار، اتخذ صفة الانتعاش الاقتصادي، ثمّ الازدهار، وصولاً إلى بلوغ الاقتصاد التركي درجة عالية من الأداء العصري السليم الذي تبارى مع اقتصادات رأسمالية كبرى، في الغرب كما في آسيا. فهل كانت أربعة شهور، من غياب الاستقرار، كافية لكي يحزم المواطن التركي أمره، ويحنّ مجدداً إلى 13 سنة من الاستقرار؟ يبدو أنها كانت كذلك، بدليل ما قالته صناديق الاقتراع.
وأمّا الاعتبار الثالث، فإنّ ما نُسب إلى الـ PKK من سلسلة أعمال إرهابية، ثمّ ما لاقاه جمهور الكرد أنفسهم من أعمال إرهابية أخرى؛ لم تكن، هذه المرّة، ناجمة عن عناصر المشهد الداخلي التركي وحدها، بل نتاج مشهد إقليمي انفجاري، في العراق وسوريا أولاً، ليس في وسع تركيا أن تكون بمنأى عن عواقبه، أو أن تقف مكتوفة الأيدي إزاء تطوراته التي تصيب مصالحها وتهدد أمنها القومي. والأرجح ـ اتكاءً على قراءة كهذه، بسيطة بدورها ـ أنّ الناخب التركي احتسب محاسن استقرار البلد في أوضاع كهذه، مقابل مساوئ انعدام الاستقرار، فكان طبيعياً أن ينحاز إلى الخيار الأول. وليست هجرة أعداد لا بأس بها من ناخبي المعارضة التركية، القومية والكمالية، إلى «العدالة والتنمية»؛ إلا البرهان على هذا التوجه.
وهكذا فإنّ رهان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذي اتكأ أيضاً على الدور الخاصّ الذي لعبته شخصية زعيم «العدالة والتنمية» الحالي، أحمد داود أوغلو، أثمر هذا النجاح المباغت، غير المنتظَر. ويبقى أنّ ما سيفعله الناجح بنجاحه، ليس أدنى مشقة، أو أقلّ مخاطر، من كسب الرهان ذاته.
صبحي حديدي
الإنتخابات التركية والمصرية تعطيان درساً مهماً جداً ألا وهو أن رأي الناس العاديين ونبض الشارع مهم جداً بل هو الفيصل و البوصلة التي يجب أن يعتمدها الساسة في خططهم وفي استقراء رضا الشعب عن سياساتهم وأي تجاهل لرأي الناس قد يؤدي إلى عواقب وخيمة على النظام الحاكم, انتظرواعواقب الإنتخابات المصرية قريباً.
طبعا لن يتركه أعداء الداخل ولا الخارج لإتمام الإصلاحات كراهيه في الاسلام ،ولكن الله لهم بالمرصاد أرجو من الله له ولحزبه التوفيق في الدنيا والاخره